اللامبالاة: ثقافة لا بد من امتلاكها

كثيراً ما نتوقف في حياتنا اليومية عند أفعالٍ وتصرفاتٍ لأشخاص ناتجةٍ عن عدم مبالاتهم لما يفعلون ودون التفكير بنتائج أفعالهم، وتصرفاتٍ نابعة عن عدم الاهتمام والاكتراث، وعلى الرغم من هول المشكلة التي يتعرضون لها إلا أنَّ رد الفعل لديهم يكون بارداً بعيداً عن الاهتمام أو الانزعاج، وهذا ما يطلق عليه باللامبالاة، ومن هنا علينا أولاً أن نتعرف إلى اللامبالاة من وجهة نظر علماء النفس.



اللامبالاة في علم النفس هي حالةٌ وجدانيةٌ وسلوكيةٌ تطلق على الشخص الذي يقوم بأفعاله بكسلٍ، ولديه جمودٌ وخمولٌ تجاه أي نشاطٍ يريد القيام به بعيداً عن الحماسة أو حتى التفكير بعواقب ونتائج ما قد يفعله، ولا يُظهر أي اهتمامٍ أو اكتراثٍ عند حدوث شيءٍ هامٍ وضروريٍ، حتى ولو كان هذا الأمر يتعلق به شخصياً، ويتصرف دون اهتمام حتى فيما يتعلق بالأمور العامة كالسياسة.

في يومنا هذا كثيراً ما نلاحظ انتشار هذه الظاهرة بين فئةٍ من الشباب غير القادرين على تأمين متطلبات الحياة اليومية في ظل الظروف الراهنة التي نعيشها، الاقتصادية منها والأمنية والسياسية، فتجدهم غير مبالين بدراستهم وبتصرفاتهم وبأفكارهم وحتى بردودهم وبأي سلوكٍ نابعٍ عنهم، ولذلك يجب دراسة هذه الظاهرة؛ أسبابها وأنواعها وتأثيرها في الفرد والمجتمع، وضرورة اعتمادها في بعض المواقف إن لزم الأمر، والفصل بينها وبين اللامبالاة الإيجابية.

أسباب اللامبالاة:

  1. تُعَدُّ المواقف التي نواجهها في حياتنا اليومية أحد أهم الأسباب التي تدفع الشخص للهروب إلى اللامبالاة، وكذلك المرور بمشكلاتٍ ومواقفَ صعبة الحل كما هو الأمر مع المواقف المؤلمة أو وفاة أحد أفراد العائلة، فيعمد الشخص إلى الابتعاد عن الألم والحزن، وهنا يأتي دور المخ الذي يقوم بتعطيل جزءٍ من المشاعر كي نبتعد عن هذا الألم أو الحزن ولنشعر بالراحة فيتولد ما سمي باللامبالاة.
  2. كثرة المشكلات اليومية والظروف التي نتعرض لها والضغوطات المستمرة تشعرنا بأنَّنا عاجزون عن الوصول إلى الحلول؛ لذلك نحاول تجاهلها باللجوء إلى اللامبالاة.
  3. تعاطي المخدرات أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى اللامبالاة.
  4. الاكتئاب والأمراض النفسية تخلق حالةً من اللامبالاة بسبب الأدوية وتركيبها ومدى تأثيرها في الدماغ ونشاطه.

سياسة اللامبالاة:

إنَّ النمط الروتيني الذي نتبعه في حياتنا اليومية، والعادات والتقاليد التي نشأنا وتربينا عليها منذ الصغر تجعلنا أشخاصاً مقيدين بأفعالنا وبتصرفاتنا وحتى بأفكارنا لإرضاء المجتمع والآخرين، وهنا تجول في الذهن مجموعةٌ من الأسئلة:

  1. لماذا يجب علينا العيش دوماً بإيجابية؟
  2. لماذا لا نعيش حياةً تخالف المألوف بعيداً عن العادات والقيود؟
  3. ماذا لو لم أصغِ إلى كل ما يقال من حولي؟
  4. لماذا لا أعطي كامل اهتمامي وطاقتي لإرضاء الآخرين؟

هذه مجموعةٌ من التساؤلات التي غالباً ما تكون الإجابة عنها معقدةً، ولكنَّ اتباعها في نظام حياتنا اليومي يجعلنا أشخاصاً نشعر بعدم الراحة الشخصية، فأنا أرغب في العيش بالطريقة التي تناسبني وتناسب عملي وأسرتي دون أن يعكر صفو حياتي رأي الآخرين وما سوف يُقال، ودون التفكير بأشياء لا داعي لها والانشغال بها.

على سبيل المثال، ماذا لو تأخرت عن العمل صباحاً أو لم أرتب المنزل قبل الخروج منه أو أفرطت في السهر؟ كل هذه الأمور من وجهة نظر المجتمع هي أفعالٌ وتصرفاتٌ خاطئةٌ، لكن لأنَّها أمورٌ تجعلني أشعر بالراحة وتبعدني عن الإرهاق الجسدي لجعل كل شيءٍ منظمٍ وعن التعب النفسي بما سوف يقوله الناس وما هي نظرة المجتمع لهذه التصرفات، فيجب عليَّ عدم الإصغاء إليها واتباع سياسة اللامبالاة لعيش حياة تناسبني وتناسب أفكاري وراحتي اليومية لا لتحقيق رغبات وأهداف الآخرين.

نحن أشخاصٌ كبرنا وتعلمنا لنعيش حياةً تناسبنا لا أن نعيش ضمن دائرة العادات والتقاليد وإرضاء الآخرين، فالابتعاد عن هذه الأفكار والعيش بإطار اللامبالاة لما يقال أو سوف يقال أو ماذا سوف يحصل في المستقبل يجعلنا أشخاصاً نعمل براحةٍ وصفاءٍ ذهني بعيدين عن القيود.

شاهد: 7 طرق لتتوقف عن الكسل وتبدأ إنجاز واجباتك

أنواع اللامبالاة:

اللامبالاة السلبية التي تقسم إلى أنواعٍ عدة واللامبالاة الإيجابية، وفي مقالنا لهذا اليوم سوف نلقي الضوء على اللامبالاة الإيجابية وفوائدها وضرورة اتباعها في أيامنا هذه وكم تساعد الفرد على تخطِّي ظروف الحياة.

اللامبالاة الإيجابية:

بعيداً عن اللامبالاة السلبية التي تُعَدُّ مرضاً يجب علاجه، تُعَدُّ اللامبالاة بوجهها الإيجابي إحدى الطرائق والوسائل المستخدمة لمواجهة ظروف الحياة الصعبة والتغلب على الضغوطات التي نمر بها في حياتنا اليومية، والابتعاد عن كل ما يسبب الإرهاق والحزن للنفس والعقل، فاتباع اللامبالاة الإيجابية في حياتنا اليومية يُعَدُّ فناً يجب اعتماده من قِبل الشباب كي لا يكونوا مندفعين، وللعيش بهدوءٍ وسلامٍ داخلي.

هنا يجب علينا ذكر فوائد اللامبالاة الإيجابية وهي:

1. التخفيف من القلق والكره تجاه الآخرين وتجاه أفعالهم وتصرفاتهم:

وذلك لاختلاف طباع الناس عموماً، واختلاف الأفكار فيما بينهم، فمن غير الممكن أن تتوافق أفكارهم مع أفكارك وطباعهم مع طباعك.

عند ممارسة اللامبالاة بطريقتها الصحيحة نصبح قادرين على الاستغناء عن كل ما يرهقنا ونصبح بعيدين عن التصنع، فنتحدث بكل عفويةٍ بعيدين عن المجاملة لمحاولة إرضاء الآخرين، وعندها نكتشف مَن هم أصدقاؤنا الحقيقيون الذين يتمسكون بنا حتى ولو لاحظوا عدم اهتمامنا في بعض الأحيان.

2. بممارسة فن اللامبالاة نصبح قادرين على تطوير أنفسنا:

نظراً للمواقف والتجارب التي كنا قد مررنا بها وتعلمنا منها، وبذلك نصبح قادرين على العيش بهدوءٍ وسلامٍ داخلي، كما نستطيع أن نقف في وجه كل الصدمات التي تواجهنا، وعند الوصول إلى إتقان فن اللامبالاة نصبح قادرين على فهم الحياة بالمنظور الصحيح، فإرضاء الذات يحمل في طياته عيش حياة راضية هدفها فقط إرضاء النفس والذات بعيداً عن إرضاء رغبات الآخرين وبعيداً عن قيود المجتمع.

3. عدم التسرع في الرد:

 والتفكير الجيد قبل الرد على أي شخصٍ وعلى أي موضوعٍ كان، وأخذ الوقت الكافي للرد على أن يكون الرد موجزاً، وإذا بدأ الموقف بالتصاعد لا مانع من الانسحاب.

4. عدم التفكير برأي الآخرين:

وما سوف يقولونه أو النظرة التي سوف يأخذونها لأي أمرٍ أنت مقبلٌ على القيام به؛ بل حدد هدفك وسر على تلوين حياتك كما ترغب وكما تشاء لا كما يرغب الآخرون، فيوجد الكثير من الأشخاص هوايتهم مراقبة الآخرين وانتقادهم وإحباطهم فربما وراء ذلك الحسد أو الغيرة، فلا تجعلهم يؤثرون فيك وفي أفكارك فحياتك ملكٌ لك وليست للآخرين، فمتِّعها كما تشاء.

5. عدم الرجوع إلى الماضي وأخطاء الماضي وما كنا قد فعلناه:

فما حصل قد حصل ولن ينفعك الندم سوى في إرهاق نفسك، فاسعَ كي تسامح نفسك بدلاً من إجهادها وتعلَّم من أخطاء الماضي واتخاذها الركيزة للتقدم.

6. عدم التفكير الزائد بالمستقبل وما تخبئه لنا الأيام المقبلة من أحزان أو أفراح:

فلم يهبنا الله علم الغيب لذلك يجب عدم إرهاق النفس بالتفكير بالمستقبل فما هو آتٍ آتٍ لا محالة.

7. عدم التوقف عند الفشل:

بل المضي قدماً؛ وذلك لأنَّ الإنسان لم يُخلَق كاملاً فهو ليس إلهاً؛ بل خُلق ليجرب ويبتكر ويبدع فإما أن يفشل أو ينجح، فعند الفشل يجب التعلم من الخطأ لا الشعور باليأس والإحباط؛ بل التعلم من كل تجربةٍ فاشلةٍ لتدفعنا خطوةً إلى الأمام.

8. عدم التفكير فيما يملكه الآخرون:

لأنَّ ذلك لن يشعرك سوى بالنقص والحرمان، لذلك كلما حاولت الحصول على ما يملكون وجدت أشخاصاً يملكون ما هو أكثر، ففكر بمنطقية، ومثلما وُجد أشخاص لديهم الكثير هناك من لديهم القليل، فعش راضياً بما تملك ولا تنظر إلى غيرك.

9. عدم جعل السعادة متوقفة على أمرٍ ما بحد ذاته:

فإن يتحقق تصبح سعيداً وإن لم يتحقق تسعى إلى الحصول عليه لتسعد؛ بل اجعل السعادة مرافقةً لك في كل موقف تتعرض له في حياتك اليومية فالسعادة ليست وجهة؛ وإنَّما وسيلة للسفر كما تقول "ماندي كلوبرز".

10. حب النفس وتقبُّل الذات كما هي بكامل عيوبها:

وعدم السعي إلى تغيير ما فينا بغية إرضاء الآخرين، فأحب نفسك وعش لإرضائها هي وحدها فقط؛ وذلك لأنَّك عندما تقع لن تجد حولك سوى نفسك لتنهض بك من جديد.

11. الابتعاد عن الأشخاص السلبيين:

أصحاب الأفكار السلبية لما يولدونه من طاقة سلبية.

شاهد أيضاً: كيف يتعامل الناجحون مع الأشخاص السلبيين؟

12. التأمل:

من أفضل الطرائق للحصول على ذهنٍ صافٍ فاجعلها عادةً يومية.

13. الابتعاد عن الروتين قدر الإمكان:

وإتمام الواجبات والمسؤوليات الموكلة إليك بطرائقَ مختلفةٍ بعيداً عن الروتين القاتل وتخصيص وقتٍ لنفسك لتحقيق رغباتك وما تطمح إليه.

إقرأ أيضاً: أسباب الكسل والخمول وأهم النصائح للقضاء عليه

تأثير اللامبالاة الإيجابية في الفرد:

يصبح الشخص لا يأخذ الأمور على الصعيد الشخصي فقط ولا يقارن نفسه مع الآخرين، كما يصبح قادراً على التركيز على أهدافه ويسعى دائماً إلى التحسين من أدائه، كما يبتعد عن الغيرة والحسد لغيره؛ بل يفرح لهم لتحقيق أهدافهم ووصولهم إلى ما يتمنون، ويصبح شخصاً هادئاً يحترم الآخرين قادراً على الحفاظ على هدوء أعصابه أمام الآخرين، ويتقن فن الإجابة باحترامٍ وهدوءٍ حتى لو كان الشخص الذي أمامه يصرخ، ويتعامل مع الآخرين بكل لطف.

اللامبالاة هي فن، فمن استطاع امتهان هذا الفن عاش حياةً راضيةً مليئةً بالسعادة والمرح بعيدةً عن الكآبة والحزن، كما يشعر أنَّه يحيا بحريته على طبيعته غير مقيَّد من قِبل الآخرين.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات يقوم بها الشخص الناجح بشكل دائم

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن ثقافة اللامبالاة وما هو تعريف علم النفس لها وتعرفنا إلى أسبابها وضرورة اتباعها في بعض الأحيان، كما عرضنا أنواعها وألقينا الضوء خاصةً على اللامبالاة الإيجابية وما هي فوائدها وكيفية إتقانها وما هي الطرائق الأمثل لتعلُّم فن اللامبالاة الإيجابية في حياتنا اليومية ومتى يجب اتباعها وما هو تأثيرها في الفرد في نهاية المطاف.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة