بحث عن الحوسبة السحابية

قد يبدو لك مصطلح الحوسبة السحابية معقَّداً وغير هام، ولكنَّك ستذهل إذا ما أخبرتك أنَّك تتعامَل مع هذا المفهوم يومياً أو حتى لحظيَّاً، وستتساءل كيف؟ فأخبرك أنَّ المقال الذي بين يديك الآن قد وصل إليك بالحوسبة السحابية، تماماً كما تصل صورتك على (فيسبوك) إلى قائمة أصدقائك، ورسائلك الإلكترونية إلى وجهاتها المحددة.



الحوسبة السحابية موجودة أيضاً في تطبيق حسابك البنكي الذي يمكِّنك من الاستعلام عن رصيدك في أي وقت، وتطبيق التأمين الصحي الذي يحتفظ بتاريخك المرضي والأدوية التي صُرفت لك ورصيدك التأميني، فإذا ما دفعك الفضول لمعرفة الآلية التي تتدخل فيها الحوسبة السحابية في تفاصيل حياتك إلى هذا الحد، فتفضل بقراءة مقالنا هذا الذي سيكون بمنزلة بحث عن الحوسبة السحابية.

ما هي الحوسبة السحابية (Cloud Computing)؟

يمكن وضع تشبيه تقريبي لمفهوم الحوسبة السحابية، فهل ترى الغيوم (السحب)؟ بالتأكيد تستطيع النظر إلى السماء ورؤيتها من أي مكان في العالم، وكذلك أُريد للمعلومات المخزنة بهذه الطريقة أن تستطيع الوصول إليها من أي مكان في العالم.

يمكننا تعريف مفهوم الحوسبة السحابية (Cloud Computing) على أنَّه خدمات برمجية وتخزينية وقواعد بيانات وبرمجيات وغيرها الكثير من الخدمات المختلفة التي يمكن الوصول إليها عبر شبكة الإنترنت من أجل تحقيق الفائدة للمستخدمين.

لقد ظهر مصطلح الحوسبة السحابية (Cloud computing) في ستينيات القرن الماضي، عندما فكرت العديد من الشركات بجعل الحوسبة خدمة تقدَّم للأفراد عبر الإنترنت وأداة يمكنهم الحصول عليها، وكم الفوائد التي ستجنى في حال تمكنوا من فعل ذلك، وكانت النتيجة على شكل خدمات سحابية كثيرة أصبحت بمتناول يد المستخدمين في العديد من المجالات منها التخزين عبر الإنترنت والخدمات البرمجية عبر الإنترنت وخدمات البنية الأساسية التي سنتطرق إليها لاحقاً في هذا المقال.

لا بد من الإشارة إلى أنَّ السحب الإلكترونية عبارة عن مجموعة من السيرفرات المتصلة بشبكة الإنترنت التي تتم فيها عمليات التخزين والتوزيع الخاصة بالبيانات، والسيرفر - لمن لا يعرفه - هو جهاز حاسوبي بمواصفات عالية يقوم المستخدمون بالتواصل معه من أجل تحميل أو تنزيل البيانات.

جميع المواقع التي نتعامل معها ونزورها مخزنة على سيرفرات كتلك التي تحدثنا عنها، وأي ملف يخصنا غير موجود على حواسبنا الشخصية مخزن بالتأكيد على سيرفرات الحوسبة السحابية مثل صورنا على (فيسبوك) وملفات (غوغل درايف) الخاصة بنا وغيرها.

كيف تعمل الحوسبة السحابية؟

تعتمد آلية عمل الحوسبة السحابية على مفهوم المحاكاة الافتراضية التي يشار إليها بمصطلح (Virtualization) في اللغة الإنجليزية، فقد تسمح المحاكاة الافتراضية للحواسيب بإنشاء أجهزة رقمية افتراضية غير موجودة فعلياً، ولكنَّها تتصرف كأنَّها أجهزة حقيقية.

باستخدام هذه التقنية يمكن تنصيب أكثر من نظام حاسوبي على جهاز واحد، وتعمل هذه الأنظمة مجتمعة وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من أنَّ هذه الحواسيب الافتراضية تتشارك الموارد المادية ذاتها من معالج وقرص صلب، إلا أنَّها غير قادرة على التواصل مع بعضها بعضاً، ولكل حاسوب منها كينونته الخاصة المستقلة، فلا يمكن الوصول إلى الملفات الموجودة على حاسب افتراضي منها من قِبل حاسب افتراضي آخر.

بتطبيق الآلية عينها على السيرفرات يمكن تحويل السيرفر الواحد إلى سيرفرات عديدة عبر المحاكاة الافتراضية، وهذا يسمح للشركات التي تقدم خدمات الحوسبة السحابية بالوصول إلى أكبر عدد من المستخدمين والتعامل معهم، كما تقوم بتعزيز أمان معلومات المستخدمين عبر إجراء نسخ احتياطية من ملفاتهم ووضعها على أجهزة متعددة وفي مناطق مختلفة تجنباً للكوارث والأعطال المفاجئة.

شاهد بالفديو: مفهوم الفوضى الرقمية وطرق التخلص منها لرفع الإنتاجية

مزايا الحوسبة السحابية:

فوائد الحوسبة السحابية أو مزايا الحوسبة السحابية هي مجموعة النقاط الإيجابية التي أضافها وجود الحوسبة السحابية وخدماتها المقدمة عبر الإنترنت على الحياة البشرية، ومن أبرز فوائد الحوسبة السحابية نذكر ما يأتي:

1. التوفير في التكاليف:

يعد توفير التكلفة من أهم مزايا الحوسبة السحابية ولربما هو جوهر إنشائها، فعن طريق الحوسبة السحابية يستطيع المستخدمون الاستغناء عن شراء الأجهزة والتطبيقات المختلفة وصيانتها وإعدادها عن طريق استخدام النماذج المتاحة عبر الحوسبة السحابية.

2. السرعة:

أيضاً هي من مزايا الحوسبة السحابية، فعن طريق هذا المفهوم يستطيع المستخدمون القيام بالعديد من العمليات خلال وقت قياسي وبنقرة زر واحدة.

3. تعزيز الإنجاز:

وهو ميزة أخرى من مجموعة مزايا الحوسبة السحابية، فباستخدام الأخيرة تقل الحاجة إلى استخدام تطبيقات إدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات.

4. توفير المساحات التخزينية:

لنا أن نتخيل حجم المساحات التخزينية التي سنحتاجها فيما لو فقدنا يوماً القدرة على استخدام الحوسبة السحابية، وسنحتاج إلى الكثير من الأقراص والمستوعبات التخزينية التي أصبحنا بغنى عنها بوجود الحوسبة السحابية.

5. هامش الأمان العالي:

لعل هامش الأمان العالي هو من أعظم مزايا الحوسبة السحابية؛ وذلك لأنَّ خدماتها تتيح أخذ نسخ احتياطية من البيانات المخزنة عليها، وهذا يمكِّن من إتمام المهام حتى في حال حدوث الكوارث الطبيعية.

إقرأ أيضاً: إنترنت الأشياء: أهميته وتطبيقاته

عيوب الحوسبة السحابية:

على الرغم من وجود العديد من المزايا للحوسبة السحابية، إلا أنَّ الأمر لا يخلو من بعض النقاط السلبية التي تعد من عيوب الحوسبة السحابية والتي تظهر على شكل صعوبات ومشكلات تواجه المستخدمين، فما هي عيوب الحوسبة السحابية؟

1. ضعف وانقطاع الاتصال بالإنترنت:

لعل ضعف الإنترنت أو انقطاعه عن المستخدم من أكثر عيوب الحوسبة السحابية شيوعاً؛ وذلك لأنَّ انقطاع الإنترنت يفقد المستخدم القدرة على الوصول إلى ملفاته المخزنة سحابياً حتى عودة الاتصال بالإنترنت، وهذا يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى المستخدمين يمكن حلها عبر ترك نسخة احتياطية من الملفات الضرورية للعمل على الحاسب الشخصي.

2. إغلاق الشركة التي تقدم خدمة السحابة:

وهذا عيب آخر من عيوب الحوسبة السحابية غالباً ما يواجهه المستخدمون الذين قاموا بحجز خدمات سحابية لدى شركات ناشئة بسبب أسعارها التنافسية (لأنَّ خدمات الحوسبة السحابية تكون مأجورة أحياناً مثل استئجار الدومين للمواقع الإلكترونية)، لكن ما يحدث مع الشركات الناشئة هو أنَّها تُضطر إلى الإغلاق لأسباب معينة، وهذا يجعل خدمة السحابة تزول بإغلاقها فتضيع بذلك البيانات ونعود إلى نقطة الصفر؛ لذا فإنَّنا ننصح باختيار شركة عريقة في هذا المجال من أجل الحفاظ على أمان واستدامة الخدمة ولو كان ذلك مكلفاً.

أنواع الحوسبة السحابية:

بعد الحديث عن مزايا الحوسبة السحابية وعيوب السحابية سنتطرَّق الآن للحديث عن أنواع الحوسبة السحابية، وهي في الحقيقة ثلاثة أنواع؛ نوع منها متعلق بخدمة البنية التحتية، والثاني بخدمة النظام الأساسي، والثالث بخدمة البرمجيات، ولكل واحد من أنواع الحوسبة السحابية مستويات عدة في الإدارة والمرونة والتحكم، وهذا ما يفتح المجال أمام المستخدمين لتحديد الحزمة المناسبة لاحتياجاتهم من الخدمات، فما هي أنواع الحوسبة السحابية؟

أنواع الحوسبة السحابية

1. خدمة البنية التحتية (IaaS):

تعد خدمة البنية التحتية (Infrastructure As Service) من أنواع الحوسبة السحابية؛ إذ يمكن عن طريق الحوسبة السحابية توفير موارد تكنولوجيا المعلومات التي يعرفها جميع المستخدمين والمطورين بطريقة مشابهة جداً للطريقة التقليدية (تكون مساحات التخزين والتطبيقات على جهاز المستخدم)، وعن طريق خدمة البنية التحتية الموجودة في السحابة يتمكن المستخدمون من الاستفادة من مزايا الشبكات والأجهزة المرتبطة والمساحات التخزينية سواء كانت افتراضية أم عبر أجهزة مخصصة، كما تتيح لك تحكماً مرناً بهذه الموارد تماماً كما لو كانت موجودة على حاسوبك المحلي.

2. خدمة النظام الأساسي (PaaS):

خدمة النظام الأساسي (Platform As Service) هي النوع الثاني من أنواع الحوسبة السحابية، وفي هذا النوع توفر الشركة ميزة الاهتمام بالبنى التحتية الأساسية لتزيل عن كاهل المستخدم مسؤولية شؤونها من أجهزة وأنظمة تشغيل، لتوفر له الوقت للتركيز على تطبيقاته وإدارتها، وهذا يساهم في رفع كفاءة عمله وإراحته من التفكير بأمور الموارد والسعة وصيانة البرمجيات وتصحيح الأخطاء وغيرها من التفاصيل التي ترتبط بتشغيل تطبيقه وتعوق تركيزه بأمور نجاح مشروعه.

3. خدمة البرمجيات (SaaS):

أما خدمة البرمجيات (Software As Service) فهي النوع الثالث من أنواع الحوسبة السحابية، وفيها يتم توفير منتج مكتمل للمستخدم يتولى مقدم الخدمة تشغيله وإدارته، وعندما يتم الحديث عن هذا النوع يُقصد به الخدمات التي تقدَّم للمستخدم النهائي مثل خدمة البريد الإلكتروني المقدمة عبر شبكة الويب، وهنا لا ينشغل بال المستخدم بكيفية تشغيل الخدمة أو إدارة بنيتها التحتية الأساسية؛ بل يكون جل اهتمامه هو كيفية استخدامها والاستفادة من خدماتها.

أنواع ملكية الحوسبة السحابية:

إنَّ أنواع ملكية الحوسبة السحابية هي الطرائق التي تم فيها تقسيم استخدام هذه الخدمة إلى فئات من المستخدمين، وتم ذلك وفق ما يأتي:

1. الحوسبة السحابية الخاصة (Private Cloud Computing):

هذا النوع كما يتضح من اسمه تكون السحابة فيه مخصصة لجهة معينة (شركة أو منظمة)، وتقوم هذه الجهة بشراء سيرفرات خاصة بها تتولى إدارتها بشكل كامل، وهذا يحقق لها مزايا التحكم الكامل بالبيانات وأنظمة التشغيل والأدوات، ولكنَّه في الوقت ذلك يحملها مسؤوليات الصيانة والتحديث الخاصة بالسيرفرات، وهذا يوجب عليها توظيف متخصصين في هذا المجال.

2. الحوسبة السحابية العامة (Public Cloud Computing):

هذا النوع من أنواع ملكية الحوسبة السحابية يكون متاحاً لجميع الراغبين بالحصول على خدمات السحابة، وهو أكثر الأنواع شهرة الذي يقدم مزايا الحوسبة السحابية للمستخدمين، وقائم على مبدأ الاستعانة بوسيط للوصول إلى البيانات مثل (غوغل درايف).

3. الحوسبة السحابية الهجينة (Hybrid Cloud Computing):

هذا النوع من أنواع ملكية الحوسبة السحابية هو مزيج بين النوعين السابقين ويجمع بين مزاياهما، ويساهم في تلافي عيوب الحوسبة السحابية، فهو يلبي تطلعات الشركات في الإبقاء على حوسبة سحابية رديفة وقابلة للوصول إليها حتى في ظل فقدان الاتصال بالإنترنت بوصفه ركيزة داعمة واحترازية في التعامل مع البيانات الحساسة الموجودة على الحوسبة العامة، أو من أجل توظيف السيرفرات الخاصة لتسيير بعض المهام الداخلية، فيما تبقى السيرفرات العامة الموجودة في السحابة لإنجاز أنواع أخرى من المهام.

إقرأ أيضاً: ما هي الحوسبة السّحابيّة Cloud Computing؟ خصائصها، تقنياتها، والأمان

مزودات خدمة الحوسبة السحابية:

تأخذ العديد من الشركات على عاتقها مهمة تزويد المستخدمين بخدمات الحوسبة السحابية، ومن أشهر مزودات خدمة الحوسبة السحابية نذكر:

  1. شركة (مايكروسوفت) التي تحتل المركز الأول بين الشركات في هذا المجال، وتقدم جميع أنواع الخدمات في الحوسبة السحابية.
  2. شركة (أمازون) التي حققت خلال عام واحد 16 مليار دولار من عوائد خدمات الحوسبة السحابية.
  3. شركة (آي بي إم) التي نقلت خبرتها في مجال البرمجيات إلى مجال الحوسبة السحابية، وهذا حقق لها عوائد تعادل 7 مليار دولار.

في الختام:

الحوسبة السحابية واحدة من أهم الابتكارات التي عادت بمنافع كبرى على البشرية، وعلى رأسها توفير التكاليف والمساحات التخزينية والأمان العالي لبيانات المستخدمين وإتاحة الوصول إليها من أي مكان في العالم باستخدام شبكة الإنترنت، ولقد كان تصميم حزم متنوعة منها ضمان تلبية احتياجاتهم على اختلافها.




مقالات مرتبطة