الذكاء العاطفي وأهميته في العلاقات مع الآخرين

يتوقف كلٌّ من نجاح الإنسان وسعادته في الحياة على مهارات لا علاقة لها بشهاداته وتحصيله العلمي؛ فصحيح أنَّنا لا ننكر أهمية التعليم وضرورته لبناء قاعدة أساس لحياة أكثر سعادة ورفاهية، إلَّا أنَّه لا يكفي لوحده، بل يجب أن يكون مصحوباً بمجموعة من المهارات والسمات التي من شأنها أن تضفي بريقاً مميزاً على صاحبها، وتؤهله اجتماعياً ومهنياً، وتمنحه الفرصة ليتألق على أي صعيد كان. ومن هذه المهارات الذكاء العاطفي، لذا سنتحدث في هذه المقالة عن أهمية الذكاء العاطفي في العلاقات مع الآخرين.



هناك العديد من المهارات الاجتماعية والمهنية، وليس لزاماً على أيٍّ منَّا أن يتقنها جميعها، إذ يكفي التحلي ببعضها ليجعل منك شخصاً مميزاً، ويؤهلك لشغل المنصب الوظيفي الذي تحلم به؛ ولعلَّ من أهم هذه المهارات: الذكاء العاطفي.

ما هو الذكاء العاطفي؟

يعرِّف الكاتب الأمريكي "ستيفن هيين" (Steven Heine)‏ الذكاء العاطفي بأنَّه قدرة الإنسان على التعامل مع عواطفه، بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمَن حوله.

يفتح الذكاء العاطفي أمامك آفاقاً كثيرة على الصعيد الشخصي والمهني، وتكون العلاقة بينه وبين النجاح علاقة أسية؛ فكلَّما كنت تتمتع بمعدل أعلى من الذكاء العاطفي، ازدادت قدرتك على تحقيق النجاح.

ما وظائف العاطفة؟

لقد خلق الله العواطف لتؤدي وظيفة معينة، ألا وهي حماية الإنسان من المخاطر، وضمان استمرارية وجوده، والارتقاء بهذا الوجود؛ فمثلاً: تدفعنا عاطفة القلق إلى البحث عن حلول للمشكلات التي قد تعترضنا في الحياة، في حين تُبعِدنا عاطفة الخوف عن عوامل الخطر، وتدفعنا عاطفة الغضب إلى الدفاع عن حقوقنا عندما يُعتدَى عليها، وتدفعنا عاطفة الحب إلى التضحية في سبيل من نحب.

خلف كل عاطفة رسالة، وعلينا أن نفهم هذه الرسالة جيداً، وألَّا نقمعها أو نكبتها حتى لا نلحق الضرر بأنفسنا؛ إذ تتراكم هذه المشاعر المكبوتة، ولا تلبث أن تنفجر مسببة لنا الأذى النفسي والجسدي.

لا يمكننا القول أنَّ بعض هذه المشاعر سلبي؛ ذلك لأنَّها تهدف في المقام الأول إلى حماية الإنسان، وتنبهه إلى أنَّ هناك شيئاً خاطئاً في محيطه وعليه تجنُّب الخطر الناتج عنه.

ما العلاقة بين العواطف والسلوك والأفكار؟

يقول الكاتب الأمريكي "ستيفن هيين" (Steven Heine):‏ "لا نستطيع أن نقرر عواطفنا، ولكنَّنا نستطيع أن نقرر ما الذي سنفعله حيالها؛ فأنا لا أستطيع أن أقرر متى أغضب أو أخاف، أو متى أقلق، أو متى أحب أو أكره؛ لكنَّني أستطيع أن أقرر كيف أتعامل مع خوفي وقلقي وحبي وكرهي؛ فأول خطوة نحو التحكم بالعواطف هو تسميتها".

وفقاً لستيفن: إنَّ العلاقة بين الأركان الثلاثة (الأفكار والعواطف والسلوك) علاقة تبادلية ذات اتجاهين؛ فنحن نستطيع أن نتحكم بعواطفنا وأفكارنا التي تؤثر في مشاعرنا، وأن نتحكم بسلوكنا الذي يؤثر في هذه العواطف؛ كما أنَّنا نستطيع تغيير طريقة تفكيرنا والصورة الذهنية التي شكلناها مسبقاً، وتغيير الواقع نتيجة لذلك.

يتجلى إعمال الذكاء العاطفي باتباع سلوك معين من أجل السيطرة على العاطفة، كالمشي، وممارسة الرياضة، والتنزه في الطبيعة، والتسوق، وتناول الأغذية الصحية، وغيرها من السلوكات التي يمكن لها أن تزيد انغماسنا في الحياة والعلاقات مع الآخرين من حولنا.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

ما هي أهمية مهارات الذكاء في علم النفس؟

حسب علم النفس فإنّ الذكاء العاطفي هو عبارة عن مجموعة من القدرات التي يمتلكها الفرد، وهذه القدرات ليست واحدةً عند الجميع، بل تختلف من شخص إلى آخر. هذه القدرات هي من تجعل الشخص قادراً على التكيف مع الظروف التي تحيط به، ونظراً لاختلاف وتباين القدرات بين الأشخاص تختلف قدراتهم على التأقلم والتعلّم واكتساب الخبرات، ومن هنا تنبع أهمية الذكاء العاطفي على اعتباره مجموعة من القدرات العقلية التي تؤهل الشخص للتعامل مع الظروف المختلفة المحيطة به، كما أنّها تقّدم له فرصا أوفر تسمح له بمزيد من التطور والنجاح، ونتيجةً لنظرته المختلفة وقدرته العالية على معالجة المعلومات بشكل أسرع وأفضل ستجده مبدعاً وخلاقاً في كلّ مجالات حياته وعلى كلّ الأصعدة. الذكاء العاطفي أكثر أنواع الذكاء أهميّةً بما يخص التكيّف والتأقلم مع ظروف الحياة فهو حسب علم النفس القدرة على التخلّص من النظرة السلبية واستبدالها بالتفكير الإيجابي والتفاؤل بعيداً عن التشاؤم والحزن.

إقرأ أيضاً: 4 مهارات في الذكاء العاطفي يمتلكها أسعد الأشخاص في عملهم

أهمية الذكاء العاطفي في الحياة:

لعلَّ من أبرز أركان الذكاء العاطفي: "التعاطف مع الآخرين"، والذي يعدُّ أساس النجاح في العلاقات الإنسانية؛ فعندما يشعر أحدنا بالضيق لسببٍ ما، سيرغب في التحدث إلى شخصٍ آخر للترويح عن نفسه وضمان تعاطف الآخر معه؛ إذ لا شك في أنَّ التحدث مع شخصٍ يجيد الإنصات ويتفهَّم مشاعر الآخرين سيخفف الإحساس بالضيق، ويُولِّد الشعور بالراحة.

يعدُّ التعاطف مع الآخرين والإحساس بمشاعرهم وتفهمها وتقديرها من أهم صفات الإنسان الذكي عاطفياً؛ إذ يعتمد تقدير المشاعر على ثلاثة أمور هي:

  1. إدراك هذه المشاعر: ربَّما ترتاح لمجرد قول أحدهم لك: "أراك منزعجاً بشدة؛ فهل بإمكاني تقديم المساعدة لتخفيف حدة إنزعاحك؟".
  2. تفهُّم المشاعر دون الحكم عليها: كقول أحدهم لك: "أدرك تماماً أنَّ هذا الأمر مزعج بالنسبة إليك، وأنا أتفهَّم رد فعلك هذا تجاهه".
  3. التعاطف: كقول أحدهم لك: "أدرك وأفهم تماماً ما تشعر به، فقد مررت بهذا الشعور من قبل".

إن كان تقدير المشاعر هو أكثر ما يريح الآخرين، فإنَّ عدم تقديرها أكثر ما يضايقهم، ويتمثل عدم تقدير المشاعر في:

  1. تجاهلها: كأن تقول لأحدهم: "لماذا العبوس؟ ابتسم".
  2. إخبار الآخرين أنَّ هذه المشاعر غير طبيعية: كأن تقول لأحدهم عندما تراه متضايقاً: "أنت حساس زيادة عن اللزوم".
  3. الإملاء على الآخرين بالطريقة التي عليهم أن يشعروا بها: كأن يقول أحدهم: "لماذا تحب هذا الإنسان؟ أنا لا أرى فيه شيئاً يستحق الإعجاب".

يتطلب التعاطف مع الآخرين الاستقرار العاطفي؛ إذ ينخفض إحساس الإنسان الذي تستهلكه عواطف القلق أو الخوف أو الحزن بمشاعر الآخرين، وقد يؤدي ذلك إلى انخفاض تفاعله الاجتماعي، ويدفعه إلى العزلة وتجنُّب العلاقات الاجتماعية والعاطفية.

يعدُّ التعاطف مع الآخرين شرطاً من شروط القيادة الناجحة؛ ففي دراسة أُجرِيت على ضباط في أمريكا، وجدوا أنَّ أكثرهم نجاحاً هم أكثرهم قدرة على التعاطف مع جنودهم، وأنَّ القدرة على التعاطف لا تتعارض مع التحلي بالحزم؛ إذ يمكن للقائد الناجح أن يكون متعاطفاً وحازماً في آنٍ معاً.

يجذب الإنسان الذي يجيد التعاطف مع الآخرين الناس إليه، ويكوِّن معهم علاقات اجتماعية قوية؛ إذ عادة ما يبحث الناس عمَّن يتعاطف معهم. يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [سورة آل عمران، الآية 159].

أثر مهارات الذكاء العاطفي على التواصل:

إنّ نجاح العلاقات الإنسانية مرتبط بشكل كبير بقدرة الإنسان على التعاطف مع غيره وتفهم مشاعره، وتقديم الدعم والمساعدة له عندما يمرّ بظروف صعبة. حقيقةً، لا يستطيع كلّ الناس القيام بهذه الأمور لأنّه تتطلب أن يكون الشخص ذكيّاً عاطفياً فمن خلال هذا الذكاء سيتمكن المرء من إدراك مشاعر الطرف الآخر وتفهمها وتقديرها من دون الحكم عليها، وهذا ما يجعله قريباً منهم وقادراً على تمييز السلوك الذي يؤثّر بهم مما يدفعه للتصرّف معهم بشكل يريحهم ويساعدهم، وهذا ما ينعكس ويظهر أثره واضحاً في عملية التواصل.

تساهم مهارات الذكاء العاطفي في بناء علاقات أقوى وأمتن بين الناس وذلك بسبب التواصل المباشر معهم، فمهارات الذكاء العاطفي تعزّز قدرات الشخص على التواصل مع الآخرين مما يدفع من يتمتع به للتصرف على نحو مهذب ومفهوم وهذا ما يجعله محبوباً وقريباً، كما يساعد الذكاء العاطفي الشخص على فهم مشاعر الناس تجاهه وتحديدها بشكل يساعده ويسهّل عليه عملية التواصل معهم.

إقرأ أيضاً: قواعد الذكاء العاطفي الـ 5 في العمل والعلاقات

ما صفات الشخص الذكي عاطفياً؟

  • يعرف الإنسان الذكي عاطفياً نفسه جيداً.
  • يعرف نقاط ضعفه وقوته.
  • يقرأ مشاعره باستمرار.
  • يتحمل المسؤولية في علاقاته مع الآخرين؛ فهو إنسان متعاطف، ومتسامح، ولا يحمل في قلبه غلاً ولا حسداً، ويتفهم مشاعر الآخرين ويراعيها، ومتفائل، ولا تخيفه العقبات، بل تزيده تحدياً وحماساً.
  • إنسان يعشق التغيير، ويتقبل النقد برحابة صدر، ويغير نفسه دائماً سعياً نحو الأفضل. يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [سورة الرعد، الآية 11].

أهمية الذكاء العاطفي في العمل:

الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي هم أشخاص يتميزون بنظرتهم التفاؤلية وقدرتهم على ضبط عواطفهم والتحكّم بها، كما أنّهم أيضاً يمتلكون القدرة على اتخاذ القرارات بشكل حيادي ومجرّد بعيداً عن أي عاطفة مما يمكنهم من التعامل مع أي موقف وإيجاد الحلول البديلة بسرعة كبيرة، وهذه الصفات والقدرات السابقة مُجتمعة تجعل الشخص أكثر قدرة على النجاح والتطور والارتقاء في العمل.

أهمية الذكاء العاطفي في الإدارة والقيادة:

أثبتت الدراسات أنّ الذكاء العاطفي يزيد قدرة الشخص على القيادة، فالقائد أو المدير عليه أن يكون قادراً على تحفيز الموظفين وعلى تشجيعهم وتنظيمهم وبث روح المشاركة والعمل والتعاون فيما بينهم، وأيضاً على دعمهم ومساعدتهم وتفهّم مشاعرهم وتفجير طاقاتهم وإبداعاتهم، وهذا كلّ لن يحدث إن لم يكن المدير على قدر كبير من الذكاء العاطفي. ما يميز المدراء هو مستوى الذكاء العاطفي لديهم؛ لأنّ على جو العمل أن يكون جواً مريحاً ومليئاً بالمحبة والطاقة الإيجابية وهذا ما يعجز عنه من لديه مستويات أقل من الذكاء العاطفي.

أهمية الذكاء العاطفي في التعليم:

كما أنّ الذكاء العاطفي مهم وضروري في كلّ مجالات الحياة فهو مهم أيضاً في مجال التعليم، وقد أكد الكثير من علماء التربية على هذه الأهمية فمن خلاله يتعلّم الفرد كيف يتعامل بشكل فعّال مع الآخرين ومع المحيط، نظراً لأهميته الكبرى في تكامل وتحقيق الصحة النفسية والعاطفية التي تعدّ من الضرورات الأساسية لحدوث التعلّم الفعال الذي يُحقق النتائج والأهداف المرجوّة، والأهم من هذا كلّه القدرة على تحقيق الانسجام بين القدرات العقلية والقدرات العاطفة فهذا أمر بغاية الأهمية وضروري جداً لنجاح عملية التعلّم، ونكاد نقول أننا من دون هذا الانسجام سيكون دائماً هناك شيء ناقص يظهر أثره واضحاً في جانب ما من جوانب الحياة، فالتعلّم عملية متكاملة تهدف إلى إغناء القلب والعقل معاً، ليمتلك الشخص القدرة على توظيف مهاراته وقدراته بشكل صحيح في حياته.

شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي

أهمية الذكاء العاطفي للأطفال:

يساعد الذكاء العاطفي الطفل على فهم نفسه وعلى فهم مشاعر المحيطين به، وهذا ما يمنحه القدرة على التصرّف بشكل فعال وذكي ويكسبه العديد من المهارات كالوعي الذاتي الذي يمكّنه من فهم لغة الجسد ومعرفة ما تعنيه نبرة الصوت أو ملامح الوجه، كما يكون أيضاً قادراً على التحكم بمشاعره دون الانسياق والانغماس في العواطف. الذكاء العاطفي يحمي الدافع لدى الطفل ليصبح قادراً على التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم. جميع هذه المهارات تنعكس على سلوكيات الأطفال بشكل إيجابي وعلى طريقة تفاعلهم مع مشكلاتهم وظروفهم.

ختاماً:

كما ذكرنا آنفاً: يعدُّ الذكاء العاطفي مهارة من المهارات الاجتماعية والمهنية، ولعلَّ الجدير بالذكر أنَّها مهارة يمكن اكتسابها وتعلُّمها؛ لذا اسعَ إلى إتقانها، وتمتع بالنعيم الذي ستغدقك به.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة