الرعاية الذاتية الحقيقية

لقد كانت فكرة الرعاية الذاتية مفهوماً غريباً، ثم ظهر فجأةً وسرعان ما تغلغل في أفكارنا؛ إذ يشير الناس إلى كل ما يفعلونه لأنفسهم على أنَّه رعاية ذاتية، وهي نظرة عامة في غاية الأهمية؛ لكنَّها لا تحدد ماهية الرعاية الذاتية الحقيقية.



ما هي الرعاية الذاتية؟

بعبارات عامة، تعدُّ الرعاية الذاتية نشاطاً نمارسه لتعزيز صحتنا العقلية والجسدية والعاطفية؛ إذ يمكن للرعاية الذاتية المناسبة أن تحسِّن من حالتنا المزاجية وتساعدنا على تجنب القلق.

في مجتمعنا اليوم، أصبحت الرعاية الذاتية جزءاً أساسياً من حياة معظم الناس؛ فجميعنا نتعامل مع توتر كبير يومياً، على سبيل المثال، يقول 69% من الأمريكيين إنَّ التفكير في مستقبل البلاد يسبب لهم التوتر، وتدفع الأحداث الجارية الناس إلى البحث عن سبل للرعاية الذاتية.

كما يمكن أن تكون الرعاية الذاتية ملجأً من الصدمات الشخصية والحزن الذي واجهناه بمرور الوقت؛ فالبحث عن العلاج والتعامل مع هذه المشاعر هو مثال على هذه الرعاية الذاتية، وفي النهاية، سيساعد القيام بذلك على تخفيف القلق والسماح للشخص بأن يكون أكثر سعادة ورزانةً.

يمكن أن يساعد التعمق في المشاعر ممارسي الرعاية الذاتية على إيجاد هدف أسمى في حياتهم أيضاً؛ إذ يمكن أن تكون الروحانية والمعتقدات وسيلة لتحقيق ذلك، إضافة إلى ذلك، يمكن لبعض الأفكار التي تنطوي عليها الرعاية الذاتية أن تساعد الشخص على العثور على طريقه وتحديد ما هو هام بالنسبة إليه؛ إذ إنَّ السعي وراء ما هو هام بالنسبة إلى الشخص هو شكل رائع من أشكال الرعاية الذاتية؛ ومن ثَمَّ لن يسعى الناس بعد الآن إلى الحصول على وظائف تسبب لهم التوتر أو التعاسة.

يُعدُّ التأمل أيضاً من أشكال الرعاية الذاتية؛ فالعقل الذي يغمره التوتر والأفكار لا يشعر بالرضى، ومن ناحية أخرى، إذا كان الشخص يمارس التأمل، فيمكنه أن يمنع نفسه من التفكير بسلبية؛ فالحضور واليقظة هما تجسيد رائع للرعاية الذاتية، إضافة إلى ذلك، يمنح التأمل الشخص وقتاً للجلوس والتفكير وحده؛ إذ تعني الرعاية الذاتية بالنسبة إلى معظم الأشخاص، الوقت الذي يقضونه وحدهم، وتجديد طاقتهم لما هو قادم.

قد تعني الرعاية الذاتية أيضاً مساعدة الآخرين، فإذا تحسَّن الشخص بعد ممارستها، يمكنه مشاركة هذا التحسن مع المجتمع ككل، وهذا مجال آخر يبدو فيه أنَّ الروحانية والرعاية الذاتية أمران متلازمان، ويجب ألا يحتاج الشخص إلى المال أو المكانة ليقوم بالرعاية الذاتية؛ بل يجب أن تكون ممارسة يمكن أن يقوم بها الجميع.

شاهد بالفيديو: 5خطوات لممارسة الرعاية الذاتية

ما هو نقيض الرعاية الذاتية؟

بدأت لسوء الحظ، الحقائق الرائعة المتعلقة بالرعاية الذاتية بالاختفاء بسبب ما تروِّج له وسائل الإعلام على أنَّه رعاية ذاتية، على سبيل المثال إذا بحثت عن كلمة "الرعاية الذاتية" في تطبيق إنستغرام (Instagram) سترى صوراً كثيرة تُظهر أشخاصاً يقومون بالاسترخاء، وهذا ليس ما تعنيه الرعاية الذاتية، بالتأكيد يُعدُّ وقت الاسترخاء وسيلة لذلك، لكن فكرة رعاية الذات العاطفية والجسدية قد تحولت من بعض النواحي إلى ممارسة تجارية بحتة.

في النهاية، الرعاية الذاتية هي إيجاد السبب الأساسي لما يزعجك بالفعل، وبالتأكيد يمكن أن يساعدك الاسترخاء لمدة 15 دقيقة على تقليل التوتر، لكن هل هذا سيحدد سبب شعورك بالاضطراب؟ وهل سيساعدك على معالجة مثل هذه المشاعر في المستقبل؟ بالطبع، لا.

على هذا النحو، هذا يثبت كيف اتخذت الشركات فكرة الرعاية الذاتية وعملت عليها، فقد جعلوا الأمر يبدو وكأنَّك بحاجة إلى سبل أو تطبيقات للعناية بالبشرة أو تمرينات رياضية لتحسين رعايتك الذاتية، لكن في الواقع، إنَّهم لا يريدون إلا أن يبيعوك شيئاً معيناً.

بذلك، يشير بعض الأشخاص إلى الرعاية الذاتية على أنَّها شيء سلبي؛ أي يقولون إنَّه من الأنانية أن يأخذ الناس وقتاً من جدولهم المزدحم ويكرسونه لأنفسهم، لكن التأكُّد من أنَّك تتمتع بعقل وجسد سليمَين لن يكونا شيئاً سيئاً أبداً؛ بل هذا سيجعلك شريكاً ووالداً وموظفاً أفضل.

يطلب اختصاصيو الإدمان من المرضى ممارسة الرعاية الذاتية حتى يشعروا بالرضى والبقاء على المسار الصحيح؛ إذ ستسمح لهم الرعاية الذاتية بمعالجة المشاعر السلبية التي أدت بهم إلى الإدمان في المقام الأول والتغلب عليها، وحتى مع وجود مشكلات أقل خطورة قد تدفعك إلى الرعاية الذاتية، يمكنك استخدام هذه الممارسة لمعالجة نكساتك العاطفية والجسدية؛ ومن ثَمَّ لا أنانية في ذلك على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: كيف تتولى رعاية ذاتك؟

كيف أعتني بنفسي؟

تأتي الرعاية الذاتية بأشكال لا حصر لها؛ لكنَّ الأمر متروك لك لمعرفة الأساليب التي ستفيدك بأفضل شكل في حياتك وستمنحك أكبر فائدة؛ لذا ابحث عن طرائق الرعاية الذاتية التي يحددها الخبراء وليس الشركات، يمكن أن يكون شيء بسيط مثل تناول وجبة صحية أو الحصول على قسط كافٍ من النوم، عبارة عن رعاية ذاتية، وستدرك ذلك أيضاً عندما تبدأ في الشعور بالتحسن بعد إجراء مثل هذا التغيير البسيط.

إقرأ أيضاً: لماذا يجب أن تعتني بنفسك أولاً؟ وكيف تفعل ذلك؟

في الختام:

يجب ألا تكون ممارستك للرعاية الذاتية معقدة، وألا تكلفك مالاً كثيراً أيضاً، وبصرف النظر عن الطريقة التي تتبعها، يوجد شيء واحد مؤكد، وهو أنَّ العقل والجسد والروح سيكونون أفضل، وهذا هو الهدف من الرعاية الذاتية.




مقالات مرتبطة