الساعة البيولوجية لدى الإنسان: ما خصائصها؟ وكيف تعمل؟ وما آلية ضبطها؟

ما الشيء الذي يستطيع ضبط إيقاع حياتنا؟ ومَن المسؤول عن تحديد شعورنا باحتياجاتنا اليومية؟ وما الشيء الموجود داخل أجسامنا، والذي يتحفَّز بالضوء الطبيعي صباحاً، ويتأثَّر بإشعاعات الأجهزة الذكية مساءً؟ وما قُدرات ومهام هذا الضابط المسؤول؟



إنَّها الساعة البيولوجية؛ ولكن، ما هي؟ وما مفتاح تشغيلها؟

سننقلكم في هذا المقال إلى أعماق الدماغ البشري، ونكتشف وإيَّاكم خبايا هذا الجهاز في السطور القليلة القادمة.

1. ماهي الساعة البيولوجية وكيف تعمل؟

تقع الساعة البيولوجية في الدماغ، في "النواة فوق التصالبية" في المخ، وهي منطقةٌ دقيقةٌ تقع في الوطاء (Hypothalamus)، وتعمل من خلال ألياتٍ مُعقدةٍ تؤثِّر في كلِّ خليةٍ ونسيجٍ وعضوٍ في الجسم.

تتكوَّن الساعة البيولوجية من عدَّة خلايا عصبيةٍ تُنظِّم ذاتياً وظائف الجسم المُختلفة على مدار الساعة، وتُعدُّ بمثابة الأجندة اليومية للإنسان، فهي المسؤولة عن تحديد أوقات النوم والاستيقاظ، وتنبيه الشخص عند حاجة الجسم إلى تناول الطعام، كما تُشرِف على توازن نسب السوائل ودرجة الحرارة في الجسم.

تتبَّع هذه الساعة تعاقُب الليل والنهار، وتتحرَّك بحسب الجدول الزمني من خلال تغيُّر مُستوى الهرمونات الموجودة في الدم، ويتحكَّم مُستوى الضوء المُتوجِّه نحو شبكية العين بكيفية تصرُّف الخلايا العصبية المُتخصِّصة، ويدفعها غيابه إلى إطلاق إشاراتٍ تُحفِّز الدماغ على إطلاق هرمون الميلاتونين؛ وعلى الرغم من أنَّ ضوء النهار يؤدِّي دوراً حيوياً في ضبط إيقاع الساعة البيولوجية، إلَّا أن نشاطها لا يخضع لسلطانه فحسب، بل يستمرُّ عملها حتَّى في غيابه، لكن بصورة مضطربة.

كما تبرز وظيفتها بشكلٍ لافتٍ للانتباه في أثناء السفر وما يُصاحبه من تغيُّرٍ مُفاجىءٍ في التوقيت، والذي قد يُخِلُّ بعملها مؤقتاً.

تعدُّ مُراعاة الإنسان لإشارة ساعاته الحيوية بالالتزام بمواعيد نومه ليلاً، أمراً بالغَ الأهمية لمُقاومة الأمراض، وإضفاء حيويةٍ أكبر على الجسم، وتحقيق التوازن المطلوب؛ وبالمُقابل، قد يؤثِّر أيُّ اضطرابٍ يُصيب الساعة البيولوجية في نسق الوظائف اليومية، ولهذا الاضطراب أسبابٌ مُختلفةٌ منها: عدم قضاء وقتٍ كافٍ في الإضاءة الطبيعية، والعمل في فتراتٍ مُختلفةٍ ومتقلِّبة، وعدم الحصول على فترات نومٍ كافيةٍ ليلاً.

يتعرَّض الدماغ البشري إلى التآكل عندما لا يحصل الإنسان على قسطٍ كافٍ من النوم، وهو ما يُعزِّز الإصابة بالخرف؛ كما أنَّ لإدمان الأشخاص على أجهزتهم الإلكترونية قبل النوم تأثيرٌ سلبيٌ بالغٌ في ساعتهم البيولوجية، حيث يتسبَّب ذلك بعدم إفراز هرمون الميلاتونين بشكلٍ كافٍ، لتزداد بذلك اضطرابات الساعة البيولوجية.

2. ضبط الساعة البيولوجية لجسم الإنسان:

2. 1. الإضاءة الصباحية:

يعمل الضوء كمُنبهٍ أول لاستيقاظ الجسم، حيث يعمل على تقليل تركيز الميلاتونين، وبالتالي تحفيز الجسم على الاستيقاظ.

يُمكن للإنسان أن يتَّبع بعض الخطوات ليُساعد جسمه على الاستيقاظ، ومنها: فتح الستائر، والسماح لأشعة الشمس بالدخول إلى غرفته، وإضاءة مصابيح الغرفة صباحاً، والمشي مُتعرِّضاً إلى أشعة الشمس.

2. 2. التزام الإنسان بروتينٍ مُعيَّن:

يجعل إنهاء جميع الالتزامات والواجبات التي ينبغي على الإنسان القيام بها قبل النوم، والالتزام بوقتٍ مُحددٍ يومياً للنوم؛ الجسمَ يستعدُّ فيزيولوجياً له، وذلك من خلال التقليل من التوتر العضلي وخفض درجة حرارة الجسم.

2. 3. الحرص على الابتعاد عن النور ليلاً:

إنَّ الظلام من أهمَّ العوامل التي تُساعد على إفراز الميلاتونين؛ لذلك يجب علينا الابتعاد عن الأضواء والأشعة الزرقاء التي تصدرها الحواسيب والأجهزة النقَّالة، والتي لها دورٌ كبيرٌ في جعل الدماغ مُتنبِّهاً وفعَّالاً.

2. 4. العمل على الالتزام ببعض الإجراءات الضرورية، ومنها:

  1. الاستيقاظ قبل 2-3 ساعاتٍ من الوقت المُعتاد.
  2. التعرُّض الكافي إلى أشعة الشمس.
  3. تناول وجبة الإفطار عند الاستيقاظ من النوم مباشرةً.
  4. مُمارسة التمرينات الرياضية فقط في الصباح.
  5. تناول وجبة الغداء كلَّ يومٍ في الوقت نفسه.
  6. الامتناع عن تناول الطعام بعد الساعة الـ7 مساءً.
  7. الامتناع عن شرب المشروبات المُحتوية على الكافئين بعد الساعة الثالثة مساءً.
  8. الامتناع عن أخذ قيلولةٍ بعد الساعة الرابعة مساءً.
  9. النوم قبل ساعتين أو ثلاث ساعاتٍ من ساعة النوم المُعتادة.
  10. الحدُّ من التعرُّض إلى الضوء مساءً.
  11. النوم في ساعاتٍ مُحدَّدةٍ ليلاً.
  12. الاستيقاظ في ساعاتٍ مُحدَّدة.

2. 5. بعض الأدوية التي يُمكن للطبيب وصفها:

يُمكن للأطباء المُساعدة في إعادة ضبط الساعة البيولوجية لأجسامنا، وذلك من خلال وصفهم لأدويةٍ تُساعد على النوم، أو لأدويةٍ تُساعد على الاستيقاظ، أو وصف هرمون الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يُساعد أجسامنا على النوم؛ وذلك تبعاً لنوع الاضطراب.

إقرأ أيضاً: 7 إيجابيات كبيرة للاستيقاظ المبكر

3. اضطرابات الساعة البيولوجية الأكثر شيوعاً:

3. 1. مُتلازمة مرحلة النوم المُتأخِّر:

يحدث هذا النوع من اضطراب الساعة البيولوجية للشخص الذي ينام في ساعةٍ مُتأخرةٍ جداً من الليل؛ لذلك فهو لا يستطيع الاستيقاظ باكراً وممارسة نهاره بشكلٍ طبيعيٍّ وحيوي، ويسمَّى مثل هذه الاضطراب بـ "اضطراب توقيت النوم".

3. 2. مُتلازمة فارق التوقيت:

تُصيب هذه المُتلازمة الأشخاص الذين يُسافرون بعيداً جداً عن موطنهم، ويكون فارق التوقيت كبيراً بين البلدين.

تتمثَّل أعراض هذه المُتلازمة بـ: النُعاس المُفرط، وقلَّة اليقظة خلال ساعات النهار.

إقرأ أيضاً: قل وداعاً للإرهاق الناجم عن فرق التوقيت عند السفر الطويل

3. 3. اضطراب تغيير ساعات العمل:

يحدث هذا النوع من الاضطراب للأفراد الذين تتغيَّر ساعات عملهم بشكلٍ مُستمر، ولا يوجد لديهم ساعاتُ عملٍ مُحدَّدة؛ كما ويمكن أن يحدث للأشخاص الذين يعملون خلال ساعات الليل.

3. 4. مُتلازمة مرحلة النوم المُتقدِّمة:

يُعاني الأشخاص في هذا النوع من الاضطراب في النوم من النُعاس الشديد، ويحدث للأشخاص الذين ينامون في وقتٍ مُبكِّرٍ جداً -أي ما بين الساعتين السادسة والتاسعة مساءً- ويستيقظون في وقتٍ مبكِّرٍ جداً أيضاً، ما بين الساعتين الواحدة والخامسة صباحاً.

4. أسباب اضطراب الساعة البيولوجية:

عندما تكون حياتنا مُنتظمةً بساعاتٍ مُحدَّدةٍ لكلِّ عملٍ نقوم به خلال يومنا، من: ساعات تناول وجباتنا الثلاث، والاستيقاظ في ساعةٍ مُعينة، وكذلك النوم في ساعةٍ مُعينة، وغيرها من الأعمال التي نقوم بها؛ نقول عن ساعتنا البيولوجية بأنَّها مُنتظمةٌ حقاً، وتعمل بشكلٍ جيدٍ جداً إلى حدٍّ ما؛ ولكن وفي بعض الأحيان يمكن أن يحدث خللٌ لنظام ساعتنا البيولوجية، ويعود ذلك إلى بعض العوامل، نذكر منها:

  • الحمل.
  • اضطراباتٌ يُمكن أن تحدث بسبب التأثيرات الجانبية لاستخدام بعض الأدوية.
  • بعض المشاكل الطبية التي يمكن أن تُصيب الجسم، مثل: شلل الرُعاش، أو الخرف.
  • تغيير روتين الحياة اليومي، مثل السهر لساعةٍ مُتأخرةٍ من الليل، أو الاستيقاظ في وقتٍ مُبكِّرٍ جداً.
  • الأمراض العقلية.
  • العمل بنظام الورديات.
  • السفر الذي قد يُسبِّب اختلاف التوقيت.

5. أعراض اضطراب الساعة البيولوجية:

  • الشعور المُستمر بالنُعاس خلال ساعاتِ النهار.
  • إيجاد صعوبةٍ كبيرةٍ عند النوم.
  • صعوبةٌ كبيرةٌ في العودة إلى النوم في حال استيقظ الشخص لأيِّ سببٍ كان.
  • الصُّدَاع.
  • فقدان الشهية.
  • احتمال الإصابة المُبكِّرة ببعض الأمراض، مثل: القلب، أو السكري، أو الخرف.
  • اضطراب الحالة النفسية، إذ يمكن أن يُصاب الشخص بالأرق، أو الاكتئاب، أو العُزلة الاجتماعية، وضعف التفاعل مع الآخرين، وتعكُّرِ المزاج.
  • حدوث مشاكل بالجهاز الهضمي، مثل: زيادة حموضة المعدة، أو حدوث تشنُجاتٍ وآلام في المعدة.
  • ضعف التركيز، ممَّا يؤدي إلى ضعف الأداء، وانخفاض المهارات المعرفية.

هل الرعاية الطبية ضروريةٌ عند الإصابة باضطرابات الساعة البيولوجية؟

في حال استمرَّت قلَّة النوم واضطراباته لمدةٍ تتجاوز الشهر، فيجب عندها أن يكون هناك تدخلٌ طبي، شريطة أن تكون قلَّة النوم مصحوبةً بواحدةٍ أو أكثر من الأعراض الستة التالية:

  1. الشخير.
  2. صعوبة النوم.
  3. النسيان.
  4. النوم غير المُنعش.
  5. النُعاس المُفرط في النهار.
  6. التركيز الضعيف.
إقرأ أيضاً: 17 نصيحة مضمونة للحصول على نوم أفضل ليلاً

6. خصائص الساعة البيولوجية:

6. 1. الساعة البيولوجية ساعةٌ مُعقدةٌ جداً:

تستخدم الساعة البيولوجية مجموعةً من الخلايا العصبية للقيام بوظائفها المُختلفة، ويقدَّر عدد هذه الخلايا بنحو 20 ألف خليةٍ عصبيةٍ تُدعَى "النُوى"، وتوجد في منطقة ما تحت المِهاد الذي يقع فوق العصب البصري، ووظيفته إنتاج الهرمونات التي تنظِّم درجة حرارة الجسم وتتحكَّم بإحساس الجوع، ومعدَّل ضربات القلب، وإنتاج خلايا الدم، والسكر في الدم.

6. 2. التحكُّم بإفراز الميلاتونين في الجسم:

الميلاتونين هو الهرمون المسؤول عن الإحساس بالنُعاس، وهو مادةٌ كيميائيةٌ تُنتَج بشكلٍ طبيعي، وتُسهِم في الحفاظ على روتين حياتك اليومي؛ فكلَّما ازداد شعورنا بالنعاس، ازداد إنتاج الميلاتونين في أجسامنا.

6. 3. التأقلمُ مع تغيُّر المكان:

بإمكان ساعة جسمنا البيولوجية التكيُّف مع دورة الليل والنهار، أي دورة النور والظلام في المكان الذي نتواجد فيه؛ لكن يجب الأخذ في عين الاعتبار أنَّ هذا التحوُّل لا يحدث بشكلٍ مُباشرٍ خلال أول 24 ساعة؛ وذلك لأنَّ الجسم يكون مُبرمجاً على إفراز الميلاتونين خلال ساعاتٍ مُعيَّنة، لذلك فهو يحتاج إلى بعض الوقت ريثما يعتاد على التغيير.

6. 4. تعود أهمية الساعة البيولوجية إلى أهمية النوم للجسم:

إنَّ مهمَّة الساعة البيولوجية الأساسية مُساعدة الجسم على النوم، الذي له أهميةٌ كبيرةٌ جداً للكائنات البشرية؛ وذلك لأنَّ النوم الصحي لساعاتٍ كافيةٍ يجعل الجسم يستعيد نشاطه وحيويته، ويُعيد بناء أنسجته وصيانتها، ويُساعد على نمو عضلاته، وإطلاق هرمون النمو، وإنتاج البروتينات؛ لذلك يُعدُّ هرمون الميلاتونين هامَّاً جداً للأطفال؛ لأنه يُساعد أجسامهم على النموّ بشكلٍ صحيٍّ وسليم. كما لا تقلُّ أهمية الميلاتونين عند البالغين أيضاً، حيثُ أنَّه يُجدِّد خلايا الجسم، ويعيد بناءها، ويؤخِّر ظهور الشيخوخة.

 

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة