الشركات متعددة الجنسيات: مفهومها وخصائصها

في ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم نجد أنفسنا أمام مرحلة لا تعترف بالحدود القومية "السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وغيرها" للدول، وهي ما درج تسميته "التدويل" أو المعروف أكثر بمصطلح العولمة، فحاجات الزبائن والمستهلكين تتشابه حتى إن اختلفت الثقافات، ومن هنا بدأت فكرة ضرورة وجود عدد كبير من المنظمات الاقتصادية لتلبية تلك الحاجات ضمن سوق عالمي كبير.



لكن في ظل التغيرات المتسارعة وازدياد حدة المنافسة لم تعد هذه المنظمات قادرة على العمل بشكل انفرادي تجنباً لخسارتها وخروجها من السوق؛ الأمر الذي دفع بها إلى إنشاء "شركات متعددة الجنسيات" التي يتعدى كيانها الحدود الإقليمية للدول التي أُنشئت فيها، وأصبحت هذه الشركات العصب المحرك للاقتصاد الدولي.

1. مفهوم الشركات متعددة الجنسيات:

تُعَدُّ الشركات متعددة الجنسيات واحدة من سمات الاقتصاد العالمي المعاصر والقوة المحركة له، فهي بمنزلة منظمات كونية تدير الموارد الطبيعية وتتحكم بها، وأول من ذكر هذا المصطلح كان الاقتصادي "ديفيد ليلينتال" (D.E LILIENTHAL) في عام 1960 من خلال بحثه في معهد "كاترنيجي" للتكنولوجيا بعنوان "الشركة المساهمة متعددة الجنسية"، ولتحديد مفهوم هذه الشركات أو إعطائها تعريفاً واضحاً، عمد الباحثون في الاقتصاد إلى وضع مجموعة من المعايير منها حجم الشركة وإداراتها ومعيار التنظيم فيها.

من التعريفات الخاصة بها حسب كل معيار مما سبق:

  1. معيار حجم الشركة: عرفها الباحث "محمد مدحت غسان" بأنَّها مشروع واحد يقوم باستثمارات أجنبية مباشرة تشمل اقتصاديات قومية "أربعة أو خمسة كحد أدنى"، وتوزع نشاطاتها الإجمالية بين مختلف البلدان بهدف تحقيق أهداف إجمالية للمشروع المذكور.
  2. معيار التنظيم والإدارة: عرفها "جون داننج" ( Dunning) بأنَّها تتميز بإدارة وملكية رأسمالية لأكثر من دولة واحدة، وأما سلطة اتخاذ القرار فهي مركزية والشركات متعددة الجنسيات غير مرتبطة بقومية واحدة إلا في الحدود التي يفرضها القانون.
  3. من الناحية القانونية: وقد عرَّف الشركات متعددة الجنسية الفقيه البلجيكي "فرانسوا ريجو" بأنَّها شخص قانوني تتبعه فروع عدة لها نشاطات اقتصادية في أكثر من دولة، وللقيام بهذه النشاطات، فإنَّ كيانات قانونية منفصلة يتم إنشاؤها وفقاً لقوانين الدول المتعددة التي يوجد بها نشاط معين.

نخلص للقول إنَّه لا يوجد تعريف جامع ومانع للشركات متعددة الجنسيات، لكن يمكن تحديد بعض الصفات الخاصة بها، فهي منظمات كبرى عابرة للحدود تعمل في أسواق عدة بآنٍ واحد، وتوجد في دول مضيفة عدة كذلك، وتركز في نشاطاتها الأساسية المحورية على الأسواق الدولية في العالم.

2. نشوء "التطور التاريخي" للشركات متعددة الجنسيات:

تعود الجذور الأولى إلى نشأة الشركات الاستعمارية؛ إذ كانت البداية مع "هولندا" و"بريطانيا"؛ فأنشأت "هولندا" شركة "الهند الغربية" وأنشأت "بريطانيا" شركة "الهند الشرقية"، وكان ذلك خلال عام 1660 وزادت حركة تدويل الشركات قبل الحرب العالمية الأولى؛ لذا عمدت بعض الشركات إلى التوسع في أعمالها خارج حدود الدول التي نشأت بها وتحمل جنسيتها إلى الدول الأجنبية الأخرى.

خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية كان الشكل الأبرز لتعاون الشركات هو "الكارتل" ويعني اتفاقاً بين الشركات المتنافسة لضبط أسعار منتجاتها والسيطرة عليها ومنع دخول المنافسين لها إلى مجال العمل، وكان أول "كارتل" للنفط في عام 1928، وبعد قيام الحرب العالمية الثانية سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على الاستثمارات الدولية فكان لها استثمارات كبيرة في أماكن عدة لا سيما "كندا" و"أوروبا".

مع بداية ستينيات القرن الماضي ظهرت الشركات متعددة الجنسيات بشكل أكثر وضوحاً وديناميكية من خلال ظهور شركات أوروبية ويابانية عملت على توزيع نشاطاتها في مختلف دول العالم، ولقد ازداد نشاط هذه الشركة مع ظهور البنوك متعددة الجنسية أيضاً، ومنذ فترة التسعينيات اتسع نشاط هذه الشركات اتساعاً كبيراً في إطار العولمة التي فتحت الحدود للتعاملات السريعة وتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال.

3. مصطلحات مشابهة لمصطلح الشركات متعددة الجنسيات:

الشركات الأجنبية (Les Sociétés étrangères):

هي شركة تملك تسهيلات لعملها في الخارج سواء كانت تمارس نشاطاً إنتاجياً أم غير إنتاجي؛ بمعنى تمارس نشاطاً استثمارياً خارج البلد الأصلي.

الشركات غير الوطنية (Les firmes trans nationales):

لم يُستخدم هذا المصطلح بعد ممانعة الأمم المتحدة استخدامه تجنباً للآثار النفسية له لا سيما في الدول النامية.

الشركات متعددة الجنسيات الشمولية:

هي شركات تتضمن العمل في أكثر من بلد وإنتاج منتجات جديدة، بالإضافة إلى المنتج الأصلي.

الشركات العالمية متعددة الجنسيات (Les firmes multinationales):

هي عبارة عن شركات تمتلك فروعاً لها في جميع القارات والدول الأجنبية.

ما هو الهدف من إنشاء شركات متعددة الجنسيات؟

  1. البحث عن مصادر الطاقة والمواد الأولية: تتنوع هذه الثروات وتختلف من بلد إلى آخر، فهذه الشركات تريد الدخول إلى أسواق دول جديدة للتزود بما تحتاج إليه من المواد الأولية الموجودة في هذه الدول.
  2. الاستفادة من انخفاض تكلفة العمل والفوارق بين إنتاج منتجاتها في البلد: توجد المواد الأولية لمنتجها، وبين تكاليف نقل هذه المواد وإنتاجها في بلد الشركة الأم.
  3. توزيع منتجاتها في الأسواق العالمية: ذلك بغرض التوسع وكسب المزيد من الأرباح.
  4. توزيع وتقليل المخاطر: تواجه الشركات متعددة الجنسيات جملة من المخاطر بسبب عملها في أكثر من بلد، مثل خطر المنافسة من قِبل الشركات الأخرى، والبطالة، وانهيار العملة.
  5. الاستمرارية والنمو.

شاهد بالفديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

خصائص الشركات متعددة الجنسيات:

1. الانتشار الجغرافي:

إنَّ أكثر ما يميز هذه الشركات هو النطاق الجغرافي أو المساحة الجغرافية التي تنتشر عليها خارج الدولة الأم التي نشأت فيها، وعدد الفروع التابعة لها حول العالم، وتشير التقديرات إلى أنَّ عدد الشركات متعددة الجنسيات حتى عام 2010 في العالم يبلغ 65000 ويتبع لها حول العالم 850000 شركةً.

2. متعددة النشاطات:

تقوم الشركات متعددة الجنسيات على فكرة تعدد النشاطات التي تعمل بها بحيث الخسارة في نشاط معين يعوضه الربح في نشاط آخر.

3. ضخامة الحجم:

تتميز هذه الشركات بضخامة حجم أعمالها، وتوجد مجموعة من المؤشرات التي يمكن من خلالها الاستدلال على حجم الشركة ومنها: مؤشر حجم المبيعات، ومؤشر حجم الإيرادات، والقيمة المضافة إلى الشركة.

4. التطور التكنولوجي:

تُعَدُّ هذه الشركات الأساس في نقل المعرفة ونشرها؛ الأمر الذي يعمل على تقليص الفجوة المعرفية بين الدول المتقدمة والدول النامية.

5. التحالفات الاستراتيجية التي تقيمها هذه الشركات:

تهدف كل منها للاستفادة من الميزات والامتيازات التي تملكها الشركات الأخرى معها، وتكون أغلب التحالفات بين الشركات التي تتشابه في المنتجات أو الخدمات التي تقدمها وفي بعض الأوقات تأخذ صيغة الاندماج.

6. مزايا احتكارية:

تتمتع الشركات متعددة الجنسيات ببعض المزايا الاحتكارية التي تزيد من قدرتها التنافسية وزيادة أرباحها مثل:

  1. احتكار التكنولوجيا التي تحصل عليها من خلال العمل في مجال تطوير التكنولوجيا بشكل دائم لتلبي المتطلبات المتسارعة.
  2. مزايا إدارية وتنظيمية، مثل توفر هيكل تنظيمي يضمن الانسيابية والسرعة في انتقال المعلومات.
  3. مزايا مالية، مثل توفر العوامل التي تمكِّنها من الحصول على القروض وبشروط جيدة من الأسواق المالية العالمية، ومن هذه العوامل الثقة التي تصنعها بنفسها.
  4. مزايا إدارية، مثل توفير دورات تدريب خاصة أو وجود وحدات متخصصة بالبحوث الإدارية لتطوير عملها دائماً.
  5. مزايا تسويقية: تركز تركيزاً رئيساً على أبحاث السوق بهدف ربط منتجاتها بحاجات المستهلك مباشرة، بالإضافة إلى اختيار أفضل أساليب الترويج والإعلان والدعاية لجذب الزبائن لمنتجاتها وجعله يفضل منتجاتها على منتجات الشركات المنافسة لها.
إقرأ أيضاً: أهمية الامتيازات التي تمنحها الشركات لموظفيها

7. اختيار الكفاءات والخبرات:

تسعى الشركات متعددة الجنسيات دائماً إلى اختيار عامليها في الدول المضيفة من ذوي الخبرات والمهارات المرتفعة بعد إخضاعهم لبعض الاختبارات الضرورية.

8. تعبئة مدخرات السوق العالمية:

من خلال استقطاب الاستثمارات المباشرة وإلزام الشركات التابعة لها بتأمين المشاريع لضمان التمويل اللازم، بالإضافة إلى طرح أسهمها في الأسواق المالية العالمية وغير ذلك.

9. مستويات اتخاذ القرار:

يتحدد نوع العلاقة داخل الشركات متعددة الجنسية من خلال مستوى اتخاذ القرار؛ إذ توجد "القرارات الاستراتيجية" التي تُتخذ من قِبل الشركة الأم حصراً، وتحدد السياسية العامة للشركة وأهدافها، وتضع الخطط التي يجب على الشركة وفروعها اتباعها، وتوجد "القرارات الإدارية" وتُتخذ من خلال التشاور والنقاش بين الشركة الفرعية والشركة الأم، وتشمل موضوعات مثل أمور العاملين ونشاطاتهم، وتوجد "القرارات الخاصة بالعمليات التنفيذية" وتُتخذ من قِبل الشركة الفرعية فقط.

في الختام:

تُعَدُّ الشركات متعددة الجنسيات منظمات اقتصادية عملاقة تتجاوز في نشاطاتها حدود القومية للدول، وتقوم باستثمارات واسعة في الدول الأخرى، وتسعى جاهدة إلى السيطرة على السوق العالمية من خلال امتلاكها للميزة التنافسية، فهي تملك مصادر مالية كبيرة وتحظى بولاء العاملين بها وتمثل صلة وصل بين الدولة الأم والدول التي تعمل بها.

المصادر:

  • أحمد حمصي، الشركات المتعددة الجنسيات وأثرها على الاقتصاد الدولي والمحلي.
  • أحمد عبد العزيز وجاسم زكريا الطحان وفراس عبد الجليل، الشركات المتعددة الجنسيات وأثرها على الدول النامية، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد الخامس والثمانون، العراق، 2010.
  • إسماعيل صبري عبد الله ، الكوكبة ، مجلة الطريق،، 1997 ، العدد 4 .
  • حماني سامية و الجوزي جميلة، دور استراتيجيات الشركات المتعددة الجنسية في اتخاذ القرار في ظل التطورات العالمية المتسارعة، المجلة الجزائرية للعولمة والسياسيات الاقتصادية ، العدد 6، 2015.
  • محمد مدحت غسان، الشركات متعددة الجنسيات وسادة الدولة، دار الراية للنشر والتوزيع، عمان، 2013
  • وردة عطايلية و صفاء مزغيش، الشركات المتعددة الجنسيات، قسم العلوم القانونية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة ماي 1945قالمة.



مقالات مرتبطة