القيادة والإبداع الإداري

تعدُّ القيادة إحدى العوامل الهامة في تحقيق أهداف المنظمات، وخلق توازن بينها وبين فرق العمل المختلفة، والسعي إلى توفير مناخ مناسب للعاملين؛ كما يلعب المدير والقائد المحبوب دوراً هاماً في بناء فريق عمل فعال، ويسعى دائماً إلى تنمية اهتمام الفريق بالعمل، فينتقلون من مرحلة العمل لأجل العمل، إلى حب ما يقومون به والرغبة في تطويره وإنجاحه.



تعدُّ مهارات التميُّز القيادي والإداري في بناء فرق العمل المختلفة والتواصل الاحترافي بين الفريق والإدارة بمستوياتها كافة أمراً هاماً جداً لأي قائد يودُّ أن يسمو بنفسه وفريقه إلى قمة الإبداع الإداري والقيادي، ويُحقَّقُ ذلك من خلال مجموعة من الاستراتيجيات، كاستراتيجية الابتكار الخلَّاق التي تعدُّ إحدى أهم الاستراتيجيات في بناء فرق العمل الفعالة.

يقوم نجاح أي مؤسسة على مرتكزين أساسيين، يتمثل أحدهما في قيام الفريق بالأعمال المنوطة بهم بالصورة والكيفية المرادة، في حين يتمثل الآخر في العمل بروح الفريق الواحد الذي يعدُّ أحد أهم المرتكزات لنجاح المنظمات.

يعدُّ الإبداع الإداري أحد أهم ركائز القائد، فالإبداع من أبرز المزايا العقلية التي فضَّل بها الله سبحانه وتعالى الإنسان على غيره، وقد ساعدت تلك الميزة البشرية على التطور عن طريق حل المشكلات، وإيجاد الطرائق لسد الاحتياجات الأساسية، وتوفير إمكانيات الرفاهية؛ وقد حدد العلماء عدة مستويات للإبداع، منها:

  • الإبداع الفردي: يعتمد على الخصائص الفطرية للإنسان، كالذكاء بأنواعه والمواهب المختلفة.
  • الإبداع الجماعي: يقوم على التعاون بين فرق العمل المختلفة.

ولو أردنا الحديث عن معنى الإبداع، لوجدنا أنَّه الإنتاج غير المألوف لفرد أو مجموعة عمل صغيرة، والمتسم بالجدية، والمتميز بأفكار ملائمة وقابلة للتنفيذ والتوظيف في استخدامات محددة؛ وقد حدد العلماء جملة من دوافع الإبداع التي تعمل على إحداث طفرة إدارية لدى فريق العمل، ومنها:

  • الدوافع الذاتية: هي التي تحرك القائد من الداخل، وتستحثه لخلق بيئة إبداعية، وتقوده إلى تحقيق الأهداف الشخصية وإيجاد قيم جديدة ومبتكرة له ولفريق العمل.
  • الدوافع الخارجية: هي التي تنتج من التحديات والصعوبات التي تواجه قادة فرق العمل، وتقودهم إلى استحداث أثر نوعي وفارق جوهري على مستوى إدارة هذه المشكلات بطرائق أكثر إبداعية؛ فكما قيل: "الحاجة أم الاختراع"، بل وهي التي تقود الشخص إلى الإبداع.
إقرأ أيضاً: مفهوم الإبداع ومعوقات التفكير الإبداعي

كيف تحدث عملية الإبداع القيادي؟

يقول شارلي شابلن: "اكتشفت على مدى أعوام أنَّ الأفكار تأتي من خلال الرغبة الشديدة في إيجادها"؛ فكيف تحدث إذاً عملية الإبداع القيادي؟

تمر عملية الإبداع بمجموعة من العمليات، فهي ليست وليدة اللحظة أو الصدفة؛ وهذه العمليات هي:

  1. الاستكشاف: مرحلة من العمل والجد ينتج عنها الخبرة والممارسة، مما يمكن القائد ليبدأ عملية الإبداع عن وعي.
  2. مرحلة التحليل: يحدث فيها تحليل المشكلات أو النتائج التي تنتج عن ممارسة فرق العمل، والبحث عن أسبابها، والسعي إلى حلها بطرائق إبداعية.
  3. مرحلة التأمل: بعد عملية التحليل واستحضار أسباب المشكلات، يحتاج القائد إلى التأمل فيما وصل إليه من نتائج وحلول ليبدأ برسم الطريق لقيادة الفريق نحو الأداء الإبداعي.
  4. مرحلة العمل: مرحلة استبصار النتائج والحل المبتكر وتهيئة الفريق وإشراكهم في الحل، لتكوين منظومة عمل تتسم بالإيجابية والإبداع.

لكي تتحقق عملية الإبداع القيادي، لا بد من تحقق شروط محددة جرى التفصيل فيها في أكثر من مرجع، وتحدث عنها أكثر من خبير في مجال القيادة الإدارية، نذكر منها:

  • الوعي: أي أن تظهر العملية الإبداعية في الوعي الإنساني، وتُترجَم الأفكار إلى أفعال، وتخرج الفكرة إلى حيز التنفيذ؛ فالإبداع والقيادة متلازمان، والوعي عملية تراكمية لا تنشأ من فراغ، ولا تتوقف على قدرات أو مواهب معينة.
  • التكوين: أي أن يكون العمل الإبداعي محسوساً، ومستمراً، ومتواصلاً.

تؤكد هذه العملية نظرية (Zaltman and others 1973) والتي حُدِّد فيها عملية الإبداع على مرحلتين بينهما مراحل متداخلة، وهما: مرحلة البدء، ومرحلة التطبيق؛ في حين تشمل المراحل الوسطية: البدء، والوعي، والقرار، والتطبيق، ومن ثم التجربة والتكوين، فالدخول في مرحلة النضوج والاستمرارية؛ فهي ممارسة لعملية الإبداع للوصول بها إلى شيء مادي ملموس.

لقد ركزت هذه النظرية على أنَّ الإبداع عملية جماعية بعيدة عن السلطوية الفردية والأنا، والجدير بالذكر أنَّ هذه النظرية اعتمدت على نظرية (Hage and Aiken)، غير أنَّ إضافات أخرى تدخل عليها وتعمل على تطويرها.

صفات القيادة الإبداعية:

لنلقي نظرة على صفات القيادة الإبداعية بعيداً عن نظريات الإبداع والحديث عن الشخص المبدع:

  • الثقة: يجب أن يتمتع القائد بثقته بذاته وقدراته والآخرين؛ وكنتيجة حتمية لذلك، نجد أنَّ القائد الذي يتمتع بهذه الصفة يحظى بالتبعية بثقة الآخرين فيه، فالثقة هي ركيزة أساسية لدى القائد.
  • الذكاء: الذكاء وإن كان فطرياً، إلَّا أنَّه من الممكن اكتسابه.
  • سعة الثقافة والاطلاع: لا يكفي أن يتمتع القائد بمؤهلات أو خبرات معينة، ولكن من الأهمية بمكان الاستزادة من الاطلاع وتكوين ثقافات متعددة، لاسيما لدى القادة الذين يعملون في بيئات متعددة.
  • التخيل والاستنباط: القدرة على تنفيذ الأفكار الإبداعية واستنباط الأمور؛ فلا يكتفي برؤية الظواهر على علاتها، بل يحللها ويثير التساؤلات التي تقوده إلى حلول غير تقليدية.
  • القدرة على إقامة العلاقات: لديه علاقات اجتماعية واسعة، ويتعامل مع الآخرين، ويستفيد من آرائهم.
  • الإقدام: لا بد أن يكون لدى القائد القدرة على الجرأة والإقدام والمجازفة المحسوبة، بحيث تقوده وفريق العمل إلى تقديم أفكار لم تُطرَح من قبل؛ كما يجب ألَّا يستسلم للقوانين التي تقيد حركته وتشل إبداعه.
  • الفضول: لدى القائد المبدع شغف وفضول نحو البحث عن كل ما هو جديد، وتغيير الوضع الراهن.
  • قيادة التغيير: نجد أنَّ القادة الذين يصبون إلى قيادة الآخرين وإحداث طفرات يتميزون بسرعة الاستجابة للمتغيرات، وقبول التغيير، والتعامل معه بإيجابية من خلال التعاون مع الآخرين والعمل في فريق.
  • التحليل: القدرة على تحليل المشكلات واقتراح مداخل وأفكار لحلها.
إقرأ أيضاً: ما مواصفات وكفاءات قادة التغيير؟

هل تنحصر القيادة الإبداعية في شخص الفرد، أم القائد، أم المؤسسة؟

بالطبع لا، وفيما يأتي مستويات الإبداع:

1. الإبداع على المستوى الفردي:

أي أنَّ أفراد الفريق يتمتعون بجزء من الإبداع والقيادة، ويخرج منهم قادة كلٌّ في مجاله؛ وفي هذه الحالة، يتمتع الفريق على المستوى الفردي بقدرة إبداعية خلاقة لتطوير العمل، وتكون على شكل مؤشرات منها:

2. القيادة الإبداعية على مستوى المنظمات:

مثلما أنَّ هنالك أفراد وقادة مبدعون، هنالك منظمات ومؤسسات مبدعة، وتكون قادرة على ابتكار أفكار وفرص لقيادة السوق والفريق الذي ينتمي إليها بصورة مختلفة تماماً عما يفكر فيه المنافسون.

لقد ذكر خبراء الإدارة أنَّ الإبداع على مستوى المنظمة يعني "المخرجات الناتجة عن التفاعل الذي يحدث بين الخطة الاستراتيجية والبناء التنظيمي من جهة، والثقافة والمناخ التنظيمي باعتبارها عوامل وسيطة أو مؤثرة في العملية الإبداعية من جهة أخرى"؛ كما عُرِّف بأنَّه " تبنِّي فكرة أو سلوك جديد بالنسبة إلى المنظمة".

كذلك ميز الباحثون في مجال القيادة التنظيمية بين نوعين من الإبداع على مستوى المنظمات، وهما:

  • الإبداع الفني: بحيث يتعلق بالمنتج وتكنولوجيا الإنتاج، أي بنشاطات المنظمة الأساسية التي تنتج عنها السلع أو الخدمات.
  • الإبداع الإداري: يتعلق بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة بصورة مباشرة، وبنشاطات المنظمة الأساسية بصورة غير مباشرة.

تعزيز القيادة الإبداعية:

أخيراً، يمكن تعزيز القيادة الإبداعية على مستوى الأفراد والمنظمات من خلال:

  1. تجنُّب الخوف من الفشل.
  2. الثقة بالنفس.
  3. دعم الآخرين.
  4. حرية التفكير والتعبير عن الرأي.
  5. التنافس البنَّاء.
  6. التطوير والتدريب المستمر.

المراجع:

  • العامري، أحمد (2002)، " السلوك القيادي التحويلي وسلوك المواطنة التنظيمي في الأجهزة الحكومية السعودية، المجلة العربية للعلوم الإدارية، المجلد التاسع، العدد الأول
  • العمري، مشهور 2004، بعنوان " العلاقة بين خصائص القيادة التحويلية ومدى توفر إدارة الجودة الشاملة، رسالة ماجستير، جامعة الملك سعود، الرياض السعودية.
  • العجمي، محمد (2008) " الاتجاهات الحديثة في القيادة الإدارية والتنمية البشرية، دار المسير للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية
  • الهواري، سيد، (1996) " ما بعد المدير الفعال؟!: القائد التحويلي: رؤية عن قائد جديد بأفكار ومهارات جديدة، من أجل إنجاز غير عادي، في عالم متغير متنافس" مكتبة عين شمس، القاهره.
  • Daft, R. 1978. “Organizational Innovation.” Academy of Management Journal 21 (2) 193–210



مقالات مرتبطة