العيش بما يتوافق مع هدفك

لا ينتهي الأمر عند اكتشاف هدفك؛ بل هذا هو الوقت الذي تبدأ فيه الحياة؛ لذا الخطوة التالية هي تحديد مساعيك بناءً على هدفك في الحياة، فهذا الأمر هام جداً، لأنَّ تحديد المساعي يضمن حصولك على أقصى استفادة من هدفك ويضعك موضع المساءلة.



"بدا لي لوقتٍ طويل أنَّ الحياة على وشك أن تصبح حياةً حقيقيةً، لكن كانت تواجهني دائماً بعض العوائق في طريقي، أمور يجب اجتيازها أولاً، وبعض الأعمال غير المنجزة، وقضاء بعض الوقت في القيام بأمور هامة، ووجود ديون يجب سدادها، ثم ستبدأ الحياة، وفي النهاية اتضح لي أنَّ هذه العقبات كانت حياتي" - الكاتبة الأمريكية "بيت هولاند" (Bette Howland).

إدارة عدم الترابط بين حياتك وهدفك:

اعتماداً على الطريقة التي كنت تعيش بها حياتك قبل اكتشاف هدفك، قد يتعارض مسار حياتك الحالي مع هدفك الحقيقي، فقد يكون هدفك هو الدفاع عن حقوق الحيوان، ولكنَّك تعمل في مجال يساهم في فرض القسوة على الحيوانات، أو ربما ترغب في رفع وعي البشر، ولكنَّك تعمل في شركة لمستحضرات التجميل تجعل وعي النساء منخفضاً ومدفوعاً بالخوف والرغبة والفخر، حتى يستمروا في شراء منتجات التجميل.

لذا بدلاً من الشعور بالتحرُّر مع هدفك، قد تشعر بعدم الترابط به، فمع أنَّك وجدت هدفك وشغفك، فأنت الآن مقيَّد بظروفك، وتشعر بأنَّك محاصر وبائس لأنَّك لا تستطيع أن تفعل ما تحب.

ففي هذه المرحلة، قد يقنع بعض الناس أنفسهم بأنَّ "الجهل نعمة"، فتراهم يتجاهلون هدفهم، معتقدين أنَّه من الأفضل لهم فعل ذلك، فبالنسبة إليهم هذا أفضل من معرفة شغفهم، دون القدرة على تحقيقه.

لكنَّ هذا الاعتقاد هو عبارة عن مغالطة؛ فباختيار الجهل، فإنَّك تتجاهل حقيقتك، وتعيش في مخاوفك، وتضع نفسك في حالة أمان مزيَّف أنشأته بسبب أمور خارجية، ومع مرور الوقت تعيش حياة يملؤها الخجل، بدلاً من أن تكون الشخص الجريء الذي لا يعرف الخوف والذي من المفترض أن تكون عليه.

عندما تختار الجهل، فإنَّك تعيش حياة من الإنكار، فقد تشعر بالسعادة لإنكار الحقيقة، ولكنَّ هذا الأمر مؤقت، وستظهر الحقيقة عاجلاً أم آجلاً، لتنهار تلك الأكاذيب فجأة؛ لذا أليس من الأفضل أن تتعلَّم كيف تتعامل مع الحقيقة الآن، بدلاً من أن تُجبر نفسك على فعل ذلك لاحقاً؟

لا تعني صعوبة تحقيق هدفك بأنَّه أمر مستحيل؛ إذ تحدث بعض أفضل الأمور في الحياة بسبب المثابرة، فكلما ارتفع التحدي، ازداد حجم النجاحات التي ستحققها؛ فإذا كان من السهل دائماً تحقيق الأهداف، فما هي الفائدة من تحقيقها؟

اعلم أنَّ حياتك التي تعيشها الآن قائمة على تجاربك في الماضي، ولأنَّك لم تكن على علم بهدفك من قبل، فلا يوجد سبب يجعلك تعيش هدفك بطريقة مدهشة الآن، فجميع الجوانب الخارجية لحياتك اليوم، من وظيفتك إلى علاقات الصداقة والعلاقات عموماً، هي نتاج أفكارك وأفعالك وقراراتك من الماضي، فهي تمثِّل ما كنت عليه سابقاً، وليس من أنت الآن.

لذا، حرِّر نفسك من الماضي، فمثلما أنشأت كل شيء من حولك في الماضي، يمكنك إزالته وإنشاء حياة جديدة تعكس شخصيتك الجديدة، على سبيل المثال، ربما تعمل في وظيفة لا تعكس هدفك، وربما تفسد علاقاتك الحالية كل شيء في حياتك، لذلك اسعَ إلى إيجاد وظيفة جديدة تناسب هدفك، واعمل على بناء علاقات جديدة تدعمك في مسارك الجديد.

لا شيء يدوم في واقعنا، ومهما بلغ ترسُّخ واقعك الحالي، فإنَّ الأمر مسألة وقت قبل أن يتلاشى ويحل محله إبداعات جديدة تمثِّل حياتك الجديدة اليوم.

إقرأ أيضاً: كيف تُنشِئ قائمة بالأمور التي تمتلك شغفاً نحوها لتطوير حياتك

كيف تنتقل إلى هدف حياتك؟

ربما توجد فجوة كبيرة بين حياتك الآن ورؤيتك المثالية، فقد لا تمتلك المهارات اللازمة للنجاح في تحقيق أهدافك، وربما لا يمكنك كسب رزقك نتيجة العمل على هدفك على الفور.

نحن لا نقول إنَّه يجب عليك المضي قدماً مباشرةً والوصول إلى نقطة النهاية، فأينما كنت ابدأ ببناء جسر، لربط حياتك الحالية بنقطة النهاية التي تريدها، وحدِّد القواسم المشتركة بين النقطتين، لتسهيل عملية الانتقال، وضع خطوات صغيرة يمكنك القيام بها كل يوم، وافعل كل ما تستطيع ضمن حدود قدراتك، بأفضل طريقة ممكنة؛ إذ لا تتعلَّق الحياة بالوصول إلى نقطة النهاية؛ وإنَّما بالعيش في تناغم مع هدفك كل يوم، بأفضل ما لديك من قدرات.

فلنفترض أنَّ هدفك هو التأثير في حياة الناس وإلهامهم، وقد يكون شغفك متعلِّق بالموسيقى، وهدفك هو أن تصبح عازف بيانو دائماً، ومع ذلك فأنت تعمل حالياً مبرمجاً في تكنولوجيا المعلومات، فمع أنَّ هاتين الوظيفتين قد تكونان مختلفتين تماماً للوهلة الأولى، ابدأ بتحديد الفجوات التي تقف بين حياتك الحالية وتلك التي تريد أن تعيشها.

ربما لا تعرف كيف تعزف على البيانو، وربما فكرة أن تكون عازف بيانو ليست أمراً عملياً يساعدك على كسب الرزق، في حين يبدو هدفك النهائي مشروعاً غير عملي، فإنَّ الأمر عائد لك لبناء هذا الهدف حتى تتمكَّن من الوصول إليه؛ لذا لا تتوقع ترك وظيفتك في مجال تكنولوجيا المعلومات، وأن تصبح عازف بيانو ناجحاً على الفور، لأنَّ هذا الأمر غير منطقي.

طوِّر استراتيجيتك وخطة عملك، وابدأ بأخذ دروس للعزف على البيانو بعد ساعات الدوام الرسمي، واقرأ كتب عازفي البيانو والموسيقيين، وتعلَّم من خبراتهم في أثناء بناء حياتهم المهنية، واستمع للموسيقى من عازفي البيانو والموسيقيين المفضَّلين لديك عندما تسنح لك الفرصة، وذكِّر نفسك بهدفك من خلال وضع صور ذات صلة به في مكان بارز على مكتب عملك وفي غرفتك، وانضم إلى مجتمعات الموسيقيين في منطقتك، وابحث عن مصادر عن الموسيقى والبيانو، وأنشئ مؤلفاتك الخاصة وشاركها مع الأشخاص من حولك، واعرض مهاراتك بالعزف أمام أصدقائك وفي الحفلات.

فعندما تتقن العزف بما يكفي، ابدأ بالعزف في الصالات والمقاهي، وحتى في مكان عملك، ويمكنك أن تلتزم بهدفك بطرائق أخرى، وتذكَّر أنَّ هدفك هو ترك انطباع لدى الآخرين وإلهامهم؛ إذ يمكنك فعل ذلك من خلال الوجود من أجلهم، وأن تكون لطيفاً ومهتماً دون استخدام الموسيقى؛ الأمر الأكثر أهمية هو أن تعيش هدفك كل يوم بأفضل ما لديك وضمن حدود قيودك، لأنَّه لا توجد طريقة أفضل للقيام بذلك.

شاهد بالفديو: 20 مثالاً على الأهداف الشخصية الذكية لتحسين حياتك

في المستقبل، ستجد أنَّك تخلَّصت من معظم جوانب حياتك القديمة، وسيبدأ الناس في رؤيتك بصفتك موسيقياً، ويدفعون لك مقابل العزف في المناسبات، وفجأةً لم تعد فكرة أن تصبح عازف بيانو بدوام كامل هدفاً صعباً، ومع حلول ذلك الوقت ستكون قد اتخذت خطوات صغيرة كافية بحيث لم يتبقَ سوى خطوة واحدة أخيرة للوصول إلى هدفك.

يجب أن تعيش هدفك كل يوم بأفضل ما لديك، وأن تعلم أنَّ الأمر لا يتعلق بالوصول إلى النهاية، بل العيش في الوقت الحاضر، فمن خلال تحقيق هذا السلام الداخلي يمكنك بهدوء وثقة بناء عملك وتحقيق النجاح فيه.

لذلك، في أثناء سعيك إلى تحقيق هدفك، تذكَّر أنَّ الأمر يتعلَّق بالعيش في توافق معه بأفضل ما لديك الآن، وذلك ضمن حدود قدراتك والمواقف التي تعيش فيها، وطالما أنَك تفعل ذلك، فافتخر بمعرفة أنَّك تعيش حياتك بأفضل طريقة ممكنة.

المصدر




مقالات مرتبطة