الموسيقى ودورها في إمتاع العقل

تبدو الفلسفة القائلة بأنَّ المرء يجب أن يقضي حياته سعياً وراء المتعة رائعةً من الناحية النظرية، ولكنَّها نادراً ما تنجح عمليَّاً، وبقدر ما نود جميعاً أن نشعر بالرضا طوال الوقت، قد يكون هناك الكثير من الأشياء الجيدة التي نحبها مثل تناول البيتزا أو التنزه، ولكن بعد انتهاء هذه المتعة، لن يرغب معظم الناس في تكرارها لمدة أسبوع آخر أو ما يقارب ذلك.



ولكن لحسن الحظ، ثمَّة أشكال عديدة للمتعة، وطرائق متنوعة تمكِّننا من الشعور بالبهجة، وقد كشفَت دراسةٌ جديدة عن طريقة بسيطة وسريعة تمنح عقلك وجسمك استراحةً ممتعةً في أي وقت خلال اليوم، وهي تخصيص بضع دقائق من يومك والاستماع إلى إحدى أغانيك المفضَّلة؛ إذ يقول الباحثون في "جامعة بورغون فرانش كومتيه في بيزانسون بفرنسا" (Université de Bourgogne Franche-Comté in Besançon, France) إنَّ سماع الأغاني المفضَّلة يثير موجةً فوريةً من الاستجابات العصبية التي تنتج عواطفَ ممتعةً وذكرياتٍ سعيدةً. بالإضافة إلى ذلك، يشعر الكثير من الناس بقشعريرة أو رعشة في العمود الفقري عند سماع لحن موسيقي مفضَّل، وتُعَدُّ هذه القشعريرة أو البرودة التي تحدث أسفل العمود الفقري جانباً هامَّاً من هذه النتائج؛ إذ استخدم مؤلِّفو الدراسة مسحة تخطيط كهربية الدماغ (EEG brain scans) لإظهار العلاقة بين هذه الأحاسيس (القشعريرة والوخز) ومناطق مختلفة من العقل معروفة بتسهيل أنظمة المكافأة والمتعة.

لقد شارك 18 شخصاً في هذه الدراسة (11 امرأةً و7 رجال)، وقد اختير هؤلاء المشاركون جميعاً على وجه التحديد لأنَّهم أبلغوا بانتظام عن شعورهم "بقشعريرة" في أثناء الاستماع إلى موسيقاهم المفضَّلة، وعندما استمع كل شخص إلى موسيقاه المفضَّلة لمدة 15 دقيقةً (مقسَّمة إلى مقاطع مدتها 90 ثانية من الأغاني المختلفة)، سجَّلَت مسحة تخطيط كهربية الدماغ نشاطاً دماغياً عالي الكثافة، وفي الوقت نفسه، طُلِب من المشاركين أيضاً تقييم مدى المتعة التي تثيرها كل أغنية بصورة شخصية، وأيضاً عند حدوث قشعريرة، وأُفيد عن 305 قشعريرة في المشاركين جميعاً، استمرَّت كل منها تسع ثوان في المتوسط.

شاهد بالفديو: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

يقول مُعِدُّ الدراسة "تيبولت شابين" (Thibault Chabin): "استطاع المشاركون في دراستنا تحديد لحظات القشعريرة في الأغاني، ولكنَّ معظم قشعريرة الموسيقى حدثَت في أجزاء كثيرة من المقتطفات، وليس فقط في اللحظات المتوقعة". فضلاً عن ذلك، في كل مرة أبلغ فيها شخص عن الشعور بقشعريرة أو وخز، أظهر مخطط كهربية الدماغ ارتفاعاً في النشاط الكهربائي داخل القشرة الأمامية المدارية، والمناطق الحركية، والفص الصدغي الأيمن، وترتبط هذه المناطق بالعواطف والتحكم في الحركة وتقدير الصوت والموسيقى.

يبدو أنَّ هذه المناطق العصبية الثلاث تعمل معاً في انسجام عندما يستمع المرء إلى الموسيقى التي تنشِّط مراكز المكافأة في العقل؛ وبالتالي إطلاق الدوبامين (الذي يُطلَق عليه عادةً "هرمون السعادة"). ويعتقد الباحثون أنَّ كيمياء الدماغ هذه، بالاقتران مع الترقب الذي يشعر به المرء في أثناء انتظار الجزء المفضل من أغنيته المفضَّلة، هو ما يسبب القشعريرة في أثناء الاستماع إلى الموسيقى.

إقرأ أيضاً: العلاج بالموسيقى: هل يمكن استخدام الموسيقى بديلاً عن الدواء؟

يقول تشابين: "على عكس تقنيات التصوير العصبي الثقيلة مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) أو التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، يمكِن نقل مخطط كهربية الدماغ الكلاسيكي خارج المختبر إلى سيناريوهات طبيعية. والأمر الأكثر إثارةً للاهتمام هو أنَّ الموسيقى تبدو غير مفيدة بيولوجياً. ومع ذلك، يوحي تأثير الدوبامين ونظام المكافأة في معالجة المتعة الموسيقية بوظيفة قديمة للموسيقى".

الموسيقى جزء عالمي من التجربة الإنسانية؛ فنحن جميعاً نستمتع بالموسيقى ونقدِّرها، ويقول كثير من الناس إنَّ الموسيقى (سواء كنتَ تنتجها أم تستمع إليها) تشكِّل قيمةً ثمينةً للغاية من حيث الرعاية الذاتية، وتحسين الصحة العقلية، والتحرُّر الإبداعي. مع أخذ هذا كله في الحسبان، يعتقد الباحثون أنَّه من الهامِّ للغاية مواصلة البحث عن كيفية تأثير الموسيقى في العقل البشري.

إقرأ أيضاً: ما تأثير تعلم الموسيقى في الدماغ؟

ويختتم تشابين قائلاً: "نريد أن نقيس كيفية اقتران الأنشطة الدماغية والفيزيولوجية للعديد من المشاركين في البيئات الموسيقية الطبيعية والاجتماعية؛ فالمتعة الموسيقية ظاهرةٌ مثيرة للاهتمام، وتستحق المزيد من البحث من أجل فهم سبب كون الموسيقى بمثابة مكافأة، وكشف سبب أهميتها في حياة الإنسان".

المصدر




مقالات مرتبطة