الموسيقى: تاريخها وأهميتها في حياتنا

الموسيقى بمفهومها العام؛ هي شكل من أشكال التواصل بين البشر، إضافة إلى ذلك، هي منجم للإبداع والخلود وخطوات سهلة لصياغة حكاية العبقرية، كما أنَّها عنصر هام من عناصر الوجود يساهم في إعطاء رونق للحياة ولا يمكن العيش دونها.



تحيا الموسيقى عند كل الشعوب وتتعلق بثقافة الإنسان ولباسه وتعكس طريقة تفكيره ورؤيته للحياة؛ لذا تشكل هوية خاصة للمجتمعات، وتؤدي دوراً هاماً في تخفيف نزعة العنف لدى المجتمعات، كما أنَّها تعزز صلات الترابط والتواصل، وترقى بالإنسان إلى درجات الجمال والسلام الروحي والنفسي والسكينة الأبدية، والموسيقى حالة جمالية تعطي بهجة للروح وتنشر الفرح.

التطور التاريخي لكلمة موسيقى عبر العصور:

الأصل هو موسيقى أو موسيقى وبالإنجليزية (music) وبالفرنسية (musique).

وعموماً، تُعرَّف الموسيقى بأنَّها مجموعة الألحان التي تتآلف مع بعضها مُشكِّلة هيكلاً عاماً يُسمى الموسيقى، أو بتعبير أدق هي فن تناغم اللحن أو النغم وانسيابيته ضمن السياق الموسيقي وتوازنه بالوقت نفسه مع السكوت والتزامه به عبر الزمن أو المدة الزمنية المحددة؛ وهذا يقودنا إلى أن نقول إنَّ الموسيقى هي أصوات: أصوات البشر، وأصوات الآلات، وأصوات الأشياء.
والجدير بالذكر أن نطرح سؤالاً هاماً:

ما هي خصائص الصوت؟

  1. طبقة الصوت: تشتمل على الألحان والتناغم الهارموني؛ أي الكيمياء الهارمونية.
  2. الإيقاع: يشكل ميزان الموسيقى، وفيه يتحدد متى تصعد النغمة الموسيقية ومتى تهبط وفق السلم الموسيقي.
  3. الجودة: بما فيها جودة جرس اللحن، وتزيين اللحن، وحيوية النغم، وعذوبة الإيقاع.

لنَعُد الآن إلى تاريخ التطور الدلالي لمعنى كلمة موسيقى، وإن كان شرح هذا الحديث يتطلب وقتاً طويلاً، إلَّا أنَّنا سنعمد إلى تقديمه لك بإيجاز واقتضاب.

إنَّ علماء تاريخ الحياة الموسيقية يعتقدون أنَّ الموسيقى هي كلمة أصلها يوناني، وكانت تعني في الزمن القديم الفنون عموماً، ولكنَّها فيما بعد أصبحت تدل على فن الألحان بشكل خاص، وبقي التفسير الدلالي لمعنى كلمة موسيقى على أنَّها فن الألحان لسنوات، ومنه استدل الباحثون في التاريخ الموسيقي على تعريف أوسع وأشمل للموسيقى؛ بمعنى أنَّها صناعة تتكئ على البحث عن التنظيم الزمني والحركي لاتساق النغمات واصطفافها ضمن منحى معيَّن، كما عمدوا إلى البحث في كيفية توحيد صياغة عامة تنتظم فيها العلاقات بين النغمات والأوزان وأجراس الصوت من حيث انبثاقها وخمودها وتصاعدها وهبوطها.

شاهد بالفيديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟

تاريخ تطور أداء الموسيقى:

تطور فيما بعد فن التأليف إلى حد كبير وصار مقترناً بالموسيقى؛ إذ لا يمكن أن نصنع موسيقى دون العزف على الآلات التي تخرج من جوفها وأوتارها أصواتاً مختلفة شكلت بمجموعها ما يُعرَف بالموسيقى عبر الزمن.

إذاً، ما هي أهم الآلات العازفة عبر الزمن؟

  1. آلات من مصدر عضوي: كالإنسان والتصفيق.
  2. آلات النفخ: مثل آلة الناي والصافرة.
  3. الآلات ذات الوتر أو الوترية: وأغلبها من منشأ غربي مثل الكمان، والعود من منشأ شرقي والقيثارة أو المزمار.
  4. الإلكترونية المعاصرة: الأورغ.

في الواقع، إنَّ الموسيقى بتجلياتها المختلفة لا تنحصر فقط في العزف على آلة؛ وإنَّما في القرع على الطبول وموسيقى الهرمونيكا، كما تشتمل على حلقات الدبكة ورقص الباليه والرقص الشرقي.

إنَّ أي كائن في الوجود ما دام يصدر صوتاً؛ يُعَدُّ ولادة للموسيقى، ويمكننا القول إنَّ الطبيعة هي قائد أوركسترا منظم وعالي الحرفية والأشجار وجداول المياه والأمطار والنباتات والحشرات هي الجوقة الموسيقية؛ فخرير المياه موسيقى، وزقزقة العصفور موسيقى، وحفيف الأشجار موسيقى، وبكاء الطفل وصرير الباب وتنقيط الصنبور جميعها موسيقى؛ ومعنى القول إنَّك أيها الإنسان أينما اتجهت من حولك تسمع الموسيقى وتميِّز الأصوات وتفهم حقيقتها ومصدرها، وتفهم أنَّ الكون كله مبني من مادة واحدة جميلة هي الموسيقى.

إقرأ أيضاً: الموسيقى وأثرها في علاج ضيق التنفس بسبب كورونا

سبب التسمية:

تاريخياً، تُنسَب كلمة موسيقى إلى ربةٍ من ربات الفنون الجميلة وأخواتها التسع وكانت أسماؤهن بالمجمل هي كلمة "موز" (Muses).

وكنَّ يهتممن بالشعر والفن والموسيقى والرقص والغناء على حد ما أعتقد، وهذا ما روته لنا الأساطير والخرافات اليونانية، وفيما بعد طوَّر الباحثون تعريف الموسيقى ليخلصوا القول إنَّها عملية تشتمل على نظامين؛ سمعي، وبصري، ووظيفتها هي ملاءمة هذين النظامين واستخدامهما بالشكل الصحيح، ويوجد مَن يقول إنَّها بسهولة فن ترجمة الإحساس صوتياً؛ إذ إنَّها تقوم على ركنين أساسيين هما الصوت، والأذن، وهما عاملان متكاملان في سبيل إنجاح العملية الموسيقية.

تطور تاريخ الموسيقى:

لا يوجد دليل حقيقي وواضح حول نشأة الموسيقى، ولكن يعتقد الجميع أنَّها خُلِقت مع الإنسان البدائي مع أول خطوة له في دروب الحياة الصعبة، وكان الصوت في البداية أمراً عجيباً ولغزاً غير مفهوم حين كان الإنسان يصدر أصواتاً لا يعرفها ولا يفهمها بسبب جهله وعدم إيجاده اللغة والكلام.

ولكنَّ دماغ الإنسان البدائي كان يسجل كل نغمة يسمعها ويحفظها على شكل ملفات فلا ينساها، مثل هديل الحمام ونقيق الضفادع وصوت الديناصور وفحيح الأفعى وغيرها، وكان يقلد هذه الأصوات على طريقته دون أن يفهم ماهيتها، ثم تطوَّر الإنسان البدائي حتى صار يصفق بيديه، ويقلم أظافره، وينشر الحطب، ويجمع القش، ومن ثم يطلق تنهيدة التعب ويصرخ عند الألم، فكل ذلك أعطاه مخزوناً من الأصوات أُضيفَت إلى ذاكرته السمعية وحفظه. 

تلك كانت دروسه الأولى في الموسيقى دون أن يعلم أنَّ كل هذه الأصوات هي موسيقى بشكل أو بآخر، ولكنَّه فهم أنَّه سيسمع هذه الأصوات أينما ذهب في الطبيعة، فعليه أن ينسجم معها ويتآلف معها سواءً كانت أصواتاً غليظة أم رقيقة حادة أم رفيعة مريحة أم مزعجة مخيفة أم مبهجة.

تطور الموسيقى وامتدادها في الغرب:

تطورت الموسيقى في البلدان الأوروبية تطوراً رهيباً؛ إذ يعود ظهورها إلى 500 ميلادي، وتحديداً في الأديرة والكنائس؛ حيث شاعت الترانيم والصلاة، فازدهرت الموسيقى وأخذت شكلاً جديداً.

ننتقل إلى عصور ما بعد الميلاد، وتحديداً في الأعوام الممتدة ما بين 1750 إلى 1800 ميلادي؛ إذ تطورت الموسيقى تطوراً رهيباً وظهرت سيمفونيات؛ إذ انتقلنا إلى شكل جديد من أشكال الموسيقى ويُعرَف بالموسيقى الكلاسيكية، ولعلَّ أبرز روادها "هايدن" و"موتزارت" وقد ظهرت في أحياء أوروبا الغربية؛ إذ ظهر في أوائل القرن التاسع عشر في أوروبا انقلاب جديد في بناء الهيكل الموسيقي وتحولت الموسيقى من الكلاسيكية إلى الرومانسية بقيادة العبقري "بيتهوفن".

وظهرت الموسيقى الجديدة في مطلع العصر الحديث؛ مثل موسيقى "الجاز" التي صاحبت الإفريقيين عند هجرتهم في أمريكا وإفريقيا، كما تأثرت الموسيقى في أوائل القرن التاسع عشر بالحركة الأدبية والفنية السائدة في أوروبا، ولكنَّ العالم بأكمله شهد تطوراً هاماً في القرن العشرين من ناحية الموسيقى؛ إذ افتُتِحَ "دار أوبرا" في "إيطاليا" في المدرسة النابولية التي تعود نشأتها إلى القرن الثامن عشر، ويجب الإشارة إلى أنَّ "فرنسا" كانت منفتحة ثقافياً؛ إذ احتضنت الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الرومانسية والباليه.

دور الموسيقى المادي في جسم الإنسان:

إنَّ الموسيقى هي نغمات؛ أي أصوات متعددة ومختلفة ومتباينة، وحين يتلقى جسم الإنسان هذه الأصوات من الوسط الخارجي، تؤدي دوراً هاماً في الجهاز العصبي؛ إذ تُهدِّئ الأعصاب وتخدرها؛ وهذا يسبب إحساساً بالاسترخاء والهدوء والتخلص من كل الطاقة السلبية التي يكون مصدرها الانفعال والتوتر.

كما إنَّ الموسيقى تؤدي دوراً فعالاً في القضاء على الشعور بالألم؛ فعند سماع الإنسان الموسيقى والاستمتاع بها، فإنَّ الجسم يصنع مضادات حيوية طبيعية تساعد الجهاز العصبي على التخلص من الألم والتخلص من المرض، وتقوي الجملة المناعية والعصبية، وتنتقل الذبذبات الموسيقية إلى الدماغ مع المضادات، فتحث الدماغ على خفض الكثافة حينما تتمركز فيه عبر إفراز مواد كيميائية تخفض الكثافة، ومن ثم تقتل الشعور بالألم.

شاهد بالفيديو: ما هو التعلم السريع؟

دور الموسيقى في الصحة النفسية:

الموسيقى هي لغة تعبِّر عن العواطف؛ إذ إنَّها الوسيلة التي يعبِّر الإنسان من خلالها عن كل ما لا يستطيع أن ينقله بالكلمات؛ أي هي امتداد للتعبير عن مشاعره وكينونته وإنسانيته واستقلاله؛ فمثلاً "بيتهوفين" أبدع في سيمفونيته الثالثة رداً على حكم "نابليون" وحروبه الجائرة وظلمه؛ فكان الرد على شكل تيار متصاعد من النغم واللحن الصارخ المستهجن المستنكر لأعماله ومواقفه.

إنَّ الحضارات القديمة كالحضارات اليونانية والهندية والمصرية تعمقت في الموسيقى ولخصت سحرها وعطرها؛ إذ دمجتها في الطقوس الدينية وعبادة الآلهة؛ لذا، جعلوا منها مرتبة يصعدون بها نحو الرقي والمحبة والشفافية.

كما أخذت بعداً إضافياً عند المتصوفين؛ إذ إنَّها صارت تُنسَب إليهم حتى سُمِّيت بالموسيقى الصوفية، وأكدوا أنَّها دواء للروح والاسترخاء والشجن ونقطة تلاقي كل البشر على الحب والخير والنور؛ أي هي القاسم المشترك بين كل البشر على اختلاف أجناسهم وأطيافهم وألوانهم وأديانهم ومعتقداتهم.

فبعضهم يراها مصدر إلهام يستقي منها الأفكار والحلول، وبعضهم الآخر يرى أنَّها طريقٌ مُعبَّد بالنور والمحبة والضوء، وبعضهم يظن أنَّها دواء وعلاج للكثير من المشكلات النفسية، فهي تخفف من الحزن والغضب والتوتر والأرق والوسواس القهري والاكتئاب الجادي المَرضي، كما أنَّها تفرغ الكبت والطاقة السلبية وتضيف إلى عمر الإنسان مخزوناً عاطفياً قوياً ومتجدداً.

إقرأ أيضاً: هل تزيد الموسيقى من إنتاجيتنا؟

فوائد الإصغاء إلى الموسيقى:

  1. الموسيقى تزيدك سعادة: توصلت الأبحاث العلمية والدراسات الحديثة إلى أنَّ الاستماع للموسيقى يسبب السعادة للإنسان؛ وذلك لأنَّه يحث الجسم على إفراز مادة كيميائية هي "الدوبامين" وتنتقل إلى الدماغ بمنزلة ناقل عصبي وتفرز هرمونات السعادة وارتفاع المزاج.
  2. الموسيقى تخفف من التعب والعناء: الاستماع للموسيقى أو العزف على آلة موسيقية أو المشاركة والعمل في ميادين الموسيقى يُنسيك التعب والهم ويبقيك مرتاحاً سالماً إلى الأبد.
  3. الموسيقى تُهيِّئ لك بيئة صحية ونوماً منتظماً: الموسيقى الكلاسيكية تجلب الاسترخاء وتخفف تعب الروتين وثقله اليومي، كما تسهم في تخفيف ضغط العمل والأعباء اليومية.
  4. الموسيقى تقضي على الاكتئاب: من المعروف أنَّ الناس الذين يستمعون للموسيقى بشكل يومي؛ يكونون أشخاصاً مبتهجين وقليلي الاكتئاب بعكس الآخرين، كما يصف الأطباء النفسيون لمرضى الاكتئاب بأن يستمعوا للموسيقى والتأمل والموسيقى الكلاسيكية.

إنَّ الموسيقى تكاد تكون اللغة الوحيدة التي تصل إلى قلوب وعقول الناس دون تعليم أو شرح أو تلقين، وتُعَدُّ مادة دسمة تُدرَّس في المدارس والمعاهد والجامعات؛ وذلك نظراً لأهميتها بالنسبة إلى الفرد والمجتمع، كما تسهم - كما قلنا آنفاً - في إعطاء معنى للحياة وتهذب الروح وتمنحها بُعداً إضافياً في قوة الإحساس والعاطفة وتجعلها ذواقة للفكر والحب والفن والمعرفة، فما أحوجنا إلى الموسيقى في زمن الضوضاء والصراعات والانحلال الخلقي!

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة