الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون: تحديات وإمكانيات

إنَّ مجال التصميم والفنون من المجالات الواسعة والشاملة لعدة مجالات وتخصصات تتعلَّق جميعها بالإبداع والفن، مثل التصميم الجرافيكي الذي يتعلَّق بتصميم الرسومات، والصور التي تُستخدَم في الإعلانات المطبوعة أو في المواقع الإلكترونية، والتصميم الداخلي الذي يتعلق بالمساحات الداخلية للمباني من منازل ومؤسسات ومستشفيات وغير ذلك، والتصميم الصناعي المتعلق بتصميم الأجهزة الإلكترونية والمعدات والأدوات المنزلية والأثاث والملابس والأحذية.



أيضاً التصميم المعماري المتعلق بتصميم المنشآت المختلفة، والتصميم التجريدي المتعلق بتصميم الأشياء والأشكال والمنتجات بشكل تجريدي غير واقعي، والتصميم التفاعلي الذي يتعلق بتصميم الواجهات الرقمية والمواقع الإلكترونية والتطبيقات الجوالة والألعاب الإلكترونية، وأخيراً الفنون الجميلة التي تشمل الرسم والتصوير والنحت والموسيقى وما شابه ذلك.

نلاحظ أنَّ مجالات الفنون المتعددة تدخل في مجالات حياتنا كافة، فتساهم في تحسين الجمالية للأشياء والأماكن، وتعزز الهوية الثقافية لها؛ لذلك يعد التصميم والفنون من المجالات الهامة في الحياة، وكغيرها من المجالات فقد تأثرت وسوف تتأثر أكثر مستقبلاً بالذكاء الاصطناعي الذي تطوَّر على مدار السنين ليحظى باهتمام عالمي وينتشر ليدخل مختلف مجالات الحياة، لدرجة أنَّه أصبح يهدد بعض المهن، فما هو تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون؟

سنتعرَّف في مقالنا الحالي إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون، وما هي التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.

إمكانات الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون:

أحدَثَ الذكاء الاصطناعي تحولاً هاماً في مجال التصميم والفنون، فترك أثراً واضحاً في عدة أماكن ومجالات، وأهمها ما يأتي:

1. الذكاء الاصطناعي في تصميم الأشكال والأجسام ثلاثية الأبعاد:

يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تصميم الأشكال والأجسام ثلاثية الأبعاد وبسرعة ودقة عالية، فيتم ذلك بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تقنيات التعلم العميق من خلال استخدام الشبكات العصبية العميقة؛ وذلك لتوليد نماذج ثلاثية الأبعاد بعد إدخال العديد من النماذج ثنائية الأبعاد وتقنيات النمذجة الحاسوبية، إضافة إلى استخدام التحليل الإحصائي، وهذا يساعد بشكل عام على تحسين المنتجات المختلفة.

2. الذكاء الاصطناعي في تصميم الشعارات والرموز:

تجعل القدرات العالية لتقنيات الذكاء الاصطناعي عملية تصميم الشعارات والرموز من الأمور البسيطة؛ وذلك بالاعتماد على تقنيات تحليل البيانات المتعلقة بالشعارات والرموز، وتقنية الاستنتاج التلقائي لتوليد التصميم النهائي للشعار باستخدام صور مختلفة.

أيضاً يمكن استخدام التقنيات العصبية العميقة؛ وذلك من خلال تدريب النمذجة العصبية على تحليل الصور والألوان المختلفة لتوليد تصميم جديد منها، كما يمكن الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل تصميم أو شعار وتجديده بتعديل الألوان والأشكال بشكل يحسن من جودة التصميم.

3. الذكاء الاصطناعي في تصميم الأزياء:

تصميم الأزياء من المجالات التي تحظى باهتمام كبير، وفيه يُركَّز على المظهر وعلى الجودة في الوقت ذاته، وأيضاً يمكن الاعتماد على تحليل البيانات في تحسين التصاميم والاعتماد على تقنية الاستنتاج التلقائي واستخدام كثير من الصور المختلفة والألوان؛ وذلك لتوليد تصاميم جديدة.

يمكن الاستفادة من التعلم العميق في تحليل تلك الصور والألوان وتحليل الاتجاهات في عالم الأزياء والموضة الحالية؛ وذلك لتعديل التصاميم القديمة وجعلها متلائمة مع الموضة الحالية، فيساعد الذكاء الاصطناعي على تصميم الأزياء وتعديل الأزياء القديمة أيضاً وبسرعة وإتقان يشابه إتقان المصممين من البشر.

4. الذكاء الاصطناعي في تصميم المواقع الإلكترونية:

يسهِّل الذكاء الاصطناعي تجربة المستخدمين، فيمكن الاستفادة من تقنيات التعلم الآلي والتحليل الإحصائي لتطوير تصميم المواقع الإلكترونية تطوراً يتماشى مع آراء وتفضيلات المستهلكين لتكون تجربتهم مع الموقع مُرضية أكثر.

كما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم المحتوى الأنسب للمستخدمين بالاعتماد على تحليل البيانات، وأيضاً تحسين ترتيب الصفحات في محركات البحث؛ وذلك لجعل الموقع أكثر وصولاً إلى المستخدمين، ويساهم أيضاً في حماية الموقع من الهجمات الإلكترونية، وهذا يزيد من حماية الموقع.

5. الذكاء الاصطناعي في تصميم الرسوم المتحركة والأفلام القصيرة:

تساعد التقنيات المتطورة للذكاء الاصطناعي على إنتاج الرسوم المتحركة والأفلام القصيرة بجودة عالية ودقة وسرعة أيضاً؛ وذلك من خلال تحليل البيانات، واستخدام النتائج في تحسين الجودة، واستخدام مجموعة من الصور المختلفة والأنماط المتعددة، وتدريب النمذجة العصبية على توليد أفلام قصيرة ورسوم متحركة جديدة؛ وذلك باستخدامها بعد تحليل الأشكال والألوان والأنماط، كما أنَّ الأفلام القصيرة والرسوم المتحركة المُنتَجة تكون متماشية مع الاتجاهات الحالية في هذا المجال ورغبة وآراء المشاهدين لتكون جذابة ولافتة وتحقق النجاح.

6. الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والإحصاءات:

تؤدي النظم الذكية للذكاء الاصطناعي دوراً هاماً في تحليل البيانات والإحصاءات التي تتعلق بالتصاميم والفنون؛ وذلك لتقديم أفضل شكل للفنون أيضاً بالاعتماد على التعلم العميق والاستنتاج التلقائي وتحليل الاتجاهات، الذي يفيد في تحليل سلوك المستخدمين وتفضيلاتهم؛ وذلك لإعطاء تصاميم تتماشى مع رغبات المستهلكين واحتياجاتهم.

7. الذكاء الاصطناعي في تحليل الأعمال الفنية القديمة والجديدة:

يساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل الأعمال القديمة؛ وذلك من خلال تحليل تاريخ الفن والتعرف إلى التغيرات والفترات الزمنية الهامة التي مر بها، ويعطي المعلومات التي تحسِّن فهمنا للتاريخ الفني والثقافي للأعمال الفنية القديمة، كما يعطينا أفضل الطرائق التي تساهم في الحفاظ عليها، أما بالنسبة إلى الأعمال الفنية الحديثة، فأيضاً تقنيات التحليل تساهم في فهمنا للاتجاهات، وتقدِّم أفضل الحلول التصميمية لتتماشى مع رغبات الجمهور.

إقرأ أيضاً: فان غوخ المبدع المجنون

تحديات الذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون:

الأثر الذي يتركه الذكاء الاصطناعي في مجال الفنون والتصميم عظيم جداً، ولكن تواجهه تحديات في هذا المجال، وأبرزها ما يأتي:

1. فهم الجمال والإبداع:

يختلف مفهوم الجمال والإبداع من شخص إلى آخر، ولا يمكن ترجمته أو برمجته بسهولة في برامج الذكاء الاصطناعي، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب فهم جمال عمل فني، ومن الصعب إنتاج أعمال فنية مميزة وتحمل طابع الإبداع مهما كانت المهارة في التصميم عالية.

2. التكرار:

قد يقع الذكاء الاصطناعي في فخ التكرار في التصاميم، فيعطي رسومات وأشكالاً متشابهة وربما متطابقة، وهذا الأمر يتسبب في نشوب خلافات بين الشركات المنتجة التي يسعى كل منها إلى الحصول على تصميم فريد يميز منتجها.

3. وجود بيانات:

كما تحدَّثنا آنفاً عن النمذجة فإنَّ التدريب يتم بناءً على إدخال كثير من البيانات الفنية لتحليلها وتوليد تصاميم جديدة أو معدلة، ولكن في حال عدم توفر كثير من البيانات، يصبح العمل أقل إبداعاً، ومن ثم يبتعد التصميم عن التميز.

4. القدرة على التكيُّف:

يتطور مجال الفن باستمرار، ويحتاج الذكاء الاصطناعي إلى تعلُّم مستمر لتلبية احتياجات المستخدمين المتغيرة بمرور الزمن؛ لذا يجب التركيز على هذه النقطة كثيراً ليبقى قادراً على جذب المستهلكين بنفس القوة السابقة، ويؤكد المختصون أنَّ الذكاء الاصطناعي يستطيع تعلُّم الأساليب الفنية الجديدة؛ وذلك من خلال التدرب على الأعمال التي تستخدم هذا الأسلوب وأيضاً يمكنه تحديد الاتجاهات الفنية الحالية والمستقبلية، وهذا يؤدي دوراً هاماً في تطوير المجال الفني باستمرار.

إقرأ أيضاً: التكيف مع التغيير: ما أهميته؟ وكيف نطبقه؟

هل يمكن الاستغناء عن الفنان والاكتفاء بالذكاء الاصطناعي في مجال التصميم والفنون؟

يراود هذا السؤال الفنانون والمهتمون بمجال التصميم والفنون بكثرة؛ وذلك لأنَّ الذكاء الاصطناعي يهدد كثيراً من أصحاب المهن والوظائف في مختلف المجالات، ولكن في مجال التصميم والفنون فلا يمكن الاستغناء عن الفنان والاكتفاء بالذكاء الاصطناعي مهما بلغ تطور التقنيات المستخدمة؛ وذلك لأنَّ الفن بمختلف تخصصاته يحتاج إلى حس فني ومهارة تحليلية وإبداعية قد لا يتمكن الذكاء الاصطناعي من التمتع بها أبداً، فالفنان مميز بمشاعره وأحاسيسه ونظرته للحياة التي يقوم بترجمتها على شكل قطع فنية مميزة.

لذلك يمكن عد التقنيات الذكية أداة مساعدة للفنان تساعد على تحسين الإنتاج، وتعطيه الأفكار والأنماط التي يمكن استخدامها في العمل الفني الذي يعمل عليه، وتعرِّفه إلى الاتجاهات الحالية للموضة، وتوضح رغبات وحاجات المستهلكين لتلهمهم وتساعدهم على الإبداع والابتكار والوصول إلى أفضل النتائج.

شاهد بالفيديو: وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها:

سلبيات دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم الفنون والتصميم:

الإيجابيات كثيرة كما ذكرنا آنفاً، ولكن بالرغم من ذلك توجد بعض الجوانب السلبية التي علينا ذكرها، وأبرزها ما يأتي:

1. فقدان الإبداع البشري:

يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي من قبل المصممين إلى فقدان الطابع البشري الذي يُظهِر التفاعل بين الإنسان والفن.

2. انعدام الشخصية:

ينتج انعدام الشخصية عن تكرار الأنماط وإنتاج أعمال متشابهة بعيدة عن التميز والتفرد.

3. تهديد الوظائف:

يحتاج المصمم إلى مساعدين في عملهم، وبعض الوظائف تحتاج إلى مصمم بقدرات بسيطة؛ فيمكن استبدال هؤلاء الموظفين بتقنيات الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

إقرأ أيضاً: اجتياح الذكاء الاصطناعي

في الختام:

دخل الذكاء الاصطناعي بقوة إلى كثير من المجالات، ومن المتوقع مستقبلاً وجوده في مختلف مجالات الحياة وبقوة تجعل كثيراً من المديرين يستبدلون موظفيهم بتقنياته، ومن تلك المجالات مجال التصميم والفنون الذي يعد من المجالات الهامة؛ وذلك لأنَّه متعلق بتصميم المباني والمنتجات والأزياء والموسيقى والأفلام وما شابه ذلك.

دور الذكاء الاصطناعي في مجالات التصميم والفنون هام جداً، فيمكن استخدامه لتصميم الأشكال والأجسام ثلاثية الأبعاد بسرعة ودقة، وتصميم الشعارات والرموز وتصميم الأزياء بعد تحديد الاتجاهات الحالية للموضة، وأيضاً تصميم المواقع الإلكترونية بناءً على معرفة وتحليل آراء واحتياجات المستخدمين؛ وذلك لتحسين تجربة المستخدم لزيادة التفاعل، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الرسوم المتحركة والأفلام القصيرة بالاعتماد على التعلم العميق والاستنتاج التلقائي.

لكن يواجه الذكاء الاصطناعي بعض التحديات مثل التكرار وصعوبة برمجة الجمال والإبداع، فيُنتِج أعمالاً فنية متشابهة ولا تحمل الطابع الإبداعي في كثير من الأحيان؛ لذلك مهما بلغ التطور والتقدم فلا يمكن الاستغناء عن الفنان والاكتفاء بالذكاء الاصطناعي؛ بل يمكن عده أداة مساعدة للفنان فقط.




مقالات مرتبطة