والملاحظ من كرمهما هو ترسيخ أركان الزواج بالإيجاب والقبول ومن أوائل بشائر كرم أسرة الزوجة ومن الزوجة نفسها هو عدم المغالاة في طلب المهر وتكاليف الزواج ، وهنا أدعو الجميع للتخلي عن فكرة التباهي بالقشور بدلا عن الأصول. وعلى الرغم من أهمية إكرام الزوج زوجه ، إلا أن قلة المهر يعد في نظري كرما ما بعده آخر،عكس ما يبث في أذهان الفتيات من قبل البعض بأن (ثقلها وسعادتها في ثقل مهرها) والواقع هو الحكم، فضلا لما لقلة المهر من أجر للزوجة وأهلها في تيسير الزواج وتخفيف أعبائه على الزوج وعدم إرهاقه نفسيا وماديا واجتماعيا ومن جانب آخر يكرمها بأن يكون لها رجلا صالحاَ، لا يقل عن صلاحها والخلق أحب لنفس المرأة من المال وليس كما هو شائع عنها ، فالنفس تؤسر بكلمة ، بسلوك، بلمسة حانية وهي التي تؤدم المحبة والمودة والرحمة بين الأزواج وليس المهر والأموال، إذ غالبا ما يذهب المهر لأيدي أصحاب الفنادق والمحلات التجارية، ولأبواب أخرى، ويبقى الخلق هو الحاضر الدائم بين الأزواج لذلك لا بد من العودة لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( من جاءكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه) ،وقال صلى الله عليه وسلم (يُمن المرأة خِفة مهرها، ويُسر نكاحها، وحسن خلقها وشؤمها غلاء مهرها وعسر نكاحها وسوء خلقها)، وإذا أحببنا العودة إلى كرم الخلق لا بد أن نعود لخلق الإسلام ليصبح الحلال أسهل من الحرام وليس العكس.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المرأة تتحمل غالبا نقص المال لأنه أفضل بكثير من نقص المروءة ولنتذكر ما وعدنا الله في كتابه الكريم (وما أموالكم ولا أولادُكُم بالتي تُقرِبُكُم عندنا زُلفى إلاّ من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاءُ الضِعفِ بما عملوا وهم في الغرفاتِ آمنون)
ويستمر الكرم بين الفرد وذاته وبين الزوج وزوجه إذ تشتمل هذه القيمة على العدل بينها وبين مسؤولياته والعدل يشمل الطعام والسكن والكسوة والمبيت وسائر ما هو مادي من غير تفرقة بين زوجة مهرها قليل أو مبالغ فيه، وبين زوجة غنية وفقيرة، وعظيمة وغيرها من الصفات.
ويسري الكرم في التعامل مع الأولاد وتعليمهم الآداب واللياقة والتربية وفنونها ومن كرم الزوج تحمله لزوجته إن تغير شكلها مع العمر وطول السنين وتغير شكل جسمها من تكرار الحمل والولادة والسهر على راحة الأسرة ونسيانها الاهتمام بذاتها، ومن كرم الزوج لزوجه أن يفسح لها المجال في الحوار معه وفي إدارة شؤون الأسرة والاهتمام بواجباتها وتشجيعها على إكمال تعليمها، وشكرها وتعزيزها على ما تقدمه لزوجها ولأسرتها، ومن الكرم أيضا فسح المجال لها باختيار أثاث بيتها واختيار صديقاتها من اللواتي يعرفن حقوق الله فروضه ونواهيه.
ويعد الأزواج والزوجات أكثر كرما إذا كان لديهما أو لأحدهما تقوى الله إذ قال تعالى:( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم)
وإن كان هذا النص القرآني يؤكد لنا المساواة بين الناس جميعا في الخَلقِ وفي قيمهم الإنسانية وفيه تأكيد لنا أيضا على أنه لا أحد أكرم من الآخر إلا بتقواه لله سبحانه وأداء حق الله وحق الآخرين.ولنا في رسولنا صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام خير قدوة ، إذ تزوج بلال بن رياح من أخت عبد الرحمن بن عوف وكل منهما من طبقة ولون.وقال تعالى:( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجاتِ)
ومن الكرم السعي لتحقيق التوافق مع أزواجنا وإذا لم يتم التوافق بين الأزواج وبعد أن يبذل كل منهما جهده في تحسين التوافق والاصلاح وإذا لم يتوصلوا لتحقيق أهداف العلاقة السوية المنسجمة على الزوج أن يسرح زوجه بإحسان ولا يهنها ولا يقبح وجهها ولا يضربها وأن يتذكر قول الله تعالى (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) لما له من أهمية في تحقيق الإتزان النفسي والاجتماعي والأسري وينعكس ذلك ليس على الفرد بذاته بل على الأبناء الذين هم أزواج الغد وقادة المجتمع فتظهر الأمراض والحالات النفسية أكثر شيوعا ويزداد الاغتراب عن الذات وعن العائلة وعن المجتمع وهو ما يهدم مجتمعنا وينخر به كالسوس والأسباب متعددة ولكن أهمها ضعف قيمة الكرم لديهما أو لدى أحدهما .
ومن الكرم التزين بين الزوجين فالزوج يتزين لزوجه والزوجة تتزين لزوجها وليس الاقتصار على الزوجة فقط، فكل منهما يتمتع بذوق وجمالية ليست في المقاطع ولكن في النظافة والرائحة الطيبة والاهتمام بما تعلمناه من ديننا السمح، فالنظافة من الإيمان)
وأن يتحلى الأزواج بالاستقامة وتجنب الخيانة فالاستقامة دلالة من دلالات الكرم والمروءة والعفة وهي قيم مهمة أن نورثها لأبنائنا في وقت ازدحمت به القيم وتعطرت جميعها بالحضارة أو التقدم فلم نعد قادرين على تشخيص الخلل كالسم المدسوس في كأس العسل.
ومن الكرم أن لا يغدق الزوج على زوجته بكلمات نابية بل العكس يغدق عليها الكلمات الطيبة والحبيبة والمعبرة عن تمسكه بها ولا يدل معناها على التهديد أو التهرب منها
وقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (إن أكمل المؤمنين إيماننا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم) ويقول الرسول أيضا (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)
ومن الجدير بالذكر أن الكرم نورثه فعليا لأطفالنا وأولادنا من كلا الجنسين، وكلما تعودوا على التعامل بكرم وبروح عالية حتى عندما يخطئوا سيعملون جاهدين على الاعتراف بالخطأ، وتحسين السلوك إن وجدوا حولهم النظام الذي تسود فيه هذه القيمة ،بل سيتعاملون مع آبائهم بكرم عندما يمضي بهم العمر ويصبحوا في عمر الشيخوخة.
ومن الكرم التلطف بالزوجات ومداعبتهن وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلطف مع أزواجه وبالذات مع سيدتنا عائشة رضي الله عنها وكان يلاعبها ويسابقها ويمازحها ويروح عنها ما تعانيه.
ومن إكرام الزوجة أن يرفعها الزوج إلى مستواه في خبرته ودينه وعلمه وقيمه وخصاله الإيجابية، بدلا من استعانتها بالآخرين، وأن يتجنب أذاها حتى ولو بكلمة وأن لا يتصور الزوج أو الزوجة أن في أحدهما الكمال وعلينا أن نتقبل الآخر كما هو وبالأخص الزوجات ونجتهد بكرمنا في تطوير بعض السمات أو العادات دون إيذاء أو جرح ولا ننسى أن نستوصي بالنساء كل الخير.
واقترح لكل زوج وزوجة أن يعملوا على إعداد الموازنة بين إيجابيات كل منهم وسلبياته وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها بآخر) ولنسعى في تحقيق الوئام والاستقرار في الأسرة والعيش في ظل آمن وهاديء حتى يأنسوا الأزواج معاً بما لديهم من خير وكرم.
وما علينا إلا أن نستمر بالكرم ونفتش عن الإيجابيات كما تعودنا في السعي من باكورة صباح يومنا إلى غسقه في التفتيش عن مصادر رزقنا.
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
الدكتورة. فائقة حبيب
خبيرة ومستشارة في العلاج النفسي والاسري
drfaiqah@yahoo.com
أضف تعليقاً