الطبيعة المتقلِّبة للحياة

إنَّ الحياة متقلبة، هكذا يمكننا وصف حياتنا باختصار، لكن بدلاً من قبول الطبيعة المتقلبة للحياة وحقيقة أنَّ الأوقات السيئة هي أمرٌ طبيعي، نتوقع أنَّه يجب أن نكون في حالةٍ من الازدهار الدائم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويَشرح لنا فيه الطبيعة الدورية للحياة وتأثيرها في قراراته المهنية.

دور الآخرين فيما نقوم به:

يشارك الآخرون في كلِّ ما نقوم به تقريباً، ولأنَّنا كائنات عاطفية وأفعالنا غير متسقة، فإنَّ النتائج ليست متسقة أيضاً، يشرح هوارد ماركس (Howard Marks)، مستثمر القيمة ومؤلف كتاب "الشيء الأهم" (The Most Important Thing) هذا المفهوم على النحو الآتي:

"يمكن للأشياء الميكانيكية أن تسير في خط مستقيم؛ إذ يمضي الوقت إلى الأمام على نحوٍ مستمر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآلة عندما تزودها بالطاقة الكافية؛ لكنَّ العمليات في مجالات مثل التاريخ والاقتصاد تشمل البشر، وعندما يكون البشر جزءاً من العملية، تكون النتائج متغيرةً ومتقلبة".

يمكننا تعميم هذا الاستنتاج على الحياة بشكل عام، فلا أستطيع التفكير في عمليةٍ تشمل البشر ليست متقلبة، كطاقة المرء على سبيل المثال؛ إذ سيكون من الرائع لو كانت مستويات الطاقة لدينا مرتفعةً باستمرار، لكن يمر معظمنا بأيام نشعر فيها بطاقةٍ عارمة، وفي أيام أخرى نشعر بكسل شديد.

عندما يتعلق الأمر بالطاقة الشخصية، فإنَّ هدفي هو أن تكون طاقتي ثابتةً قدر الإمكان؛ إذ أُفضل أن يكون مستوى طاقتي كلَّ يوم 80%، بدلاً من 95% في يوم و30% في اليوم التالي.

إقرأ أيضاً: 22 حقيقةً يصعب سماعها عن الحياة، لكنها ستجعلك شخصاً أفضل

تحكُّمنا بالأمور محدود:

إنَّ الأمور التي نستطيع التحكم بها محدودة، وحتى عندما نتعامل مع أشياء تقع في نطاق سيطرتنا، فإنَّنا ما زلنا غير قادرين على التحكم بكل شيء؛ فالطاقة الشخصية هي خير مثال عن ذلك.

يمكن أن تتبع نمط حياة متوازن، وتأخذ قسطاً كافياً من النوم، وتتناول الطعام الصحي، وتمارس التمرينات الرياضية بانتظام؛ لكنَّك ستفتقر إلى الطاقة في بعض الأيام، لا أحد يعلم سبب ذلك، فجسم الإنسان وعقله ليسا مثل الرياضيات؛ لكنَّه أمرٌ لا نقدِّره بما فيه الكفاية.

عندما تحدَّث هوارد ماركس عن دورات السوق، أكد بوضوح أنَّنا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، فلمجرد أنَّ السوق كان في حالة جيدة لسنوات عدة، فهذا لا يعني أنَّه سيتراجع في العام المقبل؛ إذ لا يمكننا التنبؤ بتوجهات السوق.

إنَّ فهم هذه الدورات سيساعدك على معرفة وضعك الحالي فقط، فعندما يتعلق الأمر بالاستثمار، يوصي ماركس بمعرفة وضعنا في كلِّ دورة وتأثير ذلك في أفعالنا.

لنفترض أنَّ السوق حالياً في حالة ازدهار، لا يعني ذلك أنَّها على وشك الدخول في حالةٍ من القلق والاضطراب، ولا يعلم أحد إلى متى ستستمر الحالة الحالية ولا يمكننا التنبؤ بشيءٍ حيال ذلك.

لكن يجب أن نعرف أين نحن في المقام الأول، فعندما نكون على دراية بما يجري حولنا، لن نتأثر في محيطنا، إنَّها واحدة من الاستراتيجيات الرئيسة التي يستخدمها مستثمرو القيمة، وأعتقد أنَّنا يمكننا تطبيقها في الحياة بشكل عام.

فيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:

  • التجارة: منذ متى وأنت تعمل في مجال التجارة؟ وكم عدد الأشخاص في مجال عملك على دراية بشركتك؟ وما هي حالة مجال عملك؟ وهل منتجك أو خدمتك مقبولة على نطاق واسع؟ أو أنَّها ما تزال تُعدُّ ابتكاراً جديداً لا يناسب الجميع؟ وما هو حجم حصتك السوقية؟
  • مسيرتك المهنية: كم تمتلك من سنوات الخبرة؟ وما هو حجم شبكة علاقاتك؟ وكم من المعرفة لديك؟ وهل مهارتك ما تزال ذات قيمةٍ في اقتصاد اليوم؟
  • الطاقة: كيف تشعر؟ وهل لديك أي إصابات خطيرة؟ وما هو نمط حياتك؟ وهل تشعر بالتعب في فصلٍ محدد؟

كلُّ شيء في الحياة دوري، تنمو بعض الشركات بسرعة وتنهار بسرعة، بينما ينمو بعضها الآخر ببطء ولا تشهد أبداً أيَّ نمو متسارع، وتصبح معظم الوظائف بلا قيمةٍ في مرحلة ما، وقد تشعر بالضعف لأيامٍ أو أسابيع أو أشهر، أو قد تشعر بالقوة لسنوات متتالية ولا تصاب أو تمرض أبداً.

لكن لن يبقى أيُّ شيءٍ على حاله إلى الأبد، لا يعني أيٌّ من الأسئلة المذكورة أعلاه أنَّك تستطيع التنبؤ بالمستقبل، فإذا كنت تشعر بنقصانٍ في الطاقة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، فلا يعني ذلك أنَّك ستشعر تلقائياً بتحسنٍ في الأسبوع المقبل، كما أنَّه لا يعني أنَّ حالتك ستسوء.

شاهد بالفديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

كيف تستفيد من دورات الحياة لاتخاذ قراراتٍ أفضل؟

إنَّ فهم حالتنا في دورة الحياة يساعدنا على اتخاذ قرارات أفضل، فعندما تنخفض طاقتك، عليك الحفاظ عليها وتجنُّب الأعمال التي تستنزفك، وعندما تشعر بضعفٍ شديد، فعليك التراجع وتجنُّب بدء مشروع جديد؛ لأنَّك عندها ستُرهق تماماً.

لقد استخدمت دورات الحياة لاتخاذ قرارات مهنية أيضاً، عندما بدأت مدونتي، جربت كثيراً من الأفكار المختلفة، لقد أنشأت أنواعاً مختلفة من المحتوى، وغيرت تصميم موقعي، وتطرقت إلى جميع أنواع الموضوعات، واستخدمت وسائط إعلامٍ مختلفة، وما إلى ذلك.

في بداية الدورة، قبلت كلَّ شيء، لكن بعد 4 سنوات ونصف، أصبحت أركز أكثر على إجراءات محددة وأرفض مزيداً من الأشياء، في الوقت الحالي يساعدني ذلك على بناء شيء محدد للغاية، وفي وقت لاحق من الدورة، قد يتغير ذلك مرةً أخرى.

الدرس الرئيسي الذي تعلمته هو: لا يوجد شيء ثابت في الحياة، يجب علينا احترام الطبيعة المتقلبة للحياة، وعندما نكون على دراية بوضعنا في دورة معينة من دورات الحياة، يمكننا اتخاذ قرارات أفضل.

إقرأ أيضاً: الحياة التقليدية والحياة غير التقليدية

في الختام:

توجد عدة التقلبات، لكنَّ فهم الدورات سيجعلك أقل عرضةً لتأثير هذه التغييرات، فعندما تتخذ قرارات جيدة، ستستفيد من دورات الحياة.

هذه هي الاستراتيجية التي ساعدت مستثمري القيمة مثل وارن بافيت (Warren Buffett) وهوارد ماركس (Howard Marks) على تجنب تأثيرات الأزمة المالية لعامي 2008-2009، لقد أدركا دورة الحياة التي كانا فيها وعدلا إجراءاتهما وفقاً لذلك، ونحن إذا فعلنا الشيء نفسه في كلِّ جانب من جوانب حياتنا، فيمكننا النجاح على الرَّغم من كلِّ التقلبات.




مقالات مرتبطة