العلاقة بين العواطف السلبية والأمراض

أثبتت الدراسات أنَّ الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق تؤثِّر في أسلوب إدارة الإنسان للأمراض المزمنة الأخرى التي يعانيها ومعالجتها، فضلاً عن أنَّ الاضطرابات العاطفية تزيد من خطر إصابة الإنسان السليم بهذه الأمراض المزمنة، وتشمل الاضطرابات العاطفية الحزن والغضب والغيرة والكراهية والشعور بالذنب والخزي على سبيل الذكر لا الحصر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الطبيب والمؤلف "نعمان نعيم" (Nauman Naeem)، ويُحدِّثنا فيه عن العلاقة بين العواطف السلبية والإصابة بالأمراض.

من الطبيعي أن يختبر الإنسان مثل هذه المشاعر؛ لكنَّ المشكلة تبرز عندما يعمد إلى كبتها وتجاهلها وإنكار وجودها، وهو ما يؤدي إلى تشكُّل حواجز عاطفية تسبب ظهور أعراض مَرَضية جسدية، ويمكن أن تتطور إلى مرض مزمن.

الحواجز العاطفية:

يمكن تعريف الحواجز العاطفية بأنَّها المواقف التي تثير مشاعر سلبية محتدمة في نفس الإنسان؛ إذ تمنعه هذه المشاعر من معالجة الموقف بطريقة سليمة، وتتولد هذه العواطف عادةً نتيجة التجارب الصادمة أو المؤلمة التي اختبرها الإنسان في الماضي في مرحلة الرضاعة أو الطفولة أو بداية المراهقة.

على سبيل المثال عندما يترك الأهل طفلهم الرضيع ليبكي في سريره باستمرار في الوقت الذي يحتاج فيه إلى الاهتمام واللمسة الحانية، فإنَّ عقله الباطن سيظن بأنَّ أهله تخلوا عنه.

تستطيع أن تثير مواقف مشابهة في حياة البالغين كالتعرض للرفض مثلاً هذه المشاعر نفسها، فيتعرض الفرد في مرحلة الشباب والطفولة لتجارب كثيرة، تستطيع أن تسبب اضطرابات نفسية في مراحل عمرية لاحقة عندما تُكبت الانفعالات ولا يُتعامَل معها بطريقة سوية، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأحداث الصادمة عاطفياً جسيمة كالاعتداءات الجسدية أو الجنسية؛ بل إنَّها قد تكون مواقف بسيطة غير مقصودة من قبل الأشخاص في محيطنا، فإذا قدَّم أهلك على سبيل المثال في مرحلة الطفولة الحلوى لأخيك فقط، فإنَّك قد تفسِّر الموقف بأنَّه إهمال منهم حتى لو لم يكن مقصوداً.

عندما لا يلاحظ الأهل موقف طفلهم من تصرفهم وشعوره بالإهمال، فإنَّ شعور الطفل بالإهمال سيتفاقم، ولا يتمتع معظم الأطفال بالشجاعة أو النضج الكافي لمواجهة هذه المشاعر والتأكد من مصدرها، وبالنتيجة تُكبَت في العقل الباطن.

نعود للمثال آنف الذكر، سيتطور الإهمال إلى شعور بعدم الكفاءة وقد يؤثِّر في التجارب المستقبلية عند التقدم للجامعة واختيار المسار الدراسي بناءً على رغبته، أو محاولة الحصول على الوظيفة المرغوبة، أو السعي خلف حلم أو طموح، وقد تؤدي مشاعر الإهمال وعدم الكفاءة مع مرور الوقت إلى الإصابة بالاكتئاب وأعراضٍ مَرَضية يمكن أن تتطور إلى أمراض مزمنة.

تؤدي العواطف السلبية المكبوتة إلى الإصابة بالإجهاد المزمن وهو ما يؤدي بدوره إلى فرط نشاط الغدة الكظرية مع ارتفاع مستويات الكورتيزول، ستتعرض الغدة الكظرية مع مرور الوقت للإنهاك وتؤدي إلى انخفاض في إفراز الكورتيزول، والإصابة بالإرهاق الكظري، وهذا يتسبب بدوره بانخفاض التأثير الالتهابي للكورتيزول، وعندما ينتشر الالتهاب، تحدث الإصابة بالمرض المزمن، وهنا يبرز التساؤل الآتي.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لتنمية الذكاء العاطفي

كيف نتجنب هذه التأثيرات؟

لا بد أن يتعرض الإنسان للعواطف السلبية في مراحل عدة من حياته، والمشكلة لا تكمن في هذه العواطف بحد ذاتها؛ بل بكبتها وإنكار وجودها والامتناع عن اختبارها، وبالنتيجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلص من هذه العواطف وتُخزَّن في اللاوعي.

يتكون الإنسان من جوانب عقلية وعاطفية وروحية وشعورية تشغل جسداً فيزيائياً يسيِّر الإنسان خلال فترة حياته، ويختبر الجسد كامل العواطف الإنسانية التي يحتاج إليها البشر للشعور بإنسانيتهم، وهذا يشمل العواطف السلبية أو ما يسمى بالنفس الخفية، ولا يتسنى للفرد إدراك ذاته كاملاً إلَّا عبر عيش التجربة الإنسانية المتكاملة.

تكمن المشكلة في أنَّ العواطف السلبية غالباً ما تنتج ألماً أقوى من قدرتنا على الاحتمال، ما يدفعنا إلى كبتها في أعماقنا، ما يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المزمنة آنفة الذكر؛ أي إنَّ الخوف من الألم النفسي هو ما يدفع الإنسان إلى كبت مشاعره، وتجدر الإشارة إلى أنَّ معظم مخاوف الإنسان لا تستند إلى أي مبرر منطقي وهي مبالغة محضة.

إقرأ أيضاً: أثر قبول عواطفك السلبية على صحتك النفسية

نوعا الخوف:

يوجد نوعان للخوف، وهما الخوف النفسي والخوف الحقيقي، ويعبِّر الخوف الحقيقي عن خطر حقيقي يهدد حياة الإنسان مثل مواجهة حيوان مفترس في الغابة مثلاً، أما الخوف النفسي فهو عبارة عن الظروف والمواقف والمشاعر التي نظن أنَّها ستسبب لنا الألم.

تكمن المشكلة في أنَّ غرور الشخص يسعى إلى الحفاظ على سلامته وحسب، دون أن يهتم بمسألة تنميتنا وتطورنا، ولهذا السبب يبقينا عالقين في أنماط سلوك وأساليب تفكير قديمة تحول دون تقدُّمنا لأنَّ التقدم يشترط تجاوز منطقة الراحة، ويتجاوز الإنسان منطقة راحته عندما يتوقف عن مقاومة العواطف السلبية، ويسمح لنفسه باختبارها كاملة.

عندها سندرك أنَّ الشعور ببساطة هو اختبار الروح لتجربة شعورية معينة في الجسد الفيزيائي، وأنَّ جميع المشاعر تهدف في صميمها إلى منحنا السلام الداخلي والحب غير المشروط؛ ومن ثم نستطيع استيضاح الأمور واتخاذ التدابير اللازمة في حياتنا للتعامل مع الموقف الذي تسبب بالعاطفة السلبية.

بهذه الطريقة تمنع المشاعر السلبية من التطور إلى حالة إجهاد مزمن، والتسبب بمرض مزمن في نهاية المطاف.

إقرأ أيضاً: الإجهاد والتوتر: أنواعه وطرق السيطرة عليه

دراسة حالة:

سأورد فيما يأتي دراسة حالة لتوضيح هذه الفكرة:

تشكو إحدى مرضاي ضيق تنفس وألماً في الصدر، وقد أجرت فحوصات عدة مثل التصوير الطبقي المحوري (CT) لصدرها، وقد أظهرت النتائج وجود التهاب في الرئتين والعقد اللمفاوية، وفحصت خزعة من الرئتين وكانت النتائج سليمة، ولم أستطع تشخيص مرضها، في حين استمرت الأعراض.

حولتها في نهاية المطاف إلى جرَّاح صدر لفحص خزعة من الرئتين؛ لكنَّها قد خططت للقيام برحلة إلى مسقط رأسها، وإذا بالأعراض التي عانتها مطولاً تختفي نهائياً في أثناء رحلتها، وتعاود الظهور عندما تعود إلى نمط حياتها العادي، وعند هذه المرحلة، استعلمت منها عن الضغوطات التي تواجهها في حياتها، فأخبرتني أنَّ زواجها يمر بفترة عصيبة، وأنَّها على خلاف مع زوجها الذي لم يرافقها في رحلتها.

استنتجت أنَّ الأعراض كانت نتيجة مباشرة لمشاعر الحزن التي تعانيها جراء فشل زواجها، وأنَّها عندما ابتعدت عن زوجها لمدة قصيرة تماثلت للشفاء، وقد اقتنعت بهذا التشخيص وبأنَّ الأعراض التي كدرت عيشها ترتبط بالحزن والإجهاد الناتج عن علاقتها بزوجها، ثم اتخذت قرارها بالطلاق سعياً وراء عافيتها.




مقالات مرتبطة