الصراع الأبدي بين الواجبات المدرسية واللعب عند الأطفال

يبذل الأطفال مجهوداً كبيراً في المدارس رغم أنَّهم ما زالوا في سن مبكرة، كما يكون يومهم مليئاً بالواجبات بعد المدرسة، من حفظ ومذاكرة وما إلى هنالك من مهمات؛ ممَّا يقتل إبداعهم شيئاً فشيئاً، إذ لا يقتصر تأثير هذا على المرح الذي يحظون به في الطفولة فحسب، بل ويؤثر أيضاً في قدرتهم على النجاح في مجال العمل عندما يبلغون سن الرشد.



لقد ذكر المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّه بحلول عام 2020 سيكون الإبداع ثاني أكثر المهارات المطلوبة في مجال التوظيف؛ كما تطرق إلى بحثٍ يُظهِر أنَّ معدل الإبداع عند الأطفال انخفض انخفاضاً كبيراً منذ عام 1990؛ وإليك فيما يأتي بعض أسباب انخفاض معدلات الإبداع لدى الأطفال:

1. إبقاء الأطفال مشغولين لا يترك لهم مجالاً للإبداع:

إنَّه لمن المؤسف أنَّ الآباء الذين يحثُّون أطفالهم على إحراز النجاح هم في الحقيقة يقتلون لديهم الإبداع، ويحدث هذا ببساطة حينما لا يبقى للأطفال وقت كافٍ للعب في أثناء النهار. يُثقِل كثير من الآباء كاهل الأبناء بالمهمات التي يسندونها إليهم باستمرار، فيرتِّبون حياتهم بطريقة تجعل اللعب دون قيود مسألة ثانوية؛ ولكنَّ الحاجة إلى اللعب تُلهِب الإبداع لدى الأطفال، وهو أمر ضروري، حيث يحتاجون إلى وقت كافٍ يلعبون فيه بحرية، وينمُّون فيه إبداعهم.

إنَّه لمن النادر أن ترى الأطفال يمارسون ألعاباً تثير الإبداع في نفوسهم حينما لا يُمنَحون فرصة كافية، ذلك لكونهم يقضون أيامهم كلها في المدرسة منذ أن يبدؤوا الحبو؛ لذا ستكون نتيجة خسارة الإبداع هذه مجتمعاً من المثقفين الذين يفتقرون إلى الإبداع.

لقد ناقشت مجلة لايف ساينس (Live Science) في دراسة أجرتها بحثاً حول هذا الموضوع، وبيَّنت أنَّ قدرة الأطفال على ابتكار أفكار فريدة وغير عادية قد انخفضت منذ عام 1990، وأنَّهم يفتقرون اليوم إلى روح الدعابة والخيال الخصب والقدرة على تنمية أفكارهم.

يُعزَى افتقار الأطفال إلى الإبداع إلى خسارة الطفل جزءاً من قدرته على التخيُّل والإحساس بالمرح الذي يرافق جلسات اللعب التي يستخدمون فيها خيالاتهم وإبداعهم؛ حيث يفقد الأطفال قدرتهم على تقديم شيء مميز عندما يفقدون قدرتهم على الإبداع، ويخسرون جزءاً من طفولتهم نتيجة لذلك.

إقرأ أيضاً: 6 تصرّفات خاطئة تقتل الإبداع عند الأطفال

2. الإجابات الموحَّدة مقابر للخيال:

تسهم الإجابات الموحَّدة في انخفاض الإبداع في مرحلة الطفولة، وتتجلى في  الطريقة التي يقمع بها التعليم السائد الإبداع لدى الأطفال، حيث إنَّ جلَّ ما يشجع عليه المعلمون هو حصول الطالب على علامات عالية في الاختبارات المعيارية؛ فصحيح أنَّه قد لا ينطبق هذا على جميع المدارس، ولكنَّ هذا ما تتجه إليه أنظمة التعليم السائدة حالياً.

لقد ناقش المنتدى الاقتصادي العالمي مشكلة تقييد الإبداع في الفصل الدراسي، وذكر ما يأتي: "ما يثير القلق أنَّ هذه المهارات لا تحتل اليوم مكاناً بارزاً في المدرسة، حيث إنَّ النهج السائد ما زال يتمثل في أسلوب التدريس القائم على استخدام الطباشير وأسلوب الإلقاء الذي قد ساد لقرون من الزمن".

لعلَّ السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: هل نكتفي بتعليم أطفالنا إتقان حل الاختبارات، أم أنَّنا نشجع فكرهم الإبداعي المتميِّز ومهاراتهم؟

من المؤسف أنَّ البيئات التعليمية السائدة تستخدم الاختبارات المعيارية، ولا تشجع التفكير الإبداعي؛ حيث تُعلِّم هذه الأنواع من الاختبارات أطفالنا أنَّ عليهم تخزين المعلومات التي يتلقونها في الفصل الدراسي، وترسخ في أذهانهم في وقت مبكر أنَّ السبيل إلى التفوق في المدرسة هو إتقان حلِّ الاختبارات فحسب.

في نظام التعليم التقليدي، يعتمد نجاح الأطفال في التعليم وانتقالهم إلى الصفوف التالية على أدائهم في الاختبار، وقد لا يبدو هذا ضاراً إلى هذا الحد؛ ولكن حينما نرى طريقة تشكل التطلعات التي يتعامل الأطفال على أساسها مع الحياة، فلن نجد هذا واقعياً أو مفيداً.

تكمن العبقرية الحقيقية في الأفراد المبدعين؛ فهم الأشخاص الذين يستمرون في استخدام إبداعهم حتى بعد البلوغ، وذلك من خلال ابتكار منتجات وحلول للعالم.

شاهد بالفيديو: 6 وسائل لتنمية حس الخيال عند الأطفال

3. دع الأطفال يشعرون بالملل والتمرد قليلاً:

يحتاج الأطفال إلى وقت للاستراحة؛ فعندما يقول أحدهم: "أشعر بالملل"، فإنَّ الوقت قد حان لكي نقول له: "عظيم، ابحث إذاً عن شيء تفعله"؛ إذ ينبغي أن نفسح المجال للأطفال ليفكروا بإبداع ويتوصلوا إلى طرائق يرفهون فيها عن أنفسهم.

من العار أن يكبر بعض الأطفال دون أن تنمو لديهم القدرة ليتعلموا الترفيه عن أنفسهم؛ فهل يعدُّ التلفاز أو الكمبيوتر أو الأنشطة المنظمة أموراً أساسية دوماً للحفاظ على ترفيه طفلك؟ بالطبع لا، إذ يستطيع الأطفال الترفيه عن أنفسهم بمفردهم وتعلم كيفية التغلب على الملل.

يتمكن الأطفال من اكتشاف ميولهم في الحياة عندما تُتاح لهم الفرصة ليشعروا بالملل، وأن يكونوا أحراراً في أداء أي شيء يخطر في بالهم؛ فعندما نخرِج الوسائل الإلكترونية من هذه المعادلة ونترك الطفل ليقرر ما يريد القيام به بمفرده، سيكتشف نفسه؛ ذلك لأنَّ الشعور بالملل يمنحه الفرصة للتأمل في ما يحبه وما يكرهه، ويسمح له بأن يخطط لملء وقت فراغه وقضاء ذلك الوقت بالقيام بأشياء مسلية.

لن يقرر معظم الأطفال تنظيف غرفهم أو إكمال قائمة الواجبات المنزلية؛ فهم يسعون إلى ما يمنحهم المتعة أو السعادة أو الشعور بالإنجاز، وتتضمن معظم الأنشطة التي سيقومون بها ألعاباً تثير الإبداع في نفوسهم؛ ذلك لأنَّ الطفل هو من يبتكر هذا النشاط، وهو من يقرر كيفية سيره.

 

المصدر




مقالات مرتبطة