الشكوى، أسبابها، بدائلها وطرق علاجها

تسأل المرأة صديقتها: "كيف حالك؟"، تُجِيبها الأخرى: "لا بأس، في الحقيقة ظروف الحياة مُتعبَة وقاسية وتعليم أطفالي مَهمّة شاقّة بينما إرضاء زوجي فمهمّة شبه مستحيلة. من جهةٍ أخرى ألا ترين غلاء المعيشة. بالمناسبة ألم تعرفي أنّ والدتي كانت مريضة وأنّها بقيت جليسة الفراش مدة شهر كامل. آه آسفة نسيتُ سؤالك كيف حالك أنتِ؟". لتبدأ بعدها صديقتها إطلاق قذائف الشكوى والتّذمر، وكأنّهما في منافسةٍ شرسة لإثبات أيّ منهما ستنتصر على الأخرى في شكواها وأيٌّ منهما تعاني أكثر وأيٌّ منهما قدرها أكثر سوداويّة. غريبٌ أمرهما! يا لضحالة تفكيرهما! كم يهدرون من طاقتهنّ في سبيل منافسةٍ أقلّ ما يُقال عنها أنّها حمقاء. يدفعك هذا الموقف إلى التساؤل عن مدى تأثير الشّكوى في حياتنا ومدى قدرة معتقداتنا الموروثة على تعزيزها وكيف سنتعامل مع الشخص الشّاكي ونحمي أنفسنا من طاقته السّلبية، وهو ما سنتعرّف عليه من خلال هذا المقال.



1. كيف تحدث الشكوى؟

عندما يحدث حدثٌ سلبيٌّ مع الشخص، فإنّه يقوم بتفسيره بطريقةٍ ما، وينتج عن هذا التفسير طاقة، والمشاعر تكون من نفس نوع الطاقة فإذا كانت الطاقة سلبية ستكون المشاعر سلبية أيضاً.

يؤدي تكرار التفسيرات السلبيّة للأحداث إلى ازدياد الطاقة السلبية بشكلٍ كبير، والتي ستحتاج إلى تفريغ، وإلّا فستضر الشخص كثيراً، ويكون التفريغ بطرق علميّة أو بطرق غير علمية كالشكوى.

2. الشكوى تُعطيك إحساساً وهمياً بالرّاحة:

تعدّ الشكوى أقلّ درجة من درجات التّفريغ وتُعطي إحساساً وهمياً بالرّاحة.

على سبيل المثال: يعاني شخصٌ من ضغطٍ ما بمقدار (10 درجات)، فقام بتفريغه من خلال شكواهُ الأمرَ إلى صديقه، مما أدّى إلى نقصان الضغط بمقدار (3 درجات) أي أنّه أصبح (7 درجات)، إنّ نقصان الضغط بمعدل (3 درجات) سيُعطي إحساساً للشخص بأنّه أصبح مرتاحاً، لكن الحقيقة أنّ هذه الرّاحة وهمية فما يزال هنالك (7 درجات) من الضغط غير مُعالَجة.

من جهةٍ أخرى، إنّ تكرار الشّكوى والتركيز على الأمور السّلبية، سيَزيد من احتمالية وقوعها مجدداً في حياة الشخص، فلن تكون حياة الشخص الشّاكي إلّا نمطاً متناقصاً من المُتعة والسعادة والراحة.

ومن سلبيات الشكوى أيضاً أنّ طاقتها السلبية مُعدية؛ حيث تنتقل من الشخص الشّاكي إلى المُشتكَى إليه تلقائياً.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلّص من الطاقة السلبية؟

3. أسباب الشكوى:

3. 1. الشكوى من أجل الوصول إلى نتيجة:

يتوقّع الشخص الشاكي من الآخر أن يساعده على إيجاد حلٍّ لمشكلته أو نصيحته نصيحةً تُثلج صدره، وتكثُر هذه الحالة لدى الرجال.

3. 2. الشكوى من أجل التّفريغ:

تشتكي أغلب النساء رغبةً في التفريغ ومشاركة همومهنّ مع الطرف الآخر.

3. 3. الشكوى من أجل إبعاد الحسد:

تتفرد بهذه الحالة المجتمعات العربية عن سواها، بحيث يكون الشخص سعيداً في حياته إلّا أنّه يخاف من الحسد فيلجأ إلى الشكوى لكي يبعده عن حياته، وفي الحقيقة هذه الثقافة غاية في التخلّف.

والذي يعتمد الشكوى بشكلٍ دائمٍ في حياته، سيكون شريكاً في زرع أفكار سلبية في عقول الناس كفكرة: "أنّ الأصل في الحياة هو وجود المشكلات والهموم"، الأمر الذي سيؤدي إلى خللٍ في المنظومة المجتمعية.

إقرأ أيضاً: أعراض الإصابة بالعين والحسد وعلاجها بالقرآن الكريم

4. ما هو بديل الشكوى؟

في كلّ مرّةٍ يفّرغ بها الشخص مشاعره السلبية بالشكوى، فإنّ العقل اللاواعي يُسجِّل ذلك على أنّها الوسيلة الوحيدة للتفريغ. لذلك علينا تبنّي بدائل أخرى للتفريغ.

4. 1. السماح لنفسك بالتعبير عن مشاعرها السلبية عوضاً عن كبتها:

الصادم أنّ أقوى وسيلةٍ لتفريغ المشاعر السلبية هي البكاء؛ فالبكاء وسيلةٌ طبيعيةٌ فطريةٌ لتفريغ الطاقة السلبية.

وهنا يتبادر إلى أذهاننا ثقافة المجتمع القاصرة حول موضوع البكاء، حيث يُعَدّ بكاء الرجل "ضعف" و"نقص رجولة"، لكن الحقيقة أنّ الرجل الذي لا يبكي هو رجلٌ قاسٍ بلا مشاعر إنسانية.

فماذا يحدث عندما نبكي؟

إنّ جسم الإنسان يحتوي على نوعين من الطاقة: طاقة سلبية وطاقة إيجابية، وذلك حتى يبلغ مرحلة التوازن. ويتطلّب ازدياد أيّاً من هاتين الطاقتين أكثر من الحد الطبيعي، إلى إجراء تدخّلٍ ما.

فتحتاج الطاقة السلبية الفائضة عن حدّها إلى اهتزازٍ كبيرٍ لكي يتمّ إخراجها؛ فمثلاً عندما تبكي بطريقةٍ شديدةٍ ومع اهتزازٍ (نحيب) ولمدة (5- 10) دقائق فسترتاح كثيراً بعدها. من جهةٍ أخرى، تعد كلّ أنواع الرياضات (التي تحتوي على اهتزاز) والرقص وسائل رائعة لتفريغ الطاقة السلبية.

عندما تزيد الطاقة الإيجابية إلى أكثر من حدّها؛ فيجب أن نهتزّ حتى لا تضرّ بنا؛ كأن نضحك حينها بطريقةٍ هيستيرية.

4. 2. الاتّحاد مع أقوى مصدر للطاقة:

الوسيلة الروحانية القويّة جدّاً لتفريغ الطاقة السلبية هي الشكوى إلى الله تعالى؛ فالله هو "الملك الوحيد الذي تستطيع مقابلته في أيّ وقتٍ تشاء وتستطيع ترك المقابلة في أيّ وقتٍ تشاء".

لذلك جرّب أن تجلس وحيداً واشكو إلى الله ألمك وهواجسك وأحزانك وكلّ ما في قلبك وستعتبر هذه الشكوى شكوى إيجابية جداً لأنّك تكون مُتّحداً مع أقوى مصدرٍ للطاقة، وستشعر بعدها بالعزّة. أمّا الشكوى إلى الناس فقد تحمل لك الكثير من المخاطر مثل:

  • تشعر بعدها أنّك ضعيفٌ ومذلول ومكشوفٌ للآخرين بطريقةٍ مزعجة.
  • قد لا يتمّ تقديم النصيحة المناسبة لك، فلا يُؤدَّى بذلك غرضك من الشكوى.
  • قد تشعر بنوعٍ من "التّمنين"، ففي حال كنت تشتكي إلى شخصٍ ما وبعد ذلك تبدّلت أوضاعك نحو الأحسن واختفت المشكلات التي كانت تزعجك، فقد يأتي هذا الشخص ويقول لك "لولا استماعي إلى شكواك ونصائحي لك لما كنتَ قد تجاوزت مشكلاتك".

5. علاج الشخص الشّاكي:

يكمن علاج الشخص الشاكي بكسر منهجية التفكير بالسلبيات؛ لأنّه علمياً كلّما تمّ التفكير والتركيز في شيءٍ سلبيٍّ ما فسيحصل اتصال لا واعٍ مع هذا الشيء وسيتمّ جذب طاقةٍ سلبيةٍ منه أكثر. فإذا كنت شخصاً شاكياً فاتّبع التمرين العملي الآتي:

  • اكتب على ورقة الأمور السلبيّة التي تسبب لك الضيق واسأل نفسك السؤال التالي: "ما هي الأشياء التي يمكن أن تحدث وتُغيّر من حالتي الشعورية السلبيّة؟".
  • اسأل نفسك: "في حال حدوث الأشياء فكيف سيكون شعوري حينها؟"، على سيبل المثال: إذا كنت مريضاً، أغمض عينيك واسأل نفسك:" كيف ستكون مشاعري في حال كنت مُعافً وكُلّي طاقة وحيوية ونشاط؟"
  • اختبر تلك المشاعر واشعر بها، وَضَعْ الصورة الذّهنية للحالة في مخيّلتك، وستشعر بانقلابٍ نوعيٍّ في مشاعرك السلبيّة مُتحوّلةً إلى إيجابيّة.

تعدّ هذه الطريقة العملية طريقةً رائعةً لتفريغ الطاقة السلبية، وتحفّزك على اكتشاف الطرق من أجل الوصول إلى الحالات الإيجابية المنشودة.

6. علاج المُشتكَى إليه:

من أكبر الأخطاء التي نقع فيها أنّنا عندما نصادف شخصاً يشكي إلينا همّه ومشكلاته فنقوم بمشاركته حزنه بصدق مُستحضرين الموقف في مُخيّلتنا راسمين صورةً ذهنيةً سلبية وحزينة، غير مُدركين أنّنا بهذه الحالة نسبّب بألمٍ مضاعفٍ لأنفسنا. حيث يُعدّ نقل الطاقة السلبية من الشخص إلينا من خلال شكواه، ألماً، ويصبح الألم مُضاعفاً عند استحضارنا الموقف في عقلنا. فكيف نَقِي أنفسنا من تأثير الشخص الشّاكي؟

6. 1. تخيُّل صورة إيجابية للشخص الشاكي:

عندما يشكي إلينا شخصٌ ما همومه، ففي أثناء شكواه، علينا أن نتخيّل صورةً إيجابيّةً له كأن يكون سعيداً ومتجاوزاً للموقف.

على سبيل المثال: والدتكَ تشكي إليك وتتحدث عن مواقف حدثت معها، أبدأ في أثناء استماعك لشكواها في تخيّلها أنّها سعيدةٌ ومستمتعةٌ ومتجاوزةٌ الموقف. علمياً: تفكيرك الإيجابي سيُعطِي شحنات إيجابية عالية جداً، ولأنّ والدتك تركّز عليك وتنتظر رأيك في الموضوع، فستأخذ من هذه الشحنات الإيجابية الزائدة التي قمتَ بتوليدها نتيجة صورتك الذهنية الإيجابية.

6. 2. طرح سؤالٍ مفاجئ:

اتبع التمرين العملي التالي:

لا تناقش الشخص الشّاكي ولا تدخل معه في تفاصيل واسمح له بالتعبير عن كلِّ ما في قلبه، وفي أثناء كلامه، قُم باستحضار الفكرة الإيجابية التي تريد أن يكون عليها. وعندما ينتهي من شكواه اطرح عليه السؤال التالي: "ما هو الحدث الذي لو حصلَ لك سيجعل من حياتك سعيدة؟"، عوضاً عن تعاطفك معه وزيادة جرعة إحساسه بأنّه ضحيّةٌ وضعيفٌ ومغلوبٌ على أمره.

لأنّ تعاطفك معه سيجعلك شريك في تعزيز فكرة "أنّ المخرج الوحيد لراحته هو إحساسه بأنّه ضحيّة"، وسيبحث بعدها باللاوعي عن أمورٍ تجعله يشعر أنّه ضحيّة لكي يصل إلى إحساس الراحة، مما سيزيد الأمر سوءاً. لذلك فعملية طرح سؤال مفاجئ كاسراً للنمط عملية مُثمرة جداً لأنّها ستحفّز عقله على جذب الأفكار الإيجابية وسيُشحَن بالشحنات الإيجابية.

ثمّ قُم بسؤاله: "ما هي الخطوات التي يمكن لك أن تفعلها لكي تصل إليه؟".

وهنا ستُحفِّز لديه أعظم قاعدةٍ في الكون: "أنا السبب في وجود أيّ أمرٍ سلبيٍّ في حياتي بنسبة 100%".

ستجعله يَعِي حقيقة أنّه الخليفة على هذه الأرض، وكلّ ما في الكون مُسخّر لخدمته، وأنّ الظروف لا تحدّ من قدرة الإنسان فهو قادر على خلق حياته بيديه وأنّ كلّ شيءٍ يبدأ بفكرةٍ فإذا غيّرنا أفكارنا فستتغيّر حياتنا.

ولنضع جانباً معتقداتنا الموروثة والمُعرقِلة لتقدّمنا ولِنُعملَ عقلنا وإحساسنا في كلّ شيء. ولِنتبَنّى المبدأ التالي: "إن لم تشأ الشيء الإيجابي وتسعى إليه، فأنتَ الآن تشاء السّلبي وأنتَ الآن تسعى إليه".

فعلى سبيل المثال: إذا نويتَ الغنى وسعيت إليه وخططتَ في كلّ يومٍ كيف ستصل إلى هدفك، عندها ستناله، وإلّا فأنتَ تنوي الفقر وتسعى إليه.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

الخلاصة:

أليس الأجدر بنا أن نواجه الحياة مبتسمين راضين مُتقبِّلين ناوين النجاح والغنى والسعادة وساعين إليهم، عوضاً عن التّذمر والشّكوى وتمثيل دور الضحيّة. أليس الأجدر بنا تفريغ طاقتنا السلبية نشاطاً وحيويةً ورقصاً أو حتى دموعاً وتضرّعاً عوضاً عن تفريغها ثرثرةً وشكوى لا تُفضِيان إلى أيّ شيءٍ مُثمِرٍ.




مقالات مرتبطة