الفضول سر الحياة الطويلة

إحدى الطرائق المفضلة لي في التَّعلم هي دراسة حياة الأشخاص الذين عاشوا على هذا الكوكب منذ سبعة عقودٍ أو أكثر، وأحد هؤلاء الأشخاص هو جدِّي البالغ من العمر 87 عاماً وما تزال صحَّتُه جيدة ويعتني بنفسه، كما قابلت أيضاً العديد من رواد الأعمال الناجحين للغاية من خلال والدي الذي عملت معه؛ فقد أُتيحَت لي الفرصة لإنشاء عملٍ تجاريٍّ مع والدي ما أتاح لي الفرصة للتَّعرف إلى رجال أعمالٍ ومستثمرين رائعين.



ألهمني اثنان من هؤلاء الأشخاص كثيراً، أحدهما مستثمر عقاري هولندي وهو الآن في السبعينيات من عمره، فقد أخبرني ذات مرة أنَّه لا يريد التقاعد أبداً، ورجل أعمالٍ أمريكيٍّ من ولاية "فلوريدا" (Florida) عمره 82 سنة بدأنا العمل معه في الفترة الأخيرة، وفي أواخر العام الماضي زارنا بنفسه في هولندا، فبالنسبة إليه العمر لا يقيده، لكن ليس هذا ما ظنَّته شركةُ تأجير السيارات؛ فلم يرغبوا في إعطائه سيارةً بسبب عمره؛ فقال لنا: "أنا لا أفهم لمَ هؤلاء الناس لا يريدون أن يعطوني سيارة، فأنا أشعر كأنَّني أبلغ من العمر 50 عاماً".

الاستخفاف بالفضول:

أسأل كل شخص ناجح أعرفه ما هو سر نجاحه؟ وما هو مفتاح العمر الطويل؟ ومن هو الأفضل للإجابة عن هذه الأسئلة؟ أجاب هؤلاء الرجال كلهم إجابةً واحدة: "عليك أن تظلَّ فضولياً؛ فاستمر في تعلُّم أشياء جديدة، وواصل الابتكار، ولا تتقاعد؛ فأنت تنتهي لحظة قيامك بذلك".

لم يقتصر الأمر على الأشخاص الذين قابلتهم من خلال العمل؛ فثمة عدد كبير من القراء وطلاب الدورة التدريبية عبر الإنترنت تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، وأكبر تلميذٍ لدي يبلغ من العمر 88 عاماً، وربَّما تعلَّمتُ من موقفه أكثر ممَّا تعلَّمَه من دورتي؛ فإنَّ البقاء طالباً دائماً هو بلا شك أحد أهم الأشياء في الحياة؛ فنحن نُخصِّص كثيراً من حياتنا لأنشطة لا معنى لها تجعلنا مشغولين، لكن حياة الفضول لا تعني حياةً مليئة بالانشغال.

الانشغال هو عدو الفضول:

تلقيت منذ فترة رسالةً من رجلٍ اعتدت ممارسة التمرينات معه ولم يعد صديقاً لي، لكن في ذلك الوقت كنَّا مقربين، وسألني عن أحوالي وتبادلنا بعض الرسائل، وظننت أنَّه كان أمراً رائعاً منه أن يتواصل معي، وسألته إذا كان بإمكاني الاتصال به لاحقاً؛ لأنَّني مشغول الآن؛ لكنَّني لم أسمع صوتَه منذ ذلك الحين.

فإذا كانت مشاغلك أكثر من أن تُتيح لك إجراء مكالمة هاتفية أرى ذلك علامة على أنَّني لستُ مسيطراً على حياتي، ولقد تعلمت هذا من الأشخاص عينهم الذين ذكرتُهم أعلاه؛ فعندما تتصل بهم يستجيبون، وعندما تراسلهم بالبريد الإلكتروني فإنَّهم يرُدُّون عليك، وبصرف النظر عن عدد المسؤوليات التي تقع على عاتقهم وعدد الأشخاص الذين يعملون لديهم، فإنَّهم دائماً ما يُخصِّصون الوقت لهذه الأشياء.

هذا هو مقياس حياتي؛ فإذا لم أتمكن من أخذ استراحة ليوم واحد، فأنا بحاجةٍ إلى إعادة التفكير في حياتي الشخصية والمهنية، وإذا لم تتمكن من الاتصال بشخصٍ ما لمدة 10 دقائق لأنَّك مشغول، فالحياة تتحكم بك، وهذا ما حدث لي أيضاً، ولا أستطيع أن أتخيل أنَّ الناس يريدون أن يعيشوا هكذا؛ فهذا يمنحك إحساساً بأنَّ أموراً أخرى تسيطر عليك، فعندما تكون مشغولاً لا يمكنك أن تشعر بالفضول؛ فمشاغلك أكبر من أن تتيح لك ذلك، أليس كذلك؟ هذا خطأ فادح.

شاهد بالفديو: ما هي صفات الأشخاص الفضوليين؟

الفضول يحافظ على الحياة:

في السنوات الأخيرة كنتُ مدفوعاً بالفضول أكثر من أي شيء آخر، وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي تواصل معي أشخاصٌ من شركة "أمازون" (Amazon) في الهند (India) بشأن كتابي "التفكير بشكل صحيح" (Think Straight)، وقد كان الكتاب الأكثر قراءةً على منصة أمازون برايم (Amazon Prime) في ذلك العام، وحصل على شهرة واسعة، وكانوا سيعرضونه في متجر أمازون كيندل (Amazon Kindle) الإلكتروني للكتب، وقد شاركوا بعض المواد الترويجية التي يمكنني استخدامها على وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن هذا.

في حين كنتُ سعيداً جداً بهذا الإنجاز وأردت مشاركته فكرت أيضاً في نفسي، لماذا سأكون سعيداً بنفسي؟ فأنا لا أهتم بها، بالتأكيد أنا أهتم كثيراً؛ لأنَّ الناس استمتعوا بالكتاب؛ لكنَّني لستُ بحاجة إلى الحديث عن الأمر كأنَّه إنجاز ضخم، فعندما أرى أشخاصاً آخرين يفعلون ذلك لا أتأثر أبداً.

غالباً ما تكون منشورات وسائل التواصل الاجتماعي للمؤلفين والخبراء مليئة بمنشورات التباهي، وتتضمن سيرهم الذاتية شارات شرف لا معنى لها ولا أحد يهتم بها وهذه الأمور تافهة كلها، لكن عندما أكون حول الأشخاص الذين ذكرتهم في البداية، أدرك أنَّ جوهر الحياة هو المحاولة والقيام بأشياء جديدة.

فما يزال صديقنا البالغ من العمر 82 عاماً يبتكر ويعمل على تقنيات جديدة، وهكذا تستمتع بالحياة وتنسى كل الأشياء التي لا تهمك، والحقيقة هي أنَّني كنت أعمل على أشياء استمتعتُ بها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ولقد نسيت أمر الإعلان على منصة أمازون (Amazon).

إقرأ أيضاً: 6 أفكار تساعدك على الاستمتاع بحياتك

في الختام:

لأكون صادقاً، عندما علمت بذلك لأول مرة، شعرت بالفخر وأردت إخبار الجميع، لكن بعد ذلك أكملت عملي ونسيت أن أخبر عائلتي، ولم أخبرهم حتَّى مر أسبوع، وبحلول ذلك الوقت بدأت المنصة بالترويج، وهذا هو أكبر درس تعلمته من قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يجب أن يتقاعدوا؛ لكنَّهم ما زالوا نشطين؛ فكل شيء تافه باستثناء القيام بالأشياء التي تثير فضولك؛ فقد يُبقي ذلك حياتك مليئة بالنشاط والفرح؛ فعندما تحافظ على نشاطك تصبح الحياة طويلة.

المصدر




مقالات مرتبطة