إن ما وُصف هو حقيقة موجودة عند كل من يبتغي حياة مستقرة آمنة في بيته ولدى أسرته فلم يجدها بسبب وجود عنف صغر خطره أم كبر.
إنَّ وجوه العنف في الأسرة يتنوع بتنوع الأفراد، ويتلون حسب نوعه، وأشد ما يكون العنف خطرًا عندما يتوجَّه إلى الطفل الصغير؛ لأنَّ أثره سيمتدّ ما امتدت الحياة بمن ذاقه، ويعرف أحدنا أنَّ العنف يكون بليغًا وقاسيًا حين يكون ضربًا يتناول أعضاء الجسم، وأصعبه إن كان على الوجه أو قريبًا من حاسة السمع والبصر التي قد تتعرض للعطب.
والحقيقة أنَّ بعضنا لا يحسب حسابًا لتغيّر ملامح الوجه عبوسًا واستهزاءً وهمزًا ولمزًا يؤدي إلى دفن موهبة أو انطواء نفس، أو معاناة، وبما أنَّ الله عزَّ وجلَّ وصف كتابه بأنَّه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فقد نبَّه إلى خطورة هذه الأمور، لما تُسببه للإنسان من شرور، فقد عُوتب الرسول عليه الصلاة والسلام حين ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2)﴾ (عبس).
وقد يتناول العنف الناحية العاطفيَّة فيصرِّح أحد الأبوين بحبِّه لأحد أبنائه، ويتجاهل مشاعر الآخرين، ويمتد التمييز إلى تصرفاته من ألفاظ ندية وعطايا جليَّة مما يولد مشاعر عدوانيّة حيال الجهتين عدوانيّة للأب الذي ميَّز وللفرد المميز.
والعنف يبدو خطره منتشرًا حين يوجه إلى الزوجة في بيت زوجها، فهي أحيانًا تُعنَّف بألفاظ مؤذية، أو بتهكمات تُهان فيها كرامتها، أو كرامة أهلها أو ينتقص من شخصيتها، أو تحرم من رؤية أهلها، أو لا تُلبى بعض رغباتها، وحين يكون هذا على مرأى الأولاد وعلى مسمعهم، ينعكس سلبًا على تربيتهم، وقد يوصلهم إلى النّار حيث يستهينون بأمهم، فيعقونها.
وقد يصل تعنيف الزوجة إلى الضرب غير المنضبط بانبعاثه أو بكيفيته.
والعنف يجعل المعنِّف دائم التطلع إلى مكان آخر غير أسرته، يرى فيه الخلاص من هذا الضغط النفسيِّ فيهرب إليه هروبًا نفسيًا أو حقيقيًا.
والعنف أيضًا يبدو بشعًا حين يوجه إلى أبوين كبيرين في السن بلغا من العمر عتيًا، وخطر هذا كبير؛ حيث يتوارث جيل بعد جيل عدم احترام الكبير والتضجر من وجوده وحركاته وكلماته في صحته وفي مرضه.
ومن العنف ما يوجه من الأسرة إلى أسرة أخرى تكون بينهما صلة رحم أو جوار، فتغدو الأرحام مقطَّعة، وقد يكون السبب بسيطًا لكنَّه يولد الشحناء والبغضاء التي تستمر السنين الطوال ويورثها الكبار للصغار، ولله در تعاليم الإسلام إذ ترغب بالعفو عند المقدرة وبالصفح والإصلاح.
ومن العنف ما يتخذ شكل تدخل أحد أفراد الأسرة في أمور خصوصيِّة للأفراد الآخرين، فلا يجعل لهم فسحة في الاختيار، ويجعل محلها القسر والإجبار، وحين يشب الأفراد يخرجون عن الطوق، وغالبًا ما يؤدي هذا إلى ندم ولي الأمر أو إصابته بالقهر.
إنَّ من علامات السعادة الأسرية العيش بأمان وأريحية في جو نصح صادق ورعاية حقيقية تلك التي تراعي في الفرد كرامته، وتؤمن بأهميته، وتتخذ الرفق مسلكًا والمعرفة مركبًا وتجعل للإرادة الشخصية محلاً.
أضف تعليقاً