بمن أُقارن نفسي؟ سايكولوجيا المقارنة الاجتماعية

نحن نقارن أنفسنا بالآخرين في عوالمنا الاجتماعية سواء من خلال مقارنة مظهرنا بمظاهر المشاهير الذين نراهم في وسائل الإعلام أم مواهبنا بمواهب زملائنا في العمل، وفي علم النفس تُعَدُّ نظرية المقارنة الاجتماعية من الأجوبة عن سؤال: لماذا يتعيَّن علينا إجراء مقارنات بيننا وبين الآخرين؟

دعونا نُلقي نظرة فاحصة على كيفية عمل نظرية المقارنة الاجتماعية وكيف تؤثِّر المقارنات التي نجريها في وجهات النظر التي قد نتبناها عن أنفسنا.



ماذا يعني مصطلح المقارنة الاجتماعية؟

تشير نظرية المقارنة الاجتماعية إلى أنَّ الناس يُقدِّرون قيمتهم الشخصية والاجتماعية من خلال مقارنتهم بالآخرين، وقدَّمَ ليون فيستنجر النظرية في عام 1954؛ وهي تصف عمليات المقارنة التي يستخدمها الناس لتقييم أفعالهم وإنجازاتهم وآرائهم.

بدأَتْ نظرية المقارنة الاجتماعية عندما اقترحَ ليون فيستنجر - عالِم النفس الاجتماعي الأمريكي - أنَّ الناس يبحثون باستمرار عن تقييمات ذاتية صادقة، ومن ثم يبدؤون بمقارنة أنفسهم بمَن حولهم لاكتساب المزيد من المعلومات الموضوعية، وتهدف هذه المقارنة في النهاية إلى بناء شعورهم بالهوية أو بقيمة الذات.

متى اقتُرِحَت نظرية المقارنة الاجتماعية لأول مرة؟

اقتُرِحَت نظرية المقارنة الاجتماعية لأول مرة في عام 1954 من قِبَل عالِم النفس ليون فيستنجر، واقترَحَت أنَّ الناس يملكون دافعاً فطريَّاً لتقييمِ أنفسهم في كثير من الأحيان بالمقارنة مع الآخرين، ومن المعروف أنَّ الناس يصدرون الأحكام على أنفسهم باستمرار، وإحدى الطرائق الرئيسة لفعلِ ذلك هي من خلال المقارنة الاجتماعية أو تقييم الذات بناءً على وجهات نظر الآخرين أو قدراتهم.

شاهد بالفيديو: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات

مثال مُبسَّط عن المقارنة الاجتماعية:

على سبيل المثال تخيَّل أنَّ طالبة في المدرسة الثانوية قد اشتركَتْ للتو في دورة تجريها الفرقة الموسيقية لتعلُّم كيفية العزف على الكلارينيت، وفي أثناءِ تقييمها لمهاراتها وتقدُّمها ستقارن أداءَها بالطلاب الآخرين في الفصل.

قد تقارن قدراتها في البداية مع الأعضاء الآخرين في قسم الكلارينيت مع الإشارة بشكل خاص إلى أولئك الذين هم أفضل منها، وقد تقارن قدراتها بقدرات الطلاب الذين يعزفون على آلات أخرى أيضاً.

يعتقد عالِم النفس ليون فيستنجر أنَّنا ننخرطُ في عملية المقارنة هذه بوصفها طريقة لإنشاء معيار يُمكِنُنا من خلاله إجراء تقييمات دقيقة لأنفسِنا؛ على سبيل المثال قد تقارن طالبة الموسيقى نفسها بزملائِها في الصف، فإذا وجدَتْ أنَّ قدراتها لا ترقى إلى مستوى مواهب أقرانها، تندفع إلى تحقيق المزيد وتحسين قدراتها.

ما هي أنواع عملية المقارنة الاجتماعية؟

تتضمَّن عملية المقارنة الاجتماعية أشخاصاً يتعرَّفون إلى أنفسهم من خلال تقييم مواقفهم وقدراتهم وصفاتهم مقارنةً بالآخرين، ويُوجَدُ نوعان من المقارنة الاجتماعية وهما: مقارنة اجتماعية تصاعدية ومقارنة اجتماعية تنازلية.

1. مقارنة اجتماعية تصاعدية:

تحدثُ عندما نقارن أنفسنا بمن نعتقد أنَّهم أفضل منَّا، وغالباً ما تركِّزُ هذه المقارنات التصاعدية على الرغبة في تحسين حالتنا الحالية أو مستوى قدراتنا، فنقارن أنفسَنا بشخص أفضل حالاً ونبحث عن طرائق يُمكِنُنا من خلالها تحقيق نتائج مماثلة.

2. مقارنة اجتماعية تنازلية:

تحدث عندما نقارن أنفسنا بالآخرين الذين هم أسوأ منا، وغالباً ما تتركز مثل هذه المقارنات على شعورنا بالرضى تجاه قدراتنا الحالية، وقد لا نكون رائعين في شيء ما، ولكنَّنا على الأقلِّ أفضل حالاً من الكثيرين.

يقارن الناس أنفسهم بمَن هم أفضل عندما يريدون تحسين قدراتهم، ويقارنون أنفسهم بمَن هم أسوأ عندما يريدون أن يشعروا بالرضى تجاه أنفسهم.

عندما تصطدم المقارنة الاجتماعية التنازلية بالواقع:

وفقاً للباحث (Festinger)؛ يعتمد الناس على هذه المقارنات مع أشخاص آخرين لتقييم قدراتهم وصفاتهم ومواقفهم بدقَّة، وفي الحالات التي لا تكون فيها المقارنات فعالة قد تجد نفسك عاجزاً عن تقييم مستوى مهاراتك الحالية؛ على سبيل المثال عندما تقارِن نفسك بأصدقائك، قد تشعرُ بأنَّكَ تتمتع بلياقة عالية؛ لذلك تتجه نحو الاشتراك في سباق الماراثون مُعتقِداً أنَّ لديك القدرة على الفوز دون أيَّة مشكلة، وعندما يحلُّ يوم السباق قد تجد نفسك مُحاطاً بأشخاص رياضيين أكثر منك وتدرك أنَّ تقييمك الأوَّلي لقدراتك كان مُفرِطاً في التفاؤل.

كيف يُمكِنُ استثمار المقارنة التصاعدية لتطوير الذات؟

على سبيل المثال إذا كنتَ ترغبُ في تقييم مهارتكَ بصفتك لاعب كرة سلة، تستطيع البدء بالَّلعب مع أصدقائك أو التدريب على تسديدِ الرميات الحرَّة، وبمجرد أن تفهم جيداً ما يُمكِنُكَ فعله، قد تبدأ بمقارنة أدائِكَ بأشخاصٍ آخرين تعرفهم، فقد تفكِّر على الفور في صديقٍ يلعب في فريق كرة السلة التابع لمدرسته، وهذا مثال عن المقارنة الاجتماعية التصاعدية؛ وبالمقارنة معه فإنَّ أداءَكَ ليس بنفس المهارة، وفي البداية قد تشعر بالإحباط بسبب الفجوة بين مهاراتكما، لكنْ تدرك أيضاً أنَّكَ تستطيع في النهاية تحقيق مستوى مهارة مماثل بقليل من الممارسة، وفي هذه الحالة قد تجعلُكَ المقارنة الاجتماعية التصاعدية أكثر تحفزاً لتحسين قدراتك.

مثال مُبسَّط عن المقارنة التنازلية:

يُمكِنُكَ بعد ذلك مقارنة قدراتك بصديق لم يلعب السلة في حياته، وبالمقارنة فإنَّ أداءَكَ أفضل بكثير، وهذا مثال عن المقارنة الاجتماعية التنازلية، وفي هذه الحالة فإنَّ ملاحظة المهارات الضعيفة لصديقك تجعلك تشعر بتحسُّن تجاه قدراتك الخاصة.

قد تجعلك بعض المقارنات تشعر بعدم الكفاءة وتقلُّ احتمالية السعي إلى هدف، بينما يمنحُكَ بعضها الآخر الثقة ويساعدك على تعزيز احترامك لذاتك.

كيف تأثرت المقارنة الاجتماعية في وسائل التواصل الاجتماعي؟

فيما يتعلَّق بوسائل الإعلام تنتشر المقارنات الاجتماعية، وخاصةً بين النساء اللائي يستخدمن المقارنة التصاعدية، ومع ذلك قد يكون هذا الشكل من المقارنة الاجتماعية أكثر ضرراً من نفعه.

أثارت وسائل الإعلام الشعبية جدلاً حول القضايا الأخلاقية المُتعلِّقة باستخدام (Photoshop) في الصور العامة والحاجة إلى نماذج أكثر شمولاً في الإعلان، وعلى الرغم من أنَّ الرجال يُجرون أيضاً مقارنات تصاعدية، إلَّا أنَّها أكثر شيوعاً بين النساء إحصائياً.

لقد زادت وسائل التواصل الاجتماعي هذه المشكلة؛ إذ تُظهِر الدراسات أنَّ كلَّاً من الحالة المزاجية والثقة بالنفس تنخفضان في أثناء تصفُّح منصات التواصل الاجتماعي، وقد تكون المقارنات هي السبب بذلك؛ لأنَّنا نشعرُ بأنَّ الآخرين أكثر جمالاً ونجاحاً وإثارة للاهتمام؛ مما قد يصيبنا بالاكتئاب أو القلق أو الغضب عند تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي.

كيف نعرف ما إذا كانت المقارنة الاجتماعية تساعدنا أم تضرنا؟

اسألْ نفسك كيف تؤثِّر المقارنة الاجتماعية في حياتك، وإذا شعرتَ بالإحباط عند تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تكون المقارنة ضارة بالنسبة إليك، وفي هذه الحالة قد يكون الحصول على مساعدة أو استشارة نفسيَّة أو أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي أمراً مفيداً.

إذا كنتَ تشعر بالإلهام والسعادة تجاه رفاقك عند إجراء مقارنات تصاعدية، فقد يعني ذلك أنَّ المقارنة الاجتماعية تساعدك بشكل إيجابي، وإذا كنتَ تجري مقارنة تنازلية، فضَعْ في حسبانك ما تشعر به في أثناء هذا التقييم وبعده، فإذا كانَ ذلك يجعلُك تشعر براحة أكبر، فقد لا تكون المقارنة ضارة، وإذا شعرتَ بأنَّكَ تتمنى لهم الأسوأ لتحافظ على ثقتك بنفسك، فحينها تكون المقارنة سيِّئة.

تُعَدُّ المقارنات التنازلية دفاعية بالدرجة الأولى؛ وذلك لأنَّها قد تجعلُكَ تشعرُ بتحسُّن أو تريحك من الصراع الداخلي، ومع ذلك يعتقد بعض علماء النفس أنَّ المقارنات التصاعدية يمكن أن تزيد ثقة الفرد بنفسه.

شاهد بالفيديو: 6 فوائد لترك مواقع التواصل الاجتماعي

ما هي أهداف المقارنة الاجتماعية؟

عندما ينخرط المرء في مقارنة اجتماعية قد يحاول "بوعي أو لا وعي" تقييم الذات أو تعزيزها، ويتم التقييم الذاتي من خلال المقارنة الاجتماعية؛ أي عندما يختار شخص ما مقارنة نفسه بشخص آخر لاكتساب فهم أفضل لنفسه.

بالنسبةِ إلى الكثيرين تكون المقارنة مع شخص مشابه أكثر راحة، وتعني كلمة "مشابه" أنَّهما يشتركان في خاصية رئيسة واحدة على الأقل "العمر، الجنس، المهنة، المظهر، وما إلى ذلك".

إقرأ أيضاً: المقارنة مع الآخرين: هل هي مضرة حقاً؟

الهدف الآخر في المقارنة الاجتماعية قد يكون تعزيز الثقة بالنفس، ومع ذلك قد يقوم شخص ما عن قصد ببناء افتراضات عن شخص آخر ليشعرَ بتحسُّن تجاه نفسه، وعلى النقيض من الذين يبحثون عن التقييم الذاتي، قد لا يبحث هؤلاء بالضرورة عن أولئك الذين يشبهونهم.

إذا شعر الإنسان بالدونيَّة أو تفوُّق الشخص الآخر، فقد يرفض المقارنة تماماً من خلال الاعتقاد بأنَّه لا يوجد شيء مُشترَك للمقارنة، وإذا كان الشخص لا يشعر بالأمان بشأن سماته الشخصية، فغالباً ما يتجنَّب الانخراط في المقارنة الاجتماعية.

إقرأ أيضاً: المقارنة لص يسرق السعادة من حياتك

في الختام:

لا تؤدي المقارنة الاجتماعية دوراً في الأحكام التي يصدرها الناس عن أنفسهم فحسب؛ بل أيضاً في الطريقة التي يتصرفون بها، وعندما تقارن نفسك بالآخرين ضَعْ في حسبانك كيفَ يُمكِنُ أن تؤثِّر المقارنة الاجتماعية التصاعدية والتنازلية في إيمانك وثقتك بنفسك، واحترِسْ من المشاعر السلبية التي قد تظهر نتيجةً لهذه العملية.




مقالات مرتبطة