الغيرة من المولود الثاني: أسبابها وطرق التعامل معها

نحن نربي أطفالنا بأسلوب رد الفعل والندية في التعاطي، بحيث تقتصر تربيتنا على تبني أسلوب الاستجابة المباشرة لسلوك طفلنا؛ فإن كان سلوكه سلبياً، فلك حرية التصور كيف سيكون شكل التعاطي مع ذاك التصرف.



إنَّنا في الغالب لا نسعى إلى البحث عمَّا وراء السلوك السلبي لطفلنا ومحاولة فهم مسبباته، بل نستمر في توجيه أصابع الاتهام إليه، دون أن نفكر ولو لمرة في التحرر من دور الضحية وتوجيه الاتهام إلى أنفسنا.

نعم، نحن محترفون في الهرب من تحمل المسؤولية، ملقين اللوم دائماً على أبرأ مخلوقات الأرض، غير واعين أنَّ التربية قضية حساسة جداً، وأنَّ أيَّ سوء معالجة لتصرفات أطفالنا يعرضهم إلى أن يكونوا أشخاصاً مضطربين نفسياً في المستقبل.

إنَّنا لا نعامل الطفل على أنَّه كائن مستقل له اهتماماته وأفكاره وسماته الخاصة التي يجب أن تُحترَم، بل نميل إلى اتباع أسلوب القمع والإكراه معه بدلاً من أسلوب الحوار والتوضيح والتبيان؛ ولا نحاول وضع أنفسنا مكانه، ونقضي أيامنا في حالة من الشكوى والتذمر من سلوكاته الخاطئة، دون أن نبذل أدنى جهد لمحاولة فهم سيكولوجيته، والبحث في احتياجاته النفسية.

لقد عانينا كثيراً كآباء من مشكلات شتى مع أطفالنا، لاسيما تحولهم إلى كائنات عدائية وغيورة ومتسلطة، خاصةً عندما يتزامن ذلك مع قدوم طفل آخر للعائلة؛ معتقدين أنَّ الخطأ يكمن في تركيبة الطفل الفيزيولوجية، لا في أساليبنا التي اتبعناها في تهيئته نفسياً لذلك، وعدم قدرتنا على فهم الرسالة الكامنة وراء عدائيته وغيرته المجنونة.

وربَّما نسأل جميعاً الأسئلة نفسها: لماذا يغار الطفل الأول من المولود الجديد؟ وكيف لنا أن نتعامل بحكمة مع هذه المشاعر السلبية؟

وما كان منَّا إلَّا السعي إلى أن نقدم إليكم الإجابة عن ذلك؛ لهذا أوردنا في سطور مقالنا هذا كلَّ ما تحتاجون إلى معرفته بهذا الخصوص.

ما التفسير النفسي لغيرة الطفل الأول من المولود الجديد؟

يتعرض الطفل الأول إلى حادث جلل يفتك براحة باله بمجرد قدوم منافس قوي له إلى الحياة؛ فبعد أن كان سيد مملكته والآمر الناهي فيها، أتى الآن من يشاركه حياته برمتها، ويسرق منه اهتمام والديه بعد أن كان هذا الاهتمام منصباً عليه وحده، ويعرِّض الوقت الذي كان يستمتع فيه برفقتهما إلى الاختراق والغزو، ويجعل منه شيئاً ثانوياً في حياتهما؛ ليحتل هو الصدارة والأولوية، ولتكون الغيرة المشتعلة في قلب الطفل الأول تجاه أخيه الجديد النتيجة الطبيعية لكلِّ ما سبق.

الغيرة بين الأطفال شعور طبيعي، وتتكون من اجتماع ثلاثة مشاعر هي: مشاعر الحزن، والقلق، والغضب؛ لذلك علينا أن نستوعب هذا الأمر ونعمل على احتواء مشاعر الطفل أولاً، لكي تتهذب لديه الغيرة تلقائياً.

إقرأ أيضاً: غيرة الأطفال، أسبابها وكيف نتعامل معها؟

ما هي مظاهر الغيرة من المولود الجديد؟

تظهر بعض العلامات على الطفل الأول التي تنذر بأنَّه يغار من أخيه الجديد، مثل:

1. الحب المبالغ فيه:

كأن يُظهِر الطفل الأول اهتماماً وحباً مبالغاً فيه للمولود الجديد، ويتمادى في احتضانه إلى درجة خنقه والتسبب بضيق نفسه؛ أي أنَّه يمثل حالة الحب ظاهرياً، غير أنَّه رافض داخلياً لأخيه.

2. الحزن الشديد:

يصبح الطفل الأول شديد الحزن، ويميل إلى الانعزال والوحدة والبكاء، ويصبح شديد الحساسية، كأن يبكي على أشياء لم يكن يبكي عليها سابقاً؛ كما قد يعاني إلى جانب ذلك من فقدان الشهية إلى الطعام وتساقط الشعر.

3. العودة إلى الوراء:

قد يقرر الطفل الأول العودة إلى سلوكاته عندما كان طفلاً رضيعاً، مقلداً تصرفات أخيه الجديد؛ كأن يطلب من أمه أن تضع له الحليب في الزجاجة الخاصة بالأطفال الرضع بدلاً من كوبه الخاص.

4. السيطرة على أخيه:

يميل الطفل الأول إلى السيطرة والتحكم بتصرفات أخيه الجديد، ويكون عدوانياً معه؛ كأن يضربه ويسبب له الأذى الجسدي.

إقرأ أيضاً: لكل أم: ما الذي يريد طفلك البكر أن يخبرك إياه بعد إنجابك الطفل الثاني؟

ما أسباب الغيرة من المولود الجديد؟

1. التربية القائمة على الخوف الشديد والاهتمام المبالغ فيه:

تحوِّل التربية القائمة على سياسة "الدلع المفرط" الطفل الأول إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار لحظة حلول ضيف جديد على الأسرة، فقد اعتاد الطفل الأول على كرم والديه معه، وعدم رفضهما لأيِّ طلب من طلباته، وبأنَّه ملك المنزل وهما في خدمته؛ وقد عزز لديه كلُّ هذا "حب الأنانية"، وحوله إلى مهاجم عنيف وشرس في وجه كلِّ من يحاول مشاركته أيَّاً من ممتلكاته.

2. التمييز بين الأولاد:

يعطي الأهل مولودهم الجديد اهتمامهم الكبير، ويشترون له الهدايا الكثيرة، وينشغلون بذلك عن طفلهم الأول؛ كما ويميل المقربون كذلك إلى إغراق المولود الجديد بشتى أنواع الاهتمام المادي والمعنوي، وينسون الطفل الأول؛ الأمر الذي يعزز لدى الأخير مشاعر الغيرة والكره تجاه أخيه الجديد.

3. المقارنة بين الطفلين:

يتبع الكثير من الأهالي أسلوب المقارنات بين طفليهما؛ ممَّا يخلق ردة فعل عكسية لدى الطفل الأول، ويجعله يغار من أخيه الجديد بشدة.

4. القرارات المفاجئة:

عندما يقرر الأهل تغيير أسلوب حياة المولود الأول برمته بمجرد قدوم المولود الجديد دون سابق إنذار أو عملية تحضير نفسي، كأن يقرروا تغيير مكان نومه المعتاد، أو يسجلونه فجأة في حضانة لتمضية الوقت فيها؛ تتولد لدى الطفل الأول مشاعر غيرة شديدة من أخيه الجديد.

5. التعامل الخاطئ مع الغيرة الطبيعية الناشئة لدى الطفل الأول:

يؤدي عدم الفهم الصحيح لتصرفات ومشاعر الطفل الأول ورفضها والتعامل معها بعنف، إلى اشتعال مشاعر الغيرة أكثر في قلبه؛ فعندما يضرب الأب ولده ويوبخه لأنَّه يغار من المولود الجديد غيرة طبيعية مشروعة، سيعمل بذلك على تحويل غيرته إلى غيرة مرضية مؤذية قد تستمر مدى الحياة، وقد تخلق بدورها إنساناً غير سليم نفسياً.

كيف أتعامل مع الغيرة من المولود الجديد؟

  • على الأهل تحضير الطفل الأول نفسياً قبل قدوم المولود الجديد، كأن تجعل الأم طفلها الأول يساعدها في نشاطات التحضير لقدوم أخيه الجديد طوال فترة حملها؛ ممَّا يولد مشاعر إيجابية بينه وبين أخيه المنتظر.
  • أن تنتبه الأم إلى عدم تصدير مشاعر التعب إلى طفلها في أثناء فترة حملها، وألَّا تقول له أنَّها متعبة من الحمل وغير قادرة على الجلوس واللعب معه؛ ذلك لأنَّ هذا سيجعله يغضب من أخيه الجديد لأنَّه يحرمه من الوقت الذي كان يستمتع به مع والدته.
  • على الأهل الانتباه إلى جزئية هامة جداً، وهي ضرورة عدم أخذ الطفل الأول إلى المشفى لحظة ولادة الأم؛ ذلك لأنَّه سيشهد على ألم أمه وتعبها واهتمام الجميع بالمولود الجديد وعدم اكتراثهم به، ويدفعه ذلك إلى إنشاء رابط بين قدوم المولود الجديد وألم أمه الشديد وفقدان الاهتمام به؛ الأمر الذي يؤجج مشاعر الغيرة من أخيه الجديد. لذا بدلاً من أخذه إلى المشفى، على الأهل ترك ابنهم الأول في منزل أحد الأقارب الموثوقين، ومن ثمَّ إعادته إلى المنزل بعد أن تكون الأم قد تمالكت نفسها.
  • من ضمن إجراءات عملية التحضير النفسي للطفل الأول: عدم اتخاذ قرارات مفاجئة تخص أسلوب حياة الطفل الأول بالتزامن مع قدوم الأخ الجديد، لأنَّ من شأن ذلك أن يشعر الطفل بالاستياء من أخيه؛ فمثلاً: إن أراد الأبوان تغيير مكان نوم الطفل الأول ونقله إلى غرفة مستقلة تحضيراً لاستقبال المولود الجديد؛ فعليهما تحضير الطفل لذلك، وتنفيذ التغيير قبل أشهر من قدوم الطفل الجديد إلى الحياة.
  • العمل على قص القصص الغنية بالقيم على الطفل، بحيث تكون مليئة بقيم الحب والمشاركة بين الإخوة؛ وذلك كنوع من التحضير النفسي للطفل لاستقبال المولود الجديد.
  • على الأهل الابتعاد عن أسلوب المقارنة بين الطفلين، واتباع أسلوب مقارنة الطفل مع نفسه؛ كأن يُقارَن مستوى أداء الطفل الشهر الفائت مع هذا الشهر، ويُقيَّم مدى تقدمه وفقاً لذلك.
  • زرع الثقة في نفس الطفل من خلال مدحه وتشجيعه عند قيامه بالأمور الإيجابية مهما صغرت، وتقديمه إلى الناس أولاً قبل التعريف بالمولود الجديد، بحيث يأخذ الاهتمام نفسه ولا يشعر بالإهمال.
  • العمل على تعزيز قيمة تحمل المسؤولية، كأن يوكل الأب للطفل مَهمَّة تنظيم ألعاب أخيه الجديد كنوع من المشاركة وبناء الدور الإيجابي الفعال في الأسرة.
  • إعطاء الطفل الأول الوقت الكافي، بحيث لا تنشغل الأم بكامل وقتها مع المولود الجديد.
  • السماح للطفل بالتعبير عن مشاعره تجاه أخيه حتى لو كانت سلبية، وتقبلها، ومن ثمَّ مناقشته بها، وتوعيته، واستعراض صوره بينما كان رضيعاً، وكيف أنَّهم قد اعتنوا واهتموا به، وتبيان حقيقة أنَّ الطفل الرضيع يحتاج إلى العناية والرعاية أكثر من الطفل الكبير.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لمعالجة الغيرة عند الأطفال.

الخلاصة:

الزواج مسؤولية كبيرة، وتربية الأطفال قضية سنُحاسَب عليها يوم القيامة إن لم نسعَ في سبيلها السعي المطلوب؛ لذلك اتقوا الله في أولادكم، وتعلموا عن سيكولوجية الطفل، وابحثوا في أساليب التربية الأمثل؛ فالغوص في دواخل أطفالكم واكتشاف عوالمهم وطرائق تفكيرهم متعة لا تضاهيها متعة.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة