الركائز الأربع لامتلاك شركة مقاومة للأزمات

في عام 2007، كان يدير رائد أعمال شاب شركته الثانية بثقة بعد أن حصل على نجاح باهر في الشركة الأولى، وكانت الشركة الثانية عبارة عن مصرف للرهن العقاري يضم 120 موظفاً في الولايات المتحدة، ولكن ما لا يعرفه هذا الشاب هو أنَّه في غضون بضعة أشهر فقط، ستحل أشد أزمة اقتصادية لتتركه مفلساً ومديناً بأكثر من مليون دولار أمريكي، إضافةً إلى حدوث مشكلات في حياته الشخصية، لربما توقعتَ أنَّني أتكلم عن نفسي، فقد كانت تلك أحلك المراحل في حياتي المهنية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدير التنفيذي "دانييل ماركوس" (Daniel Marcos)، والذي يُحدِّثنا فيه عن أربع ركائز تساعد الشركات على مواجهة الأزمات.

من الرائع أن تكون رائد أعمال ناجح، ولكن في الوقت ذاته نتحمل مسؤوليات ضخمة، ونتخذ كل يوم قرارات صعبة تُحدِّد مسار منظماتنا التي يعتمد عليها فريقنا وشركاؤنا والمستثمرون.

يجعلنا حجم هذه المسؤوليات في حيرة من أمرنا، وقد تفاقم هذا الأمر بسبب الظروف التي فرضَتها علينا جائحة كورونا، مما عزز ارتباكنا، وتُظهر المؤشرات أنَّ الوضع الاقتصادي ليس لصالحنا؛ فهنالك انخفاض في الأنشطة الإنتاجية، وإغلاق مليون وعشرة آلاف و857 شركة صغيرة ومتوسطة (SMEs) في البلاد (وفقاً للمعهد القومي للإحصاء والجغرافيا (INEGI))، وانخفاض الاستثمار العام في الحوافز المالية (1% من الناتج المحلي الإجمالي)، وانخفاض في استثمار القطاع الخاص في البلاد، وانخفاض في الاستهلاك حول العالم، يعني هذا أنَّنا سنحتاج لسنوات طويلة لنستعيد النمو الاقتصادي السابق للجائحة، كما لا نستطيع استبعاد وقوع أزمة حادة في نهاية المطاف.

إذاً، ما الذي يمكِننا القيام به في شركاتنا للتغلب على هذا الوضع؟ بصفتي رائد أعمال واستشاري، وأتمتَّع بخبرة تزيد على 20 عاماً، ومررتُ بنجاحات وفشل أيضاً، ويمكِنني القول إنَّني تعلَّمتُ أنَّ الشركات التي ستتمكن من التغلب على هذه الأوضاع هي تلك التي تمتلك نظام عمل متين قائم على أربع ركائز:

الركيزة 1 "الفريق":

يبدأ نجاح الشركة بالأشخاص الذين يعملون على تحقيق ازدهارها، فهل لديك موظفون مناسبون يعملون في مناصب مناسبة ويقومون بالمهام الملائمة؟ تبدأ في بناء فريق ممتاز منذ اللحظة التي تُوظِّف أفراده بها، لتستمر بعدها في تدريبهم وصقل مهاراتهم.

يمكِن أن يؤدي الاستهتار بأهمية عملية التوظيف الصحيحة إلى خسارات في المال والوقت، ووجدَت دراسة أجرتها غرفة التجارة الإسبانية أنَّ الخسائر الناجمة عن سوء التوظيف تتراوح بين 50-175% من الدخل السنوي للشخص؛ فالأمر ببساطة أنَّك تستثمر في الموظفين والأجور والتدريب والتعويضات، وأكثر خطأ شائع بين رجال الأعمال هو التسرع في ملء الشواغر وتوظيف أول شخص يتقدَّم للعمل.

ينعكس الفريق الجيد في سعادتك وحريتك، حيث تستمتع بالعمل معهم، وتتيقَّن أنَّهم ملتزمون ومسؤولون ويمكِنهم حل أيُّ مشكلة؛ إذ يعني هذا أنَّك تملك الحرية لتبتعد عن العمل، لأنَّك تعرف أنَّ كل شخص يدرك مهامه وكيف يؤديها.

كيف تحصل على الأشخاص المناسبين إذاً؟ عليك أن تعرِض رؤيتك، التي تشمل قيَمك وأحلامك؛ حيث يعزز هذا من شهرة عملك ويجذب متقدمين أفضل وبأعداد أكبر، وتقترح دراسات مثل: "تقرير تأثير الألفية" (Millennium Impact Report) الصادر عن شركة "أتشيف" للاستشارات (Achieve Consulting)، و"استطلاع الألفية" (Millennium Survey) الصادر عن شركة "ديلويت" (Deloitte) في عام 2018 أنَّ الأجيال الشابة أكثر حماساً للعمل في شركات ذات تأثير إيجابي في العالم.

إقرأ أيضاً: سمات فريق العمل الناجح ومراحل إدارته

الركيزة 2 "الاستراتيجية":

هل يمكِنك شرح استراتيجية عملك بشكل مبسط؟ عندما أدرِّب رجال الأعمال وأسألهم عن استراتيجية عملهم، يستغرق شرحها عادةً نصف ساعة، وهنا تكمن المشكلة؛ فقد تعلَّموا أنَّ الاستراتيجية أمر معقد ويتطلب تجهيز عروض "باور بوينت" (PowerPoint) مُطوَّلة، بينما حقيقة الأمر أنَّ الاستراتيجية يجب أن تكون بسيطةً ويمكِن لأي عضو من أعضاء الفريق فهمها وتنفيذها.

وهنا يكمن سرُّ الاستراتيجية القوية: حدِّدها في خطة استراتيجية تتألف من صفحة واحدة تُعرِّف فيها أين تتجه، وماذا تريد أن تُحقِّق، وما هي أولوياتك، وما هي الأهداف قصيرة وطويلة ومتوسطة الأمد، واستخدم مؤشرات الأداء والمقاييس؛ إذ يجب أن تتَّسع جميع هذه المعلومات في صفحة واحدة.

تنعكس الاستراتيجية الجيدة على مدخولك ونمو أعمالك، وإذا لم ترتفع مبيعاتك بشكل مستمر، ولم يتجاوز نموك نمو الشركة، فهذا يعني وجود مشكلة في الاستراتيجية، وحتى لو فشلَت صناعتك، يجب أن تتغلب على الفشل.

عند وجود استراتيجية عمل دقيقة، يمكِنك التأقلم مع العوامل الخارجية وتغيُّرات سوق العمل؛ وبالتالي لن يصدمك أو يفاجئك أيُّ حدث طارئ.

الركيزة 3 "التطبيق":

هل تمتلك أنظمةً وعملياتٍ تعمل بسلاسة؟ أي بعبارة أخرى، الأنظمة والعمليات التي لا تهدر الوقت والمال بسبب الأخطاء، والدعاوى القضائية، والمشكلات، وحالات الارتباك، والمبالغات التي تستنفد طاقتك وطاقة فريقك.

ينعكس التطبيق الفعال على العائدات وهامش النمو ووقتك؛ فإذا كنت تعمل بين 10-12 ساعة ولا زال الوقت لا يكفي للقيام بما يجب تحقيقه، إذاً أنت بحاجة للتركيز على عملية التطبيق.

ولتحقيق التطبيق الفعَّال، عليك تحديد أولوياتك كقائد وأولويات الشركة وكل عنصر من الفريق، كما عليك أن تستمر في التواصل من خلال إجراء الاجتماعات اليومية مع الفريق بأكمله لمدة لا تزيد عن 15 دقيقة، تناقش في هذه الاجتماعات المشكلات الاستراتيجيات والعوائق، لتتمكن من إجراء التغييرات اللازمة.

إقرأ أيضاً: "التدفق": تحقيق التوازن بين التحدّيات والمهارات المطلوبة لإنجازها

الركيزة 4 "المال":

ما الذي تفعله للمحافظة على النمو وجعل أموالك أكثر كفاءةً؟ تحافظ أنجح الشركات على 6 أشهر من التدفق المالي نقداً، فماذا أعني بذلك؟ خذ المصاريف الشهرية الثابتة لعملك واضربها بـ 6، وهذا هو المبلغ النقدي الذي تحتاجه في متناول اليد للتعامل مع أي ضائقة تواجهها أو الاستفادة من فرصة عمل.

ركِّز على دورة تحويل النقد لتعزيز عائداتك؛ أي أن تُركِّز على الوقت الذي تحتاجه لتستعيد كل دولار أنفقتَه، واطرح على نفسك السؤال التالي: كيف يمكِنني التخلص من الأخطاء في المبيعات والتوصيل والإنتاج؟ وكيف يمكِنني تقليص المدة الزمنية لاستعادة رأس المال؟

يَقِيك هذا أيضاً من احتمال خسارة أموالك - وهي مشكلة تكرر في الشركات - كما يُمكِّنك من التحكم بكيفية تحرك رأس المال ضمن الشركة، ويمكِنك الحصول على تقارير يومية لمعرفة كيفية تداول كل مبلغ نقدي، وما هي المتغيرات خلال اليوم ومقدار النقد المتاح لديك.

نمتلك القدرة على تقوية شركاتنا، ولدينا مسؤوليات كبيرة كقادة، ولكن إذا ركَّزتَ على هذه الركائز الأربع، فستحصل على هيكلية عمل قوية بما يكفي للتغلب على أي عوائق والخروج من أيَّة أزمة أقوى وأكثر صلابةً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة