المبادئ الأربعة للإنتاجية

تُعدُّ الإنتاجية أمراً شخصياً للغاية، ولكن توجد طرائق مجرَّبة تضمن تعزيز إنتاجيتك والتميز في عملك والاستمتاع بحياتك في آنٍ واحد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب مارك مانسون (Mark Manson)، والذي يحدِّثنا فيه عن تجربته في تعزيز الإنتاجية.

تشكل الإنتاجية توازناً خادعاً جداً؛ فمن جهة، إذا كنت تقسو على نفسك وتجلد ذاتك، ولا تحاول الاستمتاع بأي نشاط على الإطلاق؛ فستصاب بالإرهاق وسينهار كل شيء ببطء؛ ومن جهة أخرى، إذا كنت متساهلاً للغاية مع نفسك، وتأخذ أوقات فراغ وقتما تشاء، ولا تلتزم بجداول مواعيدك أو التزاماتك؛ فلن تتمكن من إنجاز أي أمر، أليس كذلك؟

لقد تمكنتُ في السنوات العديدة الماضية من تأليف أربعة كتب، ومئات من مقالات المدونات والرسائل الأخبارية وإدارة فريق من الموظفين بدوام كامل، والخروج في جولات في ثلاث قارات مختلفة، واستطعت بطريقة ما الحفاظ على علاقاتي مع أصدقائي وعائلتي أيضاً.

أنا لا أقول ذلك لأتفاخر بنفسي؛ بل كل ما في الأمر أنَّني أعمل لحسابي الخاص معظم حياتي، وقد اضطررت إلى إيجاد توازن معتدل للإنتاجية دون مبالغة أو تهوين؛ لذا سأقدم لك أربعة مبادئ اكتشفتها في أثناء رحلتي في تعزيز عملي:

1. الإنتاجية أمر شخصي:

يمتلك بعض الناس هوساً غريباً بإنتاجية الآخرين؛ فتراهم يجلسون ويراقبون ما يأكله مؤسس موقع أمازون (Amazon) جيف بيزوس (Jeff Bezos) على الإفطار في أيام الخميس، أو الوقت المحدد الذي يمارس فيه رائد الأعمال إيلون ماسك (Elon Musk) نشاطاً معيناً، أو حينما تستخدم رائدة الأعمال شيريل ساندبيرج (Sheryl Sandberg) دفتر ملاحظات ورقياً لإدارة جدول مواعيدها.

ولكن عليك أن تتوقف عن ذلك؛ فصحيح أنَّه لا توجد مشكلة في تعلم طرائق جديدة لتعزيز كفاءتك، ولكنَّ الإنتاجية في نهاية المطاف أمر شخصي للغاية؛ فقد لا يناسبك أنت ما يناسبني أو يناسب جيف بيزوس (Jeff Bezos)؛ وحتى لو ناسبك، فمن المحتمل أن يتغير الأمر يوماً ما.

لقد كنت أهوى السهر كثيراً؛ فلم أستطع حتى تذكر اسمي قبل الساعة 10 صباحاً لسنوات عديدة، وكنت أُنجز أفضل أعمالي الكتابية في الساعة الثالثة صباحاً في أثناء الاستماع إلى بعض الموسيقى الصاخبة؛ أما الآن، فإنَّ أكثر الأيام التي تزيد فيها إنتاجيتي هي حينما أستيقظ بين الساعة 6 و7 صباحاً، وأبتكر أفضل أعمالي قبل حلول الظهر.

قد تتساءل هنا: "إذاً أيٌّ من هاتين الطريقتين هي الصحيحة لتعزيز إنتاجيتك؟"؛ ولكنَّه ليس السؤال الصحيح الذي عليك طرحه؛ فالهدف الحقيقي هو أن تكتشف السيكولوجيا خاصتك، والتي تتعلق بما يجعلك أكثر إنتاجية.

المحاور الثلاث لسيكولوجيا الإنتاجية:

  • القيم الشخصية: أولاً وقبل كل شيء، عليك أن تدرك الأمور التي تقدِّرها بالضبط؛ حيث تعمل القيم كبوصلة لضبط سلوكك، وكمُحرِّك لإنتاجيتك.
  • آلية عمل الدوافع: يرغب الكثير من الناس في معرفة ما يمكن أن يحفزهم؛ ولكن بدلاً من ذلك، بمجرد أن تتعلم آلية عمل الدوافع، ستنجح في تحفيز نفسك على فعل أي شيء تقريباً (طالما أنَّه لا يتعارض مع قيمك).
  • أسباب التسويف: تُعدُّ أمراً شخصياً للغاية أيضاً؛ فأنت لا تماطل بالتأكيد لأنَّك شخص كسول يفتقر إلى أي نوع من الثبات أو الشخصية.

2. التركيز على جودة العمل، وليس على كميته:

توجد فكرة شائعة تدعو إلى أنَّك "كلّما عملت أكثر، كان ذلك أفضل"، والتي تتغلغل في ثقافة العمل الحديثة إلى درجة جنونية تقريباً.

لقد بدأنا نقتنع أنَّ الشخص الذي يعمل 16 ساعة في اليوم ويهمل كل جزء آخر من حياته يتمتع بمعايير أخلاقية أكثر من الشخص الذي يعمل لمدة 6 ساعات في اليوم، حتى لو أنجز الكثير.

قد تقرأ هذا الكلام وتقول في سرك: "بالطبع، سيكون الشخص الذي يعمل لمدة 6 ساعات أفضل حالاً من ذلك الذي يعمل لمدة 16 ساعة إذا كان ينجز القدر نفسه من العمل"؛ ومع ذلك، ربما لا تزال تشعر بالذنب حينما تخرج من العمل باكراً، أو لا تُجيب على البريد الإلكتروني خلال عطلتك، حتى لو كنت تنجز مهماتك على أكمل وجه خلال دوامك المعتاد.

لقد أظهرت الدراسات أنَّ كل الناس تقريباً يحققون 3-4 ساعات من العمل المنتج في اليوم فقط؛ لذا أنصحك بتحقيق الاستفادة القصوى من يومك خلال هذه الساعات حينما تكون في أوج إبداعك وإنتاجيتك، والشعور بالرضا بكل ما يمكنك إنجازه بعد ذلك.

لقد سبق وكتبتُ عن فكرة "منحنيات الإنتاجية"، والتي استنتجتُ من خلالها أنَّه بعد إنجاز قدر معين من العمل، من الأفضل ألَّا تعمل؛ ذلك لأنَّنا نصل جميعاً إلى مرحلة معينة تسوء فيها جودة عملنا كلما استمرينا أكثر، مما يخلق مزيداً من العبء لإصلاح عملنا السابق الرديء.

3. التخلُّص من المشتتات في أثناء العمل:

لقد أثار مفهوم "اقتصاد الانتباه" ردود فعل عنيفة ومتنامية، وهي الطريقة التي استطاعت بها شركات التكنولوجيا الحديثة الاستحواذ على عقولنا لتتمكن من التحكم بانتباهنا خلال كل دقيقة من حياتنا تقريباً، ومن الاستراتيجيات التي اتبعَتها:

  • الإشعارات: ليحرصوا على ألَّا "تفوِّت" أي حدث أو إعلان.
  • إثارة مشاعر انعدام الأمن الاجتماعي: لحثِّنا على النقر، أو الإعجاب، أو التعليق على شيء ما.
  • الاستفادة من التحقق الاجتماعي: يعني ذلك أنَّ المستخدمين يتفاعلون مع المحتوى الذي يتوافق مع أفكارهم، ويرسِّخ قناعاتهم فحسب؛ مما يخلق حالة من الوهم بوجود توافق واسع النطاق، حيث يواجه المرء صعوبةً في تقبُّل الآراء المختلفة.

إنَّ ما أقصده هنا هو أنَّ العالم الحديث يقسِّمنا بسرعة إلى مجموعتين: أولئك الذين يتقنون التحكم بانتباههم، وأولئك الذين يتحكم الآخرون بانتباههم؛ وحقيقة الأمر هي أنَّه لا يمكنك أن تتوقع أن تزيد إنتاجيتك ما لم تتحكم بانتباهك، فالأمر بهذه البساطة.

إقرأ أيضاً: 4 تقنيات فعالة لتتوقف عن التشتت وتركز على عملك

4. تخصيص أوقات معينة للعمل وللراحة:

أنا دائماً ما أُنشِئ قائمةً بما عليَّ إنجازه يومياً، وأُخصِّص وقتاً لممارسة أنشطة ترفيهية.

قد تعتقد لأول وهلة أنَّ ما أفعله يتعارض مع المبدأ الذي اقترحته أعلاه، وهو التحكم بانتباهك؛ ولكنَّ الأمر ليس كذلك، لأنَّ النقطة الجوهرية هنا هي التركيز على التحكم؛ فإذا أنشأتَ جدول أعمالك مسبقاً -قبل أسبوع، أو يوم، أو أي وقت يناسبك- ستتحكم بانتباهك الذي توليه لعملك على نحو أكبر.

ينطبق الأمر نفسه على أوقات فراغك، سواء كنت تقضيها في الاسترخاء، أم المرح؛ فحينما تخصص أوقاتاً معينةً لممارسة هذه الأنشطة، فأنت تتعمد القيام بذلك، وتتحكم بالتالي بوقتك؛ كما سيفيدك ذلك في الحد من مقدار الوقت الذي تكرِّسه لممارسة أنشطة ترفيهية لا طائل منها.

أنا لست في الواقع ضد فكرة الاستمتاع بتلك الأنشطة الترفيهية طالما أتعمَّد القيام بها، إذ دائماً ما أُخصِّص متَّسعاً من الوقت لممارسة ألعاب الفيديو ومشاهدة المسلسلات بعد أن أحدِّد ما يكفي منه لإنجاز العمل الذي عليَّ الانتهاء منه.

وإليك كل ما في الأمر: يُعدُّ تطوير نظام فعال لإنجاز مهماتنا عملية مستمرة، وتنطوي على الكثير من التجارب والأخطاء؛ فقد يصبح النظام الذي قد ينجح معك لبضعة أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات عديم الفائدة فجأة؛ إذ تتغير ظروفنا وأولوياتنا، وتتبدل قيمنا من حين إلى آخر، وإنَّ هذا الأمر جيد للغاية؛ فالهدف هو أن تبحث دائماً عما هو أفضل لك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة