المصارف الإسلامية: نشأتها وخصائصها وأهدافها والعوامل المؤثرة في ربحيتها

المصارف الإسلامية ركيزة مالية حديثة تجمع بين الأخلاق والاقتصاد، وتقدِّم نموذجاً فريداً للنشاطات المصرفية يتجاوز حدود الاقتصاد النقدي التقليدي، وقد أُسِّست هذه المصارف على أسس إسلامية صريحة تستند إلى مبادئ شرعية تهدف إلى تحقيق الربح بطرائق متوافقة مع القيم والأخلاق الإسلامية.



وأصبحت المصارف الإسلامية اليوم جزءاً لا يتجزأ من النظام المالي العالمي؛ إذ تشهد توسعاً مستمراً في مختلف أنحاء العالم، وتحقق نجاحاً ملحوظاً في تحقيق أهداف التمويل والاستثمار بطريقة متوافقة مع الشريعة الإسلامية، فما هي المصارف الإسلامية؟ وما هي الأهداف التي أنشئت من أجلها؟ وما هي العوامل التي تؤثر في ربحية هذه المصارف؟

تعريف المصارف الإسلامية:

تعكس المصارف الإسلامية مفهوم "التمويل الإسلامي" الذي يقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد الدينية التي تهدف إلى تطبيق الأخلاق والقيم في الاقتصاد وتحقيق الفائدة الاجتماعية بوصفها هدفاً أساسياً في أعمال هذه المصارف، ويُعرف المصرف الإسلامي بأنَّه "مؤسسة مصرفية تلتزم في جميع معاملاتها ونشاطها الاستثماري وإدارتها لجميع أعمالها بالشريعة الإسلامية ومقاصدها وكذلك بأهداف المجتمع الإسلامي داخلياً وخارجياً".

المصرف الإسلامي هو كل مؤسسة مرخصة تقدِّم خدماتها المصرفية دون التعامل بالفائدة (أساس غير ربوي) وتزاول فتح الحسابات الجارية وقبول الودائع الاستثمارية لاستخدامها في نطاق أنظمة السيولة السائدة إلى جانب تمويل المشاريع التجارية وفقاً للمبادئ الإسلامية.

نشأة المصارف الإسلامية:

بدأت فكرة إنشاء المصارف الإسلامية من رغبة المجتمع الإسلامي في ممارسة العمل المصرفي بعيداً عن التعامل بالفوائد (الربا) التي يحرمها الإسلام وحاجة المسلمين إلى بدائل مالية تتوافق مع ذلك، وتشير الدراسات إلى أنَّ أول فكرة لقيام مصرف إسلامي كانت في "ماليزيا" عام 1940؛ إذ تم إنشاء صناديق ادخار لا تتعامل بالفائدة، ولكنَّ هذه الفكرة لم تستمر طويلاً.

في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بدأت المصارف الإسلامية بالظهور في مصر وباكستان والهند وبعض الدول الأخرى، وقد أُسِّسَت هذه المصارف بمساعدة علماء الشريعة والاقتصاد الإسلامي الذين ساهموا في وضع الإطار الشرعي للنشاطات المصرفية.

يمكن القول إنَّ البداية الفعلية للمصارف الإسلامية كانت في عام 1975 عندما صدر المرسوم الأميري بتأسيس بنك دبي الإسلامي الذي قدَّم خدمات مصرفية إسلامية كاملة، وفي نفس العام أُنشئ البنك الإسلامي للتنمية الذي شاركت فيه جميع الدول الإسلامية، ومن بعدها عمدت الدول إلى إنشاء البنوك الإسلامية المحلية.

في العقود الأخيرة، شهدت المصارف الإسلامية انتشاراً عالمياً وزيادة في الطلب على خدماتها، وقد أُسِّسَت مصارف إسلامية في معظم دول العالم؛ إذ بلغ عددها وفقاً لتقرير في عام 2020 عن تطور المالية الإسلامية 526 مصرفاً إسلامياً موزعاً على 72 دولة، وباتت توفِّر خدماتها لعدد كبير من المسلمين وغير المسلمين الذين يبحثون عن أساليب مالية متوافقة مع الشريعة.

خصائص المصارف الإسلامية:

1. حظر الربا (الفوائد):

تمتنع المصارف الإسلامية عن تقديم أو استقبال الفوائد الربوية، وتعتمد بدلاً من ذلك على أنماط تمويل تتوافق مع الشريعة الإسلامية.

2. المشاركة في الأرباح والخسائر:

تعتمد المصارف الإسلامية على نموذج تمويل مشارك؛ إذ يتقاسم العملاء والمصرف أرباح الاستثمارات المشتركة والخسائر أيضاً.

3. حظر الصفقات غير الشرعية:

تمتنع المصارف الإسلامية عن التعامل في الصفقات التي تتعارض مع مبادئ الشريعة، مثل تصنيع وبيع وتوزيع وشراء جميع المشروبات الكحولية، والقمار والمراهنات، والصفقات التي تضر بالمجتمع، والنشاطات غير الشرعية.

4. الشفافية والوضوح:

يتطلب النموذج الإسلامي من المصارف توفير معلومات واضحة وشفافة عن الصفقات والعقود المالية.

5. الرقابة الشرعية:

تشرف هيئات مالية إسلامية على النشاطات المالية للمصارف الإسلامية للتحقق من الامتثال للشريعة.

6. توجيه الاستثمار نحو الأصول الشرعية:

تسعى المصارف الإسلامية إلى استثمار الأموال في الأصول والمشاريع التي تتوافق مع مبادئ الشريعة.

7. تمويل الأصول الثابتة:

تقدِّم المصارف الإسلامية خدمات تمويل للأصول الثابتة مثل العقارات والمشاريع الاستثمارية.

8. حظر المخاطر غير المشروعة (المضاربة):

تمنع المصارف الإسلامية المخاطر التي تتعارض مع مبادئ الشريعة.

شاهد بالفديو: 10 نصائح لحماية حسابك المصرفي من الاختراق عن طريق الإنترنت

9. الاستثمار الاجتماعي والبيئي:

تشجع المصارف الإسلامية على دعم المشاريع والاستثمارات التي تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية.

10. التمويل الجماعي:

تشجع المصارف الإسلامية على توجيه الأموال نحو الاستثمارات الجماعية التي تعود بالفائدة للمجتمع ككل.

11. القروض المشروطة بالمشاركة:

تقدِّم المصارف الإسلامية قروضاً تمويلية مشروطة بالمشاركة في الأرباح والخسائر لدعم ريادة الأعمال.

12. حظر السلفة:

تمنع المصارف الإسلامية السلفة التي تتضمن دفع فائدة.

13. تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة:

تسعى المصارف الإسلامية إلى دعم رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير خدمات تمويل ملائمة.

إقرأ أيضاً: الودائع المصرفية: أنواعها، وأهميتها، وحكمها في الإسلام

أهداف المصارف الإسلامية:

تُعَدُّ المصارف الإسلامية جزءاً أساسياً من النظام المالي الإسلامي، وتؤدي دوراً بارزاً في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتوجيه الاستثمارات نحو مشاريع تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وتسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها:

  1. إيجاد نظام اقتصادي إسلامي عادل وشامل وبعيد عن النظام الرأسمالي.
  2. الترغيب في الادخار وتوفير التمويل الاستثماري، فالمسلمون يرفضون التعامل مع المصارف الربوية، ومن ثمَّ لا تدخل أموالهم في الاستثمار.
  3. إيجاد التنسيق بين الوحدات الاقتصادية الإسلامية في المجتمعات الإسلامية خاصةً.
  4. تحقيق النفع العام وقدر مناسب من الأرباح للمساهمين.
  5. تعزيز موقع المصرف في السوق المصرفية.
  6. زيادة الانتشار الجغرافي للمصارف الإسلامية وزيادة نسبة المساهمين فيها.
  7. ابتكار أدوات للتمويل الإسلامي.
  8. تنمية الوعي الادخاري في المجتمعات الإسلامية.
  9. تأمين التمويل اللازم للقطاعات المختلفة، لا سيما الإنتاجية منها.
  10. تحقيق التكافل الاجتماعي بين الأفراد في المجتمع.
  11. المساهمة في دراسة مشكلات المجتمع والمشاركة في وضع الحلول لها.
  12. تقديم التسهيلات للمنظمات التي تساهم في تنمية البيئة.
  13. الالتزام بالقواعد والقوانين الإسلامية.

شاهد بالفديو: 8 علامات تدلّ على أنَّك لا تُجيد استثمار أموالك

العوامل المؤثرة في ربحية المصارف الإسلامية:

1. العوامل السياسية:

تؤثر السياسات واللوائح الحكومية في نشاط المصارف الإسلامية وقدرتها على تحقيق الربحية، كما أنَّ الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار قد يؤثران سلباً في الاستثمار والنمو الاقتصادي، وهذا يؤدي إلى تقليل فرص تحقيق الأرباح للمصارف الإسلامية.

2. العوامل الاقتصادية:

قد يعزز النمو الاقتصادي العام الفرص للمصارف الإسلامية لتحقيق أرباح أعلى من خلال زيادة الطلب على الخدمات المالية، وتعتمد المصارف الإسلامية على الأرباح غير الربوية، لذلك تتأثر بمعدلات الفائدة في السوق، فانخفاض معدلات الفائدة قد يزيد من جاذبية الاستثمار في منتجاتها، كما أنَّ تقلبات الأسواق المالية قد تؤثر في قيمة الأصول التي تمتلكها المصارف الإسلامية، ومن ثمَّ تؤثر في ربحيتها.

3. الثقافة الاجتماعية والتوجه الديني:

في المجتمعات ذات الثقافة الاجتماعية التي تشجع على الامتثال للشريعة الإسلامية، قد يزيد الطلب على المصارف الإسلامية، وهذا قد يزيد من قاعدة العملاء ومن ثمَّ يزيد من الإيرادات والأرباح، وتستفيد المصارف الإسلامية من الأفراد والمؤسسات الذين يرغبون في الامتثال للشريعة الإسلامية والامتناع عن الربا والمعاملات المحرمة، وهؤلاء العملاء قد يكونون جزءاً هاماً من قاعدة العملاء للمصارف الإسلامية.

4. سعر الصرف:

إذا كانت العملة الوطنية تُقيَّم بشكل متدنٍ مقارنة بالعملات الأجنبية، فإنَّ المصارف الإسلامية قد تجد أنَّه من الأرخص لها اقتراض الأموال من السوق الدولية، وهذا قد يقلل من تكلفة التمويل، ومن ثمَّ يزيد من الربحية، كما أنَّ تحسُّن سعر الصرف قد يزيد من الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وهذا يسهم في نمو الاقتصاد وزيادة الفرص للمصارف الإسلامية لتوجيه الاستثمارات نحو منتجات وأصول مالية متوافقة مع الشريعة.

إضافة إلى أنَّ سعر الصرف قد يؤثر في تكلفة الواردات والتصديرات، وانخفاض سعر الصرف للعملة الوطنية قد يجعل الواردات أكثر تكلفة، وقد يزيد من أسعار السلع المحلية، وعلى الجانب الآخر، قد تجعل العملة المنخفضة قيمة الصادرات أكثر تنافسية على الساحة العالمية.

5. التضخم:

قد يقلل التضخم من قيمة العملة ويقلل من قوَّتها الشرائية، وهذا قد يزيد من تكلفة التمويل للمصارف الإسلامية إذا كانت تقترض بعملات ذات قيمة أقل، وإذا لم تزد أسعار الودائع في المصارف الإسلامية بمعدل يتناسب مع التضخم، فإنَّ المودَعين قد يفقدون قوة شرائية على الودائع الخاصة بهم، وهذا قد يؤدي إلى تقليل الودائع، ومن ثمَّ إلى تأثير سلبي في ربحية المصارف.

إذا ارتفعت أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فإنَّ المصارف الإسلامية قد تجد أنَّ تكلفة اقتراض الأموال تزيد، وهذا قد يؤثر سلباً في الربحية إذا لم تتمكن من تحويل هذه التكلفة إلى زيادة في أسعار القروض للعملاء، إضافة إلى ما سبق، قد يؤدي التضخم إلى عدم اليقين في الأسواق وتقلبات في الأسعار، وهذا يؤثر في أداء استثمارات المصارف الإسلامية.

6. الناتج المحلي الإجمالي:

قد يؤدي ارتفاع النمو الاقتصادي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وهذا يزيد من الطلب على الخدمات المالية التي تقدِّمها المصارف الإسلامية، ومن ثمَّ يسهم في زيادة الربحية.

7. الضوابط المصرفية:

قد تحدد القوانين المصرفية القواعد المحيطة بالاستثمار والتمويل وأنواع الأصول المالية التي يمكن للمصارف الإسلامية الاستثمار فيها، وتلك التقييدات قد تؤثر في إمكانية تحقيق الأرباح وتوجيه الاستثمارات بالطرائق المتوافقة مع الشريعة، كما أنَّ القوانين المصرفية قد تؤثر في مستوى الضرائب والرسوم المفروضة على المصارف الإسلامية.

8. السياسة النقدية:

إذا اتبعت السياسة النقدية معدلات فائدة منخفضة، فإنَّها تقلل من تكلفة الاقتراض للمصارف الإسلامية وتزيد من قدرتها على تقديم قروض بتكلفة منخفضة للعملاء، وهذا يزيد من الإقبال على الاقتراض، ومن ثمَّ يؤثر إيجاباً في الربحية، وإذا لم تتبنَّ السياسة النقدية إجراءات فعالة لمكافحة التضخم، فإنَّها قد تزيد من تكلفة المعيشة وتقلل من القوة الشرائية للعملة، وهذا يؤثر في قوة العملة وتكلفة التمويل للمصارف الإسلامية.

9. المنافسة:

عندما توجد منافسة شديدة في سوق الخدمات المالية، فإنَّ المصارف الإسلامية قد تضطر إلى تقديم أسعار أكثر تنافسية، وهذا قد يقلل من هوامش الربح، وبالمقابل يمكن للمنافسة دفع المصارف الإسلامية لتحسين خدماتها وتقديم منتجات مالية أفضل، وهذا يزيد من جاذبيتها للعملاء ويساهم في زيادة حصتها في السوق.

10. الانتشار الجغرافي وعدد الفروع:

كلما زاد عدد الفروع، زادت فرص المصرف للوصول إلى عدد أكبر من العملاء، وهذا قد يسهم في زيادة الإيرادات من خلال تقديم خدمات مالية لعملاء جدد وزيادة حصتها في السوق.

إقرأ أيضاً: 3 طرق لاستثمار أموالك بما يفيدك

في الختام:

أصبحت المصارف الإسلامية في الآونة الأخيرة جزءاً هاماً من النظام المالي العالمي، وتتميز بخصائص فريدة تجعلها تلبي احتياجات مختلف العملاء، وتتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وتتمثل هذه الخصائص في التمويل دون فوائد، والتشاركية في الأرباح والخسائر، والتوجيه الشرعي، والالتزام بمبادئ العدالة والمسؤولية الاجتماعية، كما تسعى المصارف الإسلامية باستمرار إلى تحقيق التوازن بين تحقيق الأرباح والامتثال للشريعة، وتسعى إلى تقديم خدمات مالية تلبي تطلعات العملاء وتسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.




مقالات مرتبطة