المصرف المركزي ودوره في الاقتصاد

"قرر البنك المركزي كذا"، أو "اتَّخذ المصرف المركزي الإجراء كذا"، أو "قرر السماح بكذا، أو منع كذا، أو تدخَّل في كذا"، جميعنا يسمع - وفي أي بلد كُنَّا - هذه العبارات سواء في نشرات الأخبار أم الصحف والجرائد، ولكنَّ القليل منا يعرف ما هو المصرف المركزي أو دوره؛ لذا تعال معنا في هذا المقال لنتعرف أكثر عن هذه المؤسسة الهامة لأي اقتصاد في العالم.



أولاً: ما هو المصرف المركزي؟

توجد العديد من التعريفات للمصرف المركزي، من أبرزها:

  1. تُعرِّف "فيرا سميث" المصارف المركزية بأنَّها "النظام المصرفي الذي يوجد فيه مصرف واحد، له السلطة الكاملة على إصدار النقد".
  2. يُعرِّف "سامويلسون" المصرف المركزي بأنَّه "المصرف الذي يُنظِّم ضخ النقود عبر شرايين الحياة الاقتصادية، ويُحدد مستوى سعر الفائدة، ويتولى إدارة الشؤون النقدية في البلاد".
  3. يُعرفه "علي كنعان" - دكتوراه في علم الاقتصاد - "هو مؤسسة مصرفية تُعنى بشؤون الإصدار النقدي والإدارة النقدية، وتعمل على استقرار قيمة النقد الوطني".

ثانياً: نشأة وتطوُّر البنوك المركزية

لم يكن الظهور الأول للمصارف المركزية بشكلها الحالي؛ بل كانت البنوك التجارية هي ما تتمتع بميزة إصدار العملة الوطنية أو الإشراف على الإصدار، وكان ذلك خطيراً كونه غير محصور بجهة مختصة، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى مؤسسة مستقلة ومختصة، تكون مهمتها الأساسية هي إصدار النقد.

  1. كان المصرف السويدي أول مصرف مركزي في العالم، والذي أُسِّس في عام 1668، وكانت مهمته إصدار النقود مقابل تقديم القروض للدولة.
  2. ثم أُسِّس مصرف إنكلترا عام 1694 على شكل شركة خاصة بمرسوم ملكي، والذي يُعَدُّ أول مصرف مركزي يمتلك خبرة في الصيرفة المركزية، وكانت مهمته منح القروض للدولة مقابل حقه في إصدار النقود، ثم تطورت وظائفه لاحقاً.
  3. أُسِّس مصرف فرنسا عام 1800، بالمشاركة بين الدولة والقطاع الخاص، بحيث تتولى الدولة تعيين المحافظ ونائبه، ويُعيِّن القطاع الخاص مجلس الإدارة.
  4. وفي هولندا، أُسِّس المصرف المركزي الهولندي عام
  5. وفي الدنمارك، أُسِّس المصرف المركزي الدنماركي عام 1917، وأخذ مهمة إصدار النقود.
  6. وأما في ألمانيا، فقد كان يقوم 33 مصرفاً بإصدار النقد الألماني، ثم حصرت الإمبراطورية الألمانية حق الإصدار ببنك سُمِّي ببنك الرايخ.
  7. أما في أمريكا، فأُسِّس المصرف المركزي الأمريكي عام 1914، بعد أن كانت مصارف تتولى إصدار النقد.
  8. بعد ذلك ومنذ عام 1920، أوصى مؤتمر المصارف بإنشاء المصارف المركزية، نظراً لأهميتها للاقتصاد الوطني لكل دولة، وبدأ يتوالى إنشاء المصارف المركزية في باقي دول العالم.
  9. أما بالنسبة إلى الدول العربية؛ فقد كان البنك المركزي العراقي من أوائل البنوك المركزية الذي أُسِّس عام
  10. ثم تلاه المصرف المركزي السوري عام
  11. ومن ثم تتالت الدول العربية في تأسيس مصارفها المركزية.

ثالثاً: خصائص المصرف المركزي

يتمتع المصرف المركزي بالخصائص الآتية:

  1. المصرف المركزي مؤسسة مصرفية عامة تتبع ملكيتها للدولة وليس إلى جهات خاصة.
  2. يترأس المصرف المركزي الجهاز المصرفي للدولة، ويمارس سلطة رقابية على كافة المصارف العاملة فيها.
  3. يهتم المصرف المركزي بتحقيق المصلحة العامة أكثر من الاهتمام بتحقيق الأرباح.
  4. يحتكر المصرف المركزي عملية إصدار النقود.
  5. يوجد مصرف مركزي واحد في كل دولة.
  6. لا يتعامل المصرف المركزي مع الأفراد أو المنشآت؛ وإنَّما تعامله مع المصارف والمؤسسات المالية حصراً.
  7. يتميز المصرف المركزي بقدرته على تحويل الأصول الثابتة إلى أصول نقدية.
  8. يتولى إدارة المصرف المركزي شخص يُدعى "حاكم المصرف المركزي" أو "مُحافظ المصرف المركزي"، ويُعيَّن من قِبل رئيس الدولة أو من قِبل حكومتها.

رابعاً: موارد المصرف المركزي

تتكون موارد المصرف المركزي من:

  1. رأس المال: يتكون من الموارد الذاتية للمصرف المركزي.
  2. الاحتياطي العام: وهو نسبة معينة من الأرباح يحتفظ بها المصرف المركزي وفق ما يُحدده القانون المصرفي، ويدفع النسبة المتبقية من الأرباح إلى الحكومة.
  3. الحسابات الجارية والودائع: وهي أكبر موارد المصرف المركزي وتتكوَّن من:
  4. حسابات وودائع المصارف المُرخصة.
  5. حسابات وودائع مؤسسات الإقراض المتخصصة.
  6. حسابات وودائع المؤسسات العامة.
  7. حسابات وودائع المؤسسات والهيئات الخارجية.

خامساً: استقلالية المصرف المركزي

تتمتع المصارف المركزية باستقلالية تماثل الاستقلالية التي تتمتع بها السلطة القضائية؛ وذلك لضمان حماية القطاع المالي والمصرفي من أية ضغوطات أو تدخلات سياسية، ولم يتوقف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عن توصية الحكومات في كل دول العالم إلى منح الاستقلالية لمصارفها المركزية والتنصيص على ذلك قانوناً.

وتتمثل استقلالية المصرف المركزي بما يأتي:

  1. الاستقلال الإشرافي: يتمثل في حرية المصرف المركزي في عملياته الإشرافية التي يقوم بها.
  2. الاستقلال المؤسسي: يتمثل في حرية المصرف المركزي في تعيين وإقالة كبار موظفيه، وتحديد هيكله التنظيمي، وأدوار أعضاء مجلس الإدارة.
  3. استقلال الموازنة: تتمثل في حرية المصرف المركزي في تعيين الموظفين وتدريبهم وصرف المكافآت لهم.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟

سادساً: وظائف المصرف المركزي

يقوم المصرف المركزي بالوظائف الآتية:

  1. يحتكر المصرف المركزي إصدار النقود المعدنية والورقية؛ فهو الجهة الوحيدة التي خوَّلها القانون بإصدار النقود وتنظيمها، وسلطة سحبها من التداول.
  2. المصرف المركزي هو "بنك الحكومة"، كونه مستشارها ووكيلها المالي، ويقوم بالأعمال المصرفية المتعلقة بها، كالإشراف على إصداراتها من أدوات الدين العام.
  3. يقوم المصرف المركزي بأعمال المقاصة بين المصارف، وتسوية حساباتها وديونها.
  4. يُنفِّذ المصرف المركزي السياسة النقدية؛ من خلال التحكم بحجم الائتمان؛ أي الإقراض، والرقابة عليه.
  5. يحتفظ المصرف المركزي باحتياطيات الدولة؛ من العملات الأجنبية والذهب وأصولها المالية الأخرى، ويُديرها ويُوظِّفها داخلياً أو خارجياً.
  6. يحتفظ المصرف المركزي بالاحتياطي النقدي للمصارف، لحمايتها من أزمات السيولة، وإقراضها عند تعثرها.
  7. يُراقب المصرف المركزي النظام المصرفي ومدى التزام المصارف بالتعليمات والقوانين.
  8. يشارك مع الحكومة في رسم الخطة الاقتصادية.

سابعاً: لماذا يُطلَق على المصرف المركزي اسم "بنك البنوك"

يُطلَق على المصرف المركزي تسمية "بنك البنوك" للأسباب الآتية:

  1. أهم فكرة في عمل المصرف المركزي هي أنَّه لا يتعامل مع الأفراد، فهو يتعامل مع المصارف العامة والخاصة، وتكون مهمته الإشراف والمراقبة على هذه البنوك، وتوجيه سياستها الائتمانية؛ أي قدرتها على منح القروض وإيداع الودائع.
  2. كما يُلزِم المصرف المركزي المصارف بإيداع مبالغ لديه، وهي بمنزلة احتياطي إلزامي لديه؛ وذلك لدعمها ومساعدتها في الظروف الطارئة.
  3. يقوم المصرف المركزي بعملية المقاصة بين المصارف، وتسوية ديونها من خلال الاقتطاع من حساب المصرف المدين لحساب المصرف الدائن؛ وهذا يُوفِّر الوقت والجهد الذي تحتاج إليه هذه المصارف لتسوية الديون فيما بينها.
  4. يقوم المصرف المركزي بدور "المُقرِض أو الملاذ الأخير" من خلال إقراض المصارف في أوقات الأزمات والتعثر؛ فقد يؤدي إفلاس مصرف ما، إلى إفلاس مصارف أخرى وتعرُّض الدولة إلى أزمة سيولة.
  5. يقوم البنك المركزي بمساعدة المصارف على الاستعلام عن العميل الذي يتقدَّم بطلب اقتراض إليها؛ إذ يعمل المصرف المركزي في إطار ما يُسمى "مركزية المخاطر" على تجميع المعلومات عن الزبائن السيئين الذين اقترضوا من المصارف ولم يدفعوا، وتنبيه بقية المصارف من التعامل مع هؤلاء الزبائن.

ثامناً: المصرف المركزي ومكافحة التضخم أو الركود

يتحكم المصرف المركزي بالسياسة النقدية للدولة ومكافحة التضخم أو الركود الاقتصادي من خلال الأدوات الآتية:

1. سياسة سعر الفائدة:

يشجع المصرف المركزي زيادة الائتمان؛ أي الإقراض؛ وذلك من خلال تخفيض سعر الفائدة لمن يقترض منه من المصارف؛ إذ تزداد حينها رغبة المصارف في الاقتراض من المركزي وزيادة سيولتها، ومن ثمَّ زيادة قدرتها على إقراض الأفراد والشركات، ويلجأ المصرف المركزي إلى هذه السياسة في حالة الركود، بهدف إنعاش الاقتصاد وزيادة الأموال في أيدي الأفراد؛ وهذا يزيد من الطلب على السلع والخدمات، وينشط الإنتاج والشراء والبيع.

أما في حالة التضخم وارتفاع الأسعار باستمرار، فيتجه المصرف المركزي إلى تخفيض السيولة في أيدي الأفراد، فيلجأ إلى تقييد قدرة المصارف على إقراض هؤلاء الأفراد؛ وذلك من خلال رفع سعر الفائدة على مَن يقترض منه من المصارف؛ وهذا يجعلها تُحجِم عن الاقتراض من المركزي، ومن ثمَّ تقل قدرتها على إقراض الأفراد بسبب عدم توفر السيولة لديها.

2. سياسة السوق المفتوحة:

يُقصَد بسياسة السوق المفتوحة؛ تدخُّل المصرف المركزي بائعاً أو مُشترياً للأوراق المالية؛ أي الأسهم والسندات والسندات الحكومية، في سوق الأوراق المالية؛ أي البورصة؛ وذلك بهدف التأثير في قدرة المصارف على زيادة أو تخفيض الائتمان.

قد يتدخَّل المصرف المركزي في سوق الأوراق المالية بوصفه مُشترياً لها في حالة الركود الاقتصادي والرغبة في الخروج منه؛ إذ يأخذ المركزي الأوراق ويدفع سعرها إلى المصارف؛ وهذا يزيد السيولة لديها، ومن ثمَّ قدرتها على إقراض الأفراد؛ وهذا يؤدي بدوره إلى إنعاش الاقتصاد جرَّاء زيادة الطلب والاستهلاك والنشاط الصناعي.

أما في حالة التضخم، فيتدخَّل المصرف المركزي في السوق المالي بوصفه بائعاً للأوراق المالية، وتُشترى من قِبل المصارف؛ وهذا يسحب السيولة منها، فتقل قدرتها على الإقراض وتقل السيولة في أيدي الأفراد، وعندما تقل كمية النقود في السوق، ستنخفض الأسعار.

إقرأ أيضاً: ما هي توقعات أسعار الذهب وسوق السلع هذا العام 2022

3. نسبة الاحتياطي القانوني:

الاحتياطي القانوني هو نسبة معينة من ودائع المصارف، يُلزِمها المصرف المركزي بالاحتفاظ بها لديه؛ بهدف حماية هذه المصارف من مخاطر الإفلاس، ومساعدتها في أزمات السيولة التي قد تتعرض لها.

وسياسة الاحتياطي القانوني هي الأكثر فاعلية من السياستين السابقتين، كونها الأكثر تأثيراً في قدرة المصارف على منح الائتمان؛ أي الإقراض؛ لذا في حال أراد المصرف المركزي زيادة قدرة المصارف على إقراض الأفراد والشركات، فإنَّه يلجأ إلى تخفيض نسبة الاحتياطي القانوني المفروضة على هذه المصارف، ويلجأ إلى رفع النسبة في حال أراد تخفيض قدرة المصارف على الإقراض.

إقرأ أيضاً: التضخم الاقتصادي: مفهومه، وأسبابه، وآثاره، وطرق مكافحته

تاسعاً: دور المصرف المركزي في الاقتصاد

  1. المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في الدولة.
  2. تعزيز النمو الاقتصادي.
  3. تخفيض البطالة.
  4. مكافحة التضخم أو الركود.
  5. مراقبة المنظومة المصرفية وضمان سلامتها، وتنظيم الإقراض.
  6. المحافظة على استقرار سعر الصرف للعملة الوطنية.

في الختام: المصرف المركزي صمام الأمان

الحديث عن المصرف المركزي ووظائفه وأهميته يطول، ولكنَّنا أوجزنا أهم النقاط في عمله؛ إذ يمكن وصف المصرف المركزي بصمام الأمان لاقتصاد الدولة، كونه هو مَن يتحكم بنظامها المصرفي والنقدي، وتصب قراراته في كل مناحي حياتها الاقتصادية؛ لذا فهو يُطوِّر اقتصادها وهو ما يُجعلها يتراجع.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة