العلاقة بين أمراض القلب وداء السكري
يُقال إن داء السكري قاتل صامت، ولم أكن أؤمن سابقاً بمدى صدق هذه المقولة؛ إذ أصبح داء السكري أحد الأمراض المنتشرة بكثرة. فالواقع مليء بكثير من الأمثلة عن أشخاص أُصيبوا بداء السكري، وعاشوا سنين طويلة محافظين على صحتهم. ولكن بمرور الوقت، سمعت عن عدد من المرضى ممن تسبب لهم داء السكري بالإصابة بأحد الأمراض الخطيرة.
المفاجأة كانت عندما توفي أحد المرضى من معارفي جراء إصابته بنوبة قلبية مفاجئة، بالرغم من اعتقادي بأنه متعايش مع داء السكري ووضعه الصحي مستقر. هنا تذكرت عبارة "القاتل الصامت"، فداء السكري ككثير من الأمراض التي لا يمكن التقليل من شأنها، وعدم الالتزام بالتعليمات الموصى بها من قبل الأطباء المختصين، أو سماع تعليمات ليس لها أساس من الصحة للتخلص من المرض.
سنتحدث في مقالنا الحالي عن العلاقة التي تربط بين أمراض القلب وداء السكري. تشير الإحصائيات إلى أن نسبة عالية من مرضى السكري تتسبب أمراض القلب بوفاتهم. فما هي أوجه التشابه بين تلك الأمراض؟ وكيف يمكن لمريض السكري حماية قلبه؟
ما هو مرض السكري؟
هو حالة صحية يمكن أن تُصيب الأشخاص بأعمار مختلفة. يُعرف بأنه حالة مستمرة يكون فيها مستوى السكر في الدم أعلى من المعدل الطبيعي. السبب يكمن في أن طريقة الجسم المتبعة سابقاً في التحكم بمستويات السكر في الدم لم تعد تعمل بالشكل الصحيح.
في السابق، كان الجسم يهضم الطعام ويحصل على السكر منه لاستخدامه في الحصول على الطاقة، وذلك بوجود الأنسولين الذي يفرزه البنكرياس ليخفض كمية السكر الموجودة في مجرى الدم. ولكن إن لم يفرز البنكرياس الأنسولين بكميات كافية، فإن مستويات السكر ترتفع في الدم، وهذا ما يُعرف بداء السكري.
ينتج عن داء السكري الإصابة بعدد من الأمراض الأخرى، مثل تلف الكلى والعين، وأمراض جلدية، وضعف في السمع، والاكتئاب أحياناً، بالإضافة إلى أمراض القلب المرتبطة به.
شاهد بالفيديو: 8 أسباب تقف وراء الإصابة بداء السكري
ما هي علاقة أمراض القلب بمرض السكري؟
إن كنت مصاباً بداء السكري، فأنت من الأشخاص المعرضين للإصابة بأمراض القلب إن لم تدرك كيفية الوقاية منها. هذا لأن نسبة السكريات المرتفعة في الدم تؤثر تأثيراً مباشراً في صحة القلب والأوعية الدموية. وينتج عن ذلك الإصابة بعدد من الأمراض.
أمراض القلب المرتبطة بداء السكري: تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم
تُعد أمراض القلب من أكثر المضاعفات شيوعًا وخطورة لدى مرضى السكري، إذ يؤثر ارتفاع مستوى السكر في الدم على صحة الأوعية الدموية ويزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والشرايين. من أهم هذه الامراض:
1. تصلب الشرايين (Atherosclerosis)
يُعد تصلب الشرايين أحد الأمراض التي تتسبب تسبباً رئيساً في الإصابة بمعظم أمراض القلب الأخرى. أما عن علاقته بداء السكري، فهو مرتبط به ارتباطاً وثيقاً.
يحدث تصلب الشرايين نتيجة تراكم رواسب على جدران الشرايين. هذه الرواسب هي لويحات دهنية تتكون تكوّناً رئيساً من الكالسيوم، والخلايا الدهنية، والكوليسترول. بعد تراكمها وتصلبها، يحدث تضييق في الشرايين المسؤولة عن تغذية القلب، وبالتالي تقل كمية الأكسجين والدم الواصلة إلى عضلة القلب. يمكن أن تنفصل اللويحات إلى قطع صغيرة تتسبب بانسداد شريان فجأة، وهذا ما يسبب الجلطات المفاجئة. كذلك، تتسبب الالتهابات الناتجة عن تصلب الشرايين في تلف بطانة الشرايين، وقد يصل الأمر لحدوث جلطات قلبية.
2. ارتفاع ضغط الدم (Hypertension)
يُصاب معظم مرضى السكري بارتفاع في ضغط الدم، فأصبح المرضان متلازمين نوعاً ما. ارتفاع ضغط الدم هو حالة صحية مزمنة يحدث فيها ارتفاع في قوة دفع الدم باستمرار، وبالتالي يتسبب ذلك بضغط إضافي على الشرايين والقلب.
ينتج ارتفاع ضغط الدم عند مرضى السكري لعدة عوامل مسببة، أهمها ما يأتي:
1.2. تلف في الأوعية الدموية
ينتج عن مرض السكري على الأمد الطويل تلفاً في الأوعية الدموية، فتصبح أقل مرونة وبالإضافة للضيق، ممَّا يجعل مقاومة تدفُّق الدم عالية، وكذلك تُتلِف الالتهابات في الأوعية الدموية.
2.2. اختلال في توازن السوائل في الجسم
يتسبب مرض السكري في زيادة احتفاظ الجسم بالسوائل والملح، بالتالي زيادة حجم الدم المتدفِّق ضمن الشرايين وزيادة الضغط.
3.2. مقاومة الأنسولين
تعتبر مقاومة الانسولين حالة شائعة عند المصابين بمرض السكري وتؤدي لتغيُّرات متعددة في الجسم ينتج عنها ارتفاع ضغط الدم.
3. ارتفاع مستوى الكوليسترول الضار (LDL)
الكوليسترول الضار (LDL) هو نوع من الدهون الموجودة طبيعياً في دم جميع الناس. لا يُعد ارتفاع مستواه مشكلة إلا إذا زاد عن الحد الطبيعي، فعندئذ يتراكم الكوليسترول، المعروف باللويحات الدهنية، على جدران الشرايين مسبباً تضييقها، وهذا ما يُعرف بتصلب الشرايين.
يتسبب داء السكري في ارتفاع مستوى الكوليسترول الضار لأنه غالباً ما يكون مصحوباً بارتفاع مستوى الدهون الثلاثية، وتلف الأوعية الدموية والتهابها، ومقاومة الأنسولين، وجميع هذه العوامل ترفع الكوليسترول الضار.
من الضروري التنويه إلى علاقة ارتفاعه بعدة أمراض أخرى، مثل تلف الكلى، وتصلب الشرايين، والنوبات القلبية، وكذلك السكتات الدماغية.
4. تلف الأعصاب (الاعتلال العصبي)
يُعرف تلف الأعصاب أيضاً بـ الاعتلال العصبي. وهو أحد الحالات الصحية الناتجة عن الضرر الذي يلحق بالأعصاب المسؤولة عن استقبال وإرسال الإشارات من الدماغ والنخاع الشوكي وإليهما.
يُعد داء السكري من أكثر الأمراض المسببة لتلف أعصاب الجسم؛ لأن ارتفاع مستويات سكر الدم يتسبب في تلف الأوعية الدموية الصغيرة المسؤولة عن تغذية الأعصاب. نتيجة لذلك، لا تصل المغذيات أو الأكسجين إليها وصولاً طبيعياً وبكميات كافية، فتتلف الأعصاب.
يوجد لاعتلال الأعصاب نوعان:
- الاعتلال العصبي المحيطي: وهو النوع الشائع الذي يؤثر تأثيراً أساسياً في الأعصاب في اليدين والقدمين.
- الاعتلال العصبي المستقل: يؤثر هذا النوع في الأعصاب الموجودة في أعضاء الجسم الداخلية، مثل الأمعاء، والمثانة، والقلب أيضاً.
كلما طالت مدة الإصابة بداء السكري، وزادت التقلبات الكبيرة الناتجة عن سوء التحكم بمستويات السكر في الدم، ازداد خطر الإصابة بتلف الأعصاب.
شاهد بالفيديو: 8 علامات تحذيرية تدل على أنّ قلبك يواجه مشكلة
كيفية تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب لدى مرضى السكري
يمكن لمرضى السكري حماية عضلة القلب والشرايين وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب قدر الإمكان من خلال اتباع النصائح التالية:
1. اضبط مستويات السكر في الدم
بما أن داء السكري هو المسبب لزيادة خطر الإصابة بكثير من أمراض القلب، فيجب السيطرة عليه من خلال الخطوات التالية:
تناول الأدوية الموصوفة بانتظام
يجب اتباع تعليمات الطبيب بحذافيرها في تناول الأدوية، وعدم تغيير موعد الدواء أو نوعه إلا باستشارة الطبيب. حتى إن تسبب الدواء بأعراض جانبية معينة، لا يمكن إيقافه، بل يجب مراجعة الطبيب ليتخذ القرار المناسب في هذه الحالة.
اتباع نظام غذائي صحي
يؤدي النظام الغذائي دوراً هاماً في ضبط مستوى السكر في الدم واستقراره ضمن الحدود الطبيعية. يجعل النظام الغذائي الصحيح المريض متعايشاً مع داء السكري لسنوات طويلة دون أن يشعر بآلام أو يصاب بأمراض أخرى.
يشمل الغذاء الصحي الخضروات، وخصوصاً التي تحتوي على الألياف بنسبة عالية، وأيضاً الفاكهة، ولكن يجب تناول الفاكهة باعتدال؛ لأنها تحتوي على السكريات. كما يشمل الحبوب الكاملة والبروتينات الموجودة في الدجاج، والمكسرات، والسمك، والدهون الصحية الموجودة في الزيت والمكسرات.
من الضروري مراقبة حجم الوجبات وتوزعها على مدار اليوم للتحكم بكمية الكربوهيدرات، وكذلك يجب الحد من الأطعمة الجاهزة قدر الإمكان. لا تنس شرب كميات كافية من الماء واستشارة أخصائي التغذية للحصول على أفكار متنوعة للوجبات وتحديد النظام الأنسب.
2. أقلع عن التدخين
يُعد الحد من التدخين أمراً هاماً بالنسبة لمرضى السكري؛ لأن التدخين أيضاً من مسببات تضيق الأوعية الدموية، وبالتالي يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب. الإقلاع عنه سيقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، ويضبط مستويات الكوليسترول الضار، وبالتالي تقليل خطر الإصابة بأمراض الكلى والعين وضغط الدم.
3. مارس الرياضة بانتظام
تجعل الرياضة المناسبة والمنتظمة القلب أكثر كفاءة في عمله لكونها تحسن تدفق الدم ضمن الأوعية الدموية، وتمنع ترسب اللويحات الدهنية بمرور الوقت، وتخفض نسبة الكوليسترول الضار في الجسم، وكذلك ترفع مستويات الكوليسترول المفيد. بالإضافة إلى أن الرياضة تحسن فعالية عضلات الجسم في استخدام الأكسجين، وبالتالي تقليل حاجة القلب لضخ مزيد من الدم إليها.
فضلاً عن ذلك، فإن الرياضة تساعد على التخلص من المشاعر السلبية والتوتر والإرهاق، وكذلك تساعد على خسارة الوزن الزائد إلى جانب الحمية الصحيحة.
كل ما سبق يحسن عمل القلب، ومن المفضل استشارة الأخصائي بعد إجراء الفحوصات المناسبة لتحديد نوع الرياضة المناسبة، والوقت الذي يجب تخصيصه للرياضة، فبعضهم مثلاً لا يجب أن يمارس إلا المشي.
في الختام
ترتبط الإصابة بداء السكري بحدوث عدد من أمراض القلب؛ إذ تؤدي تلك الأمراض أيضاً إلى نوبات قلبية مفاجئة وسكتات دماغية قد تودي بحياة المريض. تحدثنا في مقالنا هذا عن أبرز الأمراض والحالات الصحية المرتبطة بداء السكري.
لذلك، يجب الوقاية من الإصابة بأمراض القلب عن طريق تناول الأدوية الموصوفة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن يمنح الجسم ما يحتاجه من مغذيات ويخفض مستوى السكر في الدم، بالإضافة إلى الإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة المناسبة بانتظام. فالرياضة تحسن كفاءة عمل القلب والشرايين، ما يعني أن الإصابة بداء السكري لا تعني بالضرورة الإصابة بأمراض القلب إذا اتبعت أسلوب حياة صحياً ومناسباً.