تحليل شخصية النرجسي، ولماذا يتعلق بنظرية المؤامرة؟

كلنا تعاملنا مع النرجسيين ولو لمرة واحدة في حياتنا، ولا شك في أنَّنا لم نكن نتوقع من قبل أن نقابل مثلهم في حياتنا، فلست محظوظاً على كل حال إن التقيت بهم مرة، فهؤلاء هم الأكثر إيذاءً، وفي هذا المقال سنغوص معاً في أعماق النفس البشرية ونسبر أغوارها، ونحلل الشخصية النرجسية ونتعرف إلى سبب تعلقها بنظرية المؤامرة.



ما هي المؤامرة؟

المؤامرة هي خطة سرية لفعل شيء سيئ أو ضار، والهدف من المؤامرات عادةً هو اغتصاب السلطة السياسية أو الاقتصادية وانتهاك الحقوق وانتهاك الاتفاقات القائمة وحجب الأسرار أو تغيير المؤسسات.

ما هي نظريات المؤامرة؟

نظريات المؤامرة هي تفسيرات بديلة تنسب السبب الحقيقي لحدث اجتماعي أو سياسي كبير إلى مؤامرات سرية وخبيثة حاكها عملاء أو مجموعات يُفترض أنَّها قوية، على سبيل المثال، الماسونية والحكومة والشركات والنخب الثرية، وتوجد نظريات مؤامرة تجاه أشياء كثيرة؛ التطعيمات والهبوط على سطح القمر وتغير المناخ وهجمات 11 سبتمبر واغتيال "جون كنيدي"، وغير ذلك.

لاحظ أنَّ نظريات المؤامرة ليست خاطئة دائماً، على سبيل المثال، فضيحة "ووترغيت"، ففي الواقع يمكن أن يكون الإيمان بنظريات المؤامرة سلوكاً تكيفياً، لكن في كثير من الأحيان تكون نظريات المؤامرة خاطئة، وغالباً ما تفشل المؤامرات الكبرى أو تنكشف.

ماذا تعني النرجسية؟

تشير النرجسية إلى احترام الذات بشكل مبالغ به، وترتبط النرجسية بمشاعر التفوق والغطرسة وميول الغيرة والشعور بالاستحقاق والتلاعب بالآخرين والترويج للذات والعدائية تجاه المنافسين، وعلى الرغم من أنَّ العديد من الناس يؤمنون بالمؤامرات، إلا أنَّ الأبحاث تشير إلى أنَّ النرجسيين خاصةً يميلون إلى الإيمان بها، تماماً كما يُعَدُّون عرضة للإيمان بظواهر غريبة أو غير عقلانية أخرى.

النرجسية أمر طبيعي:

النرجسية هي جزء صحي وطبيعي من التطور النفسي في حياة المرء؛ إذ كانت هذه فكرة مبتكرة قدمها المحلل النفسي "هاينز كوهوت" لأول مرة في كتابه "تحليل الذات" عام 1971، فقد اتبع "كوهوت" تعاليم "فرويد" حتى سبعينيات القرن الماضي عندما اكتشف خطاً نرجسياً من التطور موجوداً في جميع الأفراد سواء الأصحاء أم المضطربين.

كان يعتقد أنَّ حب الذات هو جوهر الصحة النفسية والعلاقات الدائمة، وعرَّف "كوهوت" حب الذات على أنَّه إنجاز تنموي يُكتسَب تدريجياً حتى الوصول إلى مرحلة النضج، وقد أدت اكتشافاته وأفكاره إلى نهج علاجي جديد يسمى علم النفس الذاتي، وهو مساهمة قيِّمة في التحليل النفسي الحديث.

"كوهوت" وعلم النفس الذاتي:

يعالج علم النفس الذاتي المعاناة التي يشعر بها بعض الناس عندما يواجهون صعوبات في احترام الذات، وبالنسبة إلى بعضهم الآخر فإنَّ احترام الذات يفتقر إلى الاستقرار ويحدث فيه تحولات مفاجئة وغير منتظمة من داء العظمة إلى مشاعر تدني احترام الذات.

هل أنا محبوب؟ وهل أنا جيد بما فيه الكفاية؟ وهل يمكنني الوثوق بما أشعر به في الداخل؟ عمل "كوهوت" مع الأشخاص الذين يعانون من احترام الذات المتقلب، واستكشف كيف تشكل علاقاتنا الأساسية احترام الذات.

الحفاظ على الذات أولوية الجميع:

من خلال عمله وخاصةً مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية النرجسية، لاحظ ميلهم إلى الارتباك تحت القلق وتعرضهم لمشاعر الخزي والغضب، وغالباً ما يتظاهر الخجل غير المعترف به على شكل غضب؛ إذ إنَّه جزء من تفكك الذات، كما ادعى "كوهوت" أنَّ إيجاد طرائق للحفاظ على الذات كان أولوية للعديد من الأفراد، وليس فقط الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية النرجسية.

يعتقد "كوهوت" أنَّ معظم الناس يقضون حياتهم في محاولة لبناء احترام الذات من خلال استخدام أشخاص آخرين وبناء العلاقات معهم، فقد نحتاج جميعاً إلى شخص نتكئ عليه.

إقرأ أيضاً: الشخصية المزيفة "المصطنعة": صفاتها وطرق التعامل معها

النرجسية من الطفولة:

أحد الأمثلة عن ذلك هو عندما يسقط الطفل أو يُصاب ويهرب إلى أحد الوالدين بحثاً عن الراحة والأمان، فنحن بحاجة إلى شخص يمكنه تهدئتنا في لحظات الألم عندما لا نكون قادرين على إعطاء ذلك لأنفسنا، ويؤكد "كوهوت" أنَّ الاعتراف بتوق الطفولة للإيمان المطلق بالنفس أو بالآخر والتحقق من صحة هذا الإيمان ضروري، وإذا لم تُلبَّ هذه الاحتياجات، فمع مرور الوقت يدرك الطفل تدريجياً أنَّ تصوراته المتضخمة عن الذات والآخر غير واقعية.

الطفل قادر على تحمل هذا الإحباط وخيبة الأمل الحتمية ويطور نرجسية صحية ومرنة، وفي ظل هذه الظروف يُدمَج القطبين (الذات المتضخمة والآخر المثالي) في الشخصية، وعندما لا يحصل الطفل على التعاطف من والديه، يستمر في الاعتماد على إعجاب الآخرين ومصادر الإشادة الخارجية لتغذية احترام الذات، ويعتقد "كوهوت" أنَّ هذا يحدث عندما تتطور الصفات النرجسية المَرضية.

ثلاثة جوانب أساسية للنرجسية:

يؤكد الباحثون على وجود ثلاثة جوانب أساسية للنرجسية تجعل صاحبها يؤمن بنظرية المؤامرة:

1. كسب السعادة من الآخرين:

هذا يتعلق بالحزم والثقة بالنفس وامتلاك الجاذبية والسعي إلى الحصول على المكافآت، وهذه هي الطريقة التي يحاول النرجسيون كسب إعجاب الآخرين بها.

شاهد بالفديو: 8 طرق مثبتة علمياً لنيل السعادة

2. العداء:

الذي يرتبط بالغرور والقسوة وعدم الثقة والاستغلال، فهذه هي الطريقة التي يدافع بها النرجسيون عن أنفسهم ضد التهديدات.

3. العصبية:

ترتبط بتجارب الخزي والعار عند النرجسي، وتدني احترام الذات، والمشاعر السلبية التي اختبرها لوقت طويل في طفولته.

ما هي علاقة جنون العظمة والرغبة بالتفرد في الإيمان بنظرية المؤامرة؟

بالمقارنة مع الشخص العادي، فإنَّ النرجسيين والأشخاص الذين لديهم سمات شخصية غير سوية، مثل السيكوباتية والميكيافيلية يميلون إلى مستويات أعلى من جنون العظمة، وغالباً ما يفترض النرجسيون أنَّ الآخرين يحاولون السيطرة عليهم، وربما كانت هذه التصورات المتعلقة بوجود الذات هي التي تؤدي إلى ظهور المعتقدات المتعلقة بالمؤامرات التي تُحاك ضد المجتمع.

بعد كل شيء، بالنسبة إلى الأشخاص الذين لديهم ميل قوي إلى السيطرة، فإنَّ إلقاء اللوم على الآخرين يُعَدُّ أسهل من قبول الهزيمة، وقد تؤدي الحاجة إلى التفرد إلى زيادة احتمال الإيمان بالمؤامرات؛ وذلك لأنَّ القدرة على الرؤية من خلال ستائر الدخان التي تخفي الحقيقة المذهلة تمنح النرجسيين إحساساً بالتميز، وبكونهم أحد الأشخاص القلائل الذين يرون الحقيقة.

ما هي العلاقة بين النرجسية الجماعية ونظرية المؤامرة؟

تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ نظريات المؤامرة تجذب أولئك الذين حصلوا على درجات أعلى في اختبار النرجسية الجماعية، والميل إلى امتلاك افتراضات إيجابية غير واقعية تتعلق بالجماعة التي ينتمي إليها الفرد، كما يمكن تفسير الارتباط بين النرجسية الجماعية ونظريات المؤامرة وفقاً لما يقوله باحثون من خلال الحساسية المفرطة للتهديد بين المجموعات النرجسية الجماعية، على غرار جنون العظمة وحساسية التهديد لدى النرجسيين الفرديين.

إضافة إلى ذلك فإنَّ الأشخاص الذين يفترضون أنَّ مجموعتهم - على سبيل المثال الدولة أو المجموعة العِرقية - تستحق معاملة خاصة، وقد يشعرون أنَّه من الضروري إنكار أوجه القصور الموجودة لديهم وإلقاء اللوم عند حصول الإخفاقات على الآخرين مثل البلدان الأخرى، وأنَّ الجميع يتآمرون ضدهم، لذلك هم يفشلون.

إقرأ أيضاً: الانسجام مع الشخصيات: وعيٌ ورقي وتماهي مع الحياة ورزق لا محدود!

ما هي العلاقة بين القادة النرجسيين ونظرية المؤامرة؟

اسمحوا لنا أن نناقش سبب تعلُّق النرجسيين بنظريات المؤامرة، فبالمقارنة مع الشخص العادي، فإنَّ النرجسيين أكثر نجاحاً في الوصول إلى مناصب النفوذ، وأن يصبحوا قادة منتخبين (ظاهرة لوحظت حتى عند الأطفال النرجسيين)، وفي الواقع يميل القادة السياسيون ولا سيما المستبدون إلى التمتع بمستويات عالية من النرجسية، إضافة على ذلك فإنَّ القادة السياسيين النرجسيين أكثر استعداداً لترويج نظريات المؤامرة، وخاصةً عندما يشعرون بأنَّ السلطة أو السيطرة بدأت تفلت من قبضتهم.

بطبيعة الحال، فإنَّ النتائج الأوضح لمثل هذه الحالات تكون أوضح عندما يلقي القادة الأقوياء باللوم على عصبة من المتآمرين، ويحملونهم مسؤولية إخفاقاتهم أو مصائبهم؛ وذلك لأنَّ القادة النرجسيين يمكنهم إحداث ضرر اجتماعي كبير من خلال الترويج لنظريات المؤامرة، سواء كان ذلك من خلال تثبيط المشاركة السياسية أم تشجيع المعتقدات والسلوكات غير الصحية (على سبيل المثال، حركة مناهضة اللقاحات).

شاهد بالفديو: 8 صفات تدل على صاحب الشخصية النرجسية

ما هي الأسباب التي تدفع النرجسيين إلى الانجذاب نحو نظرية المؤامرة؟

كما رأينا، ينجذب النرجسيون إلى نظريات المؤامرة لأسباب يحتمل أن تكون مرتبطة بالعناصر الآتية:

  • جنون العظمة.
  • السذاجة.
  • الحاجة إلى السيطرة والتحكم.
  • الرغبة في لفت الانتباه.
  • الميل إلى لوم الآخرين على إخفاقاتهم أو مصائبهم.
  • الرغبة في التلاعب بالآخرين، على سبيل المثال، متابعي وسائل التواصل الاجتماعي على (Twitter) أو (Facebook).

لقد رأينا أنَّ هذه المعتقدات قد تشجع السلوكات السلبية، ومن ذلك العنف.

في الختام:

إذاً ما هو البديل؟ تصدِّق كل ما يقال؟ لا، يوجد حل وسط، فنحن بحاجة إلى زرع مهارة التشكيك الصحي، وذلك بالنظر إلى نظريات المؤامرة والروايات الرسمية للأحداث الكبرى بنفس العين الناقدة، وهذا ما لا يفعله أصحاب نظرية المؤامرة؛ وذلك لأنَّهم - كما تُظهر الأبحاث - لديهم قدرة أقل على التفكير النقدي.




مقالات مرتبطة