الكوليرا: الأسباب، والأعراض، وطرق الوقاية

بمجرَّد سماع كلمة الكوليرا ينتابنا الخوف والذعر، ونرجع بالزمن إلى الوراء قليلاً لنتذكَّر الملايين من الضحايا الذين قضوا بسبب هذا المرض في مختلف قارات العالم، واليوم يعود هذا المرض ليتصدَّر اسمه الشاشات، ويغزو خبر انتشاره مواقع التواصل الاجتماعي، فهل يوجد داعٍ للقلق؟



الكوليرا: الأسباب، والأعراض، وطرائق الوقاية، وكل ما تحتاج إلى معرفته عن هذا المرض، وكيفية مواجهته، والوقاية منه، ستجده في مقالنا هذا، فقط تابع القراءة.

ما هو مرض الكوليرا، وما هي أسباب الإصابة به؟

مرض الكوليرا مرض بكتيري يصيب الأمعاء، وينتشر بسبب المياه الملوَّثة، وهو مرض غارق بالقدم، ولم يخلُ عصر من العصور منه، ويقال إنَّ في كتب "أبقراط" التي ترجع لأعوام (460 و377) قبل الميلاد وصفاً لمرض من المرجَّح أنَّه مرض الكوليرا؛ إذ يعود انتشار الكوليرا في العالم إلى القرن التاسع عشر؛ فقد انطلقت من دلتا نهر الغانج في الهند لتصل إلى كلِّ أنحاء العالم.

لقد قُضي حالياً على الكوليرا في المدن الصناعية؛ وذلك بسبب التقنيات الحديثة المستخدمة في التعقيم، ونتيجة الصرف الصحي الحديث، وطرائق معالجة المياه المتطورة، في حين بقيت منتشرة في الدول النامية كما في إفريقيا وجنوب آسيا، وهذا ما يشير إلى انعدام المساواة في العالم، وانعدام التنمية الاجتماعية، كما توجد بعض العوامل الأخرى التي تؤدي دوراً في وجود الكوليرا وانتشارها في بلد من البلدان، كما يحدث في أثناء الحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو في البلدان الفقيرة المزدحمة جداً.

تقدِّر منظمة الصحة العالمية عدد الإصابات بالكوليرا سنوياً بين 1.3 و4 ملايين مصاباً، ويتوفَّى منهم بين 21000 و143000 في جميع أنحاء العالم، وقد أُطلق في عام 2017 استراتيجية عالمية تهدف إلى تخفيض عدد وفيات الكوليرا بنسبة 90%.

أسباب مرض الكوليرا:

يُعدُّ مرض الكوليرا مرضاً سريع الانتشار، وهنا تكمن خطورته، ويرجع سبب الإصابة بمرض الكوليرا إلى انتقال أحد أنواع البكتيريا، وهو ضمة البكتيريا إلى الإنسان، ليس بالضرورة أن يصاب كل شخص تنتقل إليه ضمة الكوليرا بمرض الكوليرا، فمعظم الأشخاص المصابين ببكتريا ضمة البكتريا لا يُلاحظ عليهم أي تطور في الأعراض، لكن في نفس الوقت سيكون الشخص المصاب بالعدوى حاملاً للمرض، وستظهر البكتريا في برازه، ومن ثمَّ سيسبِّب العدوى، وهنا تكمن الخطورة، فعدم ظهور أعراض المرض تمنع المريض من اكتشاف مرضه في حين أنَّه يكون ناقلاً للعدوى.

يسبِّب مرض الكوليرا الموت في بعض الأحيان إذا لم يُعالج بسرعة، وترجع الآثار المميتة في هذه للمرض إلى السمِّ الذي تفرزه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، فنتيجة للسم يقوم الجسم بإفراز كميات هائلة من الماء، وهذا ما يسبِّب إسهالاً شديداً، وفقداناً لسوائل الجسم والأملاح والشوارد فقداناً سريعاً جداً.

تُعدُّ المياه الملوثة هي المصدر الأول لانتقال عدوى مرض الكوليرا؛ لذلك توفير المياه ومرافق الصرف الصحي الآمنة هي أحد أهم الأمور للوقاية من انتشار الكوليرا، وفيما يأتي سنذكر الأماكن التي تتواجد فيها بكتريا الكوليرا:

  • تعدُّ مياه الآبار العامَّة الملوَّثة مصدراً أساسياً لانتشار مرض الكوليرا؛ إذ توجد البكتيريا في مياه هذه الآبار، وعلى سطوح الأتربة القريبة منها، ويبقى الأشخاص الذين يعيشون في العشوائيات، والأماكن المزدحمة، والذين يعتمدون على هذه المياه، ويعيشون دون مرافق صحية مناسبة، أكثر عرضةً لانتقال الكوليرا لهم من غيرهم.
  • إمدادات المياه.
  • تحمل المأكولات البحرية الكوليرا أيضاً، وقد تتعرَّض للإصابة بالعدوى بسبب تناولك الأسماك غير النيئة، أو غير المطبوخة جيداً، وبالأخص الأسماك القشرية، ففي إحدى المرات انتشرت الكوليرا في الولايات المتحدة الأمريكية ليتبيَّن فيما بعد أنَّ السبب في ذلك المأكولات البحرية التي تأتي من خليج المكسيك.

توجد الكوليرا أيضاً على سطوح الفواكه والخضار المسقية بمياه غير نظيفة؛ لذلك فإنَّ تناول الخضار والفواكه النيئة غير المقشَّرة في أماكن انتشار الكوليرا يُعدُّ سبباً لانتقال الكوليرا إليك، كما تعدُّ هذه الفواكه والخضار مصدراً متكرِّراً لعدوى الكوليرا.

إقرأ أيضاً: مرض السل الرئوي: أعراضه، تشخيصه، وطرق علاجه

عوامل خطر الإصابة بالكوليرا:

يزداد خطر الإصابة بالكوليرا تبعاً للعوامل الآتية:

  • عدم القدرة على الحفاظ على الظروف الصحية والآمنة لتوفير المياه، كما يحدث في مخيمات اللاجئين، أو في أثناء الحروب، أو في البلدان الفقيرة التي تنتشر فيها المجاعات، أو بسبب الكوارث الطبيعية.
  • يزداد خطر الإصابة عند الأشخاص الذين لديهم مستويات أقل من الطبيعية من حمض المعدة، فالمعروف أنَّ بكتيريا الكوليرا غير قادرة على العيش ضمن الأوساط الحمضية، وبذلك يشكِّل الوسط الحمضي في المعدة خط الدفاع الأول ضد الكوليرا، ويكون هذا المستوى منخفضاً عند الأطفال، وكبار السن، أو الأشخاص الذين يتناولون مضاد الحموضة، وبهذا تكون هذه الفئات أكثر عرضة من غيرها للإصابة بالكوليرا.
  • الاحتكاك مع أشخاص مصابين بالكوليرا، يزيد من خطر إصابتك بها.
  • يقال إنَّ الأشخاص من زمرة الدم o أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا.

شاهد بالفديو: 9 طرق وأفكار لتقوية جهازك المناعي

أعراض الكوليرا:

لا تظهر أعراض الكوليرا على كثير من المصابين، ولا يعرفون أنَّهم قد تعرَّضوا للعدوى، لكن تبقى المشكلة الكبيرة وجود بكتيريا الكوليرا في برازهم لمدة تتراوح من 7 إلى 14 يوماً، وهذا ما يجعلهم ناقلين للعدوى.

أغلب المصابين بالكوليرا وتقريباً نسبة 90% منهم يبدون أعراضاً خفيفة أو متوسطة تتلخَّص بـ:

  • إسهال قد يكون أحياناً بسيطاً وأحياناً أخرى معتدلاً، ويشبه إلى حدٍّ كبير الإسهال الذي نصاب به عند تعرضنا لأي عرض صحي آخر.
    تصاب الأقلية التي تبلغ نحو 20% بأعراض أكثر حدة وأكثر صعوبة، وفي أكثر الأحيان تحتاج أعراض الكوليرا إلى أن تظهر بين 12 ساعة و5 أيام من انتقال العدوى للمصاب، ومن الجدير بالذكر أنَّ العدوى تصيب كلاً من البالغين والأطفال على حدٍّ سواء، ومن هذه الأعراض:
  • إسهال مائي شديد يؤدي إلى فقدان كمية كبيرة من سوائل الجسم، وقد تصل كمية المياه المفقودة إلى قُرابة اللتر كل ساعة، فالإسهال الناتج عن الكوليرا عادة ما يظهر بصورة حليبية باهتة ويشبه إلى حدٍّ كبير مياه الأرز.
  • القيء الذي يحدث خلال المراحل الأولى للإصابة بالعدوى، ويترافق مع شعور بالغثيان والتعب.

نتيجة لفقدان كميات كبيرة من المياه يحدث الجفاف في جسم الإنسان، ومن هنا تبدأ خطورة الإصابة، وقد يحدث جفاف بسيط أو حاد، ويقال عن الجفاف إنَّه حاد عندما يسبب خسارة لـ 10% تقريباً من وزن الجسم، وفي حال الإصابة بالكوليرا فإنَّ للجفاف الحاصل بسبب العدوى مؤشرات تدل على أنَّ الجفاف راجع للإصابة بالكوليرا، كالشعور بالإرهاق، وجفاف الأغشية المخاطية داخل الفم والحلق، وجفاف الجلد الذي يبدو ذابلاً وفاقداً للمرونة لدرجة أنَّه يستغرق وقتاً للعودة إلى طبيعته في حال تمَّ قرصه، وغور العين مع جفاف الأغشية المخاطية في الجفون، وشعور كبير بالعطش، وانعدام التبول تقريباً، وحدوث اضطرابات في القلب، وانخفاض ضغط الدم، وصعوبة في التنفس، كما يحدث بسبب الجفاف الشديد اضطراب الشوارد بسبب فقدان كثير من المعادن.

أعراض اضطراب الشوارد (الكهارل):

في حال وصول الجفاف بالمريض إلى اضطراب الكهارل، فإنَّ هذا يؤدي إلى الإصابة بأعراض خطيرة، وهي:

  • ينتج عن الفقدان السريع للأملاح كالصوديوم والبوتاسيوم، تقلُّصات مؤلمة في العضلات.
  • حدوث الصدمة، وهي من أكثر أعراض ومضاعفات الجفاف خطراً، وتُعدُّ هذه المرحلة مسؤولة عن حدوث الوفاة إذا لم تُعالج؛ لأنَّ انخفاض كمية الدم في الجسم تسبِّب انخفاض ضغط الدم وانخفاضاً في كمية الأوكسجين داخل الجسم.

إذا لاحظت أي من الأعراض السابقة، وخاصة إذا كنت قد زرت مكاناً تنتشر فيه الكوليرا، عليك مراجعة الطبيب فوراً، للحصول على العلاج اللازم، فكما ذكرنا بعض حالات الجفاف قد تكون سبباً للوفاة.

تشفى الغالبية العظمى من حالات الكوليرا؛ لذلك ما من داعٍ للخوف والقلق، وبمجرد ملاحظة الأعراض يجب تعويض السوائل والشوارد المفقودة والذهاب لأقرب مركز صحي لاستكمال العلاج، وغالباً ما يشمل العلاج الخطوات الآتية:

  • معالجة الجفاف لتعويض ما فقده الجسم عن طريق الإماهة الفموية.
  • السوائل الوريدية للأشخاص المصابين بجفاف شديد.
  • يمكن تناول المضادات الحيوية للتخفيف من الإسهال وتقصير مدته.
  • تناول الزنك أيضاً مفيد لتقليل الإسهال وتخفيف مدته عند الأطفال كما أشارت آخر الدراسات.
إقرأ أيضاً: أمراض مقلقة لا زالت موجودة حتى اليوم

طرائق الوقاية من مرض الكوليرا:

يعدُّ توفير المياه النظيفة والصرف الصحي الحديث واتباع شروط وقواعد النظافة العامَّة من أهم طرائق الوقاية من مرض الكوليرا ومكافحته، وفيما يأتي مجموعة من النصائح التي يمكنك اتباعها لتجنب الإصابة بالكوليرا (الإسهال المائي الحاد):

  1. اشرب واستخدم مياهاً نظيفة ونقية ومعقمة، وفي حال شعرت ببعض الشك بشأن ذلك أو كنت تعيش في مكان بدأت فيه الكوليرا بالظهور، فعليك تعقيم المياه بنفسك، وذلك من خلال غليها لمدة تتراوح بين دقيقتين وثلاث دقائق، أو من خلال الاستعانة بحبوب التعقيم.
  2. ابتعد تماماً عن تناول الأطعمة المكشوفة وغير الآمنة ومجهولة المصدر.
  3. اغسل الخضار والفواكه جيداً قبل تناولها، واغلِ اللبن، واطهِ الطعام لمدة ثلاثين دقيقة بدرجة حرارة 60، وابتعد عن تناول المأكولات البحرية غير المطبوخة جيداً.
  4. اغسل يديك بالماء والصابون باستمرار خلال النهار، وخاصةً بعد استخدام دورات المياه، وقبل تناول الطعام وبعده.
  5. اغسل يديك جيداً بالماء والصابون بعد لمس شخص يعاني من الإسهال أو لمس أغراضه.

في الختام:

مع أنَّ مرض الكوليرا مرض سريع الانتشار وخطير في بعض الأحيان، فلا يوجد أي داع للخوف والقلق؛ لأنَّ مسألة محاربة الكوليرا ليست معقدة، وتعتمد اعتماداً أساسياً عليك، وجميع إجراءات الوقاية والحماية من مرض الكوليرا تتلخَّص بضرورة العناية بالنظافة الشخصية، واتباع قواعد النظافة العامة.




مقالات مرتبطة