العلاقة بين السعادة وروح الدعابة

"عندما أموت، أريد أن أرقد بسلام مثل جدي، ولا أريد أن أصرخ من الخوف مثل ركاب حافلته". إن ضحكت على تلك الدعابة، فذلك لأنَّ ثلاثة أشياء حدثت في دماغك بتتابعٍ سريع كالبرق؛ أولاً، اكتشفتَ وجود تناقض: تخيَّلتَ جدِّي يرقد بسلام في السرير، لكنَّك أدركت بعد ذلك أنَّه كان يقود حافلة بالفعل. وثانياً، لقد حللت التناقض: كان جدِّي نائماً على عجلة القيادة. وثالثاً، ساعدك المنطق على إدراك أنَّني لم أكن جاداً؛ لذلك شعرتَ بالتسلية، وكل ذلك أعطاك القليل من الفرح. أُدرك أنَّه بعد هذا التحليل، ربما لم تَعُد تضحك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب آرثر سي. بروكس (Arthur C. Brooks) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع العلاقة بين السعادة وروح الدعابة.

وفقاً للمؤلف إي بي وايت (E.B. White): "يمكن تشريح الفكاهة، كما نشرح الضفدع؛ ثمَّة أعضاء تموت في العملية، ورؤية ذلك تثبط الجميع إلا أصحاب العقول العلمية الخالصة".

هذا الكلام منطقي؛ فالفكاهة هي عمل جاد من أجل السعادة، ومع ذلك، فإنَّ تنمية مهارة إيجاد الفكاهة في الحياة، حتى في أحلك الأوقات، هي السر في حمايتنا من اليأس.

افترض الباحثون أنَّ روح الدعابة تتكون من ستة متغيرات أساسية:

  • القدرة المعرفية على خلق أو فهم النكات.
  • تقدير النكات والاستمتاع بها.
  • أنماط السلوك في المزاح والضحك.
  • البهجة أو روح الدعابة.
  • التعامل مع الحياة بشيءٍ من الدهشة.
  • استراتيجية استخدام الفكاهة في مواجهة الشدائد.

إذاً روح الدعابة تعني أن تكون مسلياً أو تتمتع بأشياء مضحكة ومسلية.

يجلب الاستمتاع بالفكاهة الفرح ويخفف المعاناة، وقد أُثبت هذا في دراسة أجريت عام 2010 في مجلة أبحاث الشيخوخة (Journal Of Aging Research)؛ حيث عالج الباحثون مجموعةً من كبار السن بالفكاهة - النكات اليومية، وتمرينات الضحك، والقصص المضحكة، وما شابه ذلك - مدة ثمانية أسابيع، في حين أنَّ المجموعة المرجعية لم تتلقَّ هذا العلاج.

عند نهاية التجربة، أبلغ الأشخاص في المجموعة الأولى عن شعورهم بالسعادة بنسبة 42% أكثر ممَّا كانوا عليه في البداية، وكانوا أكثر سعادة بنسبة 35% من المجموعة الثانية، وقد شهد الألم والشعور بالوحدة انخفاضاً لديهم.

ومع ذلك، فإنَّ نوع الدعابة التي تسمعها وتشاركها أمر مهم؛ حيث يمكن أن تكون الدعابة إيجابية، عندما لا يُقصد منها التقليل من شأن الآخرين أو إيذائهم، أو الضحك على ظروفهم الخاصة، ويمكن أن تكون سلبية أيضاً، عندما تهاجم الآخرين أو تقلل من شأنهم؛ حيث ترتبط الفكاهة الإيجابية باحترام الذات والتفاؤل والرضا عن الحياة، وانخفاض الاكتئاب والقلق والتوتر، بينما تتَّبع الفكاهة السلبية النمط المعاكس تماماً، وفي حين أنَّها يمكن أن تمنح الرضا آنيَّاً، إلا أنَّها تؤدي إلى تفاقم التعاسة.

ولكي تكون الدعابة فعَّالة في زيادة السعادة، فإنَّ توقيت قولها يؤدي الدور الأهم، فلربما حاولت تسليط الضوء ذات مرة على مأساة ولم يضحك أحد، ما دفعك إلى التخفيف من الإحراج بالسؤال: "هل هي سخيفة؟".

إقرأ أيضاً: التفاؤل: القوة الكامنة

وجد الباحثون الذين يدرسون الفكاهة في مواجهة المأساة، أنَّ النكات يمكن أن تساعد الناس بالفعل على التغلب على الأذى والخسارة، ومع ذلك، لا يجب أن تكون النكتة قريبة جداً أو بعيدة جداً عن الحدث الواقع، فإذا رَوَيت نكتةً خلال كارثة طبيعية مروعة سوف تكون منبوذاً، وفي المقابل، إن أنت أخبرت أحدهم عن زلزال سان فرانسيسكو عام 1906، فلن يعرف معظم الناس ما الذي تتحدث عنه، أمَّا إذا فهمت الأمر بشكل صحيح، يمكنك تقديم راحة هائلة.

يتطلب امتلاك هذا الإحساس بالتوقيت الكوميدي، ما يسميه علماء الاجتماع "قدرة بناء الفكاهة"، والتي تحدَّثت عنها المؤلفتان جينيفر آكر (Jennifer Aaker) ونعومي باجدوناس (Naomi Bagdonas) في كتاب "الفكاهة والجد" (Humor, Seriously) مع العديد من الفوائد الأخرى، مثل النجاح في الأعمال التجارية، ومع ذلك، كونك فكاهياً هو أحد أبعاد روح الدعابة الذي لا يبدو أنَّه يعزز السعادة، وهو ما يدعى أحياناً مفارقة المهرج الحزين (sad-clown paradox).

أجرى الباحثون تجربة نُشرت في مجلة علم النفس في أوروبا (Europe’s Journal of Psychology) عام 2010؛ حيث طُلب من الناس كتابة تسميات توضيحية للرسوم الكارتونية، والتوصُّل إلى نكات في التعامل مع المواقف اليومية المحبطة؛ حيث لم يجد الباحثون أيَّ علاقة ذات دلالة بين أن تكون فكاهياً - كما حَكَم مراقبون خارجيون - وبين السعادة أو التعاسة، بينما وجدت دراسة أخرى أنَّ الكوميديين المحترفين حققوا درجات أعلى من المتوسط على مقاييس تقيس الاضطرابات الذهنية.

يجلب الضحك بحد ذاته الكثير من فوائد الدعابة، وليس ضرورياً أن تجعل الآخرين يضحكون، ويعمل الضحك كوسيلة اجتماعية مرنة، بحيث يجعل التفاعلات بين الأشخاص أسهل حتى في حال عدم وجود دعابة، وفي الواقع، وجدت إحدى الدراسات أنَّ 10 إلى 15% فقط من الضحك يعود لشيء مضحك حتى لو كان بعيداً عن التسلية، بينما تتوزع باقي النسبة على إظهار المشاعر مثل الاتفاق أو التعايش البسيط؛ لذا انتبه لتفاعلاتك العادية اليوم وستقدِّر ذلك.

نستخلص العديد من الدروس العملية من هذه الجولة القصيرة في عِلم الفكاهة، والتي يمكننا استخدامها لتحسين نوعية حياتنا:

1. رفض الكآبة:

النصيحة الأهم هي ألَّا تكون كئيباً وعديم الفكاهة، لقد كتبت في هذا المجال عن الذنب الذي يشعر به بعض الناس حيال التصرف بسعادة، في عالم مليء بالمخاوف المشروعة، فبعض الأشخاص يشعر أنَّ المرح غير ملائم في الحالات التي نشعر فيها بالقلق إزاء الظلم والأزمات، ولكن من الخطأ التفكير بهذه الطريقة، ما دامت الكآبة لا تُرضي الآخرين وبالتالي تضر بحالتك، بالطبع، هناك حالات تكون فيها الدعابة في غير محلها - تذكَّر أنَّ التوقيت هو كل شيء - ولكنَّها أقل ممَّا تعتقد، فقد كانت بعض أفضل عبارات التأبين التي سمعتها على الإطلاق، هي الأكثر إضحاكاً أيضاً.

وجد الباحثون أنَّ اثنتين من الأيديولوجيات الخالية من الفكاهة بشكل خاص، هما الأصولية الدينية والعسكرية؛ لذلك، لست مندهشاً من أنَّ المناخ الأيديولوجي الأصولي الشديد السائد حالياً في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، يفتقر أيضاً إلى روح الدعابة، أو أنَّ الأصوليين السياسيين على استعداد لاستخدام إهانتهم في الدعابة كسلاح؛ لذا لتكون سعيداً لا تشارك في الحرب على النكات.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الاكتئاب النفسي وتعيش حياة سعيدة

2. عدم القلق من كونك شخص فكاهي:

كانت أمي الراحلة تحب النكات، لكنَّها لم تستطع أن تكملها، فكلما بدأت إخبار أحدهم، وقبل أن تصل إلى النهاية، كانت تضحك بشدة لدرجة أنَّه لم يكن لدى أحد أيُّ فكرة عمَّا تتكلم، وعلى الرغم من أنَّ أسلوبها في المزاح لم يكن مثيراً للاهتمام، فقد اكتشفَت عن غير قصد أحد أسرار السعادة؛ من الأفضل سماع الفكاهة بدلاً من تقديمها.

وهذا يُعدُّ أكثر سهولة؛ حيث يمتلك الأشخاص المضحكون خصائص عصبية فطرية وذكاءً عالياً بشكل غير عادي، وفي الوقت نفسه، فإنَّ الأشخاص الذين يستمتعون بالأشياء المضحكة ببساطة، يعطون الأولوية للفكاهة، ويعطونها نكهة خاصة، ويمنحون أنفسهم الإذن بالضحك؛ لذا للحصول على فوائد السعادة من الدعابة، دع الآخرين يروون النكات؛ استمع واضحك.

3. البقاء إيجابياً:

الدليل واضح على أنَّ النكات السلبية أو المؤذية أو شديدة السواد، تشكل قوة مدمرة لسلامتك وسلامة الآخرين؛ حيث يميل هذا النوع من الفكاهة إلى أن يكون عدمياً وليس مسلياً؛ إنَّه الافتراض مسبقاً بأنَّه "لا شيء مهم؛ لذلك سأقوم بالسخرية من شيء ثمين، مثل حياتي أو حياتك".

تكون تأثيرات السعادة السلبية واضحة إلى حد ما في بعض الحالات، مثل السخرية من شخص ما بشكل مؤذٍ قائلاً: "أتمنى لو كنت ميتاً"، أو إلقاء نكتة تشوه سمعة مجموعة من الناس، ولكن قد تكون أقل وضوحاً في حالاتٍ أخرى، كأساليب استخدامنا وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ قد تعجبك العبارة اللاذعة والمضحكة التي أنت على وشك نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الراهن، لكنَّها ستقلل على الأرجح إحساسك بالسلامة، وكذلك شعور أولئك الذين يضحكون عليها.

هناك سبب آخر قوي يدفعك إلى تقدير الفكاهة في الوقت الحالي، فهي من الممكن أن تكون قد خففت من العبء الرهيب الذي تحملناه بشكل جماعي على مدار العام ونصف العام الماضيين، وكما يُظهر البحث الموضَّح أعلاه، تتمتع الفكاهة بقدرة مخدرة تقريباً، ممَّا يقلل من التركيز على الألم ويسمح لنا بتذكُّر أفراح الحياة.

إقرأ أيضاً: 6 استراتيجيات تساعدك على الشعور بالبهجة على الأمد الطويل

هذه الفكرة ليست جديدة؛ فقد أنهى الكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو (Giovanni Boccaccio) كتابه ديكاميرون (The Decameron) في حوالي عام 1353، حين كان الموت الأسود يجتاح أوروبا، وربما قتل ما يقرب من ثلث السكان.

يتألف الكتاب من 100 قصة كوميدية رواها 10 أصدقاء شباب خياليين - سبع نساء وثلاثة رجال - كانوا محجورين معاً في عزبة ريفية لتجنب الوباء، لقد كان منتشراً على نطاق واسع، ممَّا ساعد على تخفيف الخوف من المرض وملل العزلة للناس في جميع أنحاء أوروبا مع استمرار الطاعون، فلم يتجنب الكتاب موضوعي المرض والموت، لكنَّه لم يشدد عليهما أيضاً، وكانت الفكرة أنَّ الحياة يمكن أن تكون مرحة للغاية، حتى في ظل الظروف الفاسدة، لكنَّ العثور عليها يعتمد على موقفنا منها.

وكذلك هي الحالة في هذه الأيام؛ ينتشر الحزن والمآسي في الحياة بغزارة، ولكن في الوقت نفسه، يوجد ما هو مضحك ومُسلٍّ ومخفف للآلام.

المصدر




مقالات مرتبطة