الوصول للحريّة الماليّة، كيف تَصنع من الهواء عسلاً؟

جميعنا يعلمُ أنَّ علاقة الإنسان بمن حوله هي علاقة منافع متبادلة، لكن يتبادل كلّ شخصٍ المنفعة مع الآخر وفق رؤيته الخاصة. لقد بدأ البشر منذ قديم الأزل في إدراك أهميّة النحل، وهو ما جعلهم يفكرون في طرائق تمكنهم من احتوائه والتلذذ بعسله، والاستفادة منه إلى درجة الاستشفاء. ماذا لو فكرنا خارج الصندوق للحظة، وتخيلنا بأنَّنا موجودون داخل الخلية، ونظرنا إلى حياة هذا اللفيف من النحل الذي يبدأ من الملكة ذات المهام التي تحمل أقصى معايير الإدارة وصنع القرار، مروراً بالنحل الجامع للرحيق والآخر المنتج للشمع وحُرَّاسَ الخلية، ووصولاً إلى بقية النحلات على اختلاف الأدوار الموكلة إليها؟ سنجد بأنَّ هذه الخلية عبارةٌ عن مؤسسة متناسقة ومتكاملة، أو مملكة ذات سلطة ونفوذ أَسَرَت بانتظامها قلوب الكثيرين. ولكن لو دققنا النّظر، لوجدنا أنَّ نجاحها يرتكز على عنصرٍ مهمٍّ جداً، عنصراً لن نرى عسلاً بدونه حتى لو تحققت كافة المعايير؛ هذا الجزء من القصة هو: أجنحة النحل والهواء المحرك لها.



قد يقرأ كثيرٌ منّا من الكتب ما يشاء، ويبحث ضمن مجالاتٍ عدة بِنِيَّةِ الوصول إلى الحرية المالية، بل مِنَّا من يمتلك كافة الأدوات التي تُمكِّنه من رسم أفضل استراتيجيات بلوغ الحريّة المالية. بيدَ أنَّ كثيرين مَنَّا غالباً ما يقعون في أحد خطأين شائعين؛ الأوّل أن يقع في فخ إنشاء الخصوم دون أيّ إدراكٍ منه، فيدخل ضمن دائرة الهدر، والثاني أن ينتبه بعد فوات الأوان إلى أنَّه يحتاج الى جناحي النحلة ليصنع من الهواء عسلاً، فيكتشف أنَّه لم يقم بتفعيل قواه الداخلية ليحرك ترددات ما حوله نحو الوفرة وإنتاج الثراء. قد يكمن السبب وراء ذلك أحياناً في قولبة الفكر، والروتين الوظيفي المستمر الذي يعمل كأجهزة التخدير التي تحجب ترددات الوفرة لمصلحة طرف ثالث قد يتضّرر حتماً بوصول الفرد إلى حريته المالية.

خَلُصَت إحدى محاور كتاب الأب الغني والأب الفقير -لروبرت تي كايوساكي- إلى ما يلي:

"احتفظ بوظيفتك اليومية لمدّة معيّنة، لكن ابدأ التفكير في عملك الخاص؛ إذ تأتي المعاناة المالية في أغلب الأحيان نتاجاً لأُناسٍ يعملون طوال حياتهم لمصلحةِ شخصٍ آخر؛ ولهذا سيجد العديد من الناس بأنَّ صاحب عملهم يزداد ثراءً يوماً بعد يوم، فيما هم لا يملكون شيئاً في أواخر أيامهم. 

كما أنَّ النظام التعليمي الحالي يُركِّزُ على تحضير الموارد البشرية ليحصلوا على وظيفةٍ جيدةٍ من خلال المهارات الدراسية، فينصرف تركيزهم جراء ذلك إلى الحصول على راتب؛ وهو ما ندعوه بـِ "عبوديَّةِ المكاتب".

لذا ينبغي للمرء التفكير في عمله الخاص -بخلاف راتبه- إن أراد أن  يُحقق الأمان المالي لنفسه.

إقرأ أيضاً: 10 أمور يمكنك أن تتعلمها عن المال في 10 دقائق من شأنها أن تغير حياتك

اصنع كرة ثلج صغيرة ودحرجها حتى تكبر:

قد سمع كثيرون منا عن مثالِ "كرة الثلج"، فهو مصطلحٌ يرمز إلى كرة ثلج صغيرة تدحرجت من فوق جرف، وبدأت تكبر تدريجياً وفقاً لقواعد الفيزياء، بشرط توافر الزمان والمكان المناسبين، وإلا تفتت بالارتطام أو ذابت بالانصهار.

وللوصول إلى الحرية المالية، يجب أن نبدأ بتكوين رأس مالٍ أياً كان مقداره، وذلك من خلال إنشاء الأصول المُدِرَّة للأموال حتى ولو كانت بسيطة، وياحبذا لو كانت ذات مخاطر متدنية؛ مثل الأصول التي تندرج ضمن حقوق الملكية الفكرية (التأليف)، وكذلك الأصول التي قد تبلى ولا تهلك؛ مثل العقارات وما شابهها.

كما قد نُكَوّن رأس المال من موهبتنا؛ فلكلٍّ منا ما يُميّزه بالتأكيد، لكن يجب علينا أن نبحث عن خيارنا الأفضل، حتى ولو كان مخالفاً للمجموعة؛ فكلّ عملٍ نستمتع حين القيام به، ربما قد يكون سبباً محوريّاً لثرائنا، سواءّ أَكانَ ذلك بمعرفتنا، أم بمساعدة المتخصصين في ذلك.

وبمجرد حصولنا على رأس المال، نكون قد أنشأنا كرة ثلج ستكبر لا محالة حين ندحرجها، شريطة تَحَقُّقِ شرطين أساسين أولهما الزمن المناسب. ولكي يتحقق هذا؛ يتعيَّنُ علينا التحرّر من مخاوف المجازفة؛ فالخوف هو أكبر معيقات النجاح المالي من وجهة نظري الشخصية، لأنَّ معادلة التحرر من الخوف قبل البدء بأيّ مشروع، مرهونة بإيقاظ حسّ تحمل المسؤولية مع المجازفة بمخاطر محسوبة. 

يجب أن نقوم بعمل دراسة جدوى بسيطة وبعيدة عن أي تعقيد، تُمكِّنُنا من رسم أقصى درجات النجاح، وأسوء درجات المخاطر التي قد تحصل. كذلك نحتاج إلى الاستعداد، فقبل البدء بمشروعٍ ما يجب أن نرى ثلاثة نماذج لأشخاص ناجحين قد سبقونا في نفس المجال، وثلاتٍ أخرى لأشخاصٍ قد فشلوا في نفس المجال أيضاً، وبهذا يمكننا أن نتفادى أكبر قدر ممكن من الأخطاء.

الشرط الثاني للحفاظ على كرة الثلج، هو اختيار المكان المناسب، والمعيار الذي يحدد المكان المناسب، هو البيئة التي يتوازن فيها الأخذ مع العطاء.

من المعلوم بأنَّ معيار التسويق لأيّ منتج يكمن في خلق الرغبة لدى المستهلك من خلال خلق الحاجة لديه، ولكن هذا المعيار هو أحد المعايير النظريّة التي تُدرَّسُ ضمن إطار التسويق، ولكن من وجهة نظري الشخصية، إنَّ معادلة "الأخذ مع العطاء"؛ هي الوقود الأساسي للنجاح في مشروعٍ معين: فالبيئة التي تنعمُ بحالةٍ من التوازن عبر وجود عرضٍ وطلب، تضمن استدامة نجاح الاستثمار، إذ تُوجِد معادلة التوازن بيئةً متكاملةً للمنافع المتبادلة.

بتحقق الأمرين الأول والثاني نكون قد قطعنا الشوط الأكبر لبداية المشروع وتوجيه رأس المال نحو النموّ بمجرد البدء في استثماره.

وأما على الصعيد القانوني، فإنَّ التوجّه الدولي يُركّز على تحفيز الأرواح الشابة نحو التوجه إلى ريادة الأعمال؛ حتى لو كانت البداية هي الاستثمارات الصغيرة أو المتوسطة. فقد حدّدت القوانين عدّة أشكال للشركات التجارية. قد تكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة هي الأنسب، من بينها جميعاً؛ لما تحمله من معايير قانونية ذات مخاطر أقل، وتَوَجّه أكبر نحو الربح. فهذا النّوع من الشركات يُعدُّ محدود المسؤولية، لذا تكون دائرة المسؤولية هي أهمّ ما يميزها لتحقيق مخاطر أقل، بحيث تتركز مسؤوليتها ضمن رأس مال الشركة وأصولها العينية، ولا تتعداها إلى أموال الشركاء الخاصة.

إقرأ أيضاً: كيف تكون ناجحاً مالياً: ابدأ العمل من اليوم

وإن نَظَرْنَا إلى كثيرٍ من الشركات الكبيرة والناجحة في العالم، سنجد أنَّها قد بدأت كشركةٍ ذات مسؤوليّةٍ محدودة، وبعد تحقيقها أرباح وتكوين قاعدة مالية ضخمة؛ تكبرُ لتصل إلى درجة التأثير على السياسات العامة في العالم. 

إنَّه لمن السهل الدخول في دائرة الوفرة عبر ربط بعض العوامل بعضها ببعض؛ من خلال الارتقاء تدريجياً لعدة مستويات:

  1. المستوى الأول هو مرحلة جمع المال من خلال إنشاء الأصول المُدِرّة له، أو الاستعانة بقوانا الخفيّة المتمثّلة بمواهبنا.
  2. أمّا المستوى الثاني فهو مرحلة تصحيح الذّات من خلال التغلب على مخاوفنا، وعدم الغلوّ فيما هو حولنا لدرجة فقدان التوازن.
  3. وأما المستوى الثالث فهو اختيار الإطار القانوني المناسب لعملنا التجاري؛ من خلال خلق الشخصية الاعتبارية المناسبة التي من خلالها نقوم ببدء استثماراتنا لتحقيق الربح والوصول إلى حريتنا المالية.

هذه المعايير رغم بساطتها مجتمعةً، بمثابة جناحي نحلة وهواء نتمكن من خلالهما باستخدام أدواتنا واستراتيجياتنا للوصول إلى أهدفنا المالية المرجوّة، وتحقيق تطلعاتنا وترجمتها على أرض الواقع.




مقالات مرتبطة