السلامة والصحة المهنية في المنظمات

السلامة والصحة المهنية إحدى الموضوعات التي طال نقاشها عبر الزمن وظلت محور اهتمام كل من العاملين والنقابات العمالية وأصحاب العمل على السواء، فهذا الموضوع يمثل جانباً هاماً من الجوانب الإنسانية والأخلاقية، فمهما وجدت خلافات بين العاملين وأصحاب العمل فيوجد دائماً هدف واحد يجمعهم هو استمرار المنشأة بالعمل.



السلامة والصحة المهنية للعاملين هي من أبرز العوامل التي تسهم في تحقيق هذا الهدف، إضافة إلى تحسين سمعة المنظمة كذلك، فالسلامة والصحة المهنية هي قناع العامل ضد أخطار العمل المحدقة به لا سيما في بعض المهن التي تحمل معها الخطورة كأعمال البناء مثلاً.

في الواقع المراقب لقضايا الصحة والسلامة في المنشآت والمنظمات المختلفة يلاحظ الحجم الكبير من المخالفات لقواعد الصحة والسلامة، فلقد زادت الأخطار التي تحيط بالإنسان العامل ولا سيما مع تطوُّر الحياة وتعقُّدها وتعقُّد المنشآت الصناعية التي يختلف نمط الحياة بها عن الحياة العادية.

هناك حيث يعمل الإنسان بين مواد متعددة منها السام ومنها الخانق ومنها الحارق، وهناك حيث الآلات الحادة والضاغطة، ناهيك عن التيار الكهربائي الذي يمكن أن يسبب الصدمات الكهربائية أو الحرائق في أيَّة لحظة وعند اقتراف أدنى خطأ، وبسبب هذه المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها العامل في أماكن العمل والتي لا ينحصر تأثيرها فيه فقط؛ بل في أسرته ومجتمعه بالأكمل، كان لا بد من اتخاذ الإجراءات التي تضمن المحافظة على صحة وسلامة تلك القوى العاملة.

أولاً: مفهوم الصحة والسلامة المهنية

تمثِّل القوى العاملة الركيزة الأساسية في عمل وإنتاج المنظمات والمنشآت على الرغم من التطور الهائل في أساليب وطرائق العمل، وليست المنظمات بمنأى عن الحوادث وإصابات العمل، فقد تؤدي بعض تلك الإصابات إلى التسبب بعاهات دائمة أو عجز أو وفاة، وبالمقابل يمكن أن تتسبب تلك الحوادث بالخسارة للمنشأة سواء لدفع العطل والضرر للعمال أم تعطُّل وتلف الآلات وتوقفها عن العمل، وبسبب الوازع الإنساني العاطفي أولاً واستجابة لضرورات الإنتاج ثانياً ازداد الاهتمام بموضوع الصحة والسلامة المهنية.

السلامة والصحة المهنية في أبسط معنى لها تعني توفير ظروف العمل الآمنة للحفاظ على عناصر الإنتاج الثلاثة وهي الإنسان والآلة والمادة، فالصحة هي الحالة الإيجابية من السلامة والكفاية البدنية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد الخلو من المرض أو العجز، أما السلامة المهنية فتعني حماية جميع عناصر الإنتاج من الضرر الذي تسببه لهم حوادث العمل، وفي مقدمة هذه العناصر العنصر البشري.

الصحة المهنية هي حماية الإنسان من كافة الأمراض الجسدية والنفسية التي من المحتمل أن يصاب بها في بيئة العمل، ويشمل مصطلح الأمراض المهنية جميع الأمراض التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأعمال المهنية والتي تنتج عن تعرُّض الفرد لظروف عمل سيئة، مثل الإشعاعات واستنشاق الأبخرة السامة والتهوية السيئة والبرودة أو الحرارة وإلى ما هنالك من هذه العوامل.

تتفق كل من منظمة العمل الدولية (ILO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) في تعريف الصحة والسلامة المهنية على أنَّه العلم الذي يهدف إلى الحفاظ على أعلى درجة ممكنة من سلامة العاملين البدنية والعقلية، وكذلك تحقيق الرفاه الاجتماعي للعاملين في جميع المهن، مع منع الانحرافات الصحية التي تسببها ظروف العمل، وتَعُدُّ منظمة الصحة العالمية (WHO) أنَّ مسؤولية تطبيق السلامة والصحة المهنية تقع على الجميع.

إذاً فالسلامة والصحة المهنية مجال يهدف إلى حماية مختلف الفئات العمالية وحماية عناصر الإنتاج الأخرى من الأخطار الصحية الآنية أو بعيدة الأمد، من خلال اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة لتوفير بيئة عمل آمنة خالية من مسببات الحوادث تنعدم فيها الأمراض المهنية وتنتفي فيها حالات ضياع الأموال، فالصحة والسلامة المهنية تمثل الدرع الواقي الذي يحتاجه كل من العمال وأرباب العمل في عملهم في المنظمات.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لحماية الصحة والحفاظ على السلامة في العمل

تعمل أنظمة الصحة والسلامة المهنية وفق نظامين متكاملين هما:

  • السلامة المهنية التي توفر للعاملين الوقاية من إصابات العمل.
  • التأمينات الاجتماعية بأنواعها (تأمين إصابة العمل وأمراض المهنة، والتأمين الصحي لتأمين الوسائل العلاجية في حالات المرض والإصابات، وتأمين البطالة الذي يقدَّم للفرد في سن العمل والراغب بالعمل لكن لا يجده).

ثانياً: الأسباب الموجبة للاهتمام بقواعد الصحة والسلامة المهنية في المنظمات

1. الأسباب الإنسانية:

كان الاهتمام بالإنسان ورفاهيته هو بداية الاهتمام بقواعد الصحة والسلامة المهنية، وذلك بالنظر إلى الإصابات والأمراض التي يمكن أن تصيب العامل وتلحق الأضرار الجسدية والنفسية والاجتماعية به، فقد يترتب على الحوادث إصابات بعجز كلي أو جزئي أو الإصابة بمرض مزمن لا شفاء منه وغيرها من الإصابات التي لن يساوي ألم المعاناة منها أي تعويض مادي.

كما تسبب تلك الحوادث حالات نفسية لا تُحمد عقباها فالقلق والتوتر والخوف الدائم من ممارسة عمل في بيئة خطيرة لن يدعوا العامل يعيش حياة سعيدة أو يكون متحمساً أو راضياً للذهاب إلى العمل، ويضاف إلى تلك الآثار الأثر الاجتماعي، فموت الأفراد والإعاقات والأضرار الصحية المختلفة تُحدث آثاراً سلبية في الوضع الاجتماعي للفرد نفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه، فإصابة عامل هو مصدر الرزق الوحيد لعائلة سوف يشتت العائلة ويجعلها في حالة ضياع.

2. الأسباب الاقتصادية:

توجد مجموعة من العوامل الاقتصادية التي توجه الاهتمامات نحو الصحة والسلامة المهنية، فبالنسبة إلى المنظمة يترتب على الحوادث انخفاض في الإنتاجية وارتفاع تكاليف التشغيل، الأمر الذي يحمِّل المنظمة أعباء مالية ضخمة من الممكن تلافيها فيما إذا تمت مراعاة قواعد السلامة المهنية فيها.

على مستوى الاقتصاد الوطني ينعكس انخفاض الإنتاج في المنظمات والمنشآت وخسارة اليد العاملة لا سيما الخبيرة والماهرة منها، فكلها تؤدي دوراً في انخفاض الناتج الوطني، وكمثال يمكن ذكره هنا، في عام 1984 قُدِّرَت تكاليف حوادث العمل والأمراض المهنية في "إنجلترا" بـ 1200 مليون جنيه إسترليني؛ أي ما يقابل 7.8% من الناتج القومي.

3. التقليل من معدل دوران العمل وانخفاض معدل الغياب:

الاهتمام بالصحة والسلامة المهنية يقوِّي الشعور لدى العمال بأهميتهم في المنظمة، وهذا يحقق لديهم الرضى الوظيفي وارتفاع معنوياتهم وتمسكهم بالعمل الذي يقومون به، كما أنَّ تحسُّن ظروف العمل والتقليل من الحوادث يساهمان في تخفيض أيام غياب العمال.

4. سمعة المنظمة:

تسعى المنظمة طيلة فترة عملها إلى تحسين مركزها في السوق واكتساب السمعة الطيبة بين عملائها؛ لذا فإنَّ الاهتمام بالصحة والسلامة المهنية يؤدي إلى سمعة جيدة للمنظمة مقابل المنافسين ويحسن علاقاتها مع محيطها الذي تعمل به.

ثالثاً: مهام قسم الصحة والسلامة المهنية في المنظمات

عادةً ما يوجد قسم في كل منظمة مسؤول عن الصحة والسلامة المهنية فيها، ويقع على عاتقه مجموعة من المهام يجب عليه القيام بها بإتقان؛ وذلك بهدف الحد من حوادث العمل والأمراض المهنية والمحافظة على المنظمة وعامليها، ومن ضمن هذه الأعمال:

  1. القيام بالدراسات النفسية والاجتماعية والصحية للعاملين بهدف تقسيم العمال إلى فئات حسب السن والحالة الصحية.
  2. دراسة المواد المستخدمة في الإنتاج وتأثيراتها المحتملة في صحة العاملين ووضع السبل الكفيلة لدرء خطرها ووضع تعليمات التعامل معها.
  3. دراسة طبيعة عمل الآلات وأخطارها المحتملة والحرص على مراقبتها باستمرار للتأكد من صيانتها وجاهزيتها لتجنُّب حوادث العمل.
  4. دراسة بيئة العمل والتغيرات التي تصيبها، والعمل على تحسينها باستمرار وبالشكل الذي يدفع العامل باتجاه الرضى الوظيفي.
  5. دراسة الوظائف الموجودة في المنظمة بدقة وتحديد المواصفات المطلوبة للعامل فيها.
  6. دراسة الوسائل العلاجية والوقائية المتوفرة في المنظمة.
  7. إعداد البرامج التدريبية للتعريف بالصحة والسلامة المهنية وبيان واجبات المنظمة وحقوق العمال في هذا المجال.
  8. تشكيل اللجان الصحية في المنظمة التي تمثل صلة وصل جيدة بين الإدارة والعمال، ومن أهم المهام التي يجب أن توكل إليها دراسة التقارير الطبية المرفوعة إليها بكل أمانة لتقديم الحلول المتاحة ومحاولة تجنب تكرار الحوادث.
إقرأ أيضاً: قيمة البرامج الصحية في مكان العمل

رابعاً: هل تعلم؟

يمثل يوم 28 من شهر نيسان/ أبريل اليوم الرسمي للحداد في "كندا" على العمال الذين قتلوا وجرحوا بسبب العمل، وانتشر ذلك من "كندا" إلى أكثر من 80 دولة حول العالم.

إقرأ أيضاً: السلامة العاطفية والعمل: هل وظيفتك تناسبك؟

في الختام:

تسعى المنظمات جاهدة إلى المحافظة على مواردها عامة ومواردها البشرية خاصةً؛ وذلك من خلال العمل على توفير بيئة عمل آمنة وخالية من جميع المخاطر والأمراض التي تهدد حياة وصحة العمال وتضعف قدرات المنظمة الإنتاجية؛ لذا لا بد لكل منظمة تريد الارتقاء بعملها وتحسين سمعتها إلى وضع برامج الصحة والسلامة المهنية بوصفها أصبحت ضرورة لا غنى عنها في تعزيز الوعي على نطاق واسع لتحسين ظروف العمل وتوفير الأمان والسلامة المهنية.

السلامة المهنية هي ليست مسؤولية فردية؛ بل مسؤولية جماعية يتحملها كل فرد من موقعه، فالإنسان هو اللبنة الأولى في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي يجب إيلاؤه أكبر قدر من الاهتمام والعناية المستمرة وإعطاؤه مختلف حقوقه في العمل بدءاً من حسن المعاملة وانتهاءً بأمنه الكامل.




مقالات مرتبطة