الميزة التنافسية ودور القادة في تعزيزها

عندما تفكِّر في مشروب غازي؛ لماذا تفضِّل شراء منتج بعينه مع وجود عشرات المنتجات الشبيهة في الشكل والطعم؟ ولماذا تنفق مبلغاً كبيراً على زوج الأحذية الرياضية من ماركة معيَّنة؟ ولماذا ترغب في شراء ملابسك من علامة تجارية محدَّدة بكل ثقة؟ الجواب يكمن في مصطلح المِيزة التنافسية.



المِيزة التنافسية هي مجموعة من الميزات الفريدة للشركة ومنتجاتها التي يَنظر إليها السوق المستهدَف على أنَّها مُهمِّة ومتفوِّقة على المنافسين. بعبارةٍ أخرى: "الميزة التنافسية هي ما يجعل سلعاً أو خدمات لكيان ما متفوِّقة على جميع الخيارات الأخرى للعميل"، وهو مصطلح شائع بشكل كبير في عالم الأعمال. وهذا هو السبب وراء ولاء الناس للعلامة التجارية، وتفضيلهم منتجاً أو خدمة على أخرى.

قد تكون واحدة من أساليب الميزة التنافسية هو تقليل التكلفة؛ وتكون عندما تقدر الشركة على استخدام قوَّتها العاملة الماهرة والمواد الخام غير المكلِفة والتكاليف الخاضعة للرقابة، والعمليات الفعَّالة لخلق أقصى قيمة للمستهلكين. ولعلَّ أفضل مَن يمثل هذا الاتجاه هي شركة "والمارت" (Walmart) التي تستفيد من استراتيجية ميزة التكلفة من خلال توفير مجموعة كبيرة جداً وأسعار منخفضة من خلال قوَّة وحجم متاجر التجزئة.

يُمكِن إبقاء التكاليف عند الحد الأدنى بطرائق مختلفة. بعض الشركات، مثل: "نيسان" (Nissan)، لديها سنوات من الخبرة في إنتاج السيارات بطريقة فعالة ومنخفضة من حيث التكلفة. تَستخدم الشركات الأخرى التصنيع الخارجي لإبقاء تكاليف منتجاتها منخفضة، والاتجاه الحالي هو أن تقلِّل الشركات من الإضافات التي تقدِّمها للعملاء.

على سبيل المثال، تقوم شركة الطيران (Ryanair) بإزالة اثنين من مراحيضها الثلاثة في كل طائرة لزيادة عدد المقاعد وتقليل تكاليف التذاكر. قد تكون هذه طريقة متطرفة لخفض التكاليف، لكنَّ الشركات بحاجة إلى البقاء في السوق وخاصة في فترات الركود. قد تتلقى الشركات أيضاً إعانات حكومية، مما يساعد على نقل تكاليف أقل إلى عملائها.

هناك بعض الطرائق المُهمَّة الأخرى التي يمكن من خلالها خفض التكاليف حتى تتمكن الشركة من استخدام ميزة تنافسية من حيث التكلفة. تستخدم شركات السيارات مثل: (BMW) و(Lexus) وشركات تصنيع الطائرات مثل: (Boeing) تصميم المنتجات وإعادة هندستها لإنشاء منتجات فعَّالة من حيث التكلفة. تصميم المنتَج مهمٌّ للشركات التي تَستخدم أحدث التقنيات. تستطيع (Intel) مثلاً الحفاظ على أسعار معالجات الرقائق الدقيقة منخفضة من خلال التحسين المستمر لتصميم المنتَج الذي يَستخدم أحدث التطورات في هذا المجال.

تُستخدم طرائق إعادة الهندسة (Re-Engineering) من قِبل الشركات القادرة على خفض التكاليف عن طريق إعادة تصميم منتجاتها وإدخال تحسينات عليها، وقد تكون شركة آبل (Apple) مثالاً رائعاً لذلك.

الشركات التي تجد طرائق مبتكَرة لجعل تقنيَّتها أفضل وبأسعار معقولة تحقِّق النجاح، لذا تنشئ بعض الشركات طرائق توصيل جديدة لمنتجها أو خدماتها، مما يؤدي إلى توفيرٍ كبير في التكلفة يمكنهم مشاركته مع عملائهم. قامت عديدٌ من شركات الطيران بتركيب منصات للتسجيل الذاتي (self-check-in)، كما أنَّ محلَّات السوبر ماركت تقدِّم الآن خدمات المحاسبة الذاتية (self-checkout).

كيف تَصنع ميزة تنافسية لمنتجاتك / خدماتك؟

بعد أن شكَّلنا فكرة كافية عن مفهوم الميزة التنافسية؛ السؤال المهم هنا: كيف تَصنع ميزة تنافسية لمنتجاتك / خدماتك؟ لإنشاء ميزة تنافسية، يجب أن تكون واضحاً بشأن هذه المحددات الثلاثة:

1. فوائد منتجك:

ما هي الفائدة الحقيقية التي يوفِّرها منتجك؟ يجب أن يكون شيئاً يحتاجه عملاؤك حقاً. يجب أن تقدِّم أيضاً قيمة حقيقية، ويجب أن تعرِف ميزات منتجك ومدى إفادة عملائك، كما يجب أن تكون على اطلاع دائم بالاتجاهات الجديدة التي تؤثِّر في منتجك؛ وهذا يشمل التكنولوجيا الجديدة.

على سبيل المثال، كانت استجابة الصحف المطبوعة بطيئة لتوافر الأخبار المجانية على الإنترنت؛ فقد كانوا يعتقدون أنَّ الناس على استعداد دائم لدفع ثمن الأخبار التي يتم تسليمها على قطعة من الورق مرة واحدة في اليوم.

2. السوق المستهدَف:

من هم عملاؤك؟ وما هي احتياجاتهم؟ يجب أن تعرِف بالضبط مَن يشتري منك وكيف يمكن لمنتجاتك أو خدماتك أن تُحسِّن حياتهم. هذه هي الطريقة التي تَخلُق بها الطلب، والذي هو محرِّك النمو الاقتصادي بالكامل. وبالعودة إلى عالم الصحافة؛ فقد تقلَّص السوق المستهدَف للصحف الورقية وأصبح التركيز على كبار السن فقط؛ والذين لم يكونوا مرتاحين لتلقِّي أخبارهم عبر الإنترنت؛ وهم في تناقص مستمر، وبالتالي سوق الصحافة الورقية في انحدار.

3. المنافِس الحقيقي:

هل حددتَ منافسيك الحقيقيين؟ إنَّها ليست مجرَّد شركات أو منتجات متشابهة؛ بل تشمل أيضاً أي شيء آخر يُمكِن أن يفعله عميلك لتلبية الحاجة التي يمكِنك تلبيتها. اعتقدَت الصحف أنَّ منافستها الحقيقية هي صحف أخرى مماثِلة لها في الاتجاه والخط التحريري؛ حتى أدركَت أنَّها شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) هي المنافِس الحقيقي. ولم يعرفوا كيف يتنافسون مع مزوِّد أخبار فوري ومجاني لذا وقعوا في الفخ.

ولكي تكون ناجحاً، يجب أن تكون قادراً على توضيح الفائدة التي تقدِّمها لسوقك المستهدَف ومدى أفضليَّتك من المنافسة؛ هذه هي ميزتك التنافسية، لذا يجب عليك تعزيز هذه الرسالة في كل اتصال لعملائك يتضمَّن الإعلان والعلاقات العامة وأدوات المبيعات. حتى أنَّه يشمل واجهة متجرك وموظَّفيك وكل شيء عنك يتحدث عن هذه الميزة.

إقرأ أيضاً: عرض البيع الفريد: البحث عن "ميزتك التنافسية"

أستاذ الميزة التنافسية:

في عام 1985، كتب "مايكل بورتر" (Michael Porter) الأستاذ بكليَّة إدارة الأعمال بجامعة هارفارد عن "الميزة التنافسية"؛ وذلك لمساعدة الشركات على خلق ميزة تنافسية مستدامة. فمن وجهة نظره؛ المحافظة على الريادة تتطلب فهم الميزة التنافسية أوَّلاً، ثمَّ الإيمان بأنَّ الشركة الرائدة الآن بفضل ميزتها التنافسية لن تظلَّ رائدة إلى الأبد ما لم تعي تماماً ميزتها التنافسية وتحافِظ عليها.

يجب على الشركة إنشاء أهداف واستراتيجيات وعمليات واضحة لبناء ميزة تنافسية مستدامة؛ أي نظام متكامل لصيانة الميزات. كما يجب أن تتماشى ثقافة الشركة وقِيم الموظَّفين مع تلك الأهداف؛ وإن كان من الصعب القيام بكل هذه الأشياء بشكل جيد فمن الأصعب القيام بها عاماً بعد عام.

حدَّد بورتر ثلاث طرائق أساسية تحقِّق بها الشركات ميزة مستدامة؛ إنَّها تكلفة القيادة والتمايز والتركيز. كما حدَّد هذه الاستراتيجيات من خلال البحث في مئات الشركات. ولإنشاء ميزة تنافسية لشركتك، يجب أن تكون واضحاً بشأن هذه المحددات الثلاثة:

1. قيادة التكلفة:

تعني قيادة التكلفة أنَّ الشركات تقدِّم قيمة معقولة بسعرٍ أقل، حيث تقوم الشركات بذلك من خلال التحسين المستمر للكفاءة التشغيلية؛ وهذا يعني عادةً دفع أجور أقل للموظَّفين. يقوم بعضهم بتعويض انخفاض الأجور من خلال تقديم مزايا غير ملموسة مثل: خيارات الأسهم أو الفرص الترويجية. ويستفيد آخرون من فائض العمالة غير الماهرة مع نمو هذه الشركات، بحيث يمكِنها الاستفادة من وفرة الحجم والشراء بالجملة. يُعدُّ كل من "وولمارت" (Walmart) و"كوستكو" (Costco) أمثلة جيدة لقيادة التكلفة. لكن في بعض الأحيان يدفعون لعمالهم أقل من تكلفة المعيشة والتي تتعارض مع قوانين الحد الأدنى للأجور.

2. التمايز:

التمايز يعني أنَّ الشركات تقدِّم فوائد أفضل من أي شركةٍ أخرى. ويمكِن للشركة تحقيق التمايز من خلال توفير منتَج فريد أو عالي الجودة. كما يمكن توصيل المنتج بشكلٍ أسرع، أو التسويق بطريقة تصل إلى العملاء بشكلٍ أفضل.

يمكِن للشركة التي لديها استراتيجية تمايز أن تتقاضى سعراً ممتازاً، وهذا يعني أنَّه عادةً ما يكون له هامش ربح أعلى. وعادةً ما تحقِّق الشركات التمايز من خلال الابتكار، أو الجودة، أو خدمة العملاء.

الابتكار؛ يعني أنَّها تلبِّي نفس الاحتياجات بطريقة جديدة. وخير مثال على ذلك شركة أبل (Apple). فقد كان الآي بود (iPod) مبتكَراً لأنَّه سمح للمستخدمين تشغيل الموسيقى التي يريدونها وبأي ترتيب. والجودة تعني أنَّ الشركة تقدِّم أفضل منتَج أو خدمة؛ حيث يمكن مثلاً أن تتقاضى شركة المجوهرات العالمية تيفاني (Tiffany) مزيداً من الرسوم؛ لأنَّ العملاء يرونها أفضل بكثيرٍ من متاجر المجوهرات الأخرى.

خدمة العملاء؛ تعني الخروج عن الطريق لإسعاد المتسوِّقين؛ مثل شركة "نورد ستروم" (Nordstrom) لتي كانت أول شركة سمحَت باسترجاع المشتريات دون طرح أي أسئلة على العملاء.

3. التركيز:

التركيز يعني أنَّ قادة الشركة يفهمون ويخدمون السوق المستهدَف بشكلٍ أفضل من أي شخص آخر. ويستخدمون إما قيادة التكلفة أو التمايز للقيام بذلك. مفتاح استراتيجية التركيز الناجحة هو اختيار سوقٍ مستهدَف محدَّد للغاية، والذي غالباً ما يكون مكاناً صغيراً لا تخدمه الشركات الكبرى.

على سبيل المثال، تستخدم البنوك المجتمعية استراتيجية تركيز لاكتساب ميزة تنافسية مستدامة؛ بحيث يستهدفون الشركات الصغيرة المحليَّة أو الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية. ويتمتع جمهورهم المستهدَف باللمسة الشخصية التي قد لا تستطيع البنوك الكبرى منحها؛ حيث أنَّ عملاءهم على استعداد لدفع مزيدٍ من الرسوم في مقابل هذه الخدمة.

إقرأ أيضاً: سلسلة "بورتر" للقيمة: كيفية بناء القيمة ضمن المنظمة

نماذج عالمية للميزة التنافسية:

نموذج ماكدونالدز: تَعتمد الميزة التنافسية الرئيسة لماكدونالدز على استراتيجية قيادة التكلفة؛ فالشركة قادرة على الاستفادة من وفورات الحجم وإنتاج المنتجات بتكلفة منخفضة؛ ونتيجة لذلك، تقدِّم منتجات بسعر بيع أقل من أسعار منافِسيها.

نموذج "لويس فويتون" (Louis Vuitton): تَعتمد هذه الشركة على استراتيجية التمايز والتركيز على التمايز. وهي قادرة على أن تكون رائدة في سوق المنتجات الفاخرة وتتحكم في أسعار متميِّزة من خلال تفرُّد المنتَج.

كيف تستخدم الدول الميزة التنافسية؟

يمكن لأي بلد أيضاً إنشاء ميزة تنافسية؛ إنَّها تسمَّى الميزة التنافسية الوطنية أو الميزة النسبية. على سبيل المثال، تَستخدم الصين قيادة التكلفة، حيث تصدِّر منتجات منخفضة التكلفة بمستوى جودة معقول. يمكِنها القيام بذلك لأنَّ مستوى معيشتها أقل، لذا يمكِنها أن تدفع أجوراً أقل لعمالها. كما تحدِّد قيمة عملتها (اليوان) بقيمة أقل من الدولار.

بدأَت الهند كقائد تكلفة لكنَّها تتجه نحو التميُّز؛ حيث توفِّر الهند عُمالاً مَهرَة من التقنيين الناطقين باللغة الإنجليزية بأجر معقول. كما غيَّرَت اليابان ميزتها التنافسية؛ ففي الستِّينيات من القرن الماضي، كانت شركة رائدة في التكلفة وبرعَت في مجال الإلكترونيات الرخيصة. وبحلول الثمانينات، تحوَّلت إلى التميز في العلامات التجارية عالية الجودة، مثل: مركبات (لكزس) الفارهة.

بينما الابتكار هو الميزة النسبية لأمريكا؛ حيث تقدِّم الشركات الأمريكية منتجات مبتكَرة إلى السوق بشكل أسرع من الدول الأخرى. ولهذا السبب أصبح وادي السيليكون ميزة مبتكَرة لأمريكا. وأمريكا مبتكِرة للغاية لأنَّها تمتلك قاعدة مستهلكين محليين شاسعة وثرية. ومن السهل اختبار أفكار المنتجات الجديدة واكتشاف الأخطاء داخلياً في السوق المحليَّة. وبمجرد نجاح المنتجات في السوق المحليَّة وإثبات جدارتها، يتم تسويقها في جميع أنحاء العالم بكل قوة وثقة.

يشير "آمار بهيدي" (Amar Bhidé) إلى نقطة جيدة في مقاله "الاقتصاد المغامر: كيف يحافظ الابتكار على الازدهار في عالم أكثر اتصالاً؟"؛ حتى لو بدأَت الولايات المتحدة في التخلف عن البلدان الأخرى في عدد المهندسين، فلا تزال الأفضل في جلب الابتكارات إلى السوق. هذه فقط إحدى الطرائق التي تعزِّز بها الموارد الطبيعية ميزة أمريكا.

عندما تعمل في مجال الميزة التنافسية قد تقودك بعض المفاهيم الخاطئة في المجال، وهنا ننبِّه القادة بأنَّ هناك بعض الأفخاخ أو الخرافات حول موضوع الميزة التنافسية؛ والتي تقود إلى فقدان الميزة التنافسية؛ منها:

  1. من دخل مبكِّراً يكسب الرهان: يعتقد كثيرون أنَّهم عندما يدخلون السوق مبكراً ويسبقون الآخرين فإنَّهم قد كسبوا الرهان؛ وهذا منزلق خطِر، فقد دخل السوق كثيرون وبشكلٍ مبكِّر ولم يستطيعوا المحافظة على ميزتهم التنافسية. وهذا صحيح تماماً إذا كان المجال قليل الحواجز وسهل الدخول ولا يحتاج إلى رأس مال كبير؛ فسوق توصيل الطلبات إلى المنازل مثلاً أصبحَ مزدحماً في فترة قصيرة ولا توجد ميزة كبيرة لمن دخله مبكِّراً. قد يُستثنى من ذلك الصناعات الكبيرة والضخمة مثل: أسواق النفط والغاز والتعدين وصناعة السيارات.
  2. وهم استمرار التفوق: يعتقد المنتِجون ذو الميزة التنافسية أنَّ الآخرين لا يستطيعون أن يسبقوهم وأنَّ المنافسين قد يحتاجون إلى سنوات طويلة قبل بدء المنافسة، ناهيك عن قدرتهم في التغلب على ميزتهم التنافسية. ولكنَّهم يتفاجؤون بالشركات الناشئة التي تتفوَّق عليهم في فترة قصيرة وتنافسهم بسرعة مذهلة، وغالباً ما يكون الوقت متأخراً للشركات العريقة لتبدأ استعادة الميزة التنافسية من جديد.
  3. الجودة: تعتقد بعض الشركات أنَّ جودة منتجاتها أو خدماتها هي ما قد تحافظ بها على ميزتها التنافسية وبأسعار غالباً ما تكون مرتفعة؛ وهذا صحيح. ولكن متى ما قدَّم المنافسون منتجات مشابهة وبأسعار تنافسية؛ فإنَّ احتمالية انتقال العملاء إلى المنتجات الأرخص كبيرة؛ فالولاء نسبيٌّ ولا يرتبط بالجودة فقط.
  4. الفرصة غير مواتية: في كثير من الأحيان ترى الشركات أنَّ الفرص الموجودة في السوق لتعزيز ميزتها التنافسية هي فرص قوية ولكن تتطلب تغييراً كبيراً في "نموذج الأعمال" الذي قد يتطلب تغييرات في الهيكل الإداري وبيئة العمل واكتساب بعض المهارات الجديدة؛ وبالتالي فإنَّها تتقاعس عن اقتناص الفرصة الذهبية.
  5. فخ البيروقراطية: عندما تتضخم المؤسسات ويزداد أعداد الموظَّفين فيها يؤدي ذلك إلى رغبة المؤسسات في المحافظة على نمط معيَّن من العمل؛ وتترسخ على شكل ثقافة عمل. يؤدي ذلك إلى فخ البيروقراطية الذي يَحُول دون التجريب والمغامرة والتعلم من التكرار والخطأ؛ والذي يفوِّت فرصاً كبيرة لاكتساب ميزة تنافسية رائعة وقد يسبب في تسرُّب المبدعين والمجدِّدين وأصحاب الأفكار الخلَّاقة.
  6. ضبابية الميزة التنافسية: قد لا تدرك المؤسسات العريقة ذات التاريخ الطويل من التميُّز كيف تعزِّز ميزتها التنافسية وتحافظ عليها -وخاصة على الأمد الطويل- من خلال منظومة عمل داخلية قوية وثابتة تعمل على إدراك هذه الميزة وتنظِّمها، بل وتبحث عن ميزات مماثلة تؤدي إلى تطويرها وتفرُّدها؛ فيركن المؤسسون إلى الماضي وتصبح فكرة الميزة التنافسية من المُسلَّمات والثوابت التي لا تتزحزح؛ بحيث تكون غير قابلة للتغيير أو المناقشة. وهذا تصوُّر خطير ومهلِك للمؤسسات.
إقرأ أيضاً: الاستراتيجيات العامة لـ "بورتر": اختر طريقك نحو النجاح

دور القادة في الميزة التنافسية:

بعدما عرفنا أهمية وخطورة "الميزة التنافسية" لبقاء المؤسسات وتعزيز حضورها في الأسواق؛ ينبغي لنا أن نسأل عن دور القادة في هذا المجال: ماذا يستطيع القادة أن يقدِّموا للمؤسسات من أجل تحقيق الميزة التنافسية؟

هنا نقدِّم مجموعة من الأسئلة حول أدوارهم:

  • ما الذي يفعله القائد لإلهام الأعضاء للتعبير عن القيمة أمام العملاء وكذلك خدمة العملاء بأفضل طريقة ممكنة لكسب قلوبهم مع إدراكهم للميزة التنافسية؟
  • كيف يساعد القائد بشكل استباقي في بناء التوجه نحو الحلول في أذهان الموظفين للمشكلات التي قد يواجهها العملاء، حتى يحترمونا كمستشارين موثوق بهم وليس بائعين؟
  • ما الذي يجب أن يفعله القائد لجعل الموظفين يشعرون بالتقدير والمشاركة العاطفية وبالتالي إيجاد إنتاجية مربحة للمنظمة؛ ويصبحون شركاء وليس فقط موظفين؟

تؤيِّد الدراسات التي أُجريت على القادة الناجحين في جميع أنحاء العالم أنَّ كونك صادقاً في الأفكار والأفعال إلى جانب الفطرة السليمة، يحفِّز الإيجابية في أعضاء الفريق. بعض الأشياء البسيطة الأخرى التي يمارسها القادة على أساس يومي لمساعدة الأفراد على امتلاك المنظمة وبالتالي بناء ميزة تنافسية هي:

  • الاستماع للآخرين بصدق: عندما يبدأ الناس في الشعور بأنَّ القائد يستمع إليهم بهدف مساعدتهم، تحدُث بينهم محادثات هادفة وجذابة وعميقة. علاوة على ذلك، لا يمكن أن يَحدث هذا ما لم يبذل القادة جهداً ووعياً للاستماع ليس فقط إلى ما يقوله الآخرون شفهياً، ولكن أيضاً محاولة فهم ما لم يُقال، والمشاعر التي لم يتم التعبير عنها والإشارات غير اللفظية. أهم شيء هنا هو الإجراء الذي اتخذه القائد بعد الاستماع إلى أعضاء الفريق؛ إذ يجب أن يَنقل أي إجراء يتم اتخاذه رسالة قوية مفادها أنَّ "أعضاء الفريق مهمون للقائد". وبمجرد أن يبدأ أعضاء الفريق بالاعتقاد أنَّهم مهمُّون في نظر القائد، فإنَّهم يشاركون أفكارهم دون تردد، وهو ما لم يكن ليفعلوه بخلاف ذلك. تمكِّن الثقة الأشخاص من المضي قدماً عن طيب خاطر وليس فقط لإنجاح المنظمة، ولكن أيضاً في تمكين المنظمة من البقاء في صدارة المنافسة. وفي اللحظة التي يبدأ فيها الموظفون بالاعتقاد أنَّ القائد يحترم خبراتهم وأنَّه منفتِح على التعلم منهم، يصبحون شركاء في العمل.
  • التركيز على العقد النفسي وليس المكتوب: وفقاً "لجون بورسيل" (John Purcell)، من كليّة الإدارة بجامعة باث، عندما يشعر الموظفون أنَّ المدير قد كسر أو خرق توقُّعاتهم بشأن العمل وفرصهم في الإنجاز، فإنَّهم يشعرون بأنَّهم أقل التزاماً. وعلى العكس من ذلك، عندما يساعد القادة الأعضاء في بناء عقد نفسي مع المنظمة، يتصرف الموظفون كمواطنين صالحين، ويدعمون زملاءهم الأعضاء في التماسك التنظيمي والترابط العميق؛ فينخرط الموظفون في إجراءات هادفة ويبذلون قصارى جهدهم لإضافة قيمة بسهولة. وعندما يتراجع الشعور بالعقد النفسي بسبب سوء الإدارة، يتم سحب السلوك التقديري مما يؤدي إلى عدم الرضا واليأس وانخفاض الإنتاجية. تُظهر الأبحاث أنَّه عندما يبني القادة تواصلاً عاطفياً مع موظفيهم ويعاملونهم كميزة استراتيجية؛ غالباً ما يتفوَّق الموظفون على أنفسهم ويتفوقون في الأداء.
  • التواضع للتعلم: يتطلب الأمر من القادة قوة داخلية هائلة وتواضعاً من جانب القائد لقبول أنَّه قد تعلَّم شيئاً جديداً من أتباعه أو الصغار الذين هم أدنى منه بكثير في التسلسل الهرمي. هذا يدل على أنَّ القائد يَحترم المعرفة والمهارة الفائقة التي يمتلكها الأعضاء، وليس المنصب الذي يشغله الفرد. وفي اللحظة التي يبدأ فيها الموظفون الاعتقاد أنَّ القائد يَحترم خبراتهم وأنَّهم منفتحون على التعلم منهم، يصبحون شركاء في العمل.
  • التواصل المفتوح: ماذا يحدث عندما يتواصل القادة مع أعضاء فريقهم ويعطونهم شعوراً بأنَّهم موجودون لمساعدة الموظف على النجاح؟ وماذا يحدث عندما يعتقد القادة بصدق أنَّ الناس هم الأصل الحقيقي وأنَّ مسؤوليتهم هي مساعدة الموظفين على تقديم مساهمة هادفة ودائمة؟ تُظهر التجربة أنَّه كلما تواصل القادة مع الموظفين واستفسروا عن رفاهيتهم وتطورهم المهني، ترتفع معنويات الموظفين ومشاركتهم. وبالمثل، عندما يمنع القادة أنفسهم من إنشاء حاجز اصطناعي لقوَّة الموقع حولهم، ينفتح الناس ويشاركون قلوبهم. من الواضح أنَّ الرسالة تنتشر حول أنَّ القائد منفتح ويقدِّر الأفكار والاقتراحات والتعليقات التي قدَّمها أعضاء الفريق. إنَّ مجرد الشعور بأنَّ القائد قد اقترب منهم واهتم بأفكارهم يثير لدى الأعضاء شعوراً بالملكية لحماية قضية المنظمة ويفعلون ما هو أفضل في المستقبل.
  • مساعدة الناس على الابتكار: القادة مسؤولون عن جمع الأعضاء معاً كفريق واحد وقيادتهم إلى نتائج الأداء المثلى. ومع ذلك، فإنَّ هذا يتطلب من القائد أن يدرك أهمية احتضان الاختلافات في الأشخاص وأن يكون ماهراً في دمج وجهات النظر المختلفة للحصول على الأفضل منها. من الواضح أنَّ هذا لن يكون ممكناً إلا عندما يفكِّر القائد أكثر في المنظمة والموظفين وأقل في نفسه. علاوةً على ذلك، هذا يتطلب بالتأكيد قوَّة داخلية هائلة من الاقتناع.

الخبر السار هو أنَّه إذا تم إجراؤه بشكل جيد، فإنَّه يعزِّز ثقافة الشراكة. وهذا أيضاً يشجع أعضاء الفريق على تبنِّي عقلية ريادة الأعمال، حيث يشعرون بثقة معقولة في مشاركة الأفكار والبناء عليها التي تعزِّز الابتكار والنمو والاستدامة. يعلم الأعضاء أنَّ القائد موجود دائماً لدعمهم في حالة فشلهم في التجريب وهذا يساعدهم على الازدهار المعرفي. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الشعور بالحرية يساعد الأعضاء على بناء ميزة تنافسية للمنظمة. وبمجرد أن يبدأ أعضاء الفريق بالاعتقاد أنَّهم مهمون في نظر القائد، فإنَّهم يشاركون أفكارهم دون تردُّد، وهو ما لم يكن ليفعلوه بخلاف ذلك.

في الختام:

دعونا نتذكر حقيقةً غاية في الأهمية؛ أنَّ التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي وجميع الإبداعات المتطوِّرة الأخرى التي تُحدِث ثورة في الأعمال التجارية وحياتنا، هي اختراعات للعقل البشري. وإذا اعتنى القادة بالناس ورعايتهم جيداً، فإنَّهم بدورهم سيهتمون بالمنظمة أيضاً.

ومن المرجَّح أن تكون المنظمات التي لديها استراتيجية للمواهب نتائج أعمال أكثر فاعلية بـ 4.2 مرة مقارنةً بالآخرين الذين لا يملكون نفس الاستراتيجية"؛ فواحدة من أهم أدوار القائد هي بناء منظومة متكاملة لصيانة الميزة التنافسية والمحافظة عليها بشكلٍ مستدام، فهي سر النجاح والتميز، ولكن ليس من طبيعتها الاستدامة ما لم يُخطَّط لها بحكمة من أعلى الهرم الوظيفي وتُصبُّ الجهود من أجل تقويتها.

من يعرف منَّا الخلطة السرية لدجاج كنتاكي والتي يقول عنها مؤسس كنتاكي: "بالنسبة لي لا تقدَّر وصفتي بثمن، ولن تثنيني الساعات ولا العمل ولا المال عن تقديم أفضل ما لدي". وها هي قد أصبحت أبرز ميزة تنافسية لسلسلة مطاعم منذ 1950.

 

مراجع: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة