النظريات النقدية في الإعلام

يحتل الإعلام اليوم مكانة ذات أهمية كبيرة في المجتمع؛ وذلك بسبب التطور الكبير الذي وصل إليه؛ إذ يُعَدُّ بمنزلة قناة تنقل الرسائل بين الجماهير المُختلفة، وأصبحت وسائل الإعلام المختلفة "المقروءة والمسموعة" أداة من أدوات التغيير في المجتمعات والسيطرة عليها؛ وذلك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى الدينية.



مفهوم الإعلام:

يعني الإعلام نقل الخبر؛ أي نشر الأخبار والمعلومات الصحيحة والحقائق السليمة لأفراد المجتمع بكافة مكوناته؛ وذلك عن مجريات الأحداث الدائرة والقضايا الرئيسة في المجتمع ومختلف الموضوعات والمشكلات باتِّباع الشفافية والأمانة في نقل الحدث قدر الإمكان.

يرى عالِم الإعلام الألماني "أوتجرت" أنَّ الإعلام هو: "التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت".

ويتَّصف الإعلام عموماً بأنَّه نشاط اتِّصالي له مكونات رئيسة وهي: المعلومة أو الرسالة، ومصدر الرسالة، وسيلة نقل المعلومة، ومستقبل الرسالة الإعلامية "الجمهور"، والتغذية الراجعة، كما يتَّسم الإعلام بقدرته على تبسيط المعلومة وشرحها وتوضيحها بشكل جيِّد.

نظريات الإعلام:

  1. نظرية الغرس الثقافي: وتشير إلى أنواع الأساليب التي تُستَخدم في زرع وتنمية المكونات النفسية والمعرفية.
  2. نظرية دوامة الصمت: ترى أنَّه حين يتبنَّى الإعلام اتجاهاً ما فإنَّ الجمهور المتلقي سوف يمشي بنفس الاتجاه.
  3. نظرية حارس البوابة: تركز في عملية اختيار المعلومات وصياغتها ضمن عدد محدد من الرسائل ونشرها .
  4. نظرية ترتيب الأولويات: تصفُ قدرة وسائل الإعلام على إيلاء قضايا محددة اهتماماً كبيراً لإبرازها وتحريك الجمهور تجاهها.
  5. نظرية التأثير الانتقائي: تؤكِّد أنَّ الجمهور المُتلقي ليس جمهوراً جماعياً مترابطاً؛ بل هو عبارة عن جمهور فردي يتلقى الخبر ويتأثر فيه بشكل مُنفصل حسب سماته الشخصية.
  6. وتوجد أيضاً نظريات تحليل الخطاب الإعلامي ونظرية الاعتماد المُتبادل ونظرية توهم المعرفة ونظرية انتقال المعلومات على مرحلتين ونظرية الحتمية القيمية.

النظريات النقدية في الإعلام:

1. نظرية استجابة القارئ:

يتمحور تركيز هذه النظرية على الجمهور المتلقي للخبر أو المعلومة، وتجربة كل منهم في قراءة ما يصل إليه من أخبار؛ أي رصد ردود الفعل الفردية للمتلقي وتحليله الشخصي للعمل بشكل عام، وتتميز نظرية استجابة القارئ أو المتلقي بأنَّها إحدى المدارس الفكرية المتخصصة بالنظرية الأدبية، والتي تختلف عن باقي النظريات الأدبية التي ترى في مجملها أنَّ المتلقي عنصر مُستهلك لا يحلل العمل؛ بل يتلقاه بالشكل الذي يوجَّه إليه لتفسيره؛ بمعنى أنَّها تهتم بمصدر المعلومة أو صاحب الخبر.

ونظرية استجابة المتلقي تعمل على الاهتمام بالقارئ أو المتلقي ورد فعله، فهي تعدُّ الخبر معدوم القيمة دون تحليل المتلقي له ورأيه به، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّها تهمل نص الخبر ومؤلفه؛ بل تسعى إلى تحليل العلاقة بين ثنائية "الخبر والمتلقي" بدلاً من ثنائية "المؤلف والخبر"؛ إذ ترى أنَّه يجب أن يتفاعل المُتلقي مع الخبر، فهي تريد إعطاء المتلقي الدور الجوهري في العملية النقدية، فهو الذي يجب أن يفك شيفرات النص وبذلك تتحقق عملية التماهي بين النص وقارئه.

2. نظرية المحاكاة:

نظرية المحاكاة

كلمة المحاكاة في الأساس كلمة يونانية الأصل (Mimesis) وتُطلق كلمة محاكاة عموماً على عملية تقليد قولاً أو فعلاً، وتعود نظرية المحاكاة في الأساس إلى القرن الرابع قبل الميلاد؛ إذ استحوذت على جزء كبير من تفكير كل من أفلاطون ومن بعده تلميذه أرسطو الذي وجد أنَّ المحاكاة في الفن هي محاكاة الحياة الطبيعية، بينما عملَ أستاذه أفلاطون على ربط المحاكاة بعالم مثالي من صنع الإله.

بشكل عام نجد ثلاثة أنواع للمحاكاة:

  • المحاكاة البسيطة في الفن: ترى أنَّ العمل يكون في أفضل حالاته عندما يكون أقرب شبهاً إلى الطبيعة".
  • محاكاة الجوهر: ترى أنَّ الفن الجميل هو ما تحققت فيه الحيوية والثراء وأكثر قدرة على الإقناع؛ فلا يكون مجرد عمل منسوخ.
  • محاكاة المُثل العليا: تركز هذه النظرية في أخلاقيات العمل كونها معيار القيمة.

في النقد الإعلامي تنادي هذه النظرية إلى ضرورة اتِّخاذ أحد النُّقاد قدوة والاحتذاء به شرط أن يكون على قدر كبير من الشهرة ومقبولاً ومحبوباً من قِبَل الجماهير.

3. النظرية الشكلية:

تتناول النظرية النقدية السمات الأساسية للنص أو الخبر؛ إذ ترى أنَّ النص يتألف من الكلمات التي تمثل المحور الرئيس، ويعتمد الاستيعاب والفهم على مدى صعوبة أو سهولة هذه الكلمات؛ فمن خلال الكلمة يتحدد مستوى النص وأهميته، فكل كلمة تحمل معنىً محدداً ودلالة معيَّنة؛ فالقوة تأتي من خلال امتلاك معاني الكلمات التي تؤدي إلى الوصول إلى السياق العام للمعنى الذي لا يصلون إليه من خلال الشكل.

4. نظرية النوع الاجتماعي:

ظهرت هذه النظرية من خلال دراسة الواقع بمكوناته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقد قدَّم هذه النظرية "ساندر بيم" في عام 1981؛ تقوم هذه النظرية على تحليل أدوار كل من الجنسين "الرجل والمرأة"؛ فالدور الاجتماعي للإنسان يتغير بتغيُّر المجتمعات وثقافتها وبتغيُّر الزمان، بينما المفهوم المقابل له "الجندر" الذي يشير إلى التصنيف الاجتماعي الذي لا يتغيَّر بتغيُّر الثقافات أو الزمان والمكان، وقد فرَّق الباحثون بين كلمتي "الجنس" و"الجندر"؛ إذ تشير الأولى إلى التقسيم البيولوجي "ذكر وأنثى" بينما تشير الثانية إلى التقسيم الاجتماعي "ذكورة أو أنوثة"؛ أي الخصائص التي تتشكل اجتماعياً.

5. النظرية اللغوية:

ترى أنَّ تأثير اللغة في محتوى الخبر الإعلامي من المحاور الهامة في تقوية أو ضعف المحتوى، فاللغة في الخبر ترتبط بالتأثير والتغيُّر في عملية التواصل التي تتم بين طرفين هما المرسل والمتلقي، فاللغة تتألف من كلمات والكلمات تشير إلى دلالات والتي تنتظم داخل نظام أو أنظمة، فدلالة الكلمة تعني شيئاً يمكن الاستدلال عليه بسهولة.

اللغة هي فن يتمكَّن الإنسان من خلالها من التعبير عن أفكاره ومشاعره وعواطفه بأسلوب ممتع، والنظرية اللغوية هي مجموعة قواعد يضعها متخصصون في اللغة، وتتعدد النظريات التي تُعنى باللغة فتوجد نظريات تركِّز في اللسانيات وأخرى تركِّز في النحو وتوجد نظريات أخرى تركِّز في اكتساب الأطفال للغة ومراحل النطق المختلفة عندهم.

إقرأ أيضاً: أهمية اللغة بالنسبة للإنسان

6. نظرية الصور الذهنية:

نظرية الصور الذهنية

الخيال هو مفتاح الإبداع، ويُعرِّف معجم العلوم السلوكية الصور الذهنية بأنَّها: "نسخة ذهنية تنبع عن ذاكرة تجريبية حسية في غياب التحفيز الحسي" كما جاءت بمعنى انعكاس الشيء في الذهن؛ وذلك في معجم ويبستر الذي يعرِّفها بأنَّها: "تصوُّر عقلي شائع بين أفراد جماعة معيَّنة نحو شخص أو شيء معيَّن".

تتميز الصور أو الخيال الذي تستحضره من الذاكرة بأنَّها أقل شدة من المؤثر، فالصورة الذهنية هي عملية معرفيَّة تقوم على إدراك الفرد للإطار العام لشيء ما "اسم الموضوع وسماته وخصائصه والأشياء التي تميزه عن غيره"، متأثراً بالمعلومات المختزنة عنده عن الموضوع وتكوين اتجاه سلبي أو إيجابي نحوه؛ أي تشكيل الانطباعات عن قيم محددة في الذهن، وتحتاج الصورة الذهنية إلى قدر كبير من المعلومات وبذل الجهد للإقناع.

7. نظرية الهيمنة الإعلامية:

ترى أنَّ وسائل الإعلام تتَّصف بعدم الحيادية، وأنَّ وسائل الإعلام الجماهيرية مليئة بالتحيُّز والعنصرية العرقية، وأنَّ وسائل الإعلام هي داعمة للسلطة الحاكمة وتساعدها على بسط سيطرتها واستمرار نفوذها، فالإعلام من منظورها لا يمكن أن يتمتع بالحيادية تجاه القضايا، فهو يدعم اتجاهاً محدداً وهو السلطة.

8. نظرية المسؤولية الاجتماعية:

ركَّزت في الحرية المسؤولية في الإعلام، وقد جاءت كرد فعل لافتراضات النظرية الليبرالية في طبيعة الحقيقة والإنسان والمجتمع، وقد حملت هذه النظرية مفهوم الحرية المسؤولة وليس المطلقة؛ إذ سعت إلى تحرير الصحافة ومن ثم الانتقال إلى تحرير كافة وسائل الإعلام من نفوذ بعض فئات المجتمع ومن سيطرة الحكومة أيضاً؛ وذلك لكي تستطيع ممارسة العمل الإعلامي بموضوعية وشفافية - حيث يلتزم بنقل معلومات حقيقية وصادقة وينقل وجهات النظر المختلفة - وفي نفس الوقت تحافظ على قيم المجتمع الذي توجد فيه وتنقله إلى الأجيال القادمة، وتقوم أيضاً على حرية المتلقي في اختيار الوسيلة الإعلامية التي يرى أنَّها تلبي رغباته ومعاييره أو مبادئه التي يعيش عليها.

9. نظرية الصراع الاجتماعي لـ "رالف داهرندوف":

اهتمَّ عالِم النفس الألماني بدراسة الطبقات في المجتمع والصراع الدائر بينها، كما اهتم بدراسة النظرية الماركسية، وقد وجد أنَّ الصراع بين الطبقات هو ظاهرة طبيعية في المجتمع الإنساني؛ إذ ينشأ الصراع نتيجة عدم رضى أفراد المجتمع عن قضايا رئيسة مثل الحكم ونوع السلطة وأسلوبها، والدخل ومستوى المعيشة، وتستند الأنظمة الإعلامية إلى هذا الصراع الاجتماعي الذي يُعَدُّ من أكثر العمليات استخداماً في علم الاجتماع الإعلامي.

10. نظرية التبعية في العلاقات الدولية:

تقوم في جوهرها على تشكيل الرأي وصناعته لدى الدول؛ إذ ترى أنَّه يجب على الدول المُتقدمة استغلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في تشكيل البرامج الإعلامية التي يجب أن تُستَهلك من قِبَل الدول النامية والمتخلفة.

11. النظرية النسوية:

 تهدف في أساسها إلى ديمقراطية التعبير عن الرأي في وسائل الإعلام، وكذلك الحرية في ملكية الوسائل الإعلامية، وترى هذه النظرية أنَّ الأخبار تماثل الأنواع الأدبية التي تفرض تفسيراً معيناً ضمن نظام محدد على المواد الموجودة فيها؛ بمعنى الأخبار المُقدمة فيها تمثل زاوية واحدة لصورة أكبر.

12. مدرسة فرانكفورت:

هي مدرسة فكرية قائمة على الماركسية، وترى أنَّ وسائل الإعلام الجماهيرية تعكس قيم الطبقة الحاكمة التي تعتلي السلطة كأداة لترويج رأيها وجعل المجتمع يتشرَّبه لتستمر في فرض سيطرتها، وتعمل جنباً إلى جنب مع مؤسسات الدولة الرسمية الداعمة والتابعة للسلطة الحاكمة.

إقرأ أيضاً: الفرق بين وسائل الإعلام الاجتماعية والشبكات الاجتماعية

الخلاصة:

إنَّ نظريات النقد الإعلامي تتمحور حول فكرة مساعدة وسائل الإعلام ووقوفها إلى جانب السلطة الحاكمة ودعمها في تنفيذ أجندتها؛ لذا لا بدَّ من وجود إعلام نقدي ينادي بوجود الديمقراطية الإعلامية وحرية الفرد في اختيار الوسيلة الإعلامية التي يرغب فيها والتعبير عن رأيه بحرية مطلقة.

المصادر:

  • 1، 2، 3
  • مديونة صليحة، نظرية المحاكاة بين الفلسفة والشعر، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة تلمسان، الجزائر.
  • بن عمروش فريدة، الاتجاهات النقدية في الاعلام، مطبوعة لطلبة السنة الثانية ماستر، قسم علوم الاتصال، جامعة الجزائر.



مقالات مرتبطة