الهيكل التنظيمي: بداية عملية الإصلاح في المنظمات

حظي علم الإدارة في السنوات الأخيرة باهتمام وعناية كبيرين، فقد شهد ظهور مفاهيم جديدة وقيام نظريات حديثة كان الهدف منها إعادة تقييم منظومة الأداء للأجهزة الإدارية للتأكد من فاعلية وكفاءة أدائها، فالمنظمات التي تطمح لتصبح بمصافي المنظمات الريادية مطالبة بإنشاء ميزة تنافسية خاصة بها وتبني الخيارات التي تسمح لها بالاستثمار الأمثل لمواردها المادية والبشرية وحسن إدارة عملياتها ورفع مهارة أفرادها وتشجيعهم على نقل معارفهم ومهاراتهم إلى باقي الأفراد العاملين من خلال وجود هيكل تنظيمي رشيق ومتناغم الأبعاد.



الهيكل التنظيمي هو أول العناصر التنظيمية التي تطرأ على الذهن عند الحديث عن معنى التنظيم، وهو الوسيلة أو الأداة التي تساعد المنظمة على تحقيق أهدافها، كما أنَّه يمثل صورة المنظمة وشكل يوضح كافة الوظائف الرئيسة والوحدات الإدارية وما يربط بينها من علاقات ودور كل فرد عامل فيها؛ منعاً للازدواجية والاختناقات ولتحقيق أهم مبدأ من مبادئ الإدارة وهو تقسيم العمل والتخصص.

كما يوضح الهيكل التنظيمي خطوط السلطة والمسؤولية الموجودة بين أجزاء المنظمة، وفي الحقيقة يعتمد قسم كبير من نجاح المنظمات على وجود الهيكل التنظيمي الناجح، فدون وجوده ستتم عمليات المنظمة بشكل فوضوي وتنحرف عن مسار عملها، ومن ثمَّ عن تحقيق أهدافها الرئيسة، وسوف تكثر النزاعات بين الأفراد وينخفض الطموح وتتزايد الأعباء المادية والنفقات والهدر في كافة الموارد، وتجنباً لحدوث ذلك يجب أن تهتم المنظمات ببناء هيكل تنظيمي قادر على التكيف مع متطلبات العمل للحصول على أفضل النتائج الممكنة الخاصة وتحسين كفاءة المنظمة.

التنظيم والهيكل التنظيمي:

يطلق العلماء على الإدارة اسم "علم التنظيم"، فالتنظيم هو الوظيفة الثانية من وظائف الإدارة بعد التخطيط، ويقصد بالتنظيم هنا كل عمل يتم من خلاله تقسيم وظائف المنظمة والعمل فيها وإسناده إلى الوحدات الإدارية الرئيسة والفرعية المختلفة في عددها وحجمها بين منظمة وأخرى، وذلك باختلاف النشاط الذي تمارسه هذه المنظمة وتحديد العلاقات التي تربط بين هذه الوحدات من خلال تحديد كل من السلطة والمسؤولية والمركزية واللامركزية والتفويض وتحديد نطاق الإشراف وغير ذلك.

إضافة إلى توزيع الأعمال على أعضاء فريق العمل وفقاً لاستعداداتهم وحثهم على تطبيقها وفقاً للضوابط التنظيمية الداخلية للمنظمة؛ وذلك لتحقيق أهدافها الرئيسة.

التنظيم حسب رأي عالم الإدارة "سايمون" هو أنماط سياسية وسلوكية تُستخدم من أجل تحقيق التعقل الإنساني؛ إذ إنَّ التنظيم عبارة عن هيكل مركب من الاتصالات والعلاقات بين مجموعة من الأفراد، فهو عملية إدارية تعمل على الاهتمام في العديد من النشاطات والمهام التي يجب تحقيقها في الوظائف.

كما يرى "بيتر دراكر" أنَّ التنظيم هو عملية تحليل النشاط وتحليل القرارات والعلاقات، ثم تقسيم هذه النشاطات إلى وظائف، ثم تجميع هذه الوحدات والوظائف في هيكل تنظيمي، وأخيراً اختيار الأشخاص لإدارة هذه الوحدات والوظائف.

إذاً فالتنظيم هو كيان اجتماعي وُجد من أجل تقسيم الأعمال وتنظيمها وتحديد المهام والصلاحيات والمسؤوليات والمستويات الإدارية والهرم التنظيمي؛ أي باختصار بناء الهيكل التنظيمي، ولطالما شغل الهيكل التنظيمي حيزاً كبيراً من اهتمام الفكر الإداري، وذلك بوصفه وسيلة حيوية لمساعدة المنظمات على إنجاز أعمالها وتحقيق أهدافها بكفاءة.

إقرأ أيضاً: 5 حقائق هامة حول الثقافة التنظيمية في الشركات

أبعاد الهيكل التنظيمي:

1. تقسيم العمل:

يشير هذا البعد إلى مدى تقسيم وتجزئة كل نشاط أو مهمة إلى أعمال منفصلة يسهل أداؤها، وتمنع في الوقت نفسه حدوث ازدواجية في ممارسة المهام.

2. تجميع الأعمال:

يشير إلى الطريقة التي يمكن معها جمع الأعمال المجزأة لتكون كلَّاً واحداً.

3. خط السلطة:

يشير إلى خط السلطة المتصل من قمة المنظمة إلى المستوى الأدنى منها وبتعبير يشير إلى مدى التقيد بالتسلسل الرئاسي (سلسلة الأوامر)؛ إذ يعتمد عدد المستويات على نطاق الإشراف فكلما ضاق هذا النطاق قلَّ عدد المرؤوسين تحت إشراف رئيس واحد وزاد عدد المستويات التنظيمية، الأمر الذي توجد معه صعوبة في الاتصال بينهم.

4. الرسمية:

تشير إلى الدرجة التي يتم فيها تقنين القواعد وإجراءات العمل بحيث يتم تأدية الأعمال في إطار نمطي، وبتعبير آخر درجة استخدام الهياكل في صنع القرارات والرقابة والاتصال بين المستويات؛ إذ تزاد هذه الرسمية بين المستويات الإدارية كلما توسعنا في تطبيق تلك القواعد، وزاد معه العمل الروتيني، وانخفض استغلال الطاقات الذهنية للأفراد، وتضاءلت درجة الاستقلالية وحرية التصرف والاجتهاد.

5. المركزية:

نظام يتم اتخاذ القرارات فيه في قمة الهرم الإداري، وتقل معه فرص مشاركة المستويات الدنيا وكذلك فرص مشاركة الأفراد في صناعة القرارات وصياغة الأهداف التنظيمية وتسيير أعمال المنظمة وشؤونها.

6. اللامركزية:

نظام يعتمد على تفويض السلطات للمستويات الأدنى ويتيح الفرصة أمام الأفراد للتفاعل وفتح الحوارات والنقاشات بين بعضهم وفي كافة المستويات، ومن ثمَّ نقل المعلومات وتبادل الخبرات بطريقة أفضل فيما بينهم، وترى العلوم الإدارية الحديثة أنَّ النجاح الإداري يتطلب وجود هيكل تنظيمي مرن يشجع على مشاركة المعرفة والبحث عنها.

شاهد بالفديو: 10 أمور تدل على سوء الإدارة في العمل

لقد تناولت الدراسات الإدارية تعريفات متعددة للهيكل الإداري نذكر منها:

1. "ماكس ويبر" (Max Weber):

مجموعة من القواعد واللوائح البيروقراطية التي تعطي الحق لمجموعة من الأفراد في التصرف، وتشمل الجماعات والوحدات والأنظمة الفرعية مثل الأقسام والإدارات، والهيكل التنظيمي هو محاولة لترتيب هذه القواعد والعلاقات لكي يوجه العمل باتجاه تحقيق الأهداف.

2. "ميزنبرغ" (Mintzberg Henry):

مجموعة الطرائق أو الوسائل التي يتم بموجبها تقسيم العمل إلى نشاطات واضحة ومحددة، ومن ثم ضمان التنسيق الضروري بين هذه النشاطات.

3. (FLEET):

الهيكل التنظيمي هو نظام للسلطة والمساءلة والعلاقات بين الوحدات التنظيمية الذي يحدد شكل وطبيعة العمل اللازم للمنظمة.

4. (Richard):

الطريقة التي تنظم بها المنظمة مواردها البشرية في علاقات مستقرة نسبياً والتي تُعَدُّ إلى حدٍّ كبير أنماط التفاعل، والتنسيق، والسلوك الموجه نحو إنجاز أهداف المنظمة، كما أنَّها الطريقة التي يتم من خلالها تنظيم المهام وتحديد الأدوار الرئيسة للعاملين وتبيُّن نظام تبادل المعلومات وتحديد آليات التنسيق وأنماط التفاعل اللازمة بين الأقسام المختلفة والعاملين فيها.

نخلص إلى القول إنَّ الهيكل التنظيمي ليس غاية في ذاته؛ بل وسيلة تساعد المنظمة على تحقيق الأهداف التي أُنشئت المنظمة من أجلها وإكسابها المزايا التنافسية.

أهمية الهيكل التنظيمي الجيد:

  1. يوضح أنواع وعدد الوظائف في المنظمة، وأي منها الوظائف الرئيسة التي يتم الاعتماد عليها في تحقيق الأهداف، وأي الوظائف توكل إليها الأعمال الثانوية وكذلك الوظائف الاستشارية.
  2. يوضح الهيكل التنظيمي خطوط السلطة والمسؤولية في المنظمة، بحيث تغدو واضحة تبعية كل فرد إلى رئيس.
  3. يعمل الهيكل التنظيمي على خطوط التنسيق بين مختلف الوحدات الإدارية الموجودة في المنظمة.
  4. يحدد الهيكل التنظيمي عدد الوحدات الإدارية المطلوبة في المنظمة وعمل كل وحدة منها والأقسام التي يجب أن توجد وارتباطاتها مع بعضها.
  5. يحدد الهيكل التنظيمي نطاق إشراف كل رئيس بحيث يغدو واضحاً عدد المرؤوسين التابعين له وعمل كل منهم ومدى التوافق والاختلاف بين أعمالهم، وبناءً عليه يقرر تفويض السلطة.
  6. الهيكل التنظيمي هو بمنزلة وثيقة يمكن الاستعانة بها في كل وقت لدراسة التطور التاريخي للمنظمة والوقوف على الأخطاء والمشكلات الموجودة.
  7. يمكِّن الهيكل التنظيمي الأفراد من خارج المنظمة من التعرف إلى وحدات المنظمة وأقسامها وطريقة عملها.
  8. يسهم تحليل الهيكل التنظيمي في تحديد المشكلات والانحرافات الموجودة في المنظمة.
  9. يقلِّص الاختلافات بين الأفراد وتحقيق مخرجات المنظمة المرغوبة.
  10. يعمل على الحدِّ من الازدواجية والتداخل بين الأعمال، إضافة إلى ربط النشاطات بالأهداف وتسهيل عملية الاتصال داخل المنظمة.
إقرأ أيضاً: 4 خطوات رئيسة لإجراء عملية إعادة تنظيم فاعلة للشركة

المبادئ التي يقوم عليها الهيكل التنظيمي:

  1. مبدأ وحدة الهدف: لكل تنظيم هدف رئيس يسعى الجميع فيه إلى تحقيقه.
  2. مبدأ تخصص العمل: كل فرد مسؤول عن عمل واحد يقوم به.
  3. مبدأ وحدة السلطة: لكل عامل في التنظيم رئيس واحد.
  4. مبدأ تساوي السلطة مع المسؤولية: يجب أن يحصل كل منصب أو وظيفة على سلطة تناسب ذلك العمل.
  5. مبدأ المرونة: تكيف المنظمة مع التغيرات الداخلية والخارجية.

العوامل التي تؤثر في تصميم الهيكل التنظيمي:

الهيكل التنظيمي

  1. حجم المنظمة: فحجم المنظمة له تأثير في التعقيد والرسمية والمركزية، كما يكون هناك صعوبة في تقسيم الأعمال إذا كان حجمها صغيراً، وخلاف ذلك صحيح.
  2. بيئة المنظمة: فالمنظمة التي تمارس عملها في بيئة مستقرة يختلف هيكلها التنظيمي عن تلك التي تعمل في بيئة تعاني من الاضطرابات.
  3. الموقع الجغرافي للمنظمة: فالمنظمة التي تعمل بشكل محلي تختلف في هيكلها عن المنظمة التي تعمل على نطاق أوسع أو نطاق عالمي.
  4. نطاق الإشراف: إذا كان نطاق الإشراف واسعاً فسيؤدي إلى وجود هيكل تنظيمي أفقي، أما إذا كان نطاق الإشراف ضيقاً فسيؤدي إلى هيكل تنظيمي عمودي تزداد فيه المستويات الإدارية.
  5. الاستراتيجية: التغيير في الاستراتيجية يؤدي إلى إحداث تغيير في الهيكل التنظيمي.
  6. السلطة: قد يؤثر الأشخاص أصحاب النفوذ في المنظمة في شكل الهيكل التنظيمي.
  7. دورة حياة المنظمة: أي هل هي في بداية نشوئها؟ أو في مرحلة النمو؟ أو التدهور؟
  8. مدة حياة المنظمة: هل هي منظمة مستمرة بالإنتاج؟ أم هو مشروع محدد تنتهي المنظمة بانتهائه؟

أنواع الهياكل التنظيمية:

  1. الهيكل البسيط: يتكون من عدد محدود من المستويات الإدارية دون أي تعقيد، وتكون الرسمية فيه منخفضة للحد الأدنى.
  2. الهيكل الوظيفي: يتم فيه تجميع الوظائف من الأسفل إلى الأعلى.
  3. الهياكل التنظيمية الحديثة: هي الهياكل المرنة وغير الثابتة، ويجب أن تتغير لتواجه الظروف والتحديات الكثيرة في هذا العصر، وهي على نوعين الأول المصفوفي الذي يعطي الأولوية للهيكل الجغرافي ويهدف إلى الحد من مشكلات التنسيق، والثاني هيكل الشبكات القائم على الاستعانة بالخبرات الخارجية لمهام غير رئيسة في المنظمة.
  4. هيكل الأقسام: يتكون من مجموعة من الأقسام تعمل بشيء من الاستقلالية عن بعضها، كما يمنح مديري المستويات الوسطى صلاحيات واسعة.
  5. الهيكل القطاعي: يتم تنظيم الأفراد فيه وفقاً لعملية الإنتاج، وتوجد لا مركزية كبيرة فيه من حيث حرية اتخاذ القرارات.

في الختام:

يتطلب التغير في الهيكل التنظيمي الذي يُعَدُّ نقطة الانطلاق في تحقيق الإصلاح الإداري للمنظمات تحديثَ المعلومات والمعارف والكثير من الجهود ضمن المنظمات للتخطيط بشكل جيد وتبسيط الهيكل التنظيمي المعقد، فالهيكل التنظيمي هو الذي يوفر بيئة عمل آمنة ومحفزة على العطاء والإنجاز والإبداع الإداري، ويوجه المنظمة باتجاه التكيف والتأقلم مع متغيرات البيئة المحيطة، ويضبط سير عمليات المنظمة، ويضمن لها النجاح والاستمرار، كما يضمن كفاءة العنصر البشري واستثمار الموارد بنوعيها المادي والبشري، ومن ثمَّ يؤدي دوراً محورياً في تحقيق فاعلية وكفاءة المنظمة.




مقالات مرتبطة