الطلاق وأسبابه في المجتمع العربي

إنَّ تناول موضوع الطلاق في المجتمع العربي يتسم بالحساسية المفرطة، لا سيما في مجتمعنا العربي الذي يتصف بالتقليدية ونمط تفكيره السائد الذي يرمي بالمسؤولية بصورة تلقائية على المرأة ويحمِّلها سبب فشل الزواج سواء أكانت هي السبب فعلاً أم لا، فالتربية التي ينشأ عليها الأفراد في مجتمعنا تجعل الجميع يتوقع أن تتنازل المرأة عن حقوقها في نفقات الزواج، كما يتوقع منها عدم المطالبة ببقاء أولادها معها عند تحقق الطلاق؛ بل حتى إنَّه من المعيب في بعض المجتمعات العربية التفكير بذلك حتى.



يُتوقع من المرأة في أثناء الزواج أن تضحِّي وتتغاضى عن الكثير من أخطاء زوجها ومعاملته السيئة لها في كثير من الأحيان؛ وذلك بهدف الحفاظ على استمرار زواجها، والحفاظ على تماسك أسرتها، وكذلك حفظ كرامتها في مجتمع ينظر إلى المطلقات نظرة غير جيدة وكأنَّه فعل مشين.

في الواقع الطلاق مشكلة اجتماعية ونفسية منتشرة في جميع المجتمعات على اختلاف تحضُّرها، ولكنَّه ينتشر انتشاراً أكبر في مجتمعنا العربي بوصفه نتيجة طبيعية للأزمات الكثيرة التي تعصف به، فهذه الظاهرة تتسم بالخصوصية على الرغم من أنَّ تأثيرها يتعدى الفرد ليصل إلى المجتمع عامة.

الطلاق هو أسوأ الحلول التي يمكن أن يصل إليها الزوجان، وذلك لما يترتب عليه من آثار سلبية أهمها تفكك الأسرة والعداوة التي تنشأ بين أسر الزوجين وتعرض الأبناء لخطر الإصابة بالاضطرابات النفسية والاجتماعية لا سيما تدنِّي ثقتهم بأنفسهم وخجلهم في التحدث بموضوع انفصال أهلهم، فأطراف العلاقة المتضررون من الطلاق يلحق بهم الأذى المعنوي والمادي فترة طويلة من الزمن.

الطلاق:

لقد أضحت مشكلة الطلاق إحدى المشكلات التي تؤرق مجتمعنا وحياتنا، مشكلة نخشى وقوعها طوال الوقت لأنَّها تغذي الشقاق وتمزق النسيج الاجتماعي الذي طالما تغنَّينا بتماسكه ومدحناه في اجتماعاتنا ومؤتمراتنا، والطلاق من الناحية القانونية هو انحلال الزواج في حياة الزوجين نتيجة لحكم قضائي بناءً على طلب أحدهما أو كليهما لأحد الأسباب التي حددها القانون.

من الناحية النفسية الطلاق هو اضطراب نفسي ينتج عن عدم التوافق بين الزوجين الذي يظهر في صورة مشكلات وصعوبات خلال الزواج، فالطلاق هو نتيجة لحالة عدم التكيف والتأقلم بين الزوجين، أما من الناحية الاجتماعية فالطلاق هو ظاهرة تنبع من المجتمع وهو مرض اجتماعي يتسبب في تفكك الأسرة وانقطاع الروابط الأساسية في المجتمع.

أسباب الطلاق:

1. الزواج المبكر:

لقد أثبت العلماء والباحثون أنَّ نمو الإنسان العضوي والاجتماعي والنفسي لكل من الذكر والأنثى لا يتم قبل بلوغ الـ 18 من العمر؛ لذا فإنَّ الزواج تحت هذا السن يعني أنَّ كلاً منهما غير ناضج وغير مؤهل نفسياً أو اجتماعياً؛ إذ ينتقل من مرحلة المراهقة التي تتسم بالتغيرات والاضطرابات الكبيرة إلى حياة الزوجية ذات المتطلبات الخاصة.

في كثير من الأحيان لا يكون الزوج متمتعاً بالاستقلال المادي؛ بل يعيش في كنف أسرته التي تتدخل لتفرض شروطها والتدخل في قراراتهما الزوجية، ومن ثمَّ يكونان عاجزين عن تحمُّل المسؤولية والانصياع لأوامر العائلة، فتنشأ الخلافات نتيجة عدم الشعور بالاستقرار، كما أنَّ صغر سن الأنثى وعدم معرفتها بكيفية تلبية حاجات الزوج الخاصة قد تسبب لها نوعاً من المشكلات النفسية نتيجة انعدام الخبرة بكيفية التصرف، فكل ذلك وغيره من المشكلات التي يسببها الزواج المبكر هو سبب في حدوث الطلاق.

إقرأ أيضاً: مشكلات السنة الأولى من الزواج وطرق تلافيها

2. الخيانة الزوجية:

من أبرز أسباب الطلاق في الوقت الحالي هو الخيانة الزوجية لا سيما بعد التطور الكبير الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي وتسهيل عملية التعارف والتواصل بين الأفراد، فتعرُّف أحد الزوجين إلى شخص آخر وإقامة علاقة معه مهما كان نوع تلك العلاقة؛ أي سواء أكانت مجرد علاقة حب تنطوي على مجرد الكلام أم وصلت إلى إقامة علاقة جنسية، هو من الأسباب الرئيسة في وقوع الانفصال سواء بشكل مؤقت أم بشكل دائم أم يصل الأمر إلى الطلاق بشكل نهائي، ففي الغالب عندما يخون الزوج قد تغفر الزوجة له وتتغاضى عن ذلك في بعض الأحيان، بينما لا يفعل ذلك الزوج في الغالب عندما تأتي الخيانة من قِبل المرأة.

3. عدم حدوث انسجام وتوافق بين الزوجين:

عدم وجود أشياء مشتركة سواء على صعيد المستوى العلمي والثقافي، أم وجود فارق طبقي واختلاف في الخلفيات الأسرية، أم حتى عدم وجود ميول ورغبات مشتركة وعدم اهتمام كل طرف برغبات الطرف الآخر؛ كلها أسباب تولِّد المشكلات شيئاً فشيئاً، لكن هذا لا يعني أنَّ كل اختلاف بين الزوجين يمكن أن يؤدي إلى انفصال.

قد يكون هذا الاختلاف وسيلة لسد النقص عند الطرف الآخر في جانب معين وتحقيق التكامل، وهذا يتوقف على الطريقة التي يفكر بها الزوجان ومدى قدرة كل منهما على تقبل الآخر ومحاولة فهمه لبناء حياة جيدة.

4. غياب أحد الزوجين المستمر عن البيت لفترة طويلة:

يلاحَظ في مجتمعنا العربي ازدياد حالات الطلاق نتيجة خروج المرأة إلى العمل خارج المنزل، فقد يرى الزوج أنَّ المرأة تهتم بعملها وبإثبات ذاتها خارج المنزل أكثر من اهتمامها به وبتلبية حاجاته الأساسية فيكون هذا بداية للخلاف، ومن ثم تطوره إلى طلاق فيما بعد، كما أنَّ غياب الرجل عن المنزل لفترات طويلة سواء للعمل أم غير ذلك أيضاً هو من الأسباب التي قد تدفع المرأة لطلب الطلاق.

5. فارق العمر بين الزوجين:

قد يكون فارق العمر بين الزوجين كبيراً، فبعض المجتمعات ما زالت تعتقد أنَّ السن الأفضل لزواج الفتاة هو بين 14 و15 عاماً، وغالباً ما يكون الرجل أكبر سناً بعدد جيد من السنوات، فهذا الفارق في السن يعني اختلافاً في التفكير واختلاف الرغبات وما إلى ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق.

6. عدم الاستقلالية وتدخُّل أسرة كل من الزوجين في حياتهما الخاصة:

إنَّ تدخُّل الأقارب في تفاصيل الحياة الزوجية لأبنائهما ومحاولة التأثير فيها وسوق كل طرف للسيطرة على الآخر يؤدي إلى حدوث الكثير من الخلافات التي تصل إلى نقطة نهاية لا رجوع منها وتتسبب في حدوث الطلاق، ولعلَّ مجتمعنا العربي وبسبب طبيعة العلاقات الاجتماعية الموجودة فيه تؤثر الأسرة تأثيراً كبيراً في حياة أبنائها الزوجية.

7. عدم إنجاب الأطفال:

من أهم الأسباب التي تدفع الزوجين إلى حل مشكلاتهم والبقاء معاً والحفاظ على تماسك الأسرة هو وجود الأطفال، لكن في حالة عدم وجود الأطفال سواء أكان السبب في ذلك الرجل أم المرأة فقد يدفع الطرف الآخر للتفكير في الانفصال بهدف الارتباط بشخص آخر وإنجاب الأبناء.

8. سوء اختيار الشريك:

عدم التأكد من صفات الشخص الآخر وما يحمله من أخلاق وطباع قبل الزواج من المشكلات التي تسبب الطلاق، فقد لا يحدث تفاهم أو قد ينصدم أحدهما بطباع الآخر وصفاته ولا يستطيع الاستمرار معه، فمثلاً المرأة لن تتحمل رجلاً يتعاطى المخدرات أو مدمن كحول أو بخيلاً.

شاهد بالفديو: مواصفات جوهرية في شريك الحياة

9. الفقر:

لا يختلف أحد على أهمية العامل المادي في تحقيق استقرار الأسرة والمحافظة على تماسكها، لكن عند فقر الزوج وعدم قدرته على تلبية حاجات أسرته الأساسية يعني الافتقاد إلى الاستقرار ونشوب المشاحنات والمشاجرات والصراعات داخل العائلة التي تؤدي في معظمها إلى الطلاق.

10. العنف الذي يمارسه الرجل ضد زوجته:

أكثر ما قد يسبب للمرأة الألم هو سوء معاملة الزوج لها سواء من خلال الضرب أم الخشونة والإيذاء الجسدي، وكذلك العنف العاطفي والنفسي كالإهمال والإهانة المتكررة والشتائم، وغير ذلك من أساليب العنف التي تعني أنَّ رصيد المرأة من الحب انتهى وأنَّ لغة الحوار لن تجدي نفعاً بعد اليوم، فهذا الأمر يؤدي بالتأكيد في نهاية المطاف إلى الطلاق.

11. الطلاق بسبب وجود زوجة أخرى:

يسمح مجتمعنا العربي بتعدد الزوجات، لكن وعلى الرغم من شرعية ذلك دينياً وقانونياً توجد الكثير من النساء اللواتي لا يقبلن ذلك ويخترن الانفصال.

12. الطلاق بسبب مرض أحد الزوجين مرضاً لا شفاء منه:

على الرغم من واجب وقوف الزوجين بجانب بعضهما في السراء والضراء، إلا أنَّه في حالات كثيرة تتفوق نزعة الأنا عند أحد الزوجين ويختار ملذات الحياة على القيام بواجباته، فمثلاً عند إصابة أحدهما بمرض ما لا شفاء منه يلجأ إلى الطلاق واستمرار حياته بشكل طبيعي.

13. الخلافات السياسية والدينية:

لا سيما في ظل الأزمات الكبيرة التي يمر بها المجتمع العربي حالياً.

إقرأ أيضاً: كيف تنفصل عن الشريك باحترام وعقلانية

آثار الطلاق:

  • كسر العلاقات وإنهاؤها بين الأسر المتصاهرة، ومن ثمَّ وقوع التفكك الأسري وتفكك البناء الاجتماعي.
  • النظرة السلبية التي يتخذها المجتمع ممثلاً بأفراده تجاه المرأة المطلقة، بينما يكون أكثر تسامحاً تجاه الرجل، فالمجتمع العربي خاصةً يضع المرأة المطلقة في منزلة أقل من غيرها، حتى إنَّ فرصتها في الزواج مرة أخرى تنعدم أو في أحسن الأحوال تتزوج من رجل مسن أو برجل يريد امرأة للعناية به وبأولاده.
  • قيام الأهل بتقييد حرية المرأة ومنعها من الخروج من المنزل أو ذهابها إلى العمل خشية انتشار الإشاعات المتعلقة بها.
  • وقوع الأطفال ضحية الاضطرابات النفسية والاجتماعية من يأس وإحباط واكتئاب، إضافة إلى تعرضهم للتهكم من قِبل أفراد المجتمع الآخرين وتشتتهم بين مشكلات الوالدين وحياتهم.
  • الخسائر المالية لكلا الطرفين نتيجة الدخول في الصراعات في القضاء في كثير من الأحيان.
  • عدم الاستقرار النفسي لكل من الطرفين في غالب الأوقات ولو كان بدرجة أكبر عند المرأة بسبب طبيعتها الحساسة والعاطفية.

في الختام:

إنَّ ظاهرة الطلاق مشكلة من أكثر المشكلات الاجتماعية خطورة على النسيج الاجتماعي؛ وذلك لتأثيرها في أهم مؤسسة اجتماعية وهي الأسرة، ومهما كان سبب الطلاق فإنَّه يعكس وضعاً اجتماعياً غير جيد وغير صحي ومشكلة جديرة بالبحث والاهتمام لإيجاد الحلول المناسبة لها؛ وذلك لأنَّ الطلاق ليس مشكلة شخصية تحدث نتيجة لتفاعل الزوجين وأسرهم فقط كما يعتقد معظمنا؛ بل هو يحدث أيضاً نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية التي تحدث في المجتمع.

على الرغم من آثار الطلاق الكارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلا أنَّه يبقى أفضل الحلول عند استحالة استمرار الحياة الزوجية بمودة وعطف وعطاء، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه العائلة والانتهاء من جحيم الشجار والمشكلات التي لا تنتهي.




مقالات مرتبطة