الذكاء العاطفي في التعليم

لفتَ جولمان الانتباه إلى الصلة بين النجاح التعليمي والكفاءَة العاطفية والاجتماعية في عام 1995، وأشار إلى أنَّ الذكاء العاطفي يُعَدُّ أكثر أهمية من معدل الذكاء العادي من أجل النجاح في مجالات الحياة المختلفة ومن بينها المجال الدراسي والأكاديمي، وانطلاقاً من هذه الأهمية بدأت دراسات إمكانية تدريس مهارات الذكاء العاطفي وجعله جزءاً من المناهج الدراسية سواء الابتدائية أم المتقدمة، لما له من أهمية بالغة في التأثير في معدلات التحصيل الدراسي والأكاديمي.



على الرغم من كل هذه الأهمية، ما زالت تجربة دمج مهارات الذكاء العاطفي في التعليم محدودة الانتشار، ولم تحظَ بعملية دعم كبيرة في هذا الشأن.

قبل الانطلاق في أهمية الذكاء العاطفي ودوره في التعليم علينا أولا أن نعرف المقصود من مصطلح الذكاء العاطفي.

تعريف الذكاء العاطفي:

يُعرَّف الذكاء العاطفي بأنَّه قدرة المرء على التعرُّف إلى عواطفه وتصنيفها والتحكم بها وإدارتها بطريقة إيجابية، إضافةً إلى امتلاك الفرد القدرة على التعرُّف إلى مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، والتعرُّف إلى مسببات ودوافع سلوكاتهم.

انطلاقاً من تعريف الذكاء العاطفي يمكن لنا أن ندرك مدى أهمية تلك المهارات في مجالات عديدة؛ كالذكاء العاطفي في التعليم والذكاء العاطفي عند الأطفال والمراهقين، فتلك المهارات تؤثر بشكل فعَّال في تبنِّي استراتيجيات تعليمية فعَّالة من أجل تطبيقها في النطاق المدرسي.

ما هو دور الذكاء العاطفي وأهميته في التعليم؟

يريد الآباء والمعلمون والطلاب جميعاً معرفة الصفات الشخصية التي يمكن أن تساعد الطلاب على الأداء الجيد في دراستهم، وعلى الرغم من أنَّ جودة التعليم وتوفُّر الموارد التعليمية والعوامل البيئية هي أشياء لها دور كبير في تحقيق الطلاب للنتائج الجيدة، إلَّا أنَّ الصفات الشخصية للطلاب يمكن أن تمنحهم ميزة إضافية عن الآخرين.

لكنَّ الأبحاث تُظهر أنَّ الذكاء العاطفي يمكن أن يمنح الطلاب ميزة إضافية؛ وذلك من خلال أنَّ يتمثل الذكاء العاطفي في القدرة على إدراك المشاعر واستخدامها وفهمها وحسن إدارتها.

لقد بيَّنت الكثير من الدراسات أنَّ الطلاب الأذكياء عاطفياً يحصلون على نتائج امتحانات أفضل ودرجات أفضل؛ وذلك بسبب عدة أسباب وهي:

  • امتلاكهم القدرة على التغلُّب على القلق الامتحاني.
  • امتلاكهم القدرة على التواصل الجيد مع المعلمين والأقران.
  • امتلاكهم القدرة على تحديد مشاعرهم وتصنيفها، ووضع تلك المشاعر في خدمة أهدافهم الدراسية.

الذكاء العاطفي عند المعلِّم:

نظراً إلى أنَّ المعلمين هم المسؤولون عن هيكلة عقول الأجيال القادمة، فقد أصبح الارتباط التعبيري بين المعلم والطالب ضرورياً مع استمراره إلى الأبد، ومع ذلك فإنَّ المعلم لديه بعض القيود للتواصل مع الطلاب على المستوى العاطفي، وتقع على عاتق المعلمين مسؤولية تطوير طلاب الغد بموقف إيجابي وبنَّاء تجاه الحياة، ومن هنا يظهر مدى أهمية الذكاء العاطفي عند المعلِّم.

بكلمات واضحة وبسيطة نعلم أنَّ الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم مشاعرك الفردية، إضافة إلى فهم ما يقوله لك الآخرون جنباً إلى جنب مع مشاعر الأشخاص من حولك؛ مما يعني أنَّك كمعلم يجب أن تمتلك وعياً ذاتياً يسهِّل عليك تحديد المشاعر من خلال إدارة مشاعرك، كما يساعد الذكاء العاطفي على تطوير أداء المعلم المهني، ويساعد الذكاء العاطفي أيضاً على تنمية اتصال صحي وتحقيق نجاح أفضل في العمل مع الطلاب.

اليوم في جميع أنحاء العالم وفي كل القطاعات ومنها القطاع التعليمي، أصبحت أهمية الذكاء العاطفي أكثر استدامة؛ إذ تعمل برامج تدريب المعلمين المختلفة الآن على تطوير مناهجها الدراسية من خلال مراعاة الذكاء العاطفي كأحد أهم العوامل لتطوير المعلمين مهنياً.

  1. يبني الذكاء العاطفي إحساساً بالوعي الذاتي بين المعلمين حتى يتمكنوا من تصنيف عواطفهم وعواطف الطلاب، وهذا يسهِّل أيضاً على المتخصصين في التدريس تحديد مشاعرهم وأفكارهم، ومعرفة نقاط قوتهم وضعفهم، واختلاق الثقة بالنفس.
  2. يعزز الذكاء العاطفي ممارسات التدريس في عالم التعليم المتطور اليوم؛ إذ يساعد على بناء علاقة فعَّالة بين المعلم والطالب، ويمكن من خلال مهارات الذكاء العاطفي حل أنواع مختلفة من النزاعات وسوء الفهم بين المعلم والمتعلِّم إذا كان المعلمون قادرين عاطفياً وأذكياء، وهذا أمر حيوي؛ وذلك لأنَّ نظام التعليم المركب الحالي يتطلب من المعلم التميُّز في إدارة العلاقات من أجل التواصل المفيد مع عملية التدريس والتعلُّم المثمرة.
  3. يعرف المعلم الذكي عاطفياً - والذي يطبق مهارات الذكاء العاطفي - جيداً كيفية إدارة الفصل الدراسي بنجاح أكبر؛ إذ يمكن للمعلم التعامل مع قضايا الطلاب المختلفة بطريقة صحيحة وسليمة، وتكون لديه قدرة على إنشاء فصل دراسي مفيد يحقق من خلاله غايات التعلُّم السامية.

الذكاء العاطفي عند الأطفال:

فكِّر في لحظة من طفولتك مشوبة بالعاطفة بشكل خاص؛ على سبيل المثال القلق من ركوب الحافلة بنفسك لأول مرة، أو الخوف من الانتقال إلى مدينة جديدة والحزن من ترك أصدقائك وراءك، أو الانتقال إلى مدرسة جديدة، أو تغيير صفك، وغيرها من الحالات التي يمكن أن تؤثر في كل طفل دون استثناء، وهنا لا بدَّ من طرح بعض الأسئلة الهامة وهي:

  1. كيف ساعدك والداك؟
  2. هل قدَّما الراحة؟
  3. هل تحدَّثا إليك عن التجربة؟
  4. هل انتبها إلى مشاعرك وساعداك على التعبير عنها بفعالية؟
  5. هل قلَّلا من التجربة وتركاك تكتشف الأشياء بمفردك؟
  6. من كان موجوداً لمساعدتك في أثناء هذه المشاعر؟

سواء كنتَ أباً أم كنتِ أمَّاً أم كنتِ معلمة تعمل في سلك التدريس، فقبل أن تتخذوا قراركم بنقل مهارات الذكاء العاطفي إلى الأبناء والعمل على تزويدهم بتلك المهارات، عليكم التوقُّف لبرهة لتتأملوا ما يلي:

  1. ما هي أفضل طريقة لتعليم الذكاء العاطفي للأطفال؟
  2. كيف يمكنكم مساعدتهم على تطوير الوعي الذاتي والتعاطف؟
  3. كيف يمكنكم مساعدتهم على الارتباط بشكل أفضل بالآخرين؟

ستعتمد الإجابات على عدد من العوامل، ونظراً إلى أنَّ الذكاء العاطفي أصبح جزءاً لا يتجزأ بشكل متزايد في المناهج الدراسية في جميع أنحاء العالم، فمن الهام العمل على تعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح ذهبية لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال

ما هو الذكاء العاطفي لدى الأولاد؟

مع نمو الأطفال يمكن أن يعلمهم الآباء والمعلمون مهارات الذكاء العاطفي بمعدلات مختلفة؛ فلا يوجد نموذج خطي واحد ومرتب لتلخيص كيف يجب أن تبدو مهارات الذكاء العاطفي لدى الأطفال من مختلف الأعمار، لكن توجد خطوات لتعليم الأطفال مهارات الذكاء العاطفي وهي:

  1. تنمية الوعي العاطفي بمشاعرهم الخاصة أولاً، ومن ثم مشاعر الآخرين.
  2. تعليمهم التعرُّف إلى المشاعر أو تحديدها أو إدراكها، بالإضافة إلى فهم ماهيَّة الشعور.
  3. تعليمهم فهم ما تعنيه تعابير الوجه ولغة الجسد ونبرة الصوت وما إلى ذلك.
  4. تعليمهم وصف المشاعر بالإضافة إلى تسمية المشاعر؛ إذ سيتعلمون كيفية استخدام المفردات العاطفية لنقل ما يشعرون به.
  5. تعليمهم التعاطف مع مشاعر الآخرين.
  6. تعليمهم التحكُّم بعواطفهم وإدارتها، وتعلُّم وتطبيق المعرفة حول متى يكون من المناسب التصرُّف أو الرد عندما يشعرون بشيء ما.
  7. تعليمهم فهم ما يسبب المشاعر؛ سواء في أنفسهم أم في الآخرين.
  8. تعليمهم فهم الروابط بين العاطفة والسلوك.
إقرأ أيضاً: خصائص الذكاء العاطفي ومكوناته وأهميته

الذكاء العاطفي عند المراهقين:

الذكاء العاطفي هو مجموعة من المهارات الجديرة بالاهتمام بالنسبة إلى المراهق؛ إذ إنَّ تلك المهارات العاطفية تزيد من المرونة الفكرية للمراهق، وتمده بالوعي الذاتي وتساعده على تطوير علاقاته بشكل صحي وسليم.

لكنَّ السؤال الهام هو: كيف تعرف ما إذا كان ابنك المراهق ذكياً عاطفياً بالفعل؟ أو ما الذي يجب عليه تحسينه؟

إذا كنتَ بحاجة إلى التعمُّق في فهمك للذكاء العاطفي وفوائده العديدة وكيفية معرفة ما إذا كان ابنك المراهق يظهر بالفعل علامات الذكاء العاطفي، فنقدم لك أهم النصائح لتعليم الذكاء العاطفي للمراهقين:

1. تحدَّث بصراحة عن المشاعر:

الخطوة الأولى لتنمية الذكاء العاطفي عند المراهقين هي التحدُّث بصراحة عن المشاعر؛ على سبيل المثال تخنق العبارات القديمة المستخدمة كتلك التي تقول "الأولاد لا يبكون" الذكاءَ العاطفي والنمو، وتعزز الذكورة السامة؛ لذلك إذا كانت أسرتك تميل إلى اكتساح المشاعر تحت البساط، فقد حان الوقت لاتِّخاذ خطوات لإخراج كل شيء في العراء.

2. صِفْ المشاعر:

تكلَّم عن المشاعر في المحادثات اليومية على مائدة العشاء، ويمكنك أن تبدأ أنت وأسرتك تقليداً بسؤال بعضكم بعضاً "كيف كان يومك؟"، لكن ابدأ ردودك بـ: "اليوم شعرت بـ X لأنَّ X" أو "اليوم فعلت X وجعلني أشعر X"؛ فهذه طريقة بسيطة للبدء بالتعرُّف إلى المشاعر والتحقُّق من صحتها.

قد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء في البداية، ولكنَّه سيصبح طبيعياً بالنسبة إليك وإلى عائلتك؛ إذ ستساعد مثل هذه التمارين البسيطة ابنك المراهق على التفكير في كيفية الشعور في بعض المواقف أو الأشخاص أو الأحداث، فالتعرُّف إلى المشاعر هو الخطوة الأولى نحو فهم كيفية إدارتها.

3. شجِّع الوعي الذاتي:

بمجرد أن يتمكن ابنك المراهق من التعرُّف إلى مشاعره، سيبدأ بتوقُّع كيف يمكن لمواقف معيَّنة أن تجعله يشعر ويتفاعل ولماذا، ويمكن أن يكون هذا النوع من البصيرة ذا قيمة كبيرة، وخاصةً إذا كان ابنك المراهق يعاني من حالات صحية عقلية أخرى مثل القلق.

يمكن أن يعترف المراهق الواعي عندما يجعله شيء ما يشعر بمشاعر معيَّنة؛ على سبيل المثال قد يشعر ابنك المراهق بالقلق عادةً عند مقابلة أشخاص جدد. بمجرد أن يعرفوا هذا عن أنفسهم، سيكونون قادرين على رؤية المواقف القادمة؛ إذ قد يبدأ قلقهم ويتعلمون الاستعداد لها؛ على سبيل المثال عندما ينضمون إلى فريق رياضي جديد، فيمكن أن يؤدي الاستعداد للاستجابات العاطفية إلى إدارة المشاعر بشكل فعَّال، وربما حتى تبنِّي استراتيجيات من شأنها تقليل قلقهم.

إقرأ أيضاً: الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

4. ساعدهم على إدارة مشاعرهم:

يمكن للمراهق الآن الاعتراف بالشعور بمشاعر معيَّنة، ويمكنه التعرُّف إلى المواقف التي ستسبب استجابة عاطفية، والخطوة التالية في تعليم الذكاء العاطفي للمراهقين هي إدارة المشاعر، وتوجد بعض الأدوات الرائعة التي يمكنك أنت ومراهقك تجربتها معاً للمساعدة على إدارة المشاعر.

ساعِدهم على العثور على أفضل طريقة لإدارة المشاعر المتزايدة، فقد يلعبون ألعاب الفيديو للتخلُّص من التوتر بعد الامتحانات أو يكون لديهم منفذ إبداعي مثل الرسم أو تشغيل الموسيقى عندما يشعرون بالإحباط.

إذا علموا أنَّهم يدخلون في موقف سيجعلهم يشعرون بالعاطفة، فقد يجربوا بعض تقنيات التنفس المهدِّئة مسبقاً لإعداد أنفسهم، والشيء الهام هو أنَّهم يستطيعون:

  • التعرُّف إلى اللحظات التي يشعرون فيها بمشاعر متزايدة.
  • تمييز متى قد تنشأ حالة من المحتمل أن تصبح عاطفية.
  • وضع العمليات التي ستخفف من ضربة هذه المشاعر.

5. أَظهِر الاستماع الجيد:

لا يتعلق الذكاء العاطفي فقط بإدراك مشاعر المرء؛ وإنَّما أيضاً بالتعاطف مع مشاعر الآخرين، ونحن ندرك عواطف الآخرين في الغالب من خلال البصر، وغالباً ما يكون التعبير على وجوه الناس والطريقة التي يتصرفون بها أقوى المؤشرات على شعورهم، لكن كونك مستمعاً جيداً فهذا أمر بالغ الأهمية لفهم ما يشعر به الآخرون والتعاطف معه، ومع ذلك من الهام جداً إخبار ابنك المراهق أنَّه ليس عليه تحمُّل مشاعر الآخرين لإظهار التعاطف.

في حين أنَّ التعاطف يتعلق بالقدرة على فهم ما يشعر به شخص آخر والارتباط به، إلَّا أنَّه توجد أشكالٌ من التعاطف "المعرفي والرحيم" تسمح لك بالتواصل مع شخص عاطفي دون أن تستهلك عواطفه، وغالباً ما تكون أفضل طريقة للقيام بذلك هي الاستماع والإدراك.

قد يجد المراهقون أنَّه من السهل جداً الوقوع في مشاعر الآخرين وأن يكونوا معرضين إلى خطر عرقلة استقرارهم العاطفي وصحتهم العقلية، وسيسمح لهم تعليمهم أن يكونوا مستمعين جيدين بالتعرُّف إلى المواقف المشحونة عاطفياً مع الآخرين، ويظهر لهم أنَّه يمكنهم أن يكونوا داعمين دون تحمُّل ثقل مشاعر الآخرين.

في بعض الأحيان أكثر ما يحتاج إليه المراهقون الذين يمرون بأوقات عصيبة هو أن يجلس شخص ما معهم ويستمع، وفي كثير من الأحيان لا يحتاجون إلى استجابة أو نصيحة أو طمأنة؛ إذ يمكن أن يكون مجرد التحقُّق من صحة مشاعر شخص ما وإظهار الدعم من خلال السماح له بالتنفيس اللفظي كافياً.

يمكنك تعليم ابنك المراهق أن يكون مستمعاً جيداً من خلال إظهار ذلك بنفسك، وإذا احتاج إلى التشدق بشيء حدث في المدرسة، فاستمع بصبر وتذكَّر التحقُّق من صحة مشاعره، ومارِس تعاطفك المعرفي من خلال محاولة وضع نفسك في مكانه وفهم إحباطه.

سوف يلتقط ابنك المراهق مهاراتك في الاستماع، ونأمل أن يحاكي ذلك في علاقاته مع الآخرين، وقد يحتاج بعض الشباب إلى دفعة أكثر وضوحاً نحو ممارسة الاستماع الجيد، وإذا كان ابنك المراهق يقصرك عندما تتحدث إليه، فذكِّره بأهمية الاستماع، وأَجرِ محادثة مفتوحة معه حول الاحترام المتبادل والتعاطف.

مع مرور الوقت سيتعلَّم المراهق التعاطف بعقلانية مع الآخرين من خلال أن يكون مستمعاً جيداً.

6. مارِس:

قد يكون من الصعب تعليم الذكاء العاطفي للمراهقين، لكن تحلَّ بالصبر والمثابرة. كما هو الحال مع أيَّة مهارة أخرى، يستغرق تطوير الذكاء العاطفي وقتاً وممارسة، فاستمر في التعرُّف إلى المشاعر في المحادثات اليومية.

سيساعد تطوير الذكاء العاطفي مبكراً ابنك المراهق على الانتقال بسلاسة إلى مرحلة البلوغ ويقوي علاقاته، ويمكن أن يحسِّن قابليته للتعايش مع متغيرات الحياة.

إقرأ أيضاً: أهمية تنمية الذكاء العاطفي لدى الأطفال والبالغين

الذكاء العاطفي في التربية:

أنت تقدم وجبة الفطور المفضلة لطفلك - كورن فليكس مقرمش - على طبقه المفضل في المقعد المفضل على الطاولة، وماذا تتلقى في المقابل؟ نبرة عالية "أنا أكره الكورن فليكس!":

  • "لكن هذا هو الفطور المفضل لديك، وقلت لي ذلك بنفسك!"
  • "لا أريده".
  • "لكن أكلته بسعادة في الأسبوع الماضي!"
  • "لا أريده".

وهكذا يستمر الأمر.

أليس من المحبط ألَّا تستطيع جعل طفلك يرى السبب عندما لا تكون قادراً على مساعدتة على فهم المنطق الصعب؟

لا تستطيع الفوز في جميع معارك الأبوة والأمومة باستخدام العقل والمنطق؛ بل يتطلب التعامل مع الأولاد كثيراً من الوعي والتعاطف.

يُعَدُّ الوعي العاطفي والقدرة على إدارة المشاعر حجر الزاوية في الأبوة والأمومة الذكية عاطفياً، وسيحدد تعزيز النمو العاطفي الصحي للأطفال مدى نجاحهم وسعادتهم طوال الحياة.

يمكن أن يساعد الآباء الأذكياء عاطفياً أطفالهم على تعلُّم هذه المهارات، وهذا ما يميزهم في الواقع عن البالغين الذين لا يمارسون هذه المهارات، وهي:

1. أن يعتنوا بأنفسهم:

الأبوة والأمومة هي واحدة من أصعب الأدوار في العالم؛ إذ إنَّ الآباء الأذكياء عاطفياً يكونون متعاطفين مع أنفسهم، ويدركون أنَّهم بحاجة إلى إبقاء فنجانهم ممتلئاً، ويدركون أنَّ التأكيد على رفاهيتهم سيجعلهم أكثر صبراً وسعادةً وحيوية، فهُم يعترفون بأنَّ احتياجاتهم صالحة ويستثمرون الموارد في ممارسة الرعاية الذاتية، وعندما يجدون أنفسهم مرهقين، فإنَّهم يتخذون خطوات لتصحيح المسار وتحديد الأولويات.

2. أن يركزوا في الاتصال:

يَعَدُّ إنشاء رابطة متصلة بين الوالدين والطفل إحدى أهم أولويات الآباء الأذكياء عاطفياً، وتجعلنا حياتنا الحديثة - التي تتميز بضغوطاتها وانحرافاتها - نشعر بالتوتر والانفصال، ويبدو أنَّ الاتصال بأطفالنا يُهمَّش عند الاهتمام بجميع الأمور، ومع ذلك فإنَّ التواصل مع أطفالنا - الوجود الكامل معهم في الوقت الحالي وتركيز 100% من اهتمامنا فيهم - لا يحتاج إلى الكثير من الوقت.

3. أن يعمل الآباء الأذكياء عاطفياً على إثراء علاقتهم بأطفالهم:

وذلك من خلال خلق لحظات صغيرة من الاتِّصال، أو عن طريق إقامة طقوس يومية "أو أسبوعية أو شهرية"، أو عن طريق خلق ذكريات خاصة معاً.

4. أن يمارسوا التدريب العاطفي:

يتضمن تدريب طفلك على المشاعر؛ مساعدته على التعرُّف إلى مشاعره وتسميتها وتمكين التنظيم العاطفي؛ إذ إنَّ الآباء الأذكياء عاطفياً لا يرفضون ولا ينتقدون مشاعر أطفالهم؛ بل هم ينظرون إلى مشاعر أطفالهم الصعبة على أنَّها فرص للتعاطف والتواصل والتعليم، كما أنَّهم يمكِّنون أطفالهم من اكتشاف استراتيجيات للتعامل مع المواقف الصعبة عاطفياً.

5. أن يؤدِّبوا للتعليم وليس للعقاب:

ينطوي التأديب على تعليم طفلك ما تتوقعه منه، ويركز الآباء الأذكياء عاطفياً في وضع الحدود، وفي عواقب كسر تلك الحدود، وفي الاحترام؛ إذ إنَّهم لا يؤدبون للمعاقبة، ويدركون أنَّ الاتساق والدعم يقطعان شوطاً طويلاً في مساعدة الأطفال على الالتزام بالقواعد والحدود، كما أنَّهم يفهمون أيضاً أنَّ الصراخ أو التجاهل أو المعاقبة قد تؤدي جميعها إلى النتائج المرجوة على المدى القصير، لكن على المدى الطويل لا يمكِّنون الأطفال من تعلُّم المهارات لإدارة سلوكهم.

6. أن يطوروا الدافع الجوهري لأطفالهم:

الدافع الجوهري هو القدرة على الاستمرار والاستمرار في المهمَّة على الرغم من العقبات، ودون السعي إلى الحصول على موافقة الآخرين، ويساعد الآباء الأذكياء عاطفياً أطفالهم على تحديد الأهداف "سواء كانت هذه الأهداف تتعلق بالأكاديميين أم الأعمال المنزلية أم الهوايات أم حتى الأنشطة الترفيهية" ومساعدة أطفالهم على تصوُّر الخطوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، إنَّهم يعززون جهود أطفالهم في المهمَّة بدلاً من النتيجة ويعلمون ويصممون حب التحدي والمثابرة في مواجهة الصعوبات.

7. أن يغرسوا القيم في أطفالهم:

القيم هي المعتقدات التي يَعُدُّها كل شخص هامة لنفسه وللإنسانية ككل، ونظراً إلى أنَّها تؤثر بعمق في سلوكاتنا ومواقفنا وقراراتنا، فإنَّ القيم ضرورية في الأبوة والأمومة، ويعمل الآباء الأذكياء عاطفياً على تحديد قيمهم الخاصة وإيصالها إلى أطفالهم، ومع ذلك فإنَّهم يدركون أنَّ مجرد إخبار طفلهم بأن يكون أكثر صدقاً أو مجتهداً أو ممتناً أو عطوفاً لا يعمل بشكل أفضل من إخبار البالغين بذلك، فهُم يصممون القيم التي يدعمونها، ويصنفون ويعززون التعبير عن القيم، ويناقشون سبب اتِّخاذهم لقرارات معيَّنة بناءً على قيمهم، ويشجعون مبادرات أطفالهم التي تعبِّر عن القيم الناشئة.

بالعودة إلى مثال الطفل؛ يمكن استخدام الذكاء العاطفي؛ فبدلاً من أن تقول: "أنا أعلم أنَّك تحب الكورن فليكس! وهو الإفطار المفضل لديك!"، يقول أحد الوالدين الأذكياء عاطفياً: "يبدو أنَّك تشعر بخيبة أمل بشأن الكورن فليكس على الإفطار، أنت في مزاج لشيء مختلف"؛ إذ إنَّ الآباء الأذكياء عاطفياً يعترفون بمشاعر طفلهم الصعبة.

شاهد بالفيديو: 6 قواعد أساسية لتعزيز الذكاء العاطفي

استراتيجيات الذكاء العاطفي وتطبيقاتها في التعليم:

يُعَدُّ تعليم الأطفال كيفية إدارة عواطفهم والاستجابة بشكل مناسب إلى مشاعر الآخرين جزءاً هاماً من التعليم، ولإنجاز هذه المهمَّة يدمج العديد من المعلمين برامج التعلُّم الاجتماعي والعاطفي في المناهج الدراسية.

هذه البرامج ليست فعالة فقط في تحسين الذكاء العاطفي للطلاب؛ وإنَّما أيضاً هي برامج تمنع التنمر وتزيد من النجاح الأكاديمي، ولكنَّ الأهم من ذلك أن يبدأ الطلاب بإدراك أنَّ ذكاءَهم العاطفي لا يقل أهمية عن نجاحهم الأكاديمي.

مع الآفاق المذكورة أعلاه؛ من الواضح أنَّ الذكاء العاطفي يحسِّن التدريب التعليمي في القرن الحادي والعشرين، ومن خلال فهم حاجة وأهمية الذكاء العاطفي يمكن القول إنَّ الذكاء العاطفي هو إحدى القدرات الرئيسة التي يحتاج إليها المدرس ليصبح مدرساً ناجحاً في القرن الحادي والعشرين في تطوير التعليم الصاعد، ويجب أن يكون المعلمون أذكياء عاطفياً إذا كانوا يريدون حقاً البقاء على قيد الحياة في حياتهم المهنية كمعلمين.

كيف يمكن أن نستفيد من الذكاء العاطفي في المدرسة؟

بعض المهارات لا تُدرَّس في المدرسة، ولكنَّ هذا لا يمنع من أن تكون هامة، ومن تلك المهارات التي قد لا تُدرَّس في المدرسة هي مهارات الذكاء العاطفي؛ إذ يمنح الذكاء العاطفي ميزة هامة للطلاب على جميع مستوياتهم التعليمية؛ بل ويؤهلهم إلى مستقبل زاهر لهم في حياتهم المهنية، ومن هنا تأتي أهمية استخدام مهارات الذكاء العاطفي في المدرسة والجامعات.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتنمية الذكاء العاطفي

لكن لماذا يُعَدُّ الذكاء العاطفي هاماً للطلاب على وجه التحديد؟

عندما تتمكن من فهم وإدارة مشاعرك، فمن المرجَّح أن تحصل على درجات جيدة في اختبارات المدرسة أو الكلية، فالطلاب الأذكياء عاطفياً مجهزون بشكل أفضل للتعامل مع المشاعر السلبية التي قد تعطل التعلُّم؛ إذ يتميز الطلاب الأذكياء عاطفياً عن غيرهم بما يلي:

  1. يمكنهم التغلُّب بسرعة على ضغوطات الامتحان والاستمرار في الإجابة عن الأسئلة.
  2. يمكنهم التغلُّب على الملل والحفاظ على تركيزهم في المواضيع الباهتة.
  3. يمكنهم تجنُّب الهوس بدرجة مخيبة للآمال والتركيز بدلاً من ذلك في التحسين في المرة القادمة.
إقرأ أيضاً: شرح نظريات الذكاء العاطفي

في الختام:

مع التقدم الذي نعيشه في عالمنا المعاصر، علينا أن نعلم أنَّ مهارات الذكاء العاطفي لم تَعُد مهارات كمالية؛ بل باتت مهارات أساسية لا بدَّ من وجودها لدى كل فرد منا، ومهما كان الدور الوظيفي الذي نؤديه، فهل يمكن لنا أن ننكر فوائد الذكاء العاطفي للمعلمين والمربين والآباء والأمهات وحتى للموظفين والمديرين والقادة، لقد أصبحت مهارات الذكاء العاطفي واحدة من أهم أركان النجاح في الحياة وفي التعامل مع متغيراتها.




مقالات مرتبطة