السخاء العاطفي الجزء الأول

يقول الكاتب "بيتون كونواي مارش" (Peyton Conway March): "يوجد قانونٌ رائعٌ في الطبيعة يوضِّح أنَّنا لا نحقق السعادة والحرية وراحة البال - وهي أكثر الأشياء التي نتوق إليها في الحياة - إلا عندما نهبها لشخص آخر". يقول الكاتب "بيتون كونواي مارش" (Peyton Conway March): "يوجد قانونٌ رائعٌ في الطبيعة يوضِّح أنَّنا لا نحقق السعادة والحرية وراحة البال - وهي أكثر الأشياء التي نتوق إليها في الحياة - إلا عندما نهبها لشخص آخر".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية الكرم العاطفي.

هل تمدح الناس كثيراً؟ هل تمدحهم أصلاً؟ هل ترى صفات الآخرين الإيجابية أم تتكلم عن عيوبهم فقط؟ هل تسعى إلى إسعاد الناس من حولك أم أنَّك تهتم بإسعاد نفسك فقط؟

السخاء والبخل العاطفي:

يعني الكرم العاطفي جعل الآخرين يشعرون بالتفاؤل دون توقع أي شيء في المقابل، ويمنح الأشخاص الكرماء عاطفياً السعادة والحب والمشاعر الإيجابية للآخرين باستمرار دون توقع أي شيء في المقابل، إنَّهم يفكرون دائماً في كيفية جعل الناس من حولهم يشعرون بسعادةٍ أكبر، ويحبون مدح الآخرين، ومكافأتهم، وتقدير مواهبهم وإمكاناتهم من بين تصرفاتٍ إيجابيةٍ أخرى.

أما البخلاء عاطفياً لا يتقبلون المشاركة والعطاء، إنَّهم يترددون في مدح الآخرين، وغالباً ما يقيِّمونهم تقييماً صارماً قبل إبداء الاهتمام، كما يطلقون كثيراً من الأحكام وينتقدون تصرفات الآخرين، ولا يشجعون ولا يدعمون ولا يتعاطفون مع الآخرين عندما يحتاجون إليهم، وإنَّ الاعتماد عليهم فكرةٌ سيئة جداً؛ لأنَّك ستشعر بالسوء تجاه نفسك في نهاية الأمر.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي بين الزوجين وخطوات الوصول إلى علاقة زوجية ذكية عاطفياً

أسباب البخل العاطفي:

يميل الأشخاص الجشعون إلى التصرف بهذه الطريقة بسبب واحد أو أكثر من الأسباب الآتية:

1. النقص:

إنَّهم يفتقرون إلى السعادة، ولهذا ليس لديهم أي مشاعر إيجابية يشاركونها، فهم عالقون في شباك التفكير السلبي في معظم الوقت، ما يشغلهم عن التفكير في الآخرين.

2. البؤس:

إنَّهم بائسون ويريدون أن يصبح الآخرون مثلهم أيضاً، ففي النهاية، لا يُفضل البائس أن يبقى وحيداً في بؤسه.

3. الأنانية:

لا يريدون أن يحظى الآخرون بما حصلوا عليه بأنفسهم، فالأشياء القليلة التي لديهم قد عملوا بجد للحصول عليها؛ لذلك لا يعتقدون أنَّه من العدل أن يحصل الآخرون على نفس الأشياء.

4. الغرور:

بالنسبة إليهم، فإنَّ مدح شخص ما يعني الاعتراف بأنَّه متفوق، وهذا يعني الاعتراف بأنَّهم ليسوا بنفس المستوى.

5. التنافسية:

إنَّهم يرون جميع الناس منافسين لهم ولا يريدون مشاركة ما لديهم.

6. الخوف:

بالنسبة إليهم، إنَّ الطيبة تعني التواضع وإظهار العواطف بصدق؛ لذا هم يخشون أن يتأذوا إذا لم يرد الناس لطفهم.

7. عقلية المحصل الصفري:

لديهم اعتقاد بأنَّ كل ما يكتسبه المرء يفقده آخر، ويعتقدون أنَّهم إذا شاركوا ما لديهم، لن يبقى لديهم إلا القليل لأنفسهم، وبالنسبة إليهم، لن يفوز إلا شخصٌ واحد، بينما يخسر الآخرون.

لسوء الحظ، أصبح البخل العاطفي شائعاً جداً في مجتمع اليوم، فنحن نضطر باستمرار إلى التنافس مع الآخرين، ونُقيَّم دائماً وفق معايير مثاليةٍ لا حصر لها؛ لذا يتعلم الناس الاهتمام بمصالحهم فقط، وإهمال الآخرين، والغرور هو عنوان حياتنا اليوم؛ إنَّنا جميعاً في سباق ونسعى فقط إلى الفوز وهزيمة الآخرين.

هؤلاء الأشخاص يرفضون تقديرك أو تشجيعك، وبدلاً من ذلك ينتقدون كل خطأ ترتكبه، إنَّهم يحكمون عليك قبل أن يعرفوا مشاعرك، بل لا يهتمون حتى بمشاعرك لأنَّك لا تعنيهم في المقام الأول، وإذا تعاملت في يومٍ من الأيام مع هؤلاء الأشخاص، ستعرف أنَّه أمر مرهقٌ للغاية.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

البخل العاطفي في حياتي:

الحقيقة هي أنَّني عندما كنت أصغر سناً، كنت حقاً بخيلة العواطف، لطالما شعرت أنَّني في منافسة مع الآخرين من حولي، وهي عقلية تغذيها المدارس والأقران والمعلمون، وأخذها تفكيري المثالي إلى أقصى الحدود، ففي المدرسة، وبَّخنا المعلمون دائماً على أي خطأ بسيط وحكموا علينا، بينما كانوا يستخفون بالأداء الجيد.

بين زملائنا في الفصل، تعلمنا أن ننظر إلى بعضنا بعضاً على أنَّنا متنافسون، بسبب هيكلية التعليم في مجتمع اليوم، فيمكن لعدد محدد من الطلاب الالتحاق بالكلية، ويمكن لشخص واحد فقط أن يكون أفضل طالب، وما إلى ذلك.

كان لدي أيضاً عقلية أنانيةٌ بعض الشيء، فاعتقدت أنَّني إذا شاركتُ ما لدي مع الآخرين، سأحظى بالقليل لنفسي، وهذه العقلية متأصلة بعمق في عالم اليوم، وغالباً ما تركزت العديد من أفعالي وأفعال زملائي على البقاء في الطليعة لأنَّ المجتمع لا يرحم، وبمجرد أن تفشل مرةً، سيتغلغل الفشل في أعماق حياتك، ونادراً ما أشدتُ بالآخرين، فالثناء يعني الاعتراف بأنَّ الآخرين كانوا أفضل مني، وأنَّني لم أكن جيدةً بما يكفي.

أدت عقليتي هذه إلى سلوكات أنانية، فإذا كان لدي شيء جيد، فسأحتفظ به لنفسي فقط، وكانت الأشياء الجيدة التي حصلت عليها نتيجةَ عملي وجهدي، ويجب على الآخرين العمل بجد إذا أرادوا تحقيقها، فكنت أُقيِّم باستمرار ما إذا كان الناس يستحقون لطفي قبل أن أمنحهم إياه.

لكن بدلاً من الشعور بالرضى، شعرت بأنَّني مجردةٌ من العواطف، وعلى الرغم من جهودي للحفاظ على كل شيءٍ جيد لنفسي، لكنَّني لم أشعر بالرضى، فقد كنت أتفحص الآخرين باستمرار بينما كنت أتشبث بالثناء والسعادة لنفسي، في محاولة لأصبح أفضل وأكثر تفوقاً.

الكرم العاطفي:

خلال فترة تدريبي مع شركتي السابقة في عام 2005، كان مديري من أسخى الأشخاص عاطفياً الذين التقيت بهم في حياتي، فكان دائماً يهتم بأحوال الناس، ويضع العمل في المرتبة الثانية، وكان مشجعاً للغاية، وغالباً ما يمتدح الناس علانيةً سواء كان الموقف يستدعي ذلك أم لا، فعندما التقيت به لأول مرة، اعتقدت أنَّه كان يبالغ قليلاً، فقد بدا مديحه دون مبرر في معظم الوقت.

بعد فترةٍ من الزمن، بدأت أتطلع بصدق إلى اجتماعاتنا؛ لأنَّني كنت أعلم أنَّها ستكون إيجابيةً ومرحة، علماً أنَّ ثناءه لم يجعلني كسولةً أو مغرورة، بل حفزني على العمل بجهدٍ أكبر، وعلى إدراك إمكاناتي وتعزيزها، ولم تبدُ إيماءاته ومديحه مزيفةً أو منافقةً أيضاً.

لقد لاحظت أيضاً كيف أحبَّ الجميع في الفريق التعامل معه بصفته مديراً لهم، فجعله تفاؤله قائداً جذاباً جداً، وقد تعرفت أيضاً إلى نائبة الرئيس، وهي سيدة قوية وجذابة للغاية، والتي كانت سخيةً في عواطفها على حد سواء مع الجميع.

هل قابلت مثل هؤلاء الناس من قبل؟ أشخاصٌ إيجابيون لدرجة أنَّ طاقتهم تضيء الغرفة؟ إنَّهم فريدون من نوعهم، ومجرد التحدُّث إليهم لبضع دقائق يجعلك تشعر بشعور مختلف، يجعلك متحمِّساً.

بالنسبة إلي، كانت هذه هي المرة الأولى التي التقيتُ فيها بمثل هؤلاء الأشخاص، وقد اكتشفتُ نوعاً مختلفاً تماماً من اللطف الذي لم أعرفه أبداً، وألهمني لأكون مثل هذا الشخص أيضاً، لقد زرعَت هذه التجربة بداخلي الشك بالعقليات والسلوكات التي تعلَّمتُها عندما كنت طفلةً، وفيما إذا كانت تمنعني من أن أصبح شخصاً أفضل.

إقرأ أيضاً: الذكاء العاطفي عند الأطفال: تعريفه، ومقوماته، وأهميته، وطرق تنميته

في الختام:

لقد حدَّثتْنا الكاتبة في هذا الجزء من المقال عن تأثير الجشع العاطفي في حياتها، والأسباب التي جعلتها على هذا النحو، وتطرَّقَت إلى لقائها الأول مع أفرادٍ كريمي العواطف وتأثيرهم فيها؛ لذا تابع الجزء الثاني والأخير من المقال كي تطَّلع على ما تبقى من تجربتها وكيفية تحوُّلها إلى شخصٍ سخي العواطف.




مقالات مرتبطة