الذكاء: تعريفه، ومكوناته، وأنواعه، وطرق تحصيله

يعتقد الكثيرون أنَّ الذكاء متمحور حول الشهادة العلمية، فلا يُعترَف بذلك الشخص الذي لم ينل الشهادة الجامعية أو الدراسات العليا، وينظر إليه على أنَّه شخص ناقص، كما يوصف صاحب المهنة بأنَّه إنسان متوسط أو منخفض الذكاء، دون أن تؤخذ ابتكاراته ولمساته الإبداعية وأفكاره التطويرية في مجال عمله في الحسبان.



في حين يُنظر إلى الطبيب الحاصل على درجات عالية في المدرسة والجامعة على أنَّه منقذ العالم، على الرغم من عدم اطلاعهم على حجم نجاحاته أو مقدار براعة جراحاته أو دقة تشخيصه؛ فمعيارنا في الحكم على ذكاء الأشخاص معيار قاصر، وجائر، ويعتمد على الشكليات ولا يراعي الحقائق الواقعية.

نحن بحاجة ماسة إلى توسيع إطار مفهوم الذكاء، فلا نستطيع تحجيم مسألة الذكاء بمجرد الحصول على درجات عالية في المدرسة والجامعة، إنَّه أسلوب حياة قائم على مهارة التكيف مع المحيط والقدرة على تحليلك السليم للأمور ومن ثمَّ حل المشكلات، واتخاذ القرارات المناسبة، ومدى تركيزك على نقاط قوَّتك، وبحثك في مجالات مختلفة، مع التعمُّق في مجال واحد من أجل التخصص فيه.

اليوم هو عصر القيمة بامتياز، فلا يشترط امتلاك الكثير من الأصول لكي تكون غنياً؛ بل يكفي طرح فكرة مميزة وفعَّالة والعمل عليها فتصبح من أثرياء العالم، فعصرنا هو عصر الأفكار؛ لذلك لا تسأل عن الشهادات العلمية بل اسأل عن المهارات والأفكار فهي التي تصنع الأمم.

لا يوجد أهم من العلم والبحث وفي كل مجالات الحياة، فبدلاً من تمجيد نظام التعليم التقليدي؛ آن الأوان للبحث عن طرائق أكثر إبداعية لإيقاظ كم الطاقات الدفينة لدى أولادنا بدلاً من كبتها، وهنا يأتي دور التعليم الذاتي المستقل بكل ما فيه من فائدة وابتكار.

تشوَّهت النظرة إلى الذكاء في عصرنا الحالي، فبدلاً من ربطه بالقيم والأخلاق ومساعدة الناس؛ بات يُربَط بالأساليب الملتوية التي تحصل في المجتمع، فيوصف مَن يخرق القانون متبعاً أساليب غير تقليدية بأنَّه ذكي.

من جهة أخرى، لا يؤخذ في الحسبان الأنواع المختلفة للذكاء، فلا يُنظَر إلى الشخص الاجتماعي والقادر على بناء علاقات إنسانية قوية وفعالة جداً؛ على أنَّه ذكي عاطفياً، في حين يُنظر إلى الشخص القادر على حل العديد من العمليات الحسابية في مدة زمنية قصيرة، على أنَّه ذكي.

ما هو الذكاء؟ وما هي أنواعه؟ وهل يمكننا زيادة معدل ذكائنا؟ هذا ما سنتناوله من خلال هذا المقال.

الذكاء:

هو القدرة على التكيُّف مع المجتمع والسعي إلى الوصول إلى حلول مناسبة للمشكلات التي قد تعترض طريقنا للوصول إلى تحقيق الإنجازات والنجاح في الحياة؛ أي القدرة على اتخاذ القرار الملائم فيما يخص كل تفاصيل الحياة، بدءاً من اتخاذ قرار ساعة النهوض من السرير، واتخاذ قرار بناء مشروعك الخاص، أو القرارات المتعلقة بحياتك الشخصية من زواج وطلاق، أو المتعلقة بحياتك العائلية من تربية الطفل وتنمية مهاراته، ووصولاً إلى نوعية الطعام الصحي وكمياته، وما إلى ذلك.

مكونات الذكاء:

1. المعلومات:

يميل الشخص الذكي إلى البحث عن المعلومات الكافية فيما يخص المسألة التي يريد إيجاد حل مناسب لها، فلن يستطع الوصول إلى القرار المناسب في حال عدم وجود المعلومات الكاملة والوافية لديه، كما تعدُّ المعلومات عبارة عن الفَرق الأساسي ما بين الشخص الذكي في مجال ما والشخص الآخر، فبينما يملك الشخص الذكي المعلومات الكافية التي تخولِّه البحث والتحليل والقرار؛ لا يملك الشخص الآخر تلك المعلومات.

2. الفهم ومعالجة المعلومات:

وهنا تظهر مهارات التعلُّم والقدرة على التحليل والاستنتاج، وتظهر أيضاً قدرة الإنسان على التعرف إلى الأنماط، لتشكيل صورة واضحة للمسألة، كأن يلاحظ النمط المتَّبع في تمرين رياضي ويتوقع الحل المناسب بناءً على تحليله للمسألة، أو يلاحظ النمط المتَّبع من قِبل مجموعة من الناس ويتوقع السلوك الناتج عنهم، أو يلاحظ النمط التي يتَّبعه منافسه في الحملة التسويقية ويتوقع إجراءاته اللاحقة في السوق، أو يتوقع حركة صديقه في لعبة الشطرنج بناء على نمطه في اللعب.

شاهد بالفيديو: كيف تصبح حاد الذكاء؟

والميزة الإيجابية هي أنَّك قادر على تطوير مهاراتك في التحليل والاستنتاج من خلال التعرُّض لأنماط مختلفة من المسائل والمواقف، بحيث يعتاد العقل عليها وتتوسع آفاقه، وهنا تأتي قضية التجارب الفردية التي يخضع لها الإنسان خلال حياته؛ حيث أثبتت الدراسات أنَّها الطريقة الأفضل لتعلُّم الإنسان وزيادة نسبة ذكائه. وترتبط قدرة الإنسان على الفهم والتحليل والاستنتاج بما يلي:

  1. السرعة العقلية: وهي السرعة التي يتعامل بها العقل لإنجاز العملية الموكلة إليه، وهي هامة جداً في تحديد مستوى الذكاء، وتعتمد جميع اختبارات الذكاء وقتاً محدداً لكل سؤال من الأسئلة، لكي تحسب السرعة العقلية للإنسان في حل السؤال الموجَّه إليه.
  2. الذاكرة: تعني قدرة الإنسان على الاهتمام بكامل تفاصيل المسألة من أجل تمكُّنه من حسن تقييمها، ويوجد نوعان من الذاكرة: لفظية وبصرية، تعتمد الذاكرة البصرية على الصور والرسوم وهي أكثر ديمومة من الذاكرة اللفظية المعتمِدة على الكلمات فقط؛ لذلك عليك أن تقوِّي ذاكرتك اللفظية من خلال الاشتراك في عزف الموسيقى على سبيل المثال، بحيث تستمع إلى النغمات الخارجة من الآلة الموسيقية وتحفظها، أو من خلال القراءة بصوت عالٍ وحفظ الكلمات.
  3. التفكير المجرد والسببية: وتعني قدرة الإنسان على البحث عن الأسباب الكامنة وراء أمر ما، ومدى إبداعه في تحليل الحقائق الموجودة للوصول إلى معلومات أكثر عمقاً وفائدة، فهو لا يعتمد على ما هو موجود أمام عينيه فقط؛ بل يسمح لجميع حواسه ومشاعره بالعمل والتحليل.
  4. القدرة على حل المشكلات: تعني قدرة الإنسان على طرح حلول غير تقليدية للمشكلات الواقعة، كما تقيس إمكانيته في حل أكثر من مشكلة بالوقت نفسه.
  5. الإبداع: وهو التفكير خارج الصندوق، والقدرة على الإتيان بشيء جديد أو تقديم شيء موجود ولكن بطريقة جديدة، وهنالك الكثير من التقنيات التي تحفِّز الإبداع، مثل تقنيات العصف الذهني أو العصف الذهني السلبي، أو الكلمة العشوائية، وما إلى ذلك.
إقرأ أيضاً: 6 طرق بسيطة تساعد على اكتساب الذكاء

معدل الذكاء:

وهو النسبة المئوية لحاصل قسمة العمر العقلي للإنسان على عمر الإنسان؛ إذاً يتعلق الذكاء بعمر الإنسان، فمن المفترض أنَّه كلما ازداد عمر الإنسان؛ يزداد معه عمره العقلي؛ ومن ثم يزداد ذكاءه، أمَّا إذا ازداد عمر الإنسان مع ثبات عمره العقلي فهذا يعني أنَّ ذكاءه سيقل، ويتراوح معدل الذكاء الطبيعي بين الناس ما بين 85 إلى 115 في المئة.

أنواع الذكاء:

1. الذكاء المنطقي:

يتسم صاحب هذا الذكاء بالقدرة على حل المشكلات بأنواعها من خلال تحليل الأسباب والعوامل المؤثرة في المسألة وصولاً إلى تقديم الحلول المناسبة، على سبيل المثال يستطيع هذا الشخص حل المسائل الرياضية المعقدة.

2. الذكاء العاطفي:

وهو القدرة على التحكُّم بالمشاعر والانفعالات وتوجيهها إلى ما فيه مصلحة الفرد والآخر، كما يهتم الذكاء العاطفي بدراسة مشاعر الآخر والاهتمام بها.

3. الذكاء الحسي الحركي:

وهو القدرة على التنسيق بين العقل وحركات الجسم بطريقة احترافية، ويتميز صاحبه بالثبات الانفعالي وسرعة الرد، كاللاعبين الرياضيين.

4. الذكاء الاجتماعي:

وهو القدرة على بناء علاقات اجتماعية قوية قائمة على مبدأ (مكسب - مكسب) بحيث يكون الطرفان فائزَين وذلك من خلال الإحساس بالآخر وتفهُّم احتياجاته ودوافعه.

5. الذكاء اللغوي:

وهو القدرة على استخدام المفردات والتعبير عنها تعبيراً رائعاً يؤثر به الشخص في الآخرين.

6. الذكاء المكاني:

وهو القدرة على التخيُّل الثلاثي الأبعاد للمكان والأشياء، مع حفظه تماماً، كقدرة سائق الأجرة على حفظ وتذكُّر الأماكن بسهولة تامة.

7. ذكاء الفراسة:

وهو القدرة على قراءة البشر وما بداخلهم، ومن ثم القدرة على توقُّع ردود أفعالهم وسلوكاتهم.

كيف تصبح أكثر ذكاءً؟

على الرغم من خضوع معدَّل الذكاء الذي يملكه الشخص إلى الوراثة بنسبة كبيرة جداً، إلَّا أنَّ في إمكان كل إنسان تنمية ذكائه من خلال العمل على:

1. القراءة:

تعد القراءة من أهم الأمور التي تساعد على تنمية ذكائك؛ حيث تتعرَّف من خلالها إلى مشكلات مختلفة في الحياة مع الطرائق الناجحة لحلها، كما تتعلَّم مهارة استخدام الخيال للتحليل والاستنتاج، وتجعل عقلك أقوى وأكثر إنتاجية نتيجة الجهد المبذول خلال عملية القراءة.

2. تعلُّم لغة جديدة:

يحفِّز تعلُّم لغات جديدة مناطق جديدة من المخ على العمل، بحيث تعمل المناطق المسؤولة عن التعلُّم وعن حل المشكلات بصورة أكبر لديك، ومن ثم يصبح معدل ذكائك أعلى.

3. الصداقة:

صادق الناس الناجحين والأذكياء، فمن المؤكد أنَّك ستتأثر بهم وبأسلوب حياتهم الفعال، فلا يمكن أن تستفيد من ذلك الشخص الذي يصب كامل اهتمامه وتركيزه على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنَّك ستستفيد من ذاك المواظب على القراءة والبحث والتحليل، والذي يملك رسالة يسعى إلى تحقيقها في الحياة.

4. تجربة شيء جديد:

ستصاب بمشاعر من الفرح والحماس في أثناء تجربتك لشيء جديد في الحياة، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على أداء عقلك، على سبيل المثال: تستطيع اختبار تجربة تسلُّق جبل، أو المسير لمسافات طويلة برفقة مجموعة من الناس لا تعرفها، أو العزف على آلة موسيقية، أو الالتحاق بدورة للتدرب على ركوب الخيل، وما إلى ذلك.

5. التعلُّم الذاتي:

من أهم طرائق تنمية الذكاء هي التعلُّم الذاتي؛ حيث تعطي هذه الطريقة العقل كامل الحرية لكي يعمل بدون قيود أو عراقيل، على عكس النظام التقليدي للتعليم القائم على كبت الحرية وتحجيم الإبداع وقتل الأفكار الابتكارية.

تعطيك طريقة التعلم الذاتي القدرة على التحليل والاستنتاج للوصول إلى ما تريد، كما تمنحك المشاعر الإيجابية؛ وذلك لأنَّ هدفك هو التطور والارتقاء في مجال ما وصنع بصمة لك، وليس هدفك الحصول على شهادة علمية مع ما يرافقها من ألم وأوامر وتعليمات ونظام مفرط.

كما تكتسب الكثير من المهارات في أثناء رحلة التعلُّم المستقل خاصتك، وأولها مهارة الصبر والالتزام، فأنت ملتزم مع ذاتك وقيمك فقط لا غير.

إقرأ أيضاً: 7 أنواع للذكاء الإنساني فماهو نوع ذكاءك؟!

6. الرياضة:

تعدُّ الرياضة من الأمور الهامة جداً للحفاظ على مستوى ذكاء عالٍ؛ حيث تحفِّز الرياضة القلب على ضخ الدم إلى الجسم محمَّلاً بالأوكسجين الضروري لعمل العقل.

7. استخدام تقنيات الإبداع:

ومن تقنيات الإبداع؛ تقنية العصف الذهني؛ وهي الطريقة المولِّدة للأفكار، بحيث تجتمع مع فريق عملك على سبيل المثال ومن ثمَّ يبدأ كل شخص بطرح أفكاره في سبيل تحليل ومعالجة القضية الموجودة.

فإن كان لديك فكرة إنشاء شركة خدمية تُقدِّم خدمات مثل: كتابة محتوى غني وثري وتصميم فيديوهات هادفة ومؤثرة وبجودة عالية، فتستطيع أن تجتمع مع فريق عملك من أجل تقديم الأفكار حول رسالة الشركة، والفئة المستهدفة، والتسويق، والمعايير، وبيئة العمل، والمميزات، وما إلى ذلك، ويكون الشخص المبدع قادراً على إدارة تلك الأفكار والربط فيما بينها بهدف استخراج الفكرة الأكثر فعالية.

أما التقنية الثانية لتحفيز الإبداع هي تقنية العصف الذهني السلبي؛ وفيها تطلب من فريق عملك على سبيل المثال تقديم أسوأ السيناريوهات التي من الممكن حدوثها في المشروع، ومن ثمَّ تحاول ربط تلك الفكرة بطريقة فعالة بالمشروع بحيث تعطي نتائجَ إيجابية، كأن يقترح عليك فريق عملك تقديم محتوى ترفيهي ومضحك، وهذا ما لا يتناسب مع سياسة الشركة التي تُعنَى بتقديم محتويات هادفة وقيِِّمة، ولكنَّك تستطيع استثمار الفكرة من خلال إضافة عنصر المتعة إلى المحتوى، بحيث يجذب الناس بطريقة أكبر.

كما يمكنك استخدام تقنية الكلمة العشوائية بحيث تقول أي كلمة تراود ذهنك عندما تفكر في مشروعك، ومن ثمَّ تحاول ربطها به، على سبيل المثال: كأن تراود ذهنك كلمة رياضة، فتربط تلك الفكرة مع مشروعك من خلال تقديم فيديوهات بطريقة إيجابية وتبعث على الحياة والحرية.

8. عدم الحكم السلبي:

لا تتعامل بسلبية مع ذاتك، فتحكم عليها أحكاماً جائرة، كأن تتهم نفسك بالغباء أو عدم حسن التصرف، أو تلومها على التجارب الماضية السلبية التي اختبرتها؛ بل استفد من الماضي وابنِ معتقدات جديدة بناءً على تجاربك الشخصية؛ حيث تعد المواقف والأحداث التي يختبرها الإنسان أكبر معلِّم له، وأكبر محفِّز لتنمية ذكائه وإبداعه؛ حيث يولَد الابتكار والإبداع من الألم والمعاناة.

9. التركيز على الأفكار:

ينقسم الناس إلى 3 أنواع، فمنهم مَن يعيش من أجل الأشياء فقط، فيركِّزون على اقتناء أفخر السيارات والمنازل، ولا يعيرون أي انتباه للمسائل الأخرى في الحياة؛ بل يرون أنَّ السعادة الحقيقية تكمن في الأشياء المادية فحسب، في حين يجد النوع الثاني سعادتهم في نقد الآخرين، والتكلم عن غيرهم طوال الوقت؛ أي أنَّ حياتهم متمركزة حول الأشخاص، أمَّا النوع الثالث من الأشخاص؛ فيركز على ذاته وتطويرها، ويتأمل في المجتمع المحيط به ويحلل مشكلاته على أمل إيجاد الحلول المناسبة لها، ويجد هؤلاء الأشخاص أنَّ الحياة تساوي القيمة، فبمقدار ما تقدِّمه من قيمة ونفع؛ تزداد جودة حياتك ورونقها.

كن مثل النوع الثالث من الأشخاص، وهذا لا يعني إلغاء الجانب المادي والاجتماعي في الحياة، ولكن يعني تحقيق التوازن في الجوانب المادية والاجتماعية مع تغليب أنشطة القيمة على أسلوب حياتك.

10. الغذاء الصحي:

يجب الانتباه إلى مسألة الغذاء، من أجل تقوية عضلة العقل لديك، ومن الأطعمة المنشطة لعمل العقل؛ السمك، والخضراوات، والمكسرات، والبقوليات.

في الختام:

الذكاء هو القدرة على بناء أسلوب حياة يجمع ما بين البساطة والعمق؛ لذا اسعَ جاهداً إلى الاستثمار في مواهبك ونقاط قوَّتك، فالذَّكاء هو قدرتك على خلق الإصدار الأفضل منك.

 

المصادر: 1. 2. 3. 4. 5




مقالات مرتبطة