تخلص من التوازن بين العمل والحياة وتبن فكرة الانسجام بينهما

كيف يمرُّ يومك عادةً؟ هل تستيقظ في الصباح، وتستعد للعمل، ثمَّ تقضي يومك كله آملاً العودة إلى المنزل والاسترخاء؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن ليون هو (Leon Ho)، والذي يحدِّثنا فيه عن طريقة تحقيق الانسجام بين العمل والحياة.

نحن نسمع غالباً عن التوازن بين العمل والحياة، وهو يعني الموازنة جيِّداً بين العمل والحياة الشخصية. وعلى الرغم من أنَّه يبدو فكرةً ذكية، إلَّا أنَّه يمكن أن يعني أنَّه يجب علينا تخصيص ما لا يقل عن نصف وقتنا للعمل، والتضحية بالوقت المخصَّص لحياتنا الشخصية.

في الحقيقة، يكاد يكون من المستحيل تقسيم وقتك بالتساوي بين الأمرين، وقد ينتهي بك الأمر إلى الشعور بالتوتر إذا لم تكن قادراً على تحقيق هذا التوازن.

بدلاً من ذلك، يمكنك التفكير في تحقيق الانسجام بين العمل والحياة. ومع استخدام طريقة التفكير هذه، يمكنك في الواقع تحقيق التكامل بين العمل وحياتك بطريقةٍ تُشعِرُك بمزيدٍ من الرضا. وبالتالي لن تتعامل مع العمل والوقت الشخصي ككيانين منفصلين.

إذاً، كيف يمكنك تحقيق الانسجام بين العمل والحياة؟

شرح فكرة الانسجام بين العمل والحياة:

يُعد الفارق في التوازن بين العمل والحياة والانسجام بينهما أمراً بسيطاً للغاية؛ حيث يعني التوازن أنَّه يجب عليك التضحية بحياتك من أجل العمل، لكن تُعدُّ هذه أسوأ طريقة للقيام بالأمور، فكيف يمكنك أن تشعرَ بالرضا عن حياتك إذا كنتَ تخاف تفويت 8 ساعات عمل من يومك؟

من ناحيةٍ أخرى، يسمح لك الانسجام بين العمل والحياة أن يكون عملك جزءاً من حياتك؛ ممَّا يعني أنَّه يمكنك اختيار أن تكون سعيداً في المنزل والعمل معاً. في هذه الحالة، لم يَعُد من الضروري اعتبار العمل نشاطاً سيئاً أو غير ممتع.

يضمن لك الانسجام بين العمل والحياة أن تثبت وجودك إثباتاً حقيقيَّاً أينما وُجِدتَ؛ وكمثالٍ عن ذلك، ما عليك سوى إلقاء نظرة على حياة جيف بيزوس (Jeff Bezos)، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون (Amazon). إنَّه يستخدم أسلوباً غير تقليدي في العمل من خلال تخصيص وقت لتناول طعام الفطور كل صباح مع عائلته، ولا يضبط المنبه قبل الذهاب إلى النوم، ويحدِّد مواعيد الاجتماعات القليلة التي يعقدها بشكلٍ مفاجئ، ويخصِّص بعض الوقت للقيام بالأعمال المنزلية.

إنَّه يعتقد أنَّ جميع موظَّفيه ينبغي أن يتوقفوا عن محاولة تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم الشخصية؛ لأنَّ ذلك يعني المقايضة (وتعني زيادة شيء ما على حساب شيء آخر). بدلاً من ذلك، يجب أن يحققوا علاقة أكثر شمولية بين الأمرين.

دراسة حالة، ممرضٌ مجتهدٌ حياته على وشك الانهيار:

يعمل ريان (Ryan) ممرضاً في إحدى المستشفيات. وعلى الرغم من أنَّه يجد عمله هاماً، إلَّا أنَّه تراوده بعض الشكوك أحياناً بشأن ما يمكنه القيام به لمساعدة المرضى بصفته ممرضاً، حيث أنَّه وجد أنَّ معظم المرضى يحتاجون إلى دعمٍ نفسي أكثر من الدعم الجسدي. وكان يجب عليه العمل لساعات طويلة وغير منتظمة، ممَّا أدى إلى استنزاف طاقته النفسية والبدنية؛ والأسوأ من ذلك، أنَّه لم يكن يمتلك الوقت والطاقة ليكونَ مع زوجته، فقد كانت علاقتهما التي استمرت لأكثر من 5 سنوات على وشك الانهيار.

بالنظر إلى حالته، أدركتُ أنا وفريقي كم كان الوقتُ صعباً بالنسبة إلى ريان، فقد أخبرني أنَّه يشعر بأنَّ حياته على وشك الانهيار، ولم يكن أي شيء في حياته يسير على ما يرام.

لقد شجَّعتُه أن يبقى متفائلاً، وبأنَّنا سنساعده أنا وفريقي في تجاوز هذا المأزق والشعور بالسعادة مجدداً. لم يكن ريان متأكداً من ذلك، ولكنَّه حاول تصديق ذلك والتحقَ بدوراتنا المتعلقة بتعلُّم عيش حياة مُرضية.

بعد حضور بعض الجلسات من الدورة، تمكَّن ريان من إعادة اكتشاف ما يريده لأجل الحياة؛ لقد أراد مساعدة الناس ليس كممرضٍ فحسب. فقد أشار إلى مدى اهتمامه بعلم النفس وبأنَّه يريد أن يقدِّم للناس الدعم النفسي.

ثمَّ بمساعدة الكوتش الخاص بفريقنا، بدأ في اكتشاف بعض الطرائق لتحقيق هدفه الجديد في الحياة. وبعد شهرين، وجد عيادة يمكنه العمل فيها بدوامٍ جزئي. لذلك، استقال من وظيفته في المستشفى والتحقَ في دورة للحصول على شهادةٍ في تقديم الاستشارات.

والآن، لا يزال ريان يدرس للحصول على الشهادة، إنَّه ليس قليل الانشغال، لكنَّه أصبح يشعر بمزيدٍ من النشاط؛ لأنَّه وجد ما يهمُّه وبات يتأمَّل خيراً بمستقبله. وأمَّا بالنسبة إلى علاقته الزوجية؛ فبعد أن ترك عمله في المستشفى، شعر أنَّ ذهنه صافٍ؛ لذا قرر مواجهة المشكلات المتعلقة بعلاقته؛ لقد استجمع قواه وتحدَّث مع زوجته بصراحة بشأن مشكلاتهما الزوجية.

إنَّه يحبُّها لهذا السبب هو يعلم أنَّه يجب عليهما معالجة كل مشكلاتهما معاً، بدلاً من ترك علاقتهما تنهار تدريجياً. لقد تحدَّثا عن كافة الأمور التي تهمُّهما وتعاهدا على جعل علاقتهما ناجحة، وتبادُل الدعم دائماً؛ هل اتضح لك أهمية الوضوح بشأن ما تريده حقاً في الحياة الآن؟

إقرأ أيضاً: من أنا... ولماذا أعيش؟

طريقة تحقيق الانسجام بين العمل والحياة:

فيما يلي بعض الطرائق التي تساعد في تحقيق الانسجام بين العمل والحياة الشخصية:

1. إعادة التفكير في إدارة الوقت:

الآن، عندما نفكِّر في إيجاد التوازن؛ فإنَّنا نربطه بالوقت عادةً، ونفكر في الوقت الذي نقضيه في العمل مقابل الوقت الذي نقضيه في حياتنا الشخصية، وهل نخصِّص الوقت الكافي لقضائه مع من نحب، والقيام بأنشطةٍ هامة مع الآخرين أو حتى لأنفسنا، أم أنَّنا نكرِّس وقتنا كله للعمل فحسب.

إذاً، هذا ما يسمَّى بالتوازن الذي يجد معظم الناس صعوبةً في الوصول إليه. أمَّا عند تحقيق الانسجام بين العمل والحياة، نتعلم إعادة التفكير في إدارة الوقت، فمن خلال إعادة تقييم طريقة إدارتك للوقت، ستمتلك مزيداً من الوقت. من المدهش مقدار الوقت المُهدَر في اليوم، لا سيَّما عندما لا تتعقَّبه على نحوٍ صحيحٍ.

ولسوء الحظ، إذا لم تكن تبذل جهداً مدروساً، فلن تتمكن دائماً من إصدار قراراتٍ صحيحة عندما يتعلق الأمر بتحديد الأولويات؛ وستشغل تفكيرك المكاسبُ والنفقاتُ قصيرةُ الأمد. ومع وجود عديدٍ من الخيارات التي تربطُها أدمغتنا بالمكاسب قصيرة الأمد؛ عندما تركِّز على مهمة تمنحك فائدةً طويلة الأمد، تصبح هذه المهمة ذات أولوية منخفضة؛ وهذا ما يُدعى فوضى الأولويات.

وللتغلب على هذا الأمر والتحكم بوقتك تحكُّماً أفضل، حدِّد المهام التي تحتاج إلى كثيرٍ من التركيز لإنجازها. إذا كانت مهمةً كبيرة، فمن الجيد تقسيمها إلى مهامٍ أصغر بحيث توفِّر لك مكاسب أوضح على الأمد القصير.

عند وضع قائمة بالمهام، امنح نفسَك مهلةً زمنيةً لإنجازها؛ وبما أنَّ الدماغ ينحاز إلى المكاسب قصيرة الأمد وأنَّ القدرةَ على تركيز الاهتمام محدودةٌ زمنيَّاً، ستفقد التركيز وتهدر وقتك إذا كان إنجاز مهامك يستغرق وقتاً طويلاً.

بمجرَّد تسجيل جميع مهامك، فقد حان الوقت لترتيبها حسب الأولوية، ونظراً لأنَّك مُقيَّدٌ بمهلةٍ زمنية، يجب أن تركِّز على المهام ذات الأولوية القصوى. عندما تفعل ذلك، ستنجز مزيداً من المهام خلال وقت أقل في العمل.

إقرأ أيضاً: كيف تستخدم مصفوفة تحديد الأولويات عندما تكون كل مهمة أولوية؟

2. امتلاك الشغف بما تقوم به:

تُعدُّ إدارة وقتك أمراً هاماً لتحقيق الانسجام بين العمل والحياة، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك أن تحبَّ ما تفعل. إحدى أكثر الطرائق فاعلية لتحقيق الانسجام بين العمل والحياة؛ هي الاستمتاع أو تحديد هدف العمل الذي تمارسه لتكسب لقمة عيشك. وعلى الرغم من أنَّ الجميعَ ليسوا محظوظين بالعثور على وظائف تدفع لهم مقابل مواصلة شغفهم، يمكنك السعي لإيجاد مغزىً لما تفعله، أو مواصلة القيام بأمرٍ جديد تماماً.

على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تعمل في مكتب يبيع الصحف؛ وبينما يعتقد معظم الناس أنَّ مواصلة هذا النوع من العمل لا يغيِّر العالم، إلَّا أنَّني أخالف الرأي في هذا الأمر؛ حيث يوجد كثيرٌ من الناس الذين يعتمدون على الصحف. سواءً كنت شخصاً مبدعاً أم خبيراً بفيزياء الكم، يحقق دورك في مكان عملك قيمةً مدهشةً لمعظم الناس في جميع أنحاء العالم، وستكون بلا شك قد ساعدتَ في ظهور فكرة جديدة، أو بالأحرى عدة أفكار جديدة.

لهذا السبب، فكِّر فيما تقوم به الآن، هل يسمح لك ببلوغ شغفك؟

قد لا تعرف ما الأمور التي تفضِّلها أو تستمتع بفعلها؛ حيث يمكنك التفكير واستكشاف الأمور التي تجعلك تشعر بالسعادة والرضا، وما هي المجالات التي يمكنك أن تستكشفها لتجربة هذا الإنجاز.

كما يمكنك إيجاد هدف أعمق فيما تقوم به بالفعل؛ فعندما تكون قادراً على إيجاد مغزىً من عملك، ستكون قادراً على تحقيق الانسجام بين العمل والحياة.

شاهد بالفيديو: 8 أشياء يجب أن تقوم بها حتى تعيش شغف الحياة

3. عدم الخوف من العوائق والقيود:

إنَّ تحقيق الانسجام بين العمل والحياة يتعلق بقدرتك على فهم نفسك، ويتضمَّن ذلك الحدود والعوائق السابقة، وهو أمرٌ يتيح لك أن تصبح أكثر مرونةً.

إذا لم يكن يتوجَّب عليك أبداً تجربة الصراعات أو التحديات أو الإخفاقات، فلن تكونَ مجبَراً أبداً على التكيف والتطور. لذلك من الناحية النظرية، فإنَّ مواجهةَ العقبات في الحياة هو في الواقع أمرٌ ضروريٌّ جداً.

ويعتقد معظمنا أنَّ الإخفاقات والعقبات هي أمورٌ سلبية؛ ومع ذلك، إذا كنتَ قادراً على البقاء متفائلاً، فستمتلك فرصةً أكبر للنجاح في التغلب على تلك العقبات وتحقيق هدفك النهائي.

وستحدِّد الطريقة التي ستواجه فيها تلك الإخفاقات فيما إذا كنتَ ستقاوم التحدي أو تبقى عالقاً فيه. لذلك، من أجل تحقيق الانسجام بين العمل والحياة، من الهام أن تكون قادراً على الصمود؛ لأنَّ التحديات ستواجهك دائماً، لا سيَّما عندما تسعى إلى دمج العمل بحياتك الشخصية، وعدم اعتباره جزءاً منفصلاً أو مُهيمِناً من الحياة.

4. استخدام التفويض عند الحاجة:

عندما تفكر في زيادة الإنتاجية وتقليل الوقت أو الجهد المبذولَين؛ فإنَّ الطريقة المناسبة للقيام بذلك هي تفويض المهام.

إذا كنتَ تستغرق وقتاً كثيراً في إنجاز المهام بمفردك والتي يمكن تفويضها للآخرين (سواءً في العمل أم في المنزل)؛ فإنَّك تهدر كثيراً من وقت الفراغ الثمين الذي كان من الممكن أن تستغلَّه في أمرٍ آخر.

في نهاية اليوم، نحن نمتلك جميعاً مهلةً زمنية محدَّدة؛ لذلك يجب علينا جميعاً أن نسعى جاهدين لتحقيق الانسجام بين العمل والحياة؛ بحيث يمكننا إيجاد الجانب المهم في كل ما نفعله.

على الرغم من أنَّ الهدفَ العامَّ قد يكون هاماً، إلَّا أنَّ المؤشرات أو المهام المطلوبة لتحقيق ذلك الهدف قد لا تكون جميعاً هامةً أيضاً. ولأنَّنا نمتلك نقاط قوَّتنا وضعفنا، قد نفضِّل القيام ببعض المهام وقد نكره بعضها الآخر. وبالتالي لن تكون كلُّ مهمةٍ ممتعةً أو سهلةَ الإنجاز، ومن هنا يأتي التفويض.

يتيح لك التفويضُ ببساطةٍ الاستفادةَ من الوقت بالاعتماد على مصدرٍ خارجي، ممَّا يمنحك فرصةً لزيادة جودة وقتك. وتذكَّر بأنَّ التفويض ينبغي القيام به بعنايةٍ مدروسة، وإلَّا سينتهي بك الأمر إلى الاعتماد على الآخرين.

إذا وجدتَ أنَّك تقع في مشكلة الإفراط في تفويض المهام، فقد حان الوقت لإعادة تقييم دوافعك لفعل كل ما يمكنك القيام به.

إقرأ أيضاً: دليلك الشامل لإتقان تفويض المهام بفاعلية

5. تبنِّي فكرة الانسجام لتكون أكثر سعادة وإنتاجية:

يتعلق العيش في حالة انسجام بالرضا عن الطرائق التي تقضي بها وقتك، على الرغم من انشغالك. ويجب أن يكون الانتقالُ من جوِّ العمل إلى الحياة الشخصية أكثرَ سهولة، ويتعلق الأمر بتحقيق التكامل بين حياتك الشخصية والأمور التي تفضِّلُها في حياتك العملية المزدحمة.

في الختام:

يبدأ كلُّ شيء بتغيير وجهات النظر؛ حيث يجب أن تدرك ما هو شغفك، وتتعلم أن تكونَ مرناً، قبل اتباع نهجٍ مختلفٍ للطريقة التي تدير بها وقتَك ومهامك اليومية. يمكنك البدء في اتخاذ هذه الخطوات للانتقال من حالة تحقيق التوازن بين العمل والحياة إلى حالة تحقيق الانسجام بينهما.

المصدر




مقالات مرتبطة