تأثير الهوس بالكمال المدمِّر على الإنتاجية

إن كنتَ في قلقٍ دائم في أدائك لعملٍ جيد، أو تشكِّكُ في عملك وتصرُّفاتك بصورة دائمة، أو تخاف من الاعتراف بأخطائك، أو تشعر بالسوء إن تعرضتَ للرفض، فأنتَ في خطرٍ كبير.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن مساوئ الهوس بالكمال وطرائق الاستفادة منها لزيادة الإنتاجية. 

بالنسبة إلي، لستُ شخصاً مهووساً بالكمال، وهو على الأقل ما أحاول قولَه لنفسي، وأراهن أنَّك تحاول ذلك أيضاً؛ لأنَّ الأشخاص الذين لا يعترفون أو يقرُّون بذلك هم أسوأ نوعٍ من البشر حقيقةً؛ لكنَّك إن كنتَ تظنُّ نفسك مهووساً بالكمال، فأنتَ مُجرَّد شخصٍ مسوِّفٍ ومماطل يرتدي قناعاً ولا تختلفُ كثيراً عن شخصٍ كسول لا يفعل أيَّ شيءٍ إطلاقاً.

إن لم تصدِّق ذلك، فأودُّ إذاً أن أصفَ لك بدقة الشخص المهووسَ بالكمال؛ والذي دائماً ما ينتظرُ الوقتَ المناسب لإنجاز أعماله، ولا يرتكب الأخطاء على الإطلاق، ويحتاج دائماً إلى مزيد من الوقت؛ ولكنَّ الحياة والعمل في النهاية تتعلق بالنتائج والمحصلات التي تُعَدُّ هامةً للغاية؛ وإن كنتَ مهووساً بالكمال، فربَّما ستحصدُ نتائج أعمالك يوماً ما، لكن دون معرفة موعد ذلك اليوم والثمن الذي ستدفعُه مقابل ذلك.

تُظهِر الأبحاثُ على وجه التحديد الارتباطَ الوثيق لهوس الكمال بالاكتئاب وقلة تقدير الذات؛ إذ يقول الفنان الهزلي الأمريكي "جاك كيربي" (Jack Kirby): "المهووسون بالكمال شياطين".

هل يستحق الهوس بالكمال الثمن الذي ندفعه مقابله والعناء الذي نبذله؟

وجدتُ أنَّ الهوس بالكمال هو مُجرَّد شكلٍ آخر للتسويف؛ فحين تقلق باستمرار بشأن ارتكاب الأخطاء، يسيطر الشك على ذهنك ويملؤه، مما يسبِّب لك الحيرة والتردُّد في اتخاذ القرارات، والأشخاص الساعون إلى الكمالية نوعان:

1. النوع الأول هو الذي لا يبدأ أبداً بالسعي إلى أهدافه:

إذ يملك الأشخاص من هذا النوع الرغبةَ في تحقيق إنجازٍ ما؛ لكنَّهم يبدؤون التشكيك في أنفسهم مباشرةً، ويظنُّون أنَّه ليس بمقدورهم تحقيق ذلك فلا يبدؤون السعيَ في سبيله على الإطلاق.

2. النوع الثاني هو الذي يبدأ بالسعي نحو أهدافه؛ لكنَّه يضع معايير عالية جداً:

إذ يحدِّد هؤلاء الأشخاص هدفاً لأنفسهم ويعملون بجهدٍ كبير لتحقيقه؛ لكنَّ الأهداف التي يضعونها كبيرة وصعبة التحقيق للغاية لدرجة أنَّهم يفشلون ويخذلون أنفسهم دائماً.

يمكن لأفراد النوعَين السابقَين كليهما أن يُصابوا بالقلق والهمِّ والاكتئاب والسلوك من النمط (أ)، وهي أمورٌ نحاول تجنُّبَها إلى حدٍّ ما، وقد كتبَ الباحث وأستاذ علم النفس "جوشيم ستوبر" (Joachim Stöber) واختصاصية علم النفس "جوتا جورمان" (Jutta Joormann) واللذَين درسا القلق والتسويف والهوس بالكمال قائلَين: "قد يكون المزيج المُكوَّن من القلقِ بشأن الأخطاء والتسويفِ عاملاً أساسياً وهاماً في استمرار الشعور بالقلق؛ فمن ناحيةٍ ما، قد يُطيل الشعورَ بالخطر والتهديد القائم بسبب عدم اتخاذ أيِّ خطواتٍ لمواجهته أو التغلُّب عليه؛ وعلى الجانب الآخر، قد يزيد ممَّا سبق أو يتسبَّبُ بالمزيد من مشاعر الخوف والتهديد لأنَّ المشكلات التي كانت قابلة للحل في البداية ستتراكم مؤديةً بهذه الطريقة إلى كميةٍ هائلة من المشكلات التي قد تصبح في النهاية متعذِّرة الحل".

يُعدُّ ذلك الشعور بالعجز أكبرَ الأخطاء والمآزق التي نقع بها؛ وذلك لأنَّنا نستسلم بكلِّ بساطةٍ حين نشعر بالعجز؛ لذا أنصحك بالاطِّلاع على الدراسات المُجراة عن العجز المُتعلَّم.

على أي حال، ليس الهوس بالكمال أمراً سيئاً دوماً؛ إذ تشير بعضُ الدراسات إلى ارتباط الهوس بالكمال بتحقيق إنجازات أعظم؛ لكنَّ هذا ليس قضيَّتَنا هنا؛ فمن المُؤكَّد أنَّك ستحقق إنجازاتٍ أعظم حين تضعُ لنفسك أهدافاً أكبر وتمتلك معايير أعلى؛ إذ يمكن أن يكون الميل إلى الهوس بالكمال أمراً جيداً ونافعاً دون أدنى شك؛ لكنَّ تحقيق الأهداف ليسَ الأمر الوحيد الذي يتحتم علينا فعلُه في حياتنا كما نعلم جميعاً؛ بل يتعلق الأمرُ أكثر بكيفية بلوغنا لأهدافنا وطموحاتنا.

شاهد بالفديو: 9 أخطاء تدمِّر الإنتاجية ترتكبها في أول 10 دقائق من اليوم

كيفية التغلُّب على الجانب السلبي من التسويف والهوس بالكمال:

قد تحدَّثنا آنفاً عن العلاقة التي تربط بين التسويف والهوس بالكمال والسبب الذي يجعلها سيئةً، أمَّا فيما يتعلَّق بحلِِّ هذه المشكلة؛ فقد وجدتُ دراسةً مثيرةً للاهتمام للكاتب وأستاذ علم النفس "جوردن إل. فليت" (Gordon L. Flett) وزملائه، والتي يتحدثون فيها عن دور سعة الحيلة المُكتسَبة في الهوس بالكمال، ويُشيرون إلى أنَّ دورَها قد يكون وسيطاً في الهوس بالكمال؛ لذا فقد بدأتُ البحثَ عن سعة الحيلة المُكتسَبة ودراستها.

سأذكر ما وجدتُه في مقالٍ للكاتب الأمريكي "ميشيل روزينبوم" (Michael Rosenbaum)؛ إذ قال: "تشير سعة الحيلة المُكتسَبة إلى المخزون السلوكي الضروري لكلٍّ من التحكُّم الذاتي الرجعيِّ والإصلاحيِّ، ويشمل هذا المخزون التنظيمَ الذاتي للاستجابات وردود الأفعال العاطفية والمعرفية خلال المواقف العصيبة والمثيرة للتوتر باستخدام مهارات حلِّ المشكلات وتأجيل الرضى والمتعة الآنية في سبيل المكافآت والجوائز المستقبلية الأكثر أهمية".

إذ تُعَدُّ سعة الحيلة المُتعلَّمة والقدرة المُكتسَبة على التصرُّف في المواقف الصعبة المهارةَ التي تحتاجُ إليها كي تتوقف عن تدمير نفسك.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على التسويف؟

إيجاد التوازن:

إنَّ الشخص الساعي للكمال هو نقيض الشخص المتكاسل الذي لا يهتمُّ بالكثير من الأمور، ويعد الأمور الجيدة بما يكفي شعاراً له، وليس لديه أيُّ طموحٍ على الإطلاق، وهو سلوكٌ لا يساعد على تطوُّر الإنسان على الإطلاق.

الكسلُ والتقاعس هو حالةٌ أو موقفٌ من عدم الاهتمام، إلَّا أنَّه يتحتَّم عليك أن تهتمَّ وتعتني بشؤونك إن أردتَ إحداث أشياء هامة في حياتك وتحقيق الإنجازات؛ إذ ينبغي إيجاد حلٍّ وسطيٍّ، قد يدفعك ميلك إلى الهوس بالكمال ويحفِّزك لتحقيق الإنجازات؛ لكنَّك تتمتع في الوقت ذاته بهدوء شخصٍ متكاسل، ومن ثمَّ تجمع ما سبق مع سعة الحيلة المُكتسَبة.

إقرأ أيضاً: ما هو دافع الإنجاز؟ وكيف تستخدمه؟

في الختام:

عليك إنجازُ أعمالٍ رائعة كالأشخاص المهووسين بالكمال، لكن دون إعارة كثير من الانتباه والاهتمام لأهدافك، مثل الأشخاص الكسالى والمتقاعسين؛ وأخيراً، عليك جمعُ كل ذلك مع سعة الحيلة؛ إذ يمكن للأهداف أن تعمل بصورة جيدة وتُؤتي ثمارَها؛ لكنَّها يمكن أن تكون أيضاً غيرَ منتجةٍ وتُحدِثَ نتائج ضارة وغير مرغوبة؛ لذا يجب عليك أن تعتمد على الأنظمة وتستخدم مهاراتك في حل المشكلات لوضع الأمور في نصابها حين تسوء الأوضاع وتصبح فوضويةً؛ إذ تلجأ للتكيُّف أو حلِّ المشكلة التي تواجهك بدلاً من الشعور بالذنب والسوء تجاه نفسِك حين ترتكب خطأً ما أو تخذل نفسَك، وهنا أنصحك بما يأتي:

  • تجنَّبْ الجملةَ المُفضَّلة للمهووسين بالكمال وهي (هذا أسوأ ما حدث لي إطلاقاً).
  • تجنَّبْ كذلك الجملةَ المُفضَّلة للكسالى والمتقاعسين والتي تتمثَّل بِـ (لا أهتمُّ بذلك).
  • قلْ بدلاً من ذلك: (سأتولَّى الأمر وأحلُّ المشكلة).

لذا لا داعي أن أسألك عن التحدي التالي في حياتك؛ لأنَّني واثقٌ بأنَّك ستتولى زمام الأمور بعد قراءة هذا المقال.




مقالات مرتبطة