وواقع الأمر أن مثل هذه المقولات التي شرعت لتفسير الظواهر الاجتماعية ، إنما تؤدي عن وعي – أو غير وعي- إلى تجنب التصدي للواقع الاجتماعي، ويضاف إلى ما تقدم حقيقة أخرى هي أن ظاهرة عمالة الأطفال غير قاصرة على الاسرذات الإنجاب المرتفع، وتظهر الدراسة المتعمقة أن ثمة عوامل قوية الأسر في الفئات الدنيا ذات الإنجاب المرتفع والمنخفض على حد سواء إلى تشغيل الأطفال في سن مبكرة ، وتكفى في هذا المجال الإشارة على سبيل المثال إلى فئة الأرامل اللاتي لا يجدن مصدراً للدخل سوى حصيلة عمل الأبناء، ولنا عودة لهذا الموضوع تفصيلا، والجدير بالذكر في هذا المجال أن بعض الدراسات الأجنبية التي تصدت لعلاقة ارتفاع معدلات الإنجاب بظاهرة عمالة الأطفال ، قد انتهت إلى عدم ظهور علاقة موجبة بين الظاهرتين .
أما الرأي القائل بأن الهجرية من الريف إلى الحضر تسهم في عمالة الأطفال، فهو بدوره قول يعوزه الدليل والسند العلمي ، ويكفى للرد على هذا الرأي بما أسفر عنه مسح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إذ أظهرت أن حجم عمالة الأطفال أكبر في الريف (72.1%) عنه في الحضر (28.9%)، ومع ذلك فقد تصدت الدراسة لحسم الخلاف القائم حول تأثير الهجرة على ظاهرة عمالة الطفل، وقد تبين من خلال استبيان وجه لعينة عشوائية من أسر أفراد العينة ( بلغ حجمها 90 أسرة ) أن (52%) من الأسر لم يسبق لها الهجرة من الريف إلى الحضر، بل نشأت وأقامت في مدينة القاهرة الكبرى، وأفادت الدراسة أيضا أن (47%) من هذه الأسر سبق أن هاجرت إلى مدينة القاهرة الكبرى ، ومع فلم يكن من بينها من هاجر إليها حديثا فقد بلغت مدة إقامة كل الأسر في القاهرة عشر سنوات فأكثر ، وذلك حسب التفصيل التالي:
· من 10 سنوات إلى أقل من 15 سنة (15%) من عينة الأسر.
· 15 عينة فأكثر (85 %) من عينة الأسر.
تبين مما تقدم أن هذه الأسر قد استقرت حضريا، وأن أرباب هذه الأسر يعملون منذ سنوات في حرف ومهن يغلب عليها الطابع الحضري ، الأمر الذي يتعذر معه الربط بين عمالة الأطفال وبين الهجرة من الريف، وبالتالي نستخلص إلى أنه لابد (2) وأن للهجرة تأثيراً مباشر في اتجاه الأطفال للعمال في سن مبكرة ، بل إن النتائج تؤيد القول بأن أطفال الأسر التي سبق أن هاجرت للقاهرة وأطفال الأسر التي لم يسبق لها الهجرة ينخرطون في سوق العمل على حد سواء، وذلك تحت وطأة ظروف وعوامل تؤثر في الفئتين معا.
المصدر:كنانة أون لاين
أضف تعليقاً