العنف الإلكتروني: أسبابه وطرق التعامل معه

في أيامنا هذه أصبح كل واحد منَّا يعيش في عالمين؛ عالم واقعي يحياه بجسده وجوارحه، وعالم افتراضي يلجه باستخدام هاتفه وشبكته، ولا يقل العالم الأخير شأناً عن الأول، فهو قد أصبح نظيره عبر مرايا الأجهزة والكاميرات، فكما نجد العمل والتواصل والعلاقات في العالم الحقيقي، نجدها في العالم الافتراضي، وكما نجد الجرائم والعنف والأذى على أرض الواقع، نستطيع للأسف رؤية انعكاسها على العوالم الرقمية، إنَّ العالم الافتراضي قد أصبح عالماً موازياً لعالمنا، يشهد اجتماع الفعل ورد الفعل مثله، ويحمل ما تحمله الأرض من الفضيلة والرذيلة.



إنَّ العنف الإلكتروني هو الصورة الرقمية للعنف البشري، وفيه انتقلت سلوكات الأذى والابتزاز والسرقة إلى الشكل الرقمي، لتُحدث أضراراً وأذية لا تقل ألماً وتأثيراً عن الشكل التقليدي.

نفرد هذا المقال عن العنف الإلكتروني وأسبابه وطرائق التعامل معه لنسلط الضوء على هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر بين المنصات كالنار في الهشيم، ملحقة بالأفراد الكوارث والويلات، وكأنَّ مصائب الحياة الواقعية لا تكفي.

ما هو العنف الإلكتروني؟

إنَّ الإجابة عن هذا السؤال تكمن في تعريف مفهوم العنف الإلكتروني (Cyber Violence)، والذي هو مجموعة الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها بعض البشر بحق بعضهم الآخر باستخدام شبكة الإنترنت، إنَّه التسخير غير الأخلاقي للشبكة العنكبوتية في أذية الناس وابتزازهم عاطفياً ومادياً وجنسياً ومعلوماتياً.

العنف الإلكتروني ظاهرة جديدة لم تكن موجودة من قبل اقتحام الإنترنت لمجالات الحياة بهذه القوة والحساسية، والذي نتج عنه انتقال مشكلاتهم وسلوكاتهم المؤذية إلى العالم الافتراضي.

إذاً: إنَّ العنف الإلكتروني هو استخدام أفراد بعينهم أو أطراف متحالفة للأنظمة الذكية وشبكات الإنترنت من أجل تهديد أمان أفراد محددين وإلحاق الضرر بهم، سواء كان هذا الضرر اقتصادياً أم نفسياً أم جسدياً أم جنسياً أم اجتماعياً أم مهنياً، فضلاً عن اقتحام خصوصية الأفراد والتشهير بهم أو فضح نقاط ضعفهم أمام الملأ، وهو ما يجعل العنف الإلكتروني ظاهرة أكثر تعقيداً وسوءاً من العنف المباشر.

ما هي الأسباب التي تؤدي إلى العنف عموماً؟

إنَّ الأسباب التي تؤدي إلى العنف سواء الإلكتروني أم المباشر هي ذاتها، إنَّها مجموعة العوامل النفسية والفكرية والاجتماعية التي تتسبب في تحييد الإنسان عن فطرته المسالمة، وتغذية نزعات الشر والأذى والعنف لديه، وتضاف إليها القدرة الكبيرة على إخفاء الهوية في حالة العنف الإلكتروني لتجعل انتشاره أوسع بسبب صعوبة اكتشاف مصدر العنف أو الشخص المعنِّف.

إنَّ أسباب العنف عامة وأسباب العنف الإلكتروني على وجه التحديد تصنف كما يأتي:

  1. الدوافع النفسية والضغوطات الاجتماعية وصدمات الطفولة تُعدُّ من الأسباب التي تؤدي إلى العنف، فهي تؤثِّر في تشكل شخصية الإنسان، وتسبب له تشوهات في الفطرة تدفعه إلى ممارسة العنف.
  2. التعرض للعنف يُعدُّ من الأسباب التي تؤدي إلى العنف، فهو يجعل الشخص المعنَّف يتحول إلى ممارس للعنف، الأمر الذي يخلق سلسلة لا نهائية من العنف والأذى لا يمكن إيقافها بسهولة، وفي مثال ذلك نجد أنَّ الطفل الذي ضربه والداه سيضرب أولاده مستقبلاً، والمعلم الذي تلقى الضرب في أثناء مرحلة التعلم، سيضرب تلامذته بالتأكيد.
  3. الافتقار إلى الحكمة في التعامل مع الظروف والمواقف المحبطة، فبعض الأشخاص يتجهون إلى العنف لاسترداد حقوقهم أو لرد اعتباراتهم من أشخاص أساؤوا لهم.
  4. من الأسباب التي تؤدي إلى العنف نذكر أيضاً عدم كفاءة الجهات الأمنية والقانونية في بعض البلدان، الأمر الذي يدفع الأفراد إلى استرداد حقوقهم بأنفسهم بطرائق عنيفة، أو يقتل في داخلهم الخوف من المساءلة القانونية، فيتجرؤون على ممارسة العنف الإلكتروني أو المباشر.
  5. انتشار الفقر والبطالة والفوارق الطبقية التي تُعدُّ من العوامل والأسباب التي تؤدي إلى العنف، بسبب ما تثيره في النفس من مشاعر الحقد والغيرة والمظلومية.
  6. انعدام الثقة بالنفس عند الفرد والشعور بالنقص والحرمان والإحباط الأمر الذي يُعدُّ من أسباب العنف.
  7. الفهم الخاطئ لمبادئ الحرية والتعبير عن الرأي، وسوء الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت.
  8. تسلُّط الحكومات وقمعها للأفراد وتقييدها للحريات، وقيامها بالانتهاكات والملاحقات لكل من يعترض على سياستها، يُعدُّ من الأسباب التي تؤدي إلى العنف.
  9. القدرة على إخفاء الهوية في العالم الافتراضي التي تجعل اكتشاف مصدر العنف مهمة صعبة يُعدُّ من أسباب العنف الإلكتروني أيضاً، كون معظم الأشخاص يخشون من تشوه صورتهم الاجتماعية إذا ما قاموا بتعنيف الآخرين ظاهرياً، أما في حال استخدام الإنترنت، فهم يستطيعون التخفي تحت أسماء وحسابات وهمية ومستعارة.
إقرأ أيضاً: أخطر الجرائم الإلكترونية في عام 2016

أنواع العنف الإلكتروني:

تصنف الممارسات الآتية ضمن أنواع العنف الإلكتروني:

1. التحرش الإلكتروني:

يُعدُّ التحرش الإلكتروني من أنواع العنف الإلكتروني الشائعة جداً، وفيه يقوم الجاني بابتزاز الضحايا وتهديدهم بالعنف ونشر مواد تسبب لهم التشهير والإحراج ضمن أوساطهم الاجتماعية أو المهنية، وغالباً ما تكون هذه المواد صوراً شخصية جداً حصل عليها الجاني من الضحية بأساليب التلاعب أو الاختراق أو فبركها عبر تطبيقات تعديل الوسائط.

عندما تكون أدوات الابتزاز أرقام هوية أو حسابات بنكية أو معلومات شخصية يحاول الجاني مقايضتها بممارسة إباحية مع الضحية، وهذا ما يدعوه المتخصصون بالانتقام الإباحي أو الابتزاز الجنسي.

2. انتهاك خصوصية بيانات المستخدمين:

إنَّ اختراق أجهزة المستخدمين والوصول إلى بيانات غير مصرح للجميع بالوصول إليها، يُعدُّ من أنواع العنف الإلكتروني، ويشمل هذا النوع الاطلاع على بيانات المستخدمين الخاصة أو سرقتها أو التلاعب بها أو الحصول على نسخ منها أو نشر معلومات شخصية أو القيام بالمطاردات والتلاعب بها عبر الإنترنت.

3. الجرائم الإلكترونية:

تُصنف الجريمة الإلكترونية ضمن أنواع العنف الإلكتروني، وتشمل منع المستخدمين من الوصول إلى بياناتهم أو استخدام حواسبهم التي اختُرقت، فضلاً عن الوصول غير المصرح به إلى البيانات السرية والحساسة، ويُعدُّ هذا النوع من العنف الإلكتروني خطراً كونه قد يعرض الأفراد إلى أضرار جسدية جسيمة.

عند الولوج إلى قاعدة بيانات خاصة بمستشفى وإجراء تعديلات عليها، والعبث بسجلات المرضى، سوف يسبب ذلك أخطاء علاجية قاتلة، أو عند الولوج إلى قواعد بيانات الحركة في المطارات وأنظمة المرور، فإنَّ ذلك سوف يتسبب بحوادث مروِّعة تودي بحياة الكثيرين.

شاهد بالفديو: 10 وسائل فعّالة لحياة رقمية أكثر أماناً

4. التهديدات التي ترسل إلكترونياً وتنفَّذ على أرض الواقع:

إنَّ التهديد الإلكتروني بالعنف وتنفيذ التهديد فعلياً يُعدُّ من أخطر أنواع العنف الإلكتروني، وفيه يستخدم الجاني الحواسب والأجهزة الذكية في ابتزاز ضحيته أو التغرير بها، واقتيادها إلى مكان معين يقوم فيه بتنفيذ جريمته من خطف أو قتل أو اغتصاب جنسي.

هل يمكن عدُّ العنف الإلكتروني ظاهرة اجتماعية؟

إنَّ العنف الإلكتروني هو ظاهرة اجتماعية منتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ يستتر المعنِّفون برداء الحرية والتعبير عن الرأي أو الفكاهة ويبدؤون بقذف الآخرين بالشتائم وعبارات الذم والسخرية والتشهير.

إنَّ العنف الإلكتروني ما هو إلا انعكاس لبنية نفسية متصدعة مليئة بالنواقص والعيوب مهزوزة الكيان والشخصية؛ فتظن أنَّها أفضل من الآخرين وتقوم بتقريعهم والسخرية منهم على الملأ، كما أنَّ العنف الإلكتروني يعكس ضعف القيم والمبادئ والرادع الداخلي عند الشخص الذي يقوم بتطبيقه من خلال حساب وهمي، أو اسم مستعار ظنَّاً منه بأنَّه سينجو من المساءلة القانونية.

إنَّ انتشار العنف عامة والعنف الإلكتروني على وجه التحديد هو ظاهرة تستحق حقاً الوقوف عندها؛ وذلك لما لها من آثار سلبية تطال صحة الأفراد وسلامتهم الجسدية والنفسية.

نتائج العنف الإلكتروني:

يمكن أن يكون العنف الإلكتروني تجربة مروعة، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الضحية. تشمل بعض النتائج المحتملة للعنف الإلكتروني ما يلي:

  • الضرر النفسي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى الشعور بالقلق والاكتئاب والخوف. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى مشاكل نفسية أكثر خطورة، مثل الاكتئاب الشديد أو اضطراب ما بعد الصدمة.
  • الضرر الاجتماعي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى فقدان العلاقات الاجتماعية. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة.
  • الضرر المالي: يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى فقدان الوظيفة أو الفرص التعليمية. يمكن أن يؤدي أيضًا إلى مشاكل مالية أخرى، مثل الديون أو الإفلاس.
في الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي العنف الإلكتروني إلى الانتحار. وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "بيرسون"، فإن 38٪ من ضحايا العنف الإلكتروني يفكرون في الانتحار، و16٪ قد حاولوا الانتحار.

كيفية التعامل مع العنف الإلكتروني:

فيما يأتي أفضل طرائق التعامل مع العنف الإلكتروني:

1. تفعيل قوانين الجرائم الإلكترونية:

من أجل التعامل مع العنف الإلكتروني معاملة سليمة لا بدَّ من أن تقوم الحكومات بسن قوانين تجرِّم جميع السلوكات الإلكترونية التي تنتهك خصوصية الأفراد وتهدد أمانهم، من قدح وشتم وتشهير وسخرية، أو ابتزاز عاطفي أو اختراق أمني للبيانات أو سرقة حسابات بنكية أو استجرار نحو الإباحية، وغيرها من الممارسات التي تدفع الضحية إلى القيام بشيء رغماً عنها، ولا بدَّ من فرض عقوبات وغرامات رادعة، وتنفيذها بصرامة حتى يحسب الجاني حساب عواقب فعلته قانونياً.

2. تنشئة أسرية سليمة:

إنَّ معظم حالات العنف الإلكتروني التي تُبتز فيها الضحية (غالباً ما تكون أنثى) بوسائط إباحية حقيقية أو مفبركة، فيعتمد الجاني على التهديد بالتشهير وإخبار العائلة بهذا المحتوى، الأمر الذي يدفع الضحية إلى الرضوخ لطلبات الجاني، والموافقة على الممارسات اللاأخلاقية التي يطلبها والتي تورط الضحية في المزيد من المشكلات.

للتعامل مع العنف الإلكتروني من هذا النوع لا بدَّ من تنشئة أفراد الأسرة في جو عائلي داعم مليء بالأريحية والتقبل، حتى يكون مصدر أمان للأبناء يحميهم من ابتزاز المعنِّفين.

إقرأ أيضاً: التكنولوجيا والأطفال: فقدانٌ للسيطرة، وحججٌ تخلق طفلاً منزوع التوازن

3. التوعية باستخدامات الإنترنت المفيدة:

من أجل التعامل مع العنف الإلكتروني بطريقة صحية لا بدَّ من توعية الأفراد بأهمية الإنترنت ودوره في تحسين الحياة، وأخلاقيات استخدام الأجهزة والوصول إلى البيانات، كما يجب تعليم الأفراد كيفية الاستخدام المفيد للشبكة العنكبوتية، وكيفية اللجوء إلى السلطات الأمنية المتخصصة في حال تعرضوا للعنف الإلكتروني.

4. كسر صمت الضحية:

إنَّ الصمت عن العنف يجرُّ مزيداً من العنف؛ لذا للتعامل مع العنف الإلكتروني بطريقة سليمة لا بدَّ من توعية الأفراد تجاه عدم الانصياع لطلبات الجاني، وعدم الخوف من تهديداته والانجرار وراء مطالبه والسكوت عنها وإن كانت الضحية مخطئة؛ بل يجب تعليم الضحية كيف تستبق الجاني، وتشكوه إلى الجهات المسؤولة أو تخبر ذويها وتطلب المساعدة؛ لأنَّ ذلك يساهم في كسر حلقة العنف ويضع حداً لها.

في الختام:

إنَّ العنف الإلكتروني هو صورة رقمية عن العنف المباشر الذي يتعرض له الأفراد في الحياة الواقعية اليومية، وهو كأيِّ نوع من أنواع العنف يحتاج إلى المقاومة والمكافحة عن طريق تضافر جهود الأفراد والحكومات في وضع حد له، ومحاسبة الفاعلين وتجريم سلوكاتهم من أجل ضمان خصوصية الأفراد وأمانهم على شبكة الإنترنت التي أصبحت جزءاً هاماً من حياتهم الاجتماعية والمهنية.




مقالات مرتبطة