بعض الانحيازات المعرفية التي يجب معرفتها لزيادة نجاحك

العقل البشري رائع، ولكنَّه ليس مثالياً؛ فالانحيازات المعرفية مثلاً هي قيود حقيقية في تفكيرنا لا ندركها بوعي، وتؤثِّر في القرارات التي نتخذها أو الآراء التي نؤيدها أو الاستنتاجات التي نتوصل إليها، وغالباً بطريقة ضارة، ولا يمكن القضاء على التحيزات المعرفية قضاء كاملاً، لكن يمكن السيطرة عليها بقوة اليقظة.



توجد عدة انحيازات معرفية، لكنَّ بعضها له تأثير كبير في حياتنا من بعضها الآخر؛ إذ تعدُّ الانحيازات المعرفية السبعة الآتية من أكثرها إشكالية، ويمكن أن يساعدنا فهمها على زيادة نجاحنا في الحياة اليومية، وزيادة وعينا الذاتي:

1. الانحياز لتأييد القرار:

عندما نختار خياراً ما؛ فإنَّنا نشعر بالرضى حيال ذلك، ونقلِّل من أهمية الفوائد التي كان من الممكن أن تقدمها لنا الخيارات الأخرى، ويسمِّي علماء النفس هذا بالانحياز لتأييد القرار (The Choice-Supportive Bias)؛ إذ يؤثِّر في قدرتنا على التساؤل عن خياراتنا، ومعرفة متى اتخذنا خيارات سيئة، ويمكن أن يزيد إصرارنا في الدفاع عن خياراتنا، وإن لم تكن مصدر إلهام كما نحبُّ أن نعتقد.

عندما نقع في حيرة بين وظيفتين أو مدينتين أو شخصين، وفي النهاية نختار إحداهما أو أحدهما، فقد نواصل إخبار أنفسنا والآخرين طوال حياتنا بأنَّنا اتخذنا الخيار الصحيح، وإن لم تكن الأشياء كما كنا نأمل أن تكون؛ فإنَّ معرفة أنَّ الانحياز هذا موجود، يمكن أن تكون كافية لنا لإعادة النظر في خيارٍ ما قبل فوات الأوان لنتمكن من اتخاذ خيار جديد.

2. الانحياز للمعلومات:

لدينا ميل طبيعي للبحث عن معلومات أكثر مما نحتاج، ويمكن أن يكون هذا الانحياز المعرفي خطيراً لا سيما في عصرنا؛ إذ تؤدي سهولة توفر المعلومات على الإنترنت إلى الإغراق المعلوماتي، وبسبب انحياز المعلومات قد نميل إلى قراءة أكبر عدد ممكن من كتب ومقالات المساعدة الذاتية المتعلقة بمشكلة شخصية معينة نواجهها معتقدين أنَّه كلَّما زادت المعلومات التي لدينا، كنا أكثر استعداداً للتعامل معها، لكنَّ هذا ليس صحيحاً دائماً؛ إذ يمكن أن تكون تنبؤاتنا وأفعالنا أكثر دقة وحسماً عندما تستند إلى معلومات أقل.

بعبارة أخرى، قد يكون أكثر فائدة لنا، وكذلك لمن حولنا إذا تصرفنا بالفعل بناءً على مصادر المساعدة الذاتية التي لدينا بالفعل بدلاً من سماع النصيحة نفسها دائماً بطرائق مختلفة، ويمكن أن تكون الرغبة في استهلاك المعلومات بحدِّ ذاتها وسيلة لتأخير اتخاذ إجراءات حاسمة تغير حياتنا.

3. الانحياز للنجاة:

عند اختيار وظيفة أو مهنة قد نستلهم من فرد نجح في مجال معين على الرَّغم من كلِّ الصعاب، والذي يعكس وضعه قبل أن ينجح وضعنا الحالي، ومع ذلك يجب أن نكون حذرين من انحياز النجاة، والذي هو التركيز خطأً على أمثلة تمكَّن فيها الناس من النجاة، مثل الفرد الناجح في مثالنا، بينما لا نفكر في أمثلة أخرى غير مرئية؛ أي كلُّ هؤلاء الأفراد الذين فشلوا.

لذا قبل اتخاذ قرار بشأن أمر هام يجب ألا ننظر فقط في الأمثلة القليلة الناجحة التي تلقى صدى عند الناس، لكن أيضاً أمثلة عديدة مجهولة ومنسية عن الفشل.

4. الانحياز التأكيدي:

الانحياز التأكيدي هو الفعل اللاواعي لتفضيل المعلومات، وتفسيرها بطريقة تؤكِّد معتقداتنا الحالية مع التقليل من أهمية البدائل؛ فنحن لدينا ميل طبيعي للاتفاق مع أولئك الذين يتفقون معنا أو يقرؤون الكتب التي تؤكد الأفكار والمعتقدات التي لدينا بالفعل، وفي الوقت نفسه يمكننا أن نكره الأشخاص الذين لديهم آراء مختلفة عنا أو الكتب أو المواقع التي تشكك في وجهات نظرنا الحالية.

هذا الانحياز هو جزء كبير من شخصيتنا لدرجة أنَّه لا بد أن يؤثِّر في جميع مجالات حياتنا تقريباً، ومع ذلك يمكننا أن نبذل جهداً واعياً لنكون أكثر انفتاحاً على الأفكار، والمعتقدات التي تتعارض مع أفكارنا، وأن نكون أكثر صبراً وتقبلاً مع الأشخاص الذين يعبِّرون عنها، ولا يتعين علينا الاتفاق معهم، لكن إذا استطعنا الامتناع عن معارضتهم، فيمكننا إقامة علاقات إنسانية أفضل، وكذلك توسيع أذهاننا بمنظورات مختلفة.

شاهد بالفيديو: قوانين العقل الباطن

5. انحياز تبرير ما بعد الشراء:

نشتري أحياناً أشياء لا نحتاجها، ومع ذلك؛ فإنَّنا نبرر هذا التصرف ونخبر أنفسنا ومن يسألنا عن ذلك أنَّه كان قراراً ملهماً، وهذا هو انحياز تبرير ما بعد الشراء، ومن دون أن ندرك ذلك، يمكن أن يخرب خططنا وأحلامنا بجعلنا نتقبل قرارات الشراء لدينا دون قيد أو شرط، وبالقيام بذلك ننفق الأموال التي نعمل بجد من أجلها بدلاً من استخدامها للمساعدة على دعم عواطفنا وأحلامنا.

لا ينطبق هذا الانحياز على قرارات الشراء الشخصية فقط، لكن أيضاً على قرارات العمل، فبسبب هذا الانحياز قد نبرر شراء الخدمات أو المنتجات لشركتنا أو أعمالنا أو التي نظنُّ أنَّها قد تساعد على تقدُّم حياتنا المهنية، في حين أنَّها لا تفعل ذلك في الواقع، وتتمثل إحدى طرائق تقليل حدوث هذا الانحياز في حياتنا في عدم شراء منتجات أو خدمات لا نحتاج إليها.

6. الانحياز السلبي:

الأخبار السيئة والحوادث غير السارة عامة لها تأثير قوي فينا، وذلك لأنَّ انتباهنا الانتقائي يركز تركيزاً طبيعياً على الأخبار السيئة بدلاً من التركيز على الأخبار الجيدة، وغالباً لأنَّ عواقب الأخبار السيئة تكون أكثر خطورة وطويلة الأمد، في حين أنَّ هذا الانحياز المعرفي ربما ساعد جنسنا البشري على التطور.

عندما تتصدر الأخبار السيئة العناوين الرئيسة كلِّها، يمكن أن تؤثِّر سلباً في موقفنا من الحياة، وعندما تكون هذه الأخبار السيئة ذات تأثير مباشر فينا، مثلاً عندما يخبرنا شريكنا بشيء لا نريد سماعه، يمكن أن يصيبنا بقلق، ممَّا يقلل انتباهنا لأيِّ أخبار جيدة، ويمكن أن يزرع هذا الانحياز كثيراً من السلبية في أذهاننا، والتي تنعكس بعد ذلك في موقفنا تجاه المجتمع والأشخاص الآخرين؛ فيجب أن نظلَّ إيجابيين.

إقرأ أيضاً: تحدي الـ 66 يوماً للتركيز على التفكير الإيجابي

7. انحياز الاختيار القائم على الملاحظة:

عندما نكون عاطلين عن العمل ونبحث عن وظيفة؛ فإنَّنا نميل إلى ملاحظة الأشخاص الذين يعملون ونحسدهم، وبالمثل عندما نجد أنفسنا عازبين بعد الخروج من علاقة؛ فإنَّنا نميل إلى رؤية الأزواج ونشعر بالوحدة والحزن، وقد يبدو ذلك طبيعياً، لكن يمكن تفسيره تفسيراً أفضل بانحياز الاختيار القائم على الملاحظة، ممَّا يجعلنا نلاحظ أشياء لم نعرها كثيراً من الاهتمام من قبل، والتي قد نفترض أنَّها تحدث الآن أكثر ممَّا اعتدنا عليه.

قد يؤدِّي هذا التحيز إلى تصور مغلوط بأنَّ كثيراً من الأشخاص الآخرين أفضل حالاً منا، ممَّا يجعلنا نعاني أكثر، لكنَّ هذا ليس صحيحاً؛ إذ يركِّز عقلنا فقط على ما نفتقر إليه ويذكرنا به باستمرار.

إقرأ أيضاً: 9 أنواع للتحيزات المعرفية التي تؤثر في أحكامنا اليومية

في الختام:

إنَّ إدراك هذه الانحيازات المعرفية، وفهمها يعني أكثر من مجرد القراءة عنها؛ لذا عليك أن تبذل مجهوداً واعياً لفهمها ويتطلب الأمر بعض الجهد، ولكنَّه سيجعلك أكثر نجاحاً ووعياً، وشخصاً أفضل من النواحي جميعها.

المصدر




مقالات مرتبطة