الرجل المتسلط في العلاقة الزوجية وطرق التعامل معه

لقد كرّم اللّه الإنسان بأن جعله خليفةً في الأرض، وقد أعطاه أقدس حقٍّ على وجه الأرض، ألا وهو: حق الحرية، فلا تستطيع قوةٌ في العالم التعدّي على هذا الحق، فهو مُصانٌ إلهياً وقانونياً وشرعياً. لا يوجد مُبرّرٌ في العالم يُبيح لشخصٍ ما أن ينتهك حرية الآخر، وأن يُقيِّده ويمنعه من القيام بأشياء معيّنةٍ يرغب بها؛ فالبشر جميعاً متساوون في الحقوق والحريات والواجبات.



إلا أنَّنا -وللأسف- كثيراً ما نصادف ذكوراً يفهمون الرّجولة بأسلوبٍ خاطئٍ، فيُمطرِون زوجاتهم بوابلٍ من الأوامر والتهديدات، ويتحكّمون بعلاقاتهن مع الآخرين، وبأسلوب حياتهن، وذلك دون أدنى مراعاة لشخصياتهن وقيمتهن واستقلاليتهن.

دعونا نغوص من خلال هذا المقال في سيكولوجية الرجل المتسلط، ونعثر على إجاباتٍ عن الأسئلة: ما هي الأسباب الكامنة وراء التسلط؟ وكيف تتعامل الأنثى مع الرجل المتسلط؟ ولماذا تستكين النساء لهذا النمط من الرجال دون مقاومةٍ أو تمرّد؟

مَن هو الرجل المتسلط؟

الرجل المُتسلط: مَن يكتسب سلطةً ليست من حقه، فيفتعل أشياء ويتدخّل في حريّة وخصوصية الآخر، مُعتقداً أنَّ له الحقّ في ذلك.

ويُعدُّ التسلّط تعدٍّ على التشريعات الدينية والقانونية؛ حيث أكّد القانون على أنَّ الحرية حقٌّ مقدسٌ لا يجوز المساس بها، في حين وضع الدين حدوداً يجب احترامها لضمان زواجٍ سليمٍ مُعافى، وهما حدّي الحريّة والتكريم.

إنَّ كلَّ إنسانٍ حرٌّ في أسلوب حياته، وفي طريقة تعاملاته مع الآخرين، وفي طريقة إنفاقه لأمواله. أمّا دور الزوج أو الزوجة فيكمن في إعطاء وجهة النظر مع مراعاة حرية الآخر؛ وبمجرّد تحوّل وجهة النظر إلى أمرٍ إجباريٍّ وقسريٍّ، عندها سيبدأ التسلط بالظهور وتدمير العلاقة الزوجية.

أمّا من منظور الطاقة: فوفقاً للعدل الإلهي، ووفقاً لقاعدة: "كما تُدين تُدان"؛ فإنَّ الرجل الذي يُحوّل حياة زوجته إلى ضغطٍ وأسرٍ وألمٍ من خلال تسلّطه عليها؛ فسيُرَدُّ ذلك عليه، وسيُعاني من المشاعر السّلبية والضيق النّفسي ذاته، كأن يمرض مرضاً شديداً، أو يلتقي بمديرٍ صارمٍ في عمله يحوّل حياته إلى جحيم، أو يتعرّض إلى ضغطٍ ماليٍّ خانقٍ.

الأسباب الكامنة وراء التسلط في العلاقة الزوجية:

1. التغاضي عن العلامات المُنذِرة بوجود رجلٍ مُتسلّطٍ في حياتك:

تُعاني الكثير من الفتيات المُقبلات على الزواج من سلوكاتٍ سلبيّةٍ لشريكها المُتسلط، لكنَّهن يُبرِّرنها بدافع الحبّ والخوف على مصلحتهن.

يوجد الكثير من العلامات البسيطة التي تُنذِر بأنَّ شريكك رجلٌ متسلّطٌ، كأن يتجاهل اتصالاتك به عندما تكونان في مرحلة خصام، مع علمه أنَّكِ مضغوطةٌ وحزينة. يُعدُّ هذا السلوك مؤشراً خطيراً جداً؛ فالزوج الصالح لا يتجاهل اتصالاتكِ ويزيد من حزنكِ، بل يُجِيب على اتصالكِ ويطلب مقابلتكِ؛ لكي تتحاورا وتنتهي المشكلة. أمّا الزوج المتسلّط فيتعامل مع الموقف بأسلوب اللئيم الحاقد، لا بأسلوب الواعي المُحتوي.

ومن علامات الرجل المتسلّط، أن يتحكّم بعلاقاتكِ مع الآخرين وبأسلوب حياتكِ؛ كأن يطلب إليكِ أن تصادقي فلانة، وتتخلّي عن فلانة. تعدُّ هذه العلامات مؤشراً مؤكِّداً لسجنٍ مستقبليٍّ ستعيشينه.

2. جذب الشخص المتسلط إلى حياتك:

دعونا نتفق على حقيقةٍ علميةٍ: أنَّ الرجل المُتسلط رجلٌ ناقص الرجولة، ويُعوِّض نقصه من خلال التسلّط واستباحة خصوصيات وحريات الطرف الآخر.

من جهةٍ أخرى، الأنثى التي تجذب إلى حياتها رجلاً متسلّطاً: أنثى غير مُكتملة الأنوثة.

فعندما تفعل الأنثى أشياء تُفقِدها طاقتها الأنثوية؛ كأن تراقب الطرف الآخر، وتنتقده، وتُطلِق الأحكام، وتتعامل وكأنَّها القائد؛ ستجذب إلى حياتها رجلاً فاقداً لطاقته الذكورية.

فطالما جذبتِ إلى حياتكِ رجلاً متسلّطاً، فتأكدي أنَّ هناك أمراً في حياتكِ قد اخترقتِ الحدود والصلاحيات معه.

3. المعتقدات الخاطئة حول الزواج:

يحيا الكثير من الأزواج حياةً روتينيّةً؛ لاعتقادهم أنَّ الروتين والملل هو الشكل الطبيعي للزواج. في حين أنَّ الأصل في الزواج هو الاستمتاع، والطبيعي أن يزداد الاستمتاع يوماً بعد يوم.

فعندما تسأل أحد المتزوجين عن حياته، ويجيبك: "الحمد لله، الأمور جيدة، فلا وجود للمشكلات بيننا". فهو يعتقد أنَّ غياب المشكلات مؤشرٌ جيدٌ في العلاقة، ولم يُعِر اهتماماً إلى مقدار الانسجام فيما بينهما، أو إلى كمية المتعة والسعادة التي تُخيِّم على حياتهما.

أدّى تشوه معايير الزواج السعيد، إلى قبول حياةٍ جافةٍ بلا روح، مع إمكانية تَقبُّل وجود التسلّط في طياتها.

إقرأ أيضاً: 10 أمور يقوم بها الأزواج الذي يتمتّعون بعلاقة جيدة (و 10 لايقومون بها)

4. الخوف على الأولاد:

تستمر الكثير من الأمهات في زواجهن، ظنّاً منهن أنَّ ذلك يصبُّ في مصلحة أطفالهن، إلّا أنَّ الحقيقة أنَّ وجود بيئة زواجٍ سلبيٍّ سيكون لها الكثير من التأثيرات السلبية على الأطفال، مثلاً: عندما يكون الزوج متسلطاً على زوجته، والزوجة مُستكينةً له، ستتحوّل تلك الزوجة إلى متسلّطةٍ على أولادها دون وعيٍ منها، ممّا يحوّل الأولاد إلى قنابل موقوتةٍ مُستقبلاً، وإلى أزواج يتعاملون بأسلوب التسلط مع زوجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ حياة الأطفال في جوٍّ عائليٍّ غير سليم، سيجعلهم أشخاصاً مهزوزي الثقة بأنفسهم، وغير قادرين على اتخاذ قراراتٍ مصيريةً في حياتهم، وسلبيين في تعاطيهم مع أمور الحياة.

الأمُّ القوية هي من تثق برب العالمين، وتثق بأنَّه سيعوضها الأحسن دائماً، وتقرر أن تنهي العلاقة التي تمتص طاقتها، وتُدمّر أولادها.

5. التربية الخاطئة:

يأتي التسلّط من تربية الآباء الخاطئة، حيث يزرعون في عقول أبنائهم أنَّ التّسلط عليهم، والتحكم في رغباتهم وحرياتهم؛ أمرٌ مباح.

إقرأ أيضاً: 6 مشاكل نفسيّة يتعرض لها الأطفال بسبب صراخ آبائهم

التعامل مع الرجل المتسلّط:

1. الاستشارة والاستفادة من دروس الآخرين:

عليكِ أن تدرسي وتبحثي كثيراً في تجارب الناس السّابقين قبل دخولكِ في أيِّ علاقةٍ، وأن تستفيدي من الدروس المُستخلصة من تجاربهم؛ فمؤسسة الزواج أهمُّ مؤسسةٍ على وجه الأرض، وتحتاج إلى الكثير من الوعي والبحث قبل الدخول إليها.

وفي حال أنَّ الطرفين تزوّجا، لكن من دون دراسةٍ كافيةٍ لشخصية كلٍّ منهما، ومن دون وعيٍّ كافٍ لخطورة الزواج وأهميته؛ فيُنصَح حينها بعدم إنجاب الأطفال قبل مضي سنةٍ على الأقل من زواجهما، بحيث تكون سَنَةً تجريبيّةً لهما؛ لدراسة إمكانية الحياة المشتركة فيما بينهما.

وعلى الزوجة ألّا تقع في أكذوبة أنَّ شريكها سيتغيّر، فمَن لم يتغير في مدة سنةٍ كاملةٍ، لن يتغير العمر كلّه، أو سيصعب تغييره كثيراً.

2. الوعي في فترة الخطوبة:

تعتقد الكثير من الفتيات أنَّ فترة الخطوبة فترة راحةٍ ونزهاتٍ وهدايا، لكنَّ الحقيقة أنَّ فترة الخطوبة هي أهمُّ فترةٍ في العلاقة العاطفية؛ حيث يكتشف فيها كلُّ طرفٍ الآخر.

يجب أن يَعي الطرفان المُقبلان على الزواج أنَّ الخطوبة فترةٌ لدراسة شخصية كلٍّ منهما، ومعرفة إمكانية تأسيس حياةٍ مشتركةٍ فيما بينهما.

لذلك على كلٍّ منهما أن يكون في منتهى الصدق والوضوح في أثناء العلاقة؛ لأنّ التّصنّع ومحاولة إظهار صفاتٍ غير موجودة لكسب الطرف الآخر، سيؤديان إلى نتائج كارثيةٍ بعد الزواج.

يجب أن تُنهِي الفتاة العلاقة عند ملاحظتها لأيِّ علامةٍ من العلامات التي تدل على أنَّ شريكها متسلطٌ، وعليها أن تعي أنَّ ألمها عند الانفصال عن حبيبٍ غير مناسب، أقلّ بكثير من ألمها عند الانفصال عن زوجٍ متسلّطٍ لا يحترمها، فالأمور أسهل دوماً عندما تُعالج في بدايتها.

إقرأ أيضاً: أهمية فترة الخطوبة وطرق تقوية العلاقة مع الشريك

3. الطلاق حلٌّ في كثير من الأحيان:

يستمر الكثير من الأزواج في علاقاتهم الزوجية بصورةٍ شكليةٍ، لكنَّهم فعلياً لا يعيشون كشركاء حقيقيين؛ إلّا أنَّهم لا يجرؤون على اتّخاذ قرار الانفصال الفعلي؛ إمّا لخوفهم من فكرة الطلاق ومن نظرة المجتمع القاسية عن المطلقين، أو لاعتقادهم أنَّ الوضع الطبيعي للزواج هو: الروتين والملل والمشكلات.

والسؤال هنا:

  • ما هو الذي يُهِم: نظرة المجتمع لزواجكِ، أم نظرتكِ أنتِ؟
  • مَن يعيش حزنكِ وبؤسكِ، أنتِ أم غيركِ؟
  • ومَن يأبه بكِ إن خلدتِ إلى فراشكِ باكيةً أم ضاحكةً؟

نعم، قد يكون الطلاق حلاً يُرضِي الطرفين، وبدايةً جديدةً لكلٍّ منهما. وكلَّما كان الانفصال في وقتٍ مبكّرٍ من العلاقة، كان ذلك أفضل؛ لأنَّ السنوات العديدة التي تمر وأنتِ تعانين المرّ، ستفقدكِ طاقتكِ وشغفكِ ورونقكِ ورغبتكِ في البدء من جديد.

إقرأ أيضاً: كيفية تجاوز مشاكل الطلاق وإعادة الدفء للعلاقة الزوجية

4. تغيير سلوك الرجل المتسلط:

في حال كونكِ متزوجةً ولسنواتٍ طويلة، ولم تجرئي على اتخاذ قرار الانفصال عن زوجك المتسلط؛ عندها لا ينفعك إلا اتباع قاعدة "المجاراة ثمّ القيادة"، فمثلاً: في حال تحكمه وتسلّطه، أطيعيهِ واستجيبي له، ليس ضعفاً وإنّما لتحقيق هدفٍ بعيد المدى وهو: تعديل سلوك زوجكِ.

فتقبّلي سلوكاته بهدوءٍ ورضا، دون إحساسك بالذل، بل بالقوة والاحتواء. عندها ستتولّد لديك الأفكار الإيجابية التي ستساعدك على التقليل من تسلّط زوجك.

وستكتشفين أنَّ زوجك المتسلط، إنسانٌ غير واثقٍ من نفسه، ويُعبِّر عن ذلك بتسلّطه، وستبدأين البحث عن طرائق إيجابيةٍ بديلةٍ عن سلوكه المتسلط؛ لمساعدته في الوصول إلى ثقته بنفسه.

إقرأ أيضاً: دعاء لمن ابتليت بزوج ظالم

الخلاصة:

الرجولة الحقيقية أن تجعل المرأة تقوم بفعل الأشياء وهي مُستمتعةٌ، وسعيدةٌ، وراضية. أين القيمة في جعلها تقوم بفعل الأشياء وهي مُكرَهةٌ، ومُجبرَةٌ، ومضغوطةٌ؟ فإن أردتَ أن تكسب إنساناً، فامنحه الثقة والحرية؛ عندها سيعطيك أجمل ما لديه طوعاً وحباً.

والزواج تعهدٌ من كلا الطرفين على جعل الآخر أسعد إنسانٍ في الدنيا، فلتكونوا أيُّها الأزواج عند هذا التعهد، ولتصونوه وتلتزموا به.

 

المصادر:  1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5

 




مقالات مرتبطة