تارتوف

من يرى واقع المجتمعات العربية والمسلمة اليوم لا بد له أن يتوقف قليلاً، ليسأل لماذا أرض الحضارات، ومهد الديانات تحتل خلال العصر الحالي أدنى مراتب التقدُّم بين الأمم، فلو راجعنا المؤشرات العالمية للصدق والنزاهة ومؤشرات الفساد والبطالة ومؤشرات السعادة ومؤشرات معايير التعليم لوجدنا أنفسنا في قاع الترتيب؛ والسؤال المطروح لماذا.



مسرحية تارتوف:

لفتَ انتباهي توصيف شاع في العصر السَّادس عشر؛ فقد ألَّف الكاتب الشهير موليير مسرحيَّة اسمها "تارتوف"؛ رسم فيها شخصيَّة رجل دين فاسد يسمَّى تارتوف يسعى إلى اتِّباع شهوانيته الرخيصة، وهو يتظاهر بالتقوى وبأنَّه رجل الكنيسة، وقد ثارت الكنيسة الكاثوليكيَّة آنذاك بشدة ضد موليير، ومنعت المسرحيَّة من العرض لخمس سنوات، ومع ذلك أصبحت هذه المسرحيَّة واحدة من كلاسيكيات وأيقونة المسرح، وأصبحت الكلمة "تارتوف" تُستخدم بالإنجليزية والفرنسية إشارةً إلى رجل الدِّين المنافق. [منقول].

الدين والحضارة:

يقول زياد ريس، مؤلف كتاب "تجربتي لحياة أفضل":

هنا أودُّ أن ألفت الانتباه إلى أنَّ كثيراً من مظاهر التَّديُّن في المجتمعات العربيَّة هي عادة ومَلَكة إجرائيَّة وليست سلوكاً عقائديَّاً حضاريَّاً متأصِّلاً، وأنَّ مظاهر السلوك الحضاري والسُّنن الكونيَّة لإعمار الأرض لدى الدُّوَل المتحضِّرة هي عادات وليست تديناً.

طبعاً أنا لا أُعمِّم وأيضاً أتحدث عن الحضارة والسلوكات لبناء وإعمار الأرض، دون الخوض في الإيمان والعبادات الفرديَّة؛ بمعنى آخر، إنَّ مظاهر التَّديُّن تنتشر في كلِّ مكان لدرجة جعلت معهد جالوب الأمريكي في دراسة حديثة له، يعد العالم العربيَّ من أكثر الشعوب تَديُّناً على وجه الأرض، وفي نفس الوقت فإنَّه يحتل مراكز مُتقدِّمة في الفساد والرشوة والغشّ والنَّصْب والتَّحرُّش الجنسي والتزوير، وما إلى ذلك [منقول].

شاهد بالفيديو: كيف أحمي نفسي من الانحراف الأخلاقي؟

كذلك كثيرون من شرائح هذه المجتمعات ذات الطابع العام المُتديِّن بمن فيهم المتعلِّم والطبيب والكادر الطبي، ولكنَّهم يسيئون معاملة المرضى، وكذلك الموظَّفون يُزوِّرون نتائج الانتخابات، والطلبة يمارسون الغش الجماعي، وثمة مَن يأكل المال العام دون وجه حق، عدا عن الخاص وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: التأهيل الحضاري وإيجاد روابط مجتمعية أكثر صلابة

طبعاً هذه المجتمعات للأسف تأخذ مواقع مُتأخِّرة جدَّاً في العَدْل والحريَّة والمساواة، وكذلك في التقدُّم الحضاري المجتمعي والعلمي والتكنولوجيا، وعليه فمن الهام والضروري إعادة النَّظر في المناهج والأساليب التي نعمل بها في تربية أولادنا واختلاق وتطوير أساليب مختلفة تماماً عمَّا نحن عليه؛ لتكريس القِيَم والسلوك الإيجابي إلى أن تُصبح عادة ومَلَكة لديهم، ولا بأس بعد ذلك بتأصيلها لمن يرغب أيديولوجيَّاً لترسخ أكثر ولتأخذ البُعْد التَّعبُّدي؛ فالأخلاق والقِيَم يجب أن تكون متلازمة مع مظهر التَّديُّن الحقيقي، أما غير ذلك من التَّديُّن المظهري بلا أخلاق وقِيَم فيكون محل استنكار ونفور.




مقالات مرتبطة