القيادة التحويلية وصفات القائد التحويلي

لماذا يخسر فريق رياضي في مباراة على الرغم من أنَّه يمتلك أمهر اللاعبين؟ ولماذا تفلس شركة وهي تملك أفضل وأشهر المحامين والموظفين؟ هل خطرت في بالك يوماً هذه الأسئلة؟ إليك الإجابة:



إنَّ الكادر البشري هو الثروة غير النقدية التي تمتلكها كل شركة، ويحتاج إخراج طاقاته الكامنة إلى جهود قيادية وإدارية تضمن تعزيز ولاء لدى كل فرد في فريق العمل يضمن استثارة جهوده وتحفيزها لتصب في مصلحة المنظمة.

فقد تفشل الكثير من المنظمات في أداء مهامها على الرغم من امتلاكها الكادر البشري الخارق، ويعود السبب في ذلك إلى نمط القيادة المتبع فيها الذي يكبح جماح الطموح لدى الموظفين ويضغط عليهم ولا يقوم بتلبية احتياجاتهم المهنية، فتنشأ بذلك بيئة عمل غير مريحة تكون سبباً في تدهور المنظمة وتراجع أداء أفرادها.

انطلاقاً من ضرورة امتلاك نمط قيادي فعال في التعامل مع جميع أنواع المواقف والموظفين، برز مصطلح القيادة التحويلية الذي حقق ثورة في عالم إدارة الموارد البشرية، والذي خصصنا هذا المقال للحديث عن مفهومه وصفات القائد التحويلي.

مفهوم القيادة التحويلية:

يمكن تعريف مفهوم القيادة التحويلية بأنَّه العملية التي يشترك فيها فرد مع الآخرين من أجل تكوين روابط من شأنها رفع مستويات الأخلاق والدافعية عند كل من القادة والمرؤوسين.

القيادة التحويلية تعني تلبية حاجات ودوافع الموظفين في الشركة وتقديم المساعدات لهم من أجل إخراج طاقاتهم الكامنة وتقديم أقصى إمكاناتهم ومهاراتهم، وتغيير القيم التنظيمية للمؤسسة لتتوافق مع معايير أكثر عدالة وإنسانية، وتمكِّن المدير والمرؤوس من بلوغ درجات أعلى من القيم الأخلاقية.

القيادة التحويلية هي نمط قيادي يمتلك رؤية واضحة عن المستقبل وأهدافه، ويشجع المرؤوسين على مشاركة أفكارهم واقتراحاتهم في إنشاء رؤية طويلة الأمد للمنظمة ورسم أهداف واضحة لها.

يسعى هذا النمط من القيادة إلى إجراء تطويرات وتغييرات مستمرة في التنمية الإدارية، بشرط أن تتم هذه التغييرات بأسلوب مرن يمكِّن الشركة أو المنظمة من التأقلم معه ومع التطورات الدولية، وتحرص القيادة التحويلية على تنظيم العمل الجماعي بين المديرين والمرؤوسين، وبناء فرق العمل، وإنشاء بيئات عمل صحية ومريحة قائمة على الحوار والمشاركة بين جميع المستويات الإدارية.

الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية:

قد يتبادر إلى الذهن بعد قراءة مفهوم القيادة التحويلية أنَّها متشابهة مع مفاهيم القيادة التقليدية المعروفة؛ لذا فإنَّنا نوضح الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية عبر ما يأتي:

الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية من وجهة نظر (Burn 1978):

يرى (Burn 1978) في كتابه (Leadership) أنَّ القادة التحويليين يقومون بتبادل المنافع مع المرؤوسين من أجل الحصول على نتائج أفضل، على عكس القادة التقليديين الذين يقومون ببناء علاقات تحفيزية مع مرؤوسيهم لبلوغ هدف معين.

وإنَّ القيادة التحويلية برأي (Burn) تعمل على حث المرؤوسين على العمل بغية تحقيق أهداف معينة تتجسد فيها الدوافع والقيم، وتتعلق عليها طموحات وآمال المرؤوسين والرؤساء على حد سواء.

الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية من وجهة نظر (Schermerhorn 1996):

أما الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية من وجهة نظر (Schermerhorn) هو في كون القيادة التحويلية تثير جواً من الحماسة، وتشيع طابعاً من الثقة، وتبث رغبات الطموح ومشاعر الولاء بين المرؤوسين؛ وهذا يحفز لديهم الرغبة في بذل الجهود الحثيثة لبلوغ النجاح والقناعة والشغف المطلوبين لأداء المهام باحترافية عالية.

الفرق بين القيادة والقيادة التحويلية من وجهة نظر (Robbins 2003):

يرى (Robbins) أنَّ الفرق بين القيادة التقليدية والقيادة التحويلية في كون الأخيرة قادرة على إلهام المرؤوسين بالارتقاء بمصالحهم الشخصية من أجل النهوض بالمنظمة، كون التطويرات الذاتية تنعكس إيجاباً على المنظمة وترفع من شأنها.

إقرأ أيضاً: 6 أمور تخلصك من العقلية التقليدية وتجعلك قائداً عظيماً

مكونات القيادة التحويلية:

تتألف القيادة التحويلية من مجموع هذه المكونات:

1. الرؤيا:

تُعَدُّ الرؤيا واحدة من مكونات القيادة التحويلية، وهي العنصر الذي يمكِّن القائد التحويلي من صياغة التوقعات المستقبلية للمنظمة ورؤيته القادمة لها، وتنظيم السلوكات وتخطيطها بأسلوب يصب في مصلحة تنفيذ هذه التوقعات وتحقيق تلك الرؤيا.

2. التواصل الفعال:

يُعَدُّ التواصل الفعال مكوناً هاماً من مكونات القيادة التحويلية، وهو الذي يمكِّن القائد التحويلي من التواصل ذهنياً مع المرؤوسين في بيئة العمل واكتساب ثقتهم واحترامهم واستثارة هممهم وتحفيز إبداعهم.

3. التمكين:

هو المكون الثالث من مكونات القيادة التحويلية والسمة التي تجعل القائد التحويلي قادراً على دعم الآخرين والتعاطف معهم وإبداء الثقة بقدراتهم ومهاراتهم، ومن ثمَّ تمكينهم في المنظمة وأدائهم لمهامهم على أكمل وجه.

4. تنفيذ الرؤيا:

هو المكون من مكونات القيادة التحويلية المعني بتحويل التوقعات إلى حقيقة عن طريق حث المرؤوسين وتنظيم جهودهم وتركيزها على الأفعال المؤدية لذلك.

أبعاد القيادة التحويلية:

للقيادة التحويلية أربعة أبعاد سنقوم بتوضيحها كما يأتي:

1. الجاذبية التأثير المثالي:

يُعَدُّ التأثير المثالي البعد الأول من أبعاد القيادة التحويلية، ويصف هذا البعد سلوكات القائد التي تثير إعجاب واحترام مرؤوسيه، فهو لا يتربع على برج عاجي يصدر أوامره من أعلاه؛ بل ينخرط على جانبهم في التحديات والمخاطر، ويتصرف بأخلاق عالية في العمل وإيثار يظهر على شكل تقديم مصالح مرؤوسيه على مصالحه الشخصية.

2. التحفيز الملهم:

يُعَدُّ التحفيز الملهم البعد الثاني من أبعاد القيادة التحويلية، وهو يركِّز على تصرفات القائد الملهمة التي يكون لها أثر بالغ في تشجيع المرؤوسين على خوض التحديات، وتستثير فيهم روح الحماسة والمثالية في إنجاز المهام على أكمل وجه أسوة بقائدهم الذي يتصرف بطريقة توضح الأهداف التنظيمية والتوقعات المرجوة.

3. الاستثارة الفكرية أو العصف الذهني:

هي البعد الثالث من أبعاد القيادة التحويلية الذي يهدف إلى البحث عن الأفكار الجديدة الخلاقة من أجل حل المشكلات بطرائق إبداعية مبتكرة واعتماد النماذج الجديدة بوصفها أسلوباً فريداً في أداء المهام.

4. الاعتبارات الفردية:

هي البعد الرابع من أبعاد القيادة التحويلية، وتعني إيلاء القائد الاهتمام لكل فرد من أفراد كادره، والاستماع لهم بلطف واهتمام، وتلبية احتياجاتهم، وتقديم الشكر والثناء لهم، وتقدير إنجازاتهم.

أهداف القيادة التحويلية:

سوف نعرض فيما يأتي أهداف القيادة التحويلية التي تعكس أهمية هذا النمط القيادي الرائد:

  1. إخراج العاملين من عزلتهم المهنية وتشجيعهم على الانخراط في فرق العمل وتعزيز العمل الجماعي، إضافة إلى تطوير مهاراتهم بشكل دوري وإبقائهم على اطلاع بكل التحديثات المهنية، ومواكبة التغيرات الثقافية التي تدعم المعايير الموضوعية لقياس الأداء.
  2. تحفيز العاملين على تقديم المقترحات الإبداعية للمشكلات المهنية، وتشجيعهم على الانضمام إلى الفعاليات والنشاطات المستحدثة من أجل بذل المزيد من الجهود التي تحقق أهداف المنظمة ورسالتها.
  3. تشجيع العاملين على العصف الذهني وابتكار الأفكار الإبداعية في حل المشكلات ووضع الخطط المستقبلية للمنظمة، وتطوير مهاراتهم في التفكير خارج الصندوق وبعيداً عن المعتاد والمألوف.
  4. إنشاء بيئة عمل مريحة ومشجعة على الإبداع والتميز، ومساعدة العاملين في فرق العمل على تقاسم المسؤوليات والصلاحيات من أجل تحقيق الهدف الموحد المنشود.
  5. إشراك جميع العاملين في المنظمة في عملية صناعة القرارات المصيرية، وتقديم الشروحات والإيضاحات لواجبات ومهام كل منهم في الخطة العملية، والاحتفاء بمواهبهم وميزاتهم والعمل على تنميتها.
  6. السعي إلى إشباع حاجات العاملين في المنظمة والاستجابة الفعالة لحاجة المجتمع المتغيرة باستمرار.

شاهد بالفديو: 12 طريقة فعالة لتعزيز العمل الجماعي

صفات القائد التحويلي:

بعد أن قدمنا تعريفاً بمفهوم القيادة التحويلية وأبعادها ومكوناتها وأهدافها، لا بد لنا من التطرق لصفات القائد التحويلي والمواصفات الواجب توفرها فيه:

1. التركيز والانتباه:

من صفات القائد التحويلي أنَّه يمتلك مهارة الاستماع والإصغاء إلى من حوله، تلك الميزة التي تُشعر المتحدث أمامه باهتمامه فيستفيض في طرح المشكلة أو إبداء رأيه في الحل.

كما أنَّ القائد التحويلي بارع في التركيز على كل ما حوله، واقتناص التفاصيل الصغيرة التي يعجز الآخرون عن ملاحظتها، ولا يكتفي القائد التحويلي بامتلاك هذه المهارات؛ بل يحاول نقلها إلى الآخرين من أجل توسيع مداركهم وتحفيز إبداعهم.

يكون القائد التحويلي بارعاً في شرح رؤاه وآرائه من أجل إقناع الآخرين بها بطريقة عقلية منطقية، فهو لا يفرض آراءه فرضاً؛ بل يحاول جعلها وجعل أهدافه طموحاً للجميع من أجل شحذ هممهم لتحقيقها.

2. تحمُّل المخاطر:

لا يربح من يبقى في الجانب الآمن؛ لذا فإنَّ من صفات القائد التحويلي التحلي بروح المغامرة وخوض المخاطر من أجل الارتقاء بالمنظومة، ولا يعني هذا أنَّ القائد التحويلي متهور وطائش؛ بل هو على دراية واسعة وتخطيط مسبق لكل ما يقوم به، وهو يقوم بشرح أبعاد المخاطرة للآخرين، والاعتراف بفشلها وتحمل نتيجته دون إلقاء اللوم عليهم في حال حدث ذلك، فهذا الفشل من وجهة نظره هو درس ثمين يتعلم منه من أجل المستقبل.

3. الثقة بالنفس وبالآخر:

من صفات القائد التحويلي أنَّه يكون واثقاً بنفسه بغير تسلُّط ولا غرور بطريقة نابعة عن إدراك لنقاط القوة لديه؛ وهذا يساعده على اكتساب محبة الآخرين واحترامهم وتقديرهم، ولا تدفع الثقة بالنفس القائد التحويلي إلى تهميش أدوار الآخرين؛ بل تجعلهم شركاء في صنع القرار، وتضعهم في أماكن المسؤولية من أجل أن يخوضوا المغامرات والتحديات من أجل أن يكتسبوا الخبرة التي من شأنها تعزيز ثقتهم بأنفسهم أيضاً.

4. احترام الذات:

من صفات القائد التحويلي أنَّه يحمل في داخله مجموعة من المبادئ والقيم التي تنظم أفعاله وتضبط تعامله مع المواقف وأسلوب كلامه وطريقة تصرفه، كما أنَّه يفعل أكثر مما يتحدث، ويدرك أنَّ انسجام الأفعال مع الأقوال من شأنه أن يعزز من احترامه وتقديره من قِبل الآخرين ويكسبه ثقتهم؛ وهذا يجعله قادراً على إحداث تغيير حقيقي في المنظمة نابع من تغيير داخلي لعقليات الموظفين وطرائق تفكيرهم.

إقرأ أيضاً: احترام الذات: ما أهميته؟ وكيف يمكن زيادته؟

5. مهارات التواصل الفعالة:

إنَّ القدرة على التواصل الفعال مع الآخرين هي من أبرز صفات القائد التحويلي؛ لأنَّ التواصل هو عماد عملية القيادة التي تكون سلاحه الفعال في شرح أفكاره وأهدافه للموظفين، ومعرفة كيفية تشجيعهم على البوح بمكنونات أفكارهم.

6. الانسجام مع الآخرين:

تنبع هذه الصفة من صفات القائد التحويلي من امتلاكه ذكاءً عاطفياً يساعده على التعاطف مع الآخرين وفهم احتياجاتهم ومساندتهم في السعي نحو بلوغ أهدافهم والارتقاء بأنفسهم؛ وهذا يجعل منه صلة وصل بين أعضاء فريق العمل، وأداة تعزز الانسجام والتعاون فيما بينهم.

في الختام:

إنَّ القيادة التحويلية هي نمط قيادي رائد وفعال، ومن الضروري جداً أن يأخذ دوره في المنظمات التي تطمح إلى النجاح والتميز، فهو عن طريق مكوناته وأبعاده قادرٌ على أن يُحدِث جواً مريحاً في بيئة العمل مبنياً على أساس المسؤولية المشتركة بين جميع المستويات الإدارية في عملية الارتقاء بالمنظمة وتحقيق أهدافها، ومستنداً إلى أساس مراعاة احتياجات الأفراد وتطوير مهاراتهم ورفع كفاءاتهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة