السلام الداخلي والتصالح مع الذات

يمر الإنسان في حياته بالكثير من التجارب التي يضيف كل منها إلى ذاته شيئاً ما، فبعضها يترك الحزن أو الندم أو الإحباط وبعضها يترك الفخر أو الفرح، ليصبح الإنسان مع مرور الزمن محملاً بالكثير من المشاعر والأحاسيس منها ما يدفعه إلى الأمام ومنها ما يحبطه ويدفعه إلى الفشل لعدم ثقته بقدرته على النجاح، إضافة إلى أنَّ البيئة المحيطة بالإنسان تنقل إليه صفات سلبية وطريقة تفكير خاطئة دون الشعور بذلك.



كل ما سبق يعوق وصول الإنسان إلى السكينة والراحة النفسية، ومن ثمَّ يعوق سعادته في الحياة وتمتعه بما يمتلك من جوانب إيجابية حتى قد لا يلاحظ وجودها، فما هو الحل عندها؟ الحل هو السعي الدائم نحو التصالح مع الذات بما تمتلك من عيوب وإيجابيات للوصول إلى السلام الداخلي على الرغم من الخراب المحيط، وهذا ما سنشرحه لك في مقالنا الحالي.

مفهوم السلام الداخلي والتصالح مع الذات:

السلام الداخلي:

هو غياب الصراع والازدواجية بين خارج الإنسان وداخله، فكل ما يقوم به من تصرفات أو ردود أفعال متناغم جداً مع أفكاره ومشاعره، فالتكوين العقلي والروحي متفقان بشكل لا محدود.

التصالح مع الذات:

يُعرَّف بأنَّه القناعة والرضى بما أعطاه الله تعالى للإنسان من مزايا وعيوب أيضاً، فالإنسان المتصالح مع نفسه قادر على التحدث عن أخطائه والاعتراف بها دون خجل أو خوف من الآخرين، فهو يدرك نقاط ضعفه ويتقبلها.

الأطفال هم أفضل مثال عن الشخص المتصالح مع ذاته الذي يتمتع بالسلام الداخلي، فهم قادرون على التعبير عن رغباتهم الحقيقية وآرائهم الصريحة دون حرج أو خوف من الآخرين، ولكنَّ العوامل الخارجية التي تحيط بنا أفسدت هذه الفطرة.

فوائد السلام الداخلي والتصالح مع الذات:

فوائد السلام الداخلي والتصالح مع الذات كثيرة ولا تعود على الفرد فقط؛ إنَّما تنعكس إيجاباً على المجتمع الذي يعيش فيه، ومن هذه الفوائد نذكر ما يأتي:

1. حرية التعبير عن الرأي:

فلا يوجد خوف من التصريح برأي مغاير للآخرين ودون التفكير بالانتقادات التي سيتم تلقيها.

2. الإرادة القوية والتصميم:

تأتي من معرفة نقاط الضعف جيداً والعمل على تحويلها إلى نقاط قوة، ومن ثمَّ القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة مهما كانت صعبة وبأسرع وقت أيضاً، ويرتبط ذلك بمشاعر التفاؤل دائماً.

3. العفو والمسامحة:

إذ يكون الفرد قادراً على غفران أخطاء الآخرين وعدم التوقف عندها والاستمرار بالمسامحة، كما أنَّه سيكون بعيداً عن الظنون السيئة بالآخرين؛ إنَّما يضع المبررات المنطقية دائماً في حال صدر عنهم أي تصرف مسيء.

4. تقبُّل الذات:

هي من الصفات الهامة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، فجميعنا نمتلك مزايا وعيوباً، لذلك الإنسان المتصالح مع نفسه لا يتأثر بانتقادات الناس المتعلقة بشكله مثلاً؛ بل يتقبل ذاته ويرضى بها ويبتعد عن محاولة إقناع الآخرين به أو محاولة التغير لكسب حب وود شخص ما.

5. الحكمة والتريث:

ذلك ما يتسبب في نجاح القرارات التي يتخذها الإنسان، فهو يفكر جيداً ويأخذ الوقت الكافي قبل إصدار أي حكم، وهذا يجعله كثيراً ما يسلم من الأذى والضرر المتوقع حدوثه.

6. الثقة العالية في النفس:

نتيجة معرفة المزايا والمهارات والقدرات التي يتمتع بها الفرد جيداً، إضافة إلى المحاولة الدائمة لتنمية المواهب ولتعلُّم مهارات جديدة كي يتمكن من التقدم في الحياة دون التفكير بالآراء السلبية التي قد يوجهها المحيط إليه.

7. التغلب على الصعوبات:

الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب، ولكنَّ المتصالح مع ذاته الذي يعيش سلاماً داخلياً قادرٌ على التخلص من المشكلات وتفاديها قدر الإمكان وبهدوء وحزم بعيداً عن القلق والتوتر والخوف من الفشل أو من الآخرين، كما أنَّ السلام النفسي يفتح لعقله الآفاق الواسعة التي تجعله يفهم المواقف التي يمر بها فهماً صحيحاً، ومن ثمَّ لا يمكن لأي أحد التلاعب بمشاعره أو خداعه.

8. تقديم المساعدة للآخرين:

حتى عند عدم طلبهم لذلك، فنجده يبادر إلى تقديم المساعدة إن رأى محتاجاً إليها؛ وذلك لأنَّه يؤمن بأنَّ صلاح المجتمع وتقدمه يكون بمساعدة الجميع لبعضه بعضاً كي تعم الفائدة، فلا يبخل على زميله في العمل بمعلوماته وبالخبرات التي أخذها من تجاربه السابقة خوفاً من ترقِّيه؛ إنَّما يؤمن أنَّ كل إنسان لديه قدرات مميزة عن غيره.

9. مدُّ الناس بالطاقة الإيجابية:

هو يسعى إلى جعل المحيطين فيه يصلون إلى سلامهم الداخلي أيضاً، لذلك يعمل على إخراج المكتئب أو المحبط من حالته النفسية السيئة، ويحاول إعادة شحنه بالمشاعر الإيجابية كي يتغلب على الفترة الصعبة التي يعيشها.

شاهد: 9 قواعد مهمة لتنعم بالسلام الداخلي

كيفية الوصول إلى السلام الداخلي والتصالح مع الذات:

على الرغم من أنَّ العوامل الخارجية التي تحيط بالإنسان تجعله يفقد الفطرة الأصلية له كما قلنا، ولكنَّه قادر على إعادة المحاولة مراراً وتكراراً للوصول إلى الشعور بالسلام الداخلي والتصالح مع الذات.

الخطوات الآتية ستفيد جداً في استعادة السلام الداخلي والتصالح مع الذات:

أولاً: تقبُّل نفسك

إنَّ تقبلك لذاتك هو أولى الخطوات وأهمها في طريق السلام الداخلي والتصالح مع الذات، ويحتاج ذلك إلى اتباعك النصائح الآتية:

1. حدد صفاتك الشخصية:

فمثلاً يمكنك وضع جدول بحقلين أحدهما الصفات الإيجابية ضع فيه كل الصفات التي تحبها بنفسك وتفتخر بها، وفي الحقل الثاني دوِّن جميع الصفات السلبية التي تشعر بالخجل من إظهارها للآخرين وتخشى من انتقادات الآخرين لك بسببها.

2. أعد صياغة الصفات السلبية على أنَّها صفات إيجابية:

أي عليك إيجاد إيجابيات أيَّة صفة تكرهها بنفسك، وعليك مسامحة نفسك على جميع الأخطاء السابقة وعَدُّها تجارب ساعدت على نضجك وزيادة وعيك؛ وذلك لأنَّ جلد الذات عائق في طريق السلام الداخلي.

3. حدد أهدافك المستقبلية:

وخاصة التي تحتاج إلى الوقت لتتحقق مثل تعلُّم العزف، كي تحدد ما هي الخطوات التي يحتاجها الهدف ليتحقق وتبدأ بها رويداً رويداً، فمثلاً تخفيض الوزن يحتاج إلى ممارسة التمرينات الرياضية واتباع نظام غذائي متوازن، وذلك لا يمكن أن يحدث سريعاً؛ إنَّما يحتاج إلى فترة من الزمن.

4. ركِّز على الأشياء التي تشعر بالامتنان لأجلها وليس على الأشياء التي يمتلكها غيرك وأنت مفتقد إليها:

فمثلاً امتلاكك شهادة تعليمية مميزة وعملاً جيداً وأسرة تعيش معها وأصدقاء مخلصين لك نِعَمٌ عليك الشعور بقيمتها قبل خسارتها، فقد يهمل بعض الناس تلك النِعَم وينظر إلى جاره بحسد لأنَّه يمتلك سيارة حديثة دون أن يفكر أنَّ جاره يعيش وحيداً بعد موت والديه مثلاً.

5. ركز على ما يمكنك التحكم به:

فمثلاً أنت قادر على التميز في عملك من خلال بذل جهود مضاعفة واتباع دورات تدريبية، ولكنَّك غير قادر على جعل مديرك يحبك، وأيضاً بدلاً من تذمرك من الازدحام المروري اليومي عليك الخروج في وقت أبكر مثلاً لتفاديه، فكل ما لا تستطيع تغييره عليك تقبله كما هو وترك الأمر يمر دون استنزاف مشاعرك.

ثانياً: الوصول إلى الوعي التام

هنا نقصد الوعي بنفسك وبما يحيط بك أيضاً، ويتم ذلك من خلال ما يأتي:

1. ركز على اللحظة التي تعيشها الآن بدلاً من العيش ضمن الماضي والتفكير فيه:

وذلك لأنَّ الماضي لا يخلو من الأحداث المحزنة والخيبات التي تعيد المشاعر السلبية إلينا كلما فكرنا بها، إضافة إلى المواقف التي قد نندم عليها.

أما التفكير في المستقبل فهو مرتبط بالتوتر غالباً نتيجة الخوف والقلق مما قد يحدث ومن الصعوبات التي ستواجهنا، لذلك قدِّر اللحظة الحالية فقط وافرح بالإيجابيات التي تحدث حولك.

2. انتبه إلى أفكارك التي تدور في ذهنك:

كي لا تسمح لها بالسيطرة عليك إن كانت سلبية، فمثلاً إن كنت أمام النافذة فأشغل نفسك بالنظر إلى السماء الزرقاء وتخيل نفسك متمدداً أمام البحر وتستمتع بحرارة الشمس اللطيفة، فالتخيل قادر على مواجهة الأفكار السيئة والتغلب عليها.

ثالثاً: ممارسة التأمل

ذلك لأهمية التأمل في التخلص من الخوف والقلق والتوتر إضافة إلى ضبط العواطف والأفكار ومنح الإنسان الهدوء ليصبح أكثر رزانة وحكمة، ويمكنك التأمل باتباع التعليمات الآتية:

1. اختر مكاناً هادئاً:

وذلك لأنَّ البيئة المناسبة هي أساس نجاح التأمل والاستفادة منه، فمثلاً الجلوس في حديقة هادئة أو على شاطئ البحر، وغالباً ممارسته قبل النوم مناسبة أكثر.

2. ابتعد عن كل مشتتات الذهن:

فيجب أن تجلس وحيداً والأفضل إغلاق النوافذ والأبواب وتجنب الأصوات الصاخبة واختيار ضوء مناسب كضوء الشموع مثلاً، ويمكنك الاستماع لموسيقى هادئة وبصوت منخفض.

شاهد أيضاً: 10 نصائح للحصول على الراحة النفسية

3. أغمض عينيك لأنَّ ذلك يساعد على التركيز:

وحاول ألا تفكر بأي شيء يزعجك، ويفضَّل أن تتخيل نفسك في مكان تحبه أو مكان آمن، وحاول الإحساس بالمشاعر المرتبطة بوجودك بذلك المكان، وتخيل أيضاً أنَّ جميع المشكلات قد انحلت حتى الصعبة منها التي تحتاج إلى معجزة، فتخيل أنَّ المعجزة قد حدثت، ويمكنك إبقاء عينيك مفتوحتين وتأمل لوحة أو تمثال مثلاً فذلك يمنحك شعوراً بالإعجاب والسعادة والحرية.

4. استخدم طرائق أخرى للتأمل:

كاليوغا والكيجونج وهو أحد العلاجات الصينية، أو التاي تشي وهو من الفنون الصينية القتالية، فكل ما سبق له دور في زيادة الهدوء والحضور الذهني والاسترخاء وتعزيز الصحة.

رابعاً: الالتزام بالأخلاق الحميدة

إذ إنَّ الالتزام بالقيم والمبادئ والأخلاق الحميدة مثل الإخلاص والصدق والابتعاد عن الغيبة والنميمة والوفاء والتسامح والعدل، يساعد على زيادة الرضى عن النفس والابتعاد عن القلق والتوتر والخوف من ظلمك للآخرين.

إقرأ أيضاً: 10 علامات تدل على أنك تعيش حياة صادقة مع نفسك

خامساً: فعل ما ترغب فيه

التردد في إظهار الرغبات خوفاً من الآخرين يتسبب في تخليك عن أبسط حقوقك، فمثلاً إن كنت لا ترغب في الخروج في رحلة مع الأصدقاء والبقاء في المنزل فأفصح عن ذلك، وإن كان أحد الأصدقاء يتصل بك كثيراً ويتسبب في إضاعة وقتك فأخبره أنَّ مكالماته تمنعك من إتمام عملك حتى إن أحزنه وضوحك.

إقرأ أيضاً: قبول الذات هو الطريق نحو السلام الداخلي

في الختام:

السلام الداخلي والتصالح مع الذات هو أولى الخطوات التي تجعل حياة الفرد أبسط وأسهل وأنجح أيضاً؛ إذ يصبح الإنسان متقبِّلاً لنقاط ضعفه وفخوراً بنفسه كما هي، وهذا يجعله متقبلاً للآخرين أيضاً بعيوبهم ومزاياهم وأكثر تسامحاً في التعامل معهم، كما أنَّه يصبح أكثر حكمة ووعياً، وهذا هو السبيل نحو النجاح في مختلف مجالات الحياة.

لتحقيق السلام الداخلي والتصالح مع الذات يجب تقبُّل الذات كما هي والامتنان لكل الصفات الإيجابية، أما السلبية فيجب تحويلها إلى إيجابية أيضاً من خلال إيجاد ما يفيد فيها، إضافة إلى السعي إلى زيادة الوعي بالنفس وبالمحيط، ولا تنسَ أهمية ممارسة التأمل في الوصول إلى السلام الداخلي، وذلك بعد إيجاد البيئة المناسبة البعيدة عن التشتت.

من الهام أيضاً الالتزام بالأخلاق الحميدة التي تجعل الإنسان يعامل الآخرين أفضل معاملة، ومن ثمَّ رضاه عن نفسه سيكون في أعلى درجاته، وتذكَّر أنَّ راحتك النفسية هي الأهم، لذلك ابتعد عن كل ما يزعجك.




مقالات مرتبطة