النقد الإيجابي البنّاء

إنَّ النقد البنَّاء لا يقصد به الثناء والمديح، ولكن هو ذلك الأسلوب السلمي الذي يستخدمه النقَّاد بهدف تحسين العمل وتلافي الأخطاء، بشرط ألَّا يكون هذا الانتقاد لتسليط الأضواء على الجوانب السلبية؛ ولا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يقدم الانتقاد البناء إذا لم يكن على درايةٍ كاملةٍ بهذا التخصص، فمن الضروري أن يكون النقد والمعرفة متلازمان، إذ أنَّ الناقد يتمتَّع بعدَّة صفاتٍ منها: قدرته العالية على انتقاء المصطلحات الأدبية التي تجعل السامع يتقبَّل هذا النقد برحابة صدر، ومناقشة هذه الأفكار النقدية، وكيفية تطوير الفكرة دون أن يدمِّرها، والارتقاء بالعمل؛ فلا يكون هدفه إسقاط الآخرين أو إبراز ذاته من خلال نقده.



أحياناً قد يصل النقد إلى الهجوم العنيف غير الموضوعي أيضاً، ونشنُّ عمليات الهجوم بأسلحتنا الكلامية والثقافية على مختلف التوجُّهات في سبيل تحقيق الأغراض، هذا النمط من الانتقاد لا يعتبر انتقاد بناء؛ لذا، يجب أن ينتقي الناقد أعذب الألفاظ وأحسنها.

حتَّى يكون نقدك بنَّاءً، فلابدَّ أن يكون هناك درجةٌ من التواضع والاحترام للآخرين، ولن يُقبَل هذا النقد إذا كان مصحوباً بالتعالي وازدراء الآخرين، علماً أنَّ جوهر النقد يكمن في تصحيح هذه الأفكار بطريقةٍ إيجابية، مع الابتعاد عن كلِّ عمليةٍ هدفها تصيُّد أخطاء الآخرين، وهو ما يسمَّى بالنقد البناء، والذي يهدف إلى البحث عن حلولٍ ممكنة، وتفادي هذه الأخطاء مستقبلاً.

تعريف النقد البناء:

لا يعني النقد البناء تقديم المدح والثناء، إنما هو الطريقة الصحيحة التي يمكن للمرء أن يستخدمها من أجل تبيان الأخطاء وتسليط الضوء عليها، على أن يترافق هذا الأمر مع تقديم الحلول وتلافي الأخطاء وعدم التركيز على الجوانب السلبية وحسب، ومن أساسيات النقد البنّاء ألا يكون النقد لمجرد النقد فقط، بل يجب أن يكون النقد مترافقاً بالمعرفة والدلائل التي تشير إلى صحة النقد إضافة إلى امتلاك الحلول الفعالة لحلّ المشكلة الموجه إليها النقد.

طرائق النقد البناء:

لكي يكون النقد صحيحاً وذو مغزى يجب أن يكون هناك أسلوب يدفع الشخص الموجه إليه النقد أن يكون منصتاً بعقله ومحيداً لعواطفه لكي يتمكن من قبول النقد بطريقة صحيحة، وهذا الأمر يتطلب توفر مجموعة من المعايير التي تجعل النقد بناءً وهي:

  • ألا يكون النقد نقداً شخصياً، بمعنى آخر أن يكون النقد موجهاً باتجاه الفعل الخاطئ وليس الشخص بحد ذاته.
  • عندما تريد توجيه النقد لشخص ما، من الضروري أن تترك له باب النقاش والأخد والرد مفتوحاً، فلا تغلق له طريق تقديم مبرراته ووجهة نظره.
  • في أثناء تقديم النقد يجب أن تبقى أواصر التواصل قوية بطريقة يفهم الشخص الموجه النقد إليه، أن هذا النقد غايته الإصلاح، وتحسين الخطأ، وتصحيحه، وليست الغاية شخصية.
  • يجب ألا يكون هدف النقد إظهار مدى التفوق المعرفي للشخص الناقد، بل ان يكون الهدف هو فقط تعزيز العمل الصحيح، وتلافي الخطأ.
  • قبل أن توجه النقد عليك أن تعرف أن ما تنقده هو نتيجة جهود قام بها شخص آخر، يعتقد نفسه أنه أحسن العمل، لذا وجه له الشكر على ما قام به، وركز على الإيجابيات قبل توجيه أي نقد.
  • توجيه النقد يعني تقديم الرأي والمشورة، لذا لا تكن ديكتاتوريا في توجيه نقدك، ولا تجبر الآخرين على تقبل وجهة نظرك.

لماذا يجب علينا الابتعاد عن النقد السلبي:

يقول ديل كارنيجي، في كتابه كيفية كسب الأصدقاء والتأثير على الناس: يمكن لأي أحمق أن ينتقد ويدين ويشكو، لكن الأمر يتطلب الشخصية وضبط النفس ليكون متفهمًا ومتسامحًا.

ولكن الأهم من ذلك لماذا علينا أن نبتعد عن توجيه النقد السلبي، من السهل جدًا انتقاد الآخرين، ومن الصعب جدًا إعطاء مجاملة صادقة واحدة، ومن السهل جدًا أن ترى نفسك في ضوء جيد وفي نفس الوقت تركز على عيوب الآخرين.

لكن انتقاد الناس هو وضع خاسر تمامًا لا يخلق سوى المسافة وينشر الطاقات السلبية ويسبب التوترات، فتوجيه النقد للآخرين هو أحد أسوأ أنواع التفكير السلبي والتحدث.

فإن كانت الأفكار الإيجابية هي أفكار إبداعية للتواصل، بما في ذلك المشاركة والمحبة، فإن التفكير السلبي يتكون من الأفكار والكلمات (وبالتالي الأفعال) التي تفصل الكراهية وتستبعدها وتنشرها.

نظرًا لأنه من المستحيل أن تعيش حياة إيجابية بعقل سلبي، فمن الواضح أن انتقاد الآخرين غير منتج وغير عقلاني. لذلك يجب على كل فرد منا الابتعاد عن توجيه النقد السلبي سواء في العمل في التعامل مع الأسرة أو مع الجيران، أو حتى في تعاملاته اليومية مع الآخرين كلهم.

فانتقاد الآخرين لا يجلب الخير لأحد، فالنقد السلبي لا يقدم أي نوع من أنواع الفائدة، وإنما لا يلحق سوى الضرر بالناقد، والشخص الموجه إليه النقد من خلال زرع التفرقة، وتعقب الأخطاء، ووضع الشخص الموجه إليه النقد في خانة الدفاع عن ذاته بشتى الوسائل والطرق حتى لو كانت غير صحيحة.

ما الفارق بين النقد البنَّاء والهدَّام؟

المقصود بالنقد الهدَّام هو الإشارة إلى الخطأ ولوم صاحبه، وغالباً ما يأتي هذا النقد من أشخاص عديمي الخبرة والمعرفة، وهدفه الظهور أمام الآخرين، وذلك بالبحث عن أيِّ ثغرةٍ بسيطةٍ أو نقطة ضعف في الحدث ليبني آراءه حولها ويأخذ دور الناصح والمهتم، ويحوِّل الحدث إلى موضوعٍ سلبيٍّ مهما كان يحمل من إيجابية.

أمَّا النقد البنَّاء فيهدف إلى: تحديد مكان الخطأ، وتسليط الضوء على مواضع النقص، والبحث في الأسباب، والتفتيش عن حلولٍ ممكنةٍ لمعالجة الخطأ وتفادي حصوله مستقبلاً، وذلك بغض النظر عن لوم الشخص الذي قام بالخطأ؛ إذاً فالهدف منه تحسين ما هو سيءٌ بطريقةٍ وديةٍ تهدف إلى تصحيح الخطأ إن وُجِد، وبذلك يكون نقد بناء.

إقرأ أيضاً: 7 مهارات اجتماعية بسيطة تجعلك شخصاً محبّباً لدى الآخرين

كيف ننتقد بإيجابية؟

إنَّ أهميَّة الانتقاد البناء تكمن في الأسلوب، وذلك من خلال دفع الطرف الموجَّه إليه النقد إلى الإصغاء بهدوءٍ إلى ما يقوله الناقد، وبالتالي فإنَّه يبعث فيه روح الأمل ويزيد من دوافعه من أجل تحقيق الأفضل وتلافي الأخطاء مستقبلاً؛ أمَّا في حال كان النقد يعتمد على إيذاء مشاعر الطرف الآخر وبلهجةٍ هجومية، فسوف يضطر الطرف الثاني إلى الدفاع عن نفسه. لذا، عزيزي القارئ، في حال كان من المفترض توجيه أيِّ نقدٍ إلى شخصٍ ما، فلابدَّ من اتباع عدة نصائح، نذكر منها:

  • أن يكون النقد موجَّهاً للفعل وليس لمن قام به؛ فعند توجيه النقد إلى الشخص المخطئ، فإنَّك سوف تصيبه بالإحباط واليأس؛ أمَّا توجيه النقد إلى الفعل سوف يزيد من إمكانية تلافي الخطأ أو تعديله.
  • عندما تريد نقد أيِّ شخص نقد بناء، فمن الأفضل أن توجِّه النقد إليه بشكلٍ شخصي، وذلك لكي يبقى باب النقاش مفتوحاً فيما بينكما حول الخطأ، وإيجاد حلولٍ مناسبةٍ له.
  • سيطر على عقلك في أثناء الانتقاد، وتجنَّب النقد وأنت في حالةٍ من الغضب حتَّى تكون مدركاً لما تقوله وتحصل على نتائج إيجابيةٍ من هذا النقد.
  • عند توجيهك النقد، فهذا لا يعني خسارتك للطرف الآخر، بل عزِّز لديه أنَّك تفتح الطريق أمامه ليكون أداؤه بشكلٍ أفضل، وذلك بتطبيق ما يُتفَق عليه.
  • في أثناء توجيه النقد يجب عليك مراعاة مشاعر الطرف الثاني، لكي يستمر في إنصاته لك واستيعابه لما تقوله، وليبقى الحوار فيما بينكما حتَّى تتمكَّن من سماع وجهة نظره، حتَّى لو كانت خاطئة، فهذا من شأنه تعزيز ثقافة الحوار في مختلف التفاصيل مستقبلاً.
  • إنَّ توجيهك النقد يجب أن يحمل الهدوء في طياته، حتَّى لا يشعر الطرف الثاني بأنَّك تهاجمه على أخطائه، وأنَّ هذا النقد هو وسيلةٌ لإيجاد حلٍّ مشتركٍ بمجهودٍ يبذله الطرفان.

فوائد النقد البناء:

ليس هناك شخص لا يكون تحت دائرة النقد، ولكن كيف يكون النقد بناءً، وذو فائدة؟

ليكون النقد صحيحاً وذو فائدة يجب أن يكون وفق المعايير الآتية:

  • أن يكون النقد على شكل نصيحة، تحمل الودَّ في طياتها، ولا تحمل طابع الفضيحة وتسليط الضوء على الخطأ.
  • أن يقدم النقد حلولاً ويصحح الأخطاء، لا أن يتوقف عند ذكرها وحسب.
  • أن يكون هدف النقد من أجل أن يعود بالنفع على الشخص الموجه إليه النقد لا أن تعيب عليه فقط.
إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها
  • لا تنسَ قبل نقدك أيَّ شخصٍ انتقاد بناء شكره على الجهد الذي بذله، ومحاولة إيجاد نقاطٍ مشتركةٍ بخصوص الموضوع الذي سوف يُنتقَد، حتَّى تتمكَّن من التقرُّب منه، وتوجيه النقد إليه حول الفكرة الخاطئة.
  • كن حذراً من توجيه النقد بشكلٍ شخصي، بل انتقد الفكرة من أجل الوصول لصيغة حلٍّ مشتركة.
  • ابدأ توجيه النقد من خلال العبارات الإيجابية، كأن تقول له: "أتفق معك، ولكن ألا ترى أنَّه من الأفضل أن تكون بهذا الشكل؟"، وفي حال نجحت في هذا الأسلوب، فسوف تلقى احتراماً، وستضمن قبول نقدك برحابة صدر.
  • ابتعد عن تحويل نقدك - حتَّى لو كان صحيحاً - لهدف فوزك وهزيمة للطرف الثاني، ممَّا يؤدِّي إلى تحويل النقاش إلى ساحة معركةٍ بين الناقد وصاحب الفكرة؛ لأنَّ كلَّ طرفٍ سوف يدافع عن أفكاره، وبالتالي لن تصل إلى مبتغاك من هذا النقاش.
  • عندما تقوم بانتقاد الشخص، فلا تجبره على تقبُّل وجهة نظرك، وأنَّ فكرتك هي الأصح؛ لأنَّك لست ملزماً بإقناعه، بل بإيصال المعلومة له فقط.

معظم الناس يتجنَّبون توجيه الانتقاد إلى الآخرين، خوفاً منهم ألَّا يكون نقدهم نقد بناء ويضعهم في موقفٍ محرجٍ أمام الآخرين؛ ولكي يكون نقدك إيجابيَّاً، لا بدَّ من الإنصات إلى رأيهم ومناقشة الأفكار التي يطرحونها، والذي بدوره يساهم في تحسين جودة العمل، وعدم الوقوع في هذه الأخطاء وتكرارها مستقبلاً، مع التأكيد أنَّ الاختلاف في وجهات النظر يساهم في تطوير الأفكار التي تنعكس إيجاباً على سير العمل.

المصادر:




مقالات مرتبطة