الفوائد التي تعود بها الخيمرية الميكروية الجنينية على الجنين والأم

تنشأ رابطة قوية بين الأم وجنينِها الذي ينمو في داخلها في الأسابيع الأولى من الحمل بينما يتبادلان الخلايا فيما بينهما عبر المشيمة؛ إذ ستؤثِّر هذه الظاهرة غير المعروفة جيداً فيهما معاً لعقودٍ قادمة.



تُعرَّف الخيمرية الميكروية (Microchimerism) بأنَّها بقاء خلايا فردٍ ما في فردٍ آخر، ويعني المُصطَلَحُ الخيمرَ الصغير؛ والخيمر في الأساطير اليونانية هو مخلوق يتكون جسمُه من حيوانات مُختلفة؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الحمل هو السبب الرئيس للخيمرية الميكروية الطبيعية.

تبدأ الخيمرية الميكروية الجنينية، والتي تعني انتقالَ الخلايا الجنينية نحو الأم في الشهر الأول بعد بدء الحمل وغالباً قبل أن تُدرِك المرأةُ أنَّها حامل، ويتخلَّص الجهاز المناعي عند الأم من بعض هذه الخلايا، أمَّا الخلايا الجنينية المتبقية التي تنجح في الاستمرار بالبقاء لدى الأم فإنَّها تُمتَصُّ داخل جسمها وتبقى معها لعقودٍ من الزمن، وربَّما مدى الحياة.

ما زالت الدراسة المتعلقة بالخيمرية الميكروية في مراحلها الأولى، ولكنَّنا نعلم حالياً أنَّ الخيمرية الميكروية الجنينية تفيد الطفل والأمَّ على حدٍّ سواء.

الفوائد التي تعود بها الخيمرية الميكروية الجنينية على الطفل:

يبدو أنَّ الخلايا الجنينية تعمل بوصفها رُسُلاً في مدة الحمل وما بعد الولادة المبكِّرة ممَّا يحفِّز حدوثَ التغييرات التي تحسِّن فرص بقاء الطفل على قيد الحياة بجعل جسد الأم أكثر مُلاءَمةً له.

تتمثل إحدى المهام الأولى للخلايا الجنينية بتأمين مصدر التغذية، وتبدأ خلايا الكيسَة الأُرَومِيَّة (وهي عبارة عن كتلة من الخلايا التي تتحوَّل إلى جنين في المراحل التالية) بتطوير المشيمة، ومن ثمَّ تبدأ الخلايا الجنينية بالانتقال نحوَ جسم الأم قبلَ أن تتشكل المشيمة كاملاً.

تخضع الخلايا الجنينية لسلسلة من التغيُّرات ما إن تصل إلى جسد الأم؛ إذ تقول دكتورة الأطفال المُتخصِّصة في طب حديثي الولادة والمديرة الطبية لمركز الإمدادات الطبية "إيروفلو بريست بامبس" (Aeroflow Breastpumps) "جيسيكا مادن" (Jessica Madden): "تساعد الخلايا الجنينية التي تنتقل إلى الغدة الدرقية على رفع درجة حرارة جسم الأم، ممَّا له أهمية بالغة في الحفاظ على دفء طفلها سواء داخل الرحم أم بعد الولادة، كما تساعد الخلايا الجنينية التي تنتقل إلى نسيج الثدي الخاص بالأم على زيادة كميات الحليب التي ينتجها الثدي".

إلى جانب تهيئة جسم الأم وتجهيزه ليُصبح بيئة مثاليَّةً للطفل، فإنَّ الخلايا الجنينة تعبُر الحاجز الدموي الدماغي لدى الأم؛ إذ يبدو أنَّها تساعد على تحفيز مناطق الدماغ المسؤولة عن اهتمام الأم والترابط العاطفي مع طفلها.

أمَّا بالنسبة إلى الخلايا الجنينية التي تستمر في البقاء في جسم الأم بعد مدة طويلة من تجاوز الطفل لمرحلة اعتماده عليها، فسنعرف مصيرَها فيما يأتي:

Fetal feeding

فوائد الخيمرية الميكروية الجنينية على الأم:

تحثُّ خلايا الجنين الخيمرية الميكروية على تغييرات تكون مسؤولةً عن مساعدة الطفل، وتؤدي أيضاً دورَ الملاك الحارس ضمن جسم الأم؛ إذ تساعد الأم وتحميها لسنوات عديدة.

يبدو أنَّ الخلايا الجنينية التي تستمر في البقاء ضمن جسم الأم تؤدي دوراً في استبدال الخلايا المتضررة، وتبيِّن الدكتورة "مادن" بأنَّه غالباً ما يُعثَر على هذه الخلايا في الندوب بعد الولادة القيصرية على سبيل المثال، فمن المُدهِش طريقةُ التئام جلد الجنين تماماً دون أي ندوب؛ إذ تنتقل الخلايا القادرة على هذا الإنجاز المُذهِل والعظيم بنشاطٍ إلى موقع الإصابة عند الأم، وتتمايز متحولةً إلى خلايا الجلد المُنتِجة للكولاجين؛ وبذلك فهي تؤدي دوراً فعالاً في إصلاح وترميم جرح الولادة القيصرية منذ ولادة الطفل.

يبدو أيضاً أنَّ هذه الهِبة التي يقدِّمها الطفل لأمه تؤمِّن نظامَ مراقبة للخلايا السرطانية الخبيثة، وترتبط بالوقاية من إصابة الأم بسرطان الثدي.

لقد أُشير إلى قدرة الخلايا الجنينية على التحوُّل لأيَّة خلية قد يحتاجُها الجسم للشفاء بوصفه تفسيراً لسبب امتلاك النساء لنتائج أفضل فيما يتعلق بالصحة والعمر، وتقول الدكتورة "مادن": "أظهرت الأبحاث أنَّه يمكن للخلايا الجنينية أن تُصلح وترمِّم الكبد المتضرِّر والخلايا العصبية في الدماغ والأنسجة القلبية عند الأم، كما أصبح من المُسلَّم به أنَّ الخيمرية الميكروية تؤدي دوراً في تخفيض خطر وفاة النساء بسبب أمراض القلب"، وقد وُجِدَت الخلايا الجنينية ضمن أنسجة الزائدة الدودية مُحاولةً ربَّما أن تصلح مشكلةً ما قبل أن تتحول إلى أمرٍ خطير.

يبدأ انتقال الخلايا الجنينية إلى الأم منذ الأسابيع الأولى من الحمل ويزداد تدفُّقُها وانتقالها مع تقدُّم الحمل، ومن اللَّافت للانتباه أن ينجم العدد الأكبر من الخلايا الجنينية لدى الأمهات بعد سنوات عن حالات الحمل التي أُجهِضَت وانتهَت في وقت مبكِّر، وربَّما تكون هذه الفكرة مُريحةً بالنسبة إلى النساء اللواتي مررْن بتجربة الإجهاض أو فقدان الحمل.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح هامة للمرأة الحامل

في الختام:

تقول الدكتورة "مادن": "قد يؤدي الحمل حرفياً إلى إطالة حياة المرأة أو إنقاذها، وما الخيمرية الميكروية إلَّا دليلٌ علميٌّ على أنَّ الأطفال هم دائماً جزءٌ من الأم".




مقالات مرتبطة