اليوم العالمي للمرأة بين الورود والهواجس

تمتاز المرأة بمكانة عالية في الكثير من البلدان، حيث تُعطى كامل حقوقها، ويُغذّى كل من عقلها وروحها وثقافتها لتكون قادرة على خوض الحياة بقوة وعنفوان وحيويّة. وتُعدّ المرأة معيار أساسي لقياس حضارة أيّ شعب، ذلك لأنّ قوة المجتمع والدولة والأجيال تنبع من قوتها.



تكمُنُ استثنائية المرأة في امتلاكها الطّاقة والمقدرة على تنشئة الأطفال تنشئةً سليمةً صحيّةً، وزرع قيم الحياة فيهم، وجعلهم أشخاصاً أكِفَّاء قادرين على خلق قيمة مُضافة لمجتمعهم، وإعطاء قيمة حقيقيّة لكل جانب من جوانب الحياة وصولاً إلى صنع بصمة خلّاقة في العالم بأسره، لتستحقّ بذلك أعلى تقدير وأعظم امتيازات.

وكان اليوم العالمي للمرأة واحداً من أوجه الاعتراف بحقوق النّساء، أمّا تاريخ هذا الحدث وموعده في عام 2020 وطقوس بعض الدول للاحتفال فيه، فهو ما سنعرفه في قادم سطور هذا المقال.

اليوم العالمي للمرأة:

في عام 1856، خرجت آلاف النساء في شوارع مدينة نيويورك للاحتجاج على الظروف اللّاإنسانية التي كُنّ يُجبَرن على العمل فيها. ورغم تدخُّل الشرطة بطريقة وحشيّة لتفريق المتظاهرات، إلّا أنّ المسيرة نجحت في دفع المسؤولين والسياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليوميّة. وفي يوم 8 آذار 1908 عادت الآلاف من عاملات النّسيج إلى التّظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك، يُطالبنَ هذه المرّة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع، واخترنَ لحركتهنَّ الاحتجاجية شعار "خبز وورود"، حيث حَملنَ قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة ذات دلالة رمزية.

لقد شكّلت تلك المُظاهرات نواة حركة نسوية داخل الولايات المتحدة، وبخاصة بعد انضمام نساء من الطبقة الوسطى إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف، ورُفِعت شعارات تُطالِب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب.

وبدأ الاحتفال بالثامن من آذار كيوم المرأة الأمريكية؛ تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909. وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من آذار كيوم للمرأة، إلّا أنّه لم يُعتمَد إلا بعد مضي سنوات طويلة؛ وذلك لأنّ منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبنّي تلك المناسبة سوى في عام 1975 عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة، فقرّرت غالبية الدول اختيار الثامن من آذار، فتحوّل ذلك اليوم إلى رمز إلى نضال المرأة، والذي تَخرُجُ فيه نساء العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.

ويُقام الاحتفال للدلالة على الاحترام العام وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية، كما تحصل النساء في بعض الدول مثل الصين وروسيا وكوبا على إجازة في هذا اليوم.

أمّا ما يخص التسلسل الزمني لليوم العالمي للمرأة:

  • 1910، جرى عقد المؤتمر العالمي الثاني للمرأة العاملة في كوبنهاغن، واقتُرحت فيه فكرة تحديد يوم عالمي مخصص للمرأة، بحيث يتم الاحتفال سنوياً في كل دول العالم في ذات اليوم، وحَظِي الاقتراح بترحيبٍ كبيرٍمن الحاضرين في المؤتمر، ونتج عنه تحديد اليوم العالمي للمرأة حول العالم.
  • 1911، تلت الموافقة على إقرار يوم عالمي للمرأة في مؤتمر كوبنهاغن، إقامة احتفالات تكريماً لذلك اليوم، وللمرة الأولى في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا بتاريخ 19 آذار؛ حيث شارك ما يزيد عن مليون رجل وامرأة في تلك الاحتفالات. وإضافة إلى حَقَّي التصويت وشغل المناصب العامة، طالبت تلك الاحتفالات بحق المرأة في العمل والتدريب المهني وإنهاء التمييز.
  • (1913 -1914)، أقامت النساء الروسيات أول يوم عالمي للمرأة لهنَّ في الأحد الأخير من شباط 1913 في عشية حملات الحرب العالمية الأولى. وبعد نقاشات في العام ذاته، تمّ نقل اليوم المخصص للمرأة إلى تاريخ 8 آذار. وفي عام 1914، نظّمت النساء في مختلف أنحاء أوروبا مسيرات مناهضة للحرب موضحة تعاضُضَ النساء وتضامنهنّ معاً.
  • 1917، أقامت النساء الروسيات إضراب «الخبز والسلام» وعلى الرغم من مناهضة المسؤولين لهنّ، إلا أنّ القيصر اضطر إلى التنازل عن عرشه، ومنحت الحكومة المؤقتة النساء حقهن في التصويت، وذلك في اليوم الذي وافق 8 آذار حول العالم.
  • اعتمدت منظمة الأمم المتحدة اليوم العالمي للمرأة لأول مرة سنة 1975، ليتحوّل هذا التاريخ إلى رمز لنضال المرأة وحقوقها.

شاهد بالفديو: 4 خطوات لتكوني امرأة ناجحة

رسالة منظمة الأمم المتحدة فيما يخص اليوم العالمي للمرأة:

  • تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030

اليوم العالمي للمرأة هو مناسبة للتفكّر في التقدم المحرز وللدعوة إلى التغيير وللاحتفال بأعمال عوام النساء وشجاعتهنَّ وثباتهنَّ في أداء أدوار استثنائية في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن.

فمع أنّنا هبطنا على القمر منذ خمسين عاماً، واكتشفنا في العقد الماضي أسلافاً بشرية جديدة وصوّرنا ثقباً أسوداً لأول مرة؛ إلّا أنّ تحقيق المساواة بين الجنسين هو الهدف الذي لم تحقّقه أيّ دولة. فقد منعت القيود القانونية ما يزيد عن ملياري ونصف المليار امرأة من اختيار الوظائف مثل الرجال، فضلاً عن أنّ عدد البرلمانيات في العالم لم يزد عن 25% وذلك لغاية عام 2019، ولم تزل واحدة من كل ثلاث نساء تعاني من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

فلنجعل من عام 2020، عاماً هاماً للمرأة والفتاة في كل مكان.

  • "أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة"

تبنّى الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام 2020 موضوعاً بعنوان: "أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة"، والذي يتماشى والحملة متعددة الأجيال لهيئة الأمم المتحدة للمرأة المُسمّاة "جيل المساواة". ويُصادف احتفال هذا العام مع الذكرى السّنوية الخامسة والعشرين لإعلان ومنهاج عمل "بيجين"، والذي يعدّ خارطة الطريق الأكثر تقدميّة فيما يتصل بتمكين المرأة في كل أنحاء العالم.

ويتّفق الإجماع العالمي على حقيقة مفادها أنّه على الرغم من وجود بعض التقدم المحرز؛ إلّا أنّ التّغيير الحقيقي كان بطيئاً ومؤلماً لغالبيّة النساء والفتيات في العالم. واليوم، لا يمكن لبلد واحد أن يدّعي أنّه حقق المساواة بين الجنسين؛ إذ بقيت العقبات المتعددة في القانون وفي الثقافة دون تغيير.

كما بقيت النساء والفتيات يعانين من الظلم؛ فهنَّ يعملن أكثر ويجنين أقل، وخيارتهن أقل، ويعانين من أشكال متعددة من العنف في المنزل وفي الأماكن العامة. وعلاوة على ذلك، يوجد تهديد كبير بتراجع المكاسب النّسوية التي تحققت بشقِّ الأنفس.

يُمثّل عام 2020 فرصة لا تفوت لتعبئة العمل العالمي لتحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان لجميع النساء والفتيات.

منتدى المرأة العالمي – دبي 2020:

أكّد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربيّة المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، أنّ دولة الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في مضمار دعم المرأة؛ وذلك من خلال تفعيل قرارات تُقدرُ دورها وتحرص على منحها الفرصة الكاملة للمشاركة في مسيرة البناء والتطوير والتحديث في مختلف المجالات؛ وذلك اعتماداً على أساسيات الدولة التي عدّت حماية حقوق ومصالح المرأة هدفاً استراتيجياً سُنَّت من أجله القوانين ووُضِعت الأُطر التشريعيّة والتنظيميّة اللازمة، ليُصبح بالنتيجة مبدأ الشراكة بين الرجل والمرأة ممارسة حياتية فعليّة، لا مجرد شعارات تُرفَع وخطط مآلها أدراج مكاتب ذوي الشأن.

جاء ذلك خلال حضور الجلسة الافتتاحية لمنتدى المرأة العالمي - دبي 2020 المُقام تحت رعايته، والذي تُنظِّمه مؤسسة دبي للمرأة للمرة الثانية بمشاركة نحو 3000 شخص من مسؤولي الحكومات وقيادات المنظمات والهيئات الدولية والخبراء ورائدات الأعمال من مختلف أنحاء المنطقة والعالم.

واليوم، أصبحت المرأة في الإمارات جزءاً لا يتجزأ في تحقيق استراتيجيات بناء الدولة، وتحقيق رؤيتها بأن تكون من أفضل 25 دولة في مؤشر التوازن بحلول عام 2021.

وبرزت المرأة الإماراتية في الجانب الاقتصادي بشكل ملموس؛ حيث تشكّل سيدات أعمال الإمارات نحو 21% من إجمالي سيدات الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي، وتعدّ هذه النسبة الأعلى على مستوى دول المجلس.

وهناك أيضاً 12 ألف سيدة أعمال إماراتية تصل قيمة استثماراتهنَّ إلى 45 مليار درهم إماراتي (12.2 مليار دولار)، ويُسهِمن في العمل وإدارة 22 ألف مشروع اقتصادي وتجاري؛ إذ تمتلك السيدات 33% من المشروعات التي تزيد إيراداتها على 100 ألف دولار.

كما بلغت نسبة مشاركة المرأة في وظائف القطاع العام أكثر من 66%، و25% في قوى العمل الوطنية، و15% في الأعمال الحرة، و30% في المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وتمّ إطلاق استراتيجية تمكين وريادة المرأة في الإمارات، وكان تنفيذها على مرحلتين؛ حيث امتدت المرحلة الأولى من عام 2016 إلى عام 2018، في حين كانت المرحلة الثانية من عام 2019 حتى عام 2021، ومن أبرز أهدافها:

  • تمكين وبناء قدرات المرأة الإماراتية لتكون عنصراً فاعلاً ورائداً في التنمية المُستدامة.
  • توفير مقوّمات الحياة الكريمة والآمنة والرّفاه الاجتماعي بأسس عالية الجودة للمرأة.
  • تذليل الصّعوبات أمام مشاركتها في كل المجالات.
إقرأ أيضاً: يوم المرأة العالمي، ازدهار المرأة السعودية

أرامكو السعودية تحتفل بـاليوم العالمي للمرأة:

احتفل قسم تطوير المرأة وتعزيز التنوُّع في إدارة التطوير الإداري والمهني بيوم المرأة العالمي مؤخراً، وكان اللقاء هو الأول من نوعه، وحضره أكثر من 700 مشارك وأعضاء من الإدارة العليا والتنفيذية في أرامكو السعودية.

يُقدِّر مجلس البترول العالمي أنّ الكوادر النسائية تستأثر بنسبة تبلغ 22 % من القوى العاملة في قطاع النفط والغاز على مستوى العالم، ولكن تبلغ 10 % فقط من القوى العاملة في القطاع نفسه في مجلس التعاون الخليجي.

وفي هذا السياق؛ تسعى الشركة إلى بذل المزيد من الجهود لاستقطاب الكوادر النسائية للعمل في قطاع النفط والغاز.

ويوجد عدد من الوظائف التي اضطلعت بها الكوادر النسائية في أرامكو السعودية خلال السنوات الأخيرة، مثل: عمل مهندسات البترول في المعامل والمواقع الميدانية وتقديم حلول لصعوبات الإنتاج المعقّدة.

ومن جهة أخرى، تعكف عالمات في مراكز الأبحاث والتطوير على إجراء أبحاث من شأنها أن تؤدي إلى نقلة نوعية، كما تَشغَل الموظفات مناصب قيادية عديدة في مختلف إدارات الشركة. وإن دلّ ذلك على شيء؛ فإنّما يدل على التقدم الذي يشهده قطاع الطاقة في هذا الصدد؛ لكن ثمَّة مزيد من الجهود التي يجب أن تُبذل في هذا الإطار.

وفيما يخص أهمية المساواة بين الجنسين للنهوض بالشركات والاقتصادات والمجتمعات؛ فقد كشفت الأبحاث مراراً وتكراراً أنّ الشركات التي تراعي المساواة بين الجنسين تُحقّق أرباحاً وإيرادات أكثر ومستوىً أعلى من الابتكار. 

يوجد أربعة تحديات مرتبطة بقطاع النفط والغاز:

  1. استئثار الرجال بالعمل في قطاع النفط والغاز حسبما تُظهر الإحصاءات.
  2. القيود المفروضة على الوظائف المتاحة للكوادر النسائية.
  3. الافتقار إلى فرص التّعلم للكفاءات النسائية في المدارس الفنية والمهنية.
  4. تجاهل الكوادر النسائية فيما يخص المناصب القيادية.

وكان هناك عددٌ من المبادرات التي أطلقتها الشركة لتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين سعياً إلى الارتقاء؛ فقد استطاعوا خلال السنوات العشر الماضية مضاعفة أعداد الكوادر النسائية ومعدلات توظيفهن، بالإضافة إلى التغييرات التي شهدها نظام العمل والتي أسهمت في إتاحة نسبة أكثر من 83 % من فئات الوظائف المتاحة للكوادر النسائية.

ولتوفير فرص التعلم في القطاعين الفني والمهني، فقد أسسوا أكاديمية القيادة الوطنية؛ وهي أول أكاديمية مهنية تحظى بالرعاية للكوادر النسائية في قطاع النفط والغاز.

شاهد بالفديو: المرأة العاملة كيف توفق بين أسرتها وعملها؟

5. يوم المرأة السّورية:

إنّ ما قدمته السّوريات أكبر وأهمُّ بكثير من مجرد مسيرة بالزهور والخبز الجاف؛ إذ تعاني المرأة السوريّة صعوبات معيشيّة قاسية جداً تجعل منها امرأةً حديديّةً بكل معنى الكلمة. نعم، تستحق هذه المرأة الشيء الكثير، فهي تستحق أكثر من مجرّد يوم عالمي للاحتفال بها.

إقرأ أيضاً: عمل المرأة: تعريفه، دوافعه، أثره على المجتمع، وحكمه في الإسلام

في الختام:

يشمل الاحتفال باليوم العالمي للمرأة كل أصقاع الأرض، إلا أنّ وضع المرأة مختلف بين دولة وأخرى سواء من حيث هواجسها أو مطالِبها أو أحلامها أو ظروفها أو بيئتها. لكنّ القاسم المشترك في هذه القضيّة يكمنُ بأنّ: كل امرأة في العالم ثروة حقيقيّة وقيمةٌ خلّاقة للحضارة والانفتاح والتّحرر. فدعونا نحافظ على هذه الثروة؛ لأنّ نضوبها يعني نضوب البشريّة.




مقالات مرتبطة