السياسة المالية وأدواتها

تضع جميع دول العالم في الوقت الحالي هدف تحقيق التنمية الاقتصادية نصب عينيها، وتحاول جاهدةً الوصول إليها عبر تسخير كافة الموارد المتاحة أمامها البشرية والمادية، فقد عملت تلك الدول على استخدام استراتيجيات مختلفة أملاً منها في الوصول إلى الاستراتيجية الأفضل التي تتضمن تحقيق ما تسعى إليه من أهداف اقتصادية تحقق بدورها الرفاهية لمجتمعاتهم.



تعتمد الدول في إدارة اقتصادها على مجموعة من السياسات الاقتصادية الكلية؛ إذ تمثل السياسة المالية إحدى أدواتها، فهي تستطيع أن تقوم بالدور الأبرز في تحقيق الأهداف الاقتصادية وحل ما قد يواجه الاقتصاد من مشكلات وعقبات وأزمات يمكن أن تعصف به، وذلك بفضل أدواتها المتعددة.

تطورت هذه السياسة تطوراً كبيراً منذ أن أصدر "جون ماينرد كينز" كتابه "النظرية العامة في العمالة والفائدة والنقود" الذي أكد من خلاله أنَّ آليات السوق غير كافية لا سيما لحل مسألة الكساد وضرورة أن تؤدي الدولة دوراً أكبر في الاقتصاد وانتقالها من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة بالسياسة المالية، ومنذ ذلك الحين أصبحت السياسة المالية تؤدي دوراً محورياً في تحقيق الأهداف التي ينشدها الاقتصاد من تحقيق توازن مالي ونمو واستقرار وتوظيف وإشباع حاجات أفراد المجتمع وإلى ما هنالك من أهداف أخرى.

ما هي السياسة المالية؟

تقوم السياسة المالية على السماح للحكومة بالتدخل بالحياة الاقتصادية؛ إذ يتمثل هدفها الأساسي في تحقيق التوازن في الاقتصاد الذي يتمثل في تحقيق التعادل بين الطلب الكلي والعرض الكلي في ضوء الضغوطات الاقتصادية المتاحة، فالسياسة المالية تتضمن جميع السبل والإجراءات التي تستخدمها الدولة في تخطيط وإدارة نفقاتها وإيراداتها المالية؛ أي التأثير في حركة كل من العرض والطلب، وقد تناولت الأدبيات الاقتصادية تعريفات كثيرة للسياسة المالية نذكر منها:

1. "وجدي حسين" في كتابه "المالية الحكومية والاقتصاد العام":

عرفها بأنَّها مجموعة السياسات المتعلقة بالإيرادات العامة والنفقات العامة بقصد تحقيق أهداف محددة.

2. "محمود حسن الوادي" في كتاب "المالية العامة والنظام المالي في الإسلام":

قال إنَّ السياسة المالية هي سياسة استخدام أدوات المالية العامة من برامج الإنفاق والإيرادات العامة لتحريك متغيرات الاقتصاد الكلي، مثل الناتج القومي والعمالة والادخار والاستثمار، وذلك من أجل تحقيق الآثار المرغوبة وتجنب الآثار غير المرغوبة فيها في كل من الدخل والناتج القومي ومستوى العمالة وغيرها من المتغيرات الاقتصادية.

3. "عبد العزيز فهمي هيكل" في كتاب "موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية":

قال إنَّها ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يتعلق بتحقيق إيرادات الدولة عن طريق الضرائب وغيرها من الوسائل، وذلك بتقرير مستوى ونمط إنفاق الإيرادات.

من خلال ما سبق من حديث عن السياسة المالية نصل إلى القول إنَّها أسلوب أو برنامج تستخدمه الدولة وتدير من خلاله برامج نفقاتها وإيراداتها الموجودين في موازنتها العامة للتأثير في النشاط الاقتصادي وتحقيق النهوض باقتصادها وإشاعة الاستقرار الاقتصادي ودفع عجلة التنمية والتخفيف من الفروق الطبقية بين أفراد المجتمع.

شاهد بالفديو: 10 أمور عليك تجنبها عندما تكون مفلساً

أهداف السياسة المالية:

  1. توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع المختلفة بالشكل الذي يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.
  2. توجيه مسار عملية التنمية الاقتصادية وفق الأهداف المرسومة لها.
  3. ضبط المتغيرات الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي.
  4. تأمين متطلبات تحقيق الاستقرار والتوازن الاقتصادي.
  5. زيادة معدل النمو الاقتصادي.
  6. تحقيق التوظيف الأمثل للموارد الموجودة.
  7. تحسين مستوى دخل الأفراد في المجتمع، ومن ثمَّ تحسين معيشتهم.
  8. زيادة الناتج القومي.

أدوات السياسة المالية:

1. الضرائب:

الضريبة عبارة عن مبلغ من المال نقدي أو عيني تفرضه الدولة بالإجبار على مواطنيها والشركات والمنظمات العاملة على أراضيها دون أن يحصلوا على مقابل مباشر، وذلك بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف مثل:

  • أهداف اجتماعية: إعادة توزيع الثروة وتقليل الفوارق بين الطبقات المختلفة في المجتمع ومحاربة استهلاك بعض السلع الضارة على الإنسان، مثل فرض ضريبة عالية على التبغ وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم.
  • أهداف اقتصادية: تشجيع الادخار وحماية الإنتاج الوطني والتخفيف من حدة التقلبات الاقتصادية في الاقتصاد المحلي، وبالنسبة إلى هدف الضريبة الاقتصادي في البلدان النامية فهو يتمحور تمحوراً أساسياً حول تهيئة الموارد الموجودة وتعبئتها لتوجيهها باتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية.
  • أهداف سياسية: مثل تسهيل التجارة الخارجية مع البلدان الأخرى.
إقرأ أيضاً: كيف تؤثر الأزمات المالية في القوة الشرائية وأسعار العملات؟

أنواع الضرائب:

تتعدد أنواع الضرائب ومنها:

  • الضرائب المباشرة: مثل الضرائب على الدخل والضرائب على رأس المال.
  • الضرائب غير المباشرة: مثل الضرائب على الإنفاق والاستهلاك.
  • نظام الضريبة الواحدة والضرائب المتعددة: يُقصَد بنظام الضريبة الواحدة أن تعتمد الدولة في إيراداتها على ضريبة واحدة رئيسة تمثل النسبة الكبيرة من تحصيل إيراداتها بالضريبة، أما بالنسبة إلى نظام الضرائب المتعددة فيُعَدُّ هذا النظام أكثر عدالة من نظام الضريبة الواحدة؛ إذ يقوم على أساس تنويع الضريبة وتعدد الأوعية الضريبية بحيث تشمل جميع أوجه النشاط البشري.
  • الضرائب على الأشخاص والضرائب على الأموال:

تفرض الدولة ضرائب على الأفراد داخل الدولة، ومن أمثلتها:

  1. ضرائب الرؤوس البسيطة: هي التي تُفرض بسعر واحد على جميع الأفراد بصرف النظر عما يملكون من ثروات أو ما يحققون من دخل.
  2. ضرائب الرؤوس المتدرجة: هي التي تُفرض بالنظر إلى الطبقات الاجتماعية.
  3. الضرائب على رؤوس الأموال: تُفرض الضريبة هنا على رأس المال ذاته سواء أكان ثروة أم دخلاً أم أي شيء آخر.

2. الرسوم المالية:

يمثل الرسم مبلغاً نقدياً يدفعه الفرد جبراً للدولة مقابل انتفاعه بخدمة معينة تقدمها له، وهذه الرسوم لها أنواع عدة منها:

  • الرسوم الاقتصادية: مثل الرسوم مقابل الانتفاع بخدمات الكهرباء أو المياه أو الاتصالات.
  • الرسوم الإدارية: مثل رسوم الدخول إلى الأماكن العامة.
  • الرسوم القضائية: الرسوم التي يجب على الأفراد دفعها حين يلجؤون إلى القضاء لحل نزاع بينهم.
  • الرسوم الجمركية:

هي الرسوم التي تقوم الدول بفرضها على الواردات إليها عندما تدخل إلى الأراضي التابعة لها، وهي على نوعين:

  1. الرسوم الجمركية القيمية: هي التي تُفرض بقيمة معينة على سلع الواردات.
  2. الرسوم الجمركية النوعية: هي التي تُفرض على سلع الواردات، وتختلف قيمتها باختلاف السلعة، وبعض الدول تقوم بمنح الإعفاءات من الرسوم الجمركية تشجيعاً للاقتصاد أولاً ولتحقيق أهداف سياسية ثانياً.

3. الإتاوة:

الإتاوة هي مبلغ تفرضه الدولة بالإجبار على أصحاب العقارات نتيجة استفادتهم من الخدمات التي تقدمها الدولة وأدت إلى ارتفاع في قيمة العقارات التي يملكونها، ومن أمثلتها شق الطرق وتوصيل الكهرباء وشبكات المياه وحفر القنوات لري الأراضي الزراعية وغير ذلك.

4. الغرامة:

هي المبالغ التي تقوم الدولة بفرضها بحق المخالفين للقوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة أو مخالفة العرف السائد، وقد تكون غرامة عينية أو نقدية.

السياسة المالية

5. القروض العامة:

هي عبارة عن مبالغ مالية تقوم الدولة باقتراضها من الجهات الأخرى، وهذه القروض لا تُعَدُّ مصدراً رئيساً لإيرادات الدولة، كما أنَّها لا تُعَدُّ مصدراً طبيعياً للإيرادات؛ بل هي عبارة عن إيراد استثنائي تلجأ إليه الدولة في ظروف غير طبيعية وفي حالات الضرورة القصوى، وتوجد أنواع عدة من القروض هي:

القروض الداخلية:

هي القروض التي تحصل عليها الدولة من الأشخاص المقيمين على أراضيها، وهنا تستطيع الدولة وضع الشروط التي تراها مناسبة في القرض وتقدم المزايا التي تشجع المواطنين على الاكتتاب.

القروض الخارجية:

هي القروض التي تحصل عليها الدولة من شخص اعتباري أو طبيعي خارج أراضيها أو عن طريق دول أجنبية.

القروض الاختيارية:

هي عبارة عن عقد بالتراضي بين المتعاقدين، ويوجد نوعان من القروض الاختيارية؛ الأول هو القروض الوطنية، وهنا تعول الدولة على انتماء مواطنيها وحسهم الوطني؛ إذ تطرحها عليهم بناءً على ذلك، والنوع الثاني هو القروض التجارية وهي التي تقدم الدولة من خلالها فوائد ومزايا خاصة للمكتتبين.

القروض الإجبارية:

هي القروض التي تفرضها الدولة بالإجبار على رعاياها مقابل تعهدها بالسداد في الوقت المناسب، وتلجأ الدولة إلى هذه القروض في الظروف الاستثنائية كالحروب والأزمات.

القروض العمرية:

هي التي ترتبط بعمر المقرض وتكون الدولة ملزمة بتقديم مقابل للمقرض مقابل الأموال التي اقترضتها منه.

القروض المؤبدة:

هي القروض التي لا تحدد فيها الدولة مدة محددة للسداد، لكن تدفع فائدة مقابلها، وهنا لا يستطيع المقرض مطالبة الدولة بالسداد ويملك حق المطالبة بالحصول على الفائدة فقط.

القروض لأجل:

هي العقود الطارئة التي تنجزها الدولة لمدة معينة ينقضي الدين في نهايتها، وقد تكون مدتها شهراً أو سنة أو تصل إلى عشر سنوات، وسندات الخزينة مثال عن هذا النوع من القروض.

القروض المثمرة:

هي القروض التي تقوم الدولة بإنفاقها على المشاريع الاستثمارية وتحصل من خلالها على إيرادات تسدد أصل الدين وفوائده.

القروض العقيمة:

هي القروض التي تقوم الدولة بإنفاقها على مشاريع لا تأتي إليها بإيرادات، لكن لها فوائد على المجتمع.

إقرأ أيضاً: 5 طرق للاستفادة من الائتمان التجاري

في الختام:

إنَّ مجريات الأحداث الاقتصادية التي تعصف باقتصاديات الدول جعلت للسياسة المالية وأدواتها مكانة هامة في علاج الأوضاع الاقتصادية المختلفة، فالسياسة المالية هي مجموعة من الأدوات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة للتأثير في الاقتصاد القومي ومواجهة المتغيرات الاقتصادية على المستوى الكلي والمحافظة على استقراره وضمان تحقيق معدلات نمو مناسبة وكل ما من شأنه تحقيق الأهداف الاقتصادية الأساسية للدولة.




مقالات مرتبطة